بدر مراد: لرمضان صورة في حياتي لم تفارقني حتى اليوم
لرمضان صورة في خيالي لم تفارقني حتى اليوم، وأستحضرها في كل رمضان. لقد نشأت يتيم الأب وكانت أمي هي العالم كله، وقد كان عمري سبع سنوات عندما بدأت أمي تلِّح عليّ بالصيام، أماً محافظة وربّتني تربية فيها شيء من الصرامة، “صلّ يا ولد وصمّ باكر رمضان” سأوقظك فجرا كي تتسحر وتقوم إلى نهارك صائما”.
بهذا التذكار الطفولي، تحدث الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي بدر عباس مراد لـ”الاتحاد” ضمن حلقاتها التي يتحدث فيها مبدعو الإمارات عن ذاكرتهم مع هذا الشهر الفضيل.
ويضيف “أقوم في الرابعة فجرا أو “قرب الأذان” فيما تعدّ أمي السحور حارّا ثم توقظني لتقول لي: إنهض “ما باقي على الأذان شَيْ”، وكنت أتذكر أنني فيما أتناول سحوري كان يأتي الأذان فتقول: “أكمل سحورك، عندما تصحو تذهب إلى مدرستك صائما” كانت هذه الحادثة التي لا أنساها هي أول رمضان صمته في حياتي رغم أن صومي لم يكن ذاك الصوم، إذ بعد أن ينتصف النهار أكون قد أكلت “نص الدنيا”، لكن تجربة الصحو المبكر من عزّ النوم وإصرار الوالدة على تقوية الوازع الديني، ترك أثرا قويا في نفسي”.
ويتذكر قائلا “أتدري؟ هل تتخيل أنني ما أزال حتى الآن أشتم تلك الرائحة، رائحة الوالدة وهي تلح عليّ بالنهوض من النوم، فما يرى الصغير أو ما يتلمسه بالشم أو السمع أو البصر ينطبع في ذاكرته إلى الأبد، رائحة الخشب الذي يحترق أيضا، ورائحة النار ورائحة الأكل الذي تأكله وأنت جائع”.
ويضيف “كنا في رمضان أسعد الأطفال، حقيقةً، على الرغم من أن حياتنا كانت بسيطة. كان بيتنا عبارة عن كوخ من العريش وعبارة عن حجرة واحدة فيها كل ما هو موجود في أي بيت مكتمل. وكانت لنا مواسم في رمضان، لم أكن وحدي مع أمي لكن واتتنا ظروف، فعاش إخوتي في بيت جدتهم وبقيت أنا مع الوالدة وحدنا في الكوخ، ربما لأنني كنت أكثر ارتباطا بها من بين أخوتي ولا أعرف لماذا تمسكت هي بي أيضا رغم أنني الأوسط، لكن ظروف الحياة آنذاك لم تكن تسمح لنا أن نعيش معا في ذلك المكان الضيق”.
ثم جاءت فترة اضطررنا خلالها إلى الانتقال من عجمان إلى الكويت في العام 1965 طلبا للرزق، وهناك التقيت بمجتمع آخر وأنا لا أزال في السابعة، ثمة اختلاف في بعض من العادات، فاستغرق مني الأمر وقتا حتى أدركت ألعاب الأطفال من جيلي ثم اندمجت معهم، وكان رمضان هناك من أجمل أيام حياتي، فقد كان بالنسبة لنا لعبا، فبعد الإفطار نزاول لعبة نسميها هنا “عظيم سرا”، فنجتمع فريقا من الأطفال وقد أغمضنا أعيننا فيرمي أحد الأطفال العظمة ثم يصيح: “عظيم سرا” فنتوقع مكان السقوط عبر سماع ارتطام العظمة بالرمل والذي يعثر عليها يكون هو الفائز وهو الذي سيرمي العظمة مرة أخرى، ثم يبدأ البحث مرة أخرى فإن لم يعثروا عليها، يذهب هو لجلبها، ليرمي بها مرة أخرى.. وهلم جرا، وهي تمارَس في رمضان فقط لأن فيها أنس وسهر، ثم نعود إلى البيت لننام ونصحو وقت السحور”.
وعن ما يسمى هنا بليلة المنتصف من شعبان التي هي “حق الليلة” أوضح بدر عباس مراد أنه يتم الاحتفال بها في الكويت في منتصف رمضان حيث تسمى “ليلة القرقعان” و”يا سلام إن جاء القرقعان في منتصف رمضان، حيث يحمل كل منا بعد الإفطار كيسا، أولادا وبنات معا، ونمضي فيما نهزج:
“عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
مكة َ المعمورة
يَ ام الذهب والسلاسل يا نورة”
فيخرج ربّ البيت، ويعطينا من الحلوى التي لا تصنع إلا في رمضان وقد أعدها الناس لهذه الليلة، فيعود كل منا بكيسه الممتلئ من حلويات ومكسرات، فكان يواتينا أحيانا عسر الهضم أو تسمم من هذا الخليط العجيب من الحلويات، لكن كنا مستمتعين بذلك كثيرا”.
ويضيف “تاتي تلك السعادة من أننا لم نكن نفكر بالمستقبل، فكان همّنا فقط اللهو والاستمتاع بهذه الليالي المباركة، ويضاف إلى ذلك تلك القصص والأعاجيب التي كنا نستمع إليها في المجالس الرمضانية، وكان مجلس العائلة من الرجال والنساء قرابة العشرين شخصا، وسواء كانت عن الغوص أو عن مغامرات البدو كانت تمنح البهجة وفيها التربية المبطنة لنا نحن الصغار، عن الكرم والشجاعة بالإضافة إلى حبّ المغامرة التي لم نستوعب درسها آنذاك بل فيما بعد بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي الذي كان متدنيا، لكنها خلقت منا شيئا، فلقد تقلدنا مناصب عالية، ورغم أنني متقاعد إلا اني لم أكف عن العمل، وها انا أكمل رسالتي عبر جيل من المصورين الذين أفخر بهم وهم ينجحون، حيث اقوم منذ سنوات بتقديم دورات تدريبية تأسيسية ومتقدمة لهم في مجال التصوير الضوئي بالتعاون مع جمعية الإمارات للفنون التشكيلية”.
ثم تحدث كثيرا عن بعض الذكريات الجميلة، لكن الذكرى الأكثر وضوحا في ذاكرة بدر عباس مراد هي عندما علّق أستاذ التربية الفنية إحدى رسوماته على الحائط أمام زملائه لأسبوع، وختم بالقول عن ذلك: أعتقد أن تلك الحادثة قد خلقت مني فنانا".
[gdwl]والآن هل تذكرون صورة لم تفارق حياتكم إلى الآن في رمضان؟[/gdwl]