المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نشأت السيدة نفيسة في جو يسوده العلم والورع والتقوى، وفي وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد… فقرأت القرءان وحفظته، ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها. وكانت رضي الله عنها مُجابة الدعوة، أظمأت نهارها بالصيام، وأقامت ليلها بالقيام ، عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به، وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.
الموضوع :
من هي؟
هي السيدة نفيسة بنت أبي محمد الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن الإمام علي كرم الله وجهه. فهي من دوحة النبوة التي طابت فرعًا، وزكت أصلا.
أمها فهي أم ولد، وأما إخوتها فأمهم أم سلمة بنت زينب بنت الحسن بن الحسن بن الإمام علي كرم الله وجهه، وليس ذلك بضائرها أو مما ينقص من قدرها.
ولو نظرنا قديمًا لوجدنا أن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام قد تسرّى بهاجر فولدت له نبي الله إسماعيل عليه السلام، فكان من نسله الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وأيضًا تسرّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية فولدت إبراهيم.
كانت السيدة نفيسة عفيفة النفس، فما عُرف عنها أنها مدّت يدها لمخلوق، وكانت تنفق على نفسها وأهل بيتها من مالها أو مال زوجها، أو ما يأتيها مما تغزله بيدها.
وقد قيّض الله تبارك وتعالى لها أن تجتمع بفحول العلماء وأئمة الفقهاء، وشيوخ الزهّاد والعبّاد أمثال بشر بن الحارث المعروف بالحافي، وإمام أهل السنة الورِع أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي، والإمام مالك وعبد الله بن الحكم، وأبي سعيد سحنون بن سعيد الفقيه المالكي والربيع بن سليمان المرادي من أصحاب الشافعي، والربيع الجيزي وغيرهم كثير.
مولدها:
كان من عادة الحسن الأنور والد السيدة نفيسة الجلوس في البيت الحرام، وذلك لكي يعطي للناس دروس العلم، ويناقشهم في أمور الفقه، ويتدارسون علوم القرءان.
وفي يوم، وهو على هذه الحال، أقبلت جارية لتزف إليه البشرى وتقول له: أبشر يا سيدي… فقد وُلدت لك الليلة مولودة جميلة، لم نرَ أحسن منها وجهًا، ولا أضوأ منها جبينًا، يتلألأ النور من ثغرها، ويشعّ من محيّاها.
فلما سمع الحسن الأنور هذه البشرى، فرح، وخرّ ساجدًا لله، شكرًا على ما وهبه من نعمة، وحمدًا لاستجابة دعائه. ثم أقبل على الجارية فأجزل لها العطاء ، ثم قال لها: مري أهل البيت فليسمّوها "نفيسة"، فسوف تكون إن شاء الله تعالى "نفيسة".
وُلدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية، وقد فرحت أمها بمولودتها، ومما زاد في سرور الحسن الأنور أنها قريبة الشبه بأخته السيدة نفيسة بنت زيد رضي الله عنها، وهي التي تزوج بها الخليفة الوليد بن عبد الملك.
ولما سمع الحاضرون من صفوة الأخيار وصالحي المريدين نبأ ولادة مولودة للحسن الأنور، قاموا وهنئوه بتحقيق أمله، واستجابة دعائه… فشكر لهم… ثم رفع يديه إلى السماء، وبسط كفيه بالدعاء والرجاء قائلا: "اللهم انبتها نباتًا حسنًا، وتقبلها قبولا حسنًا طيبًا، واجعلها من عبادك الصالحين، وأوليائك المقرّبين الذين تحبهم، ويحبونك.
اللهم اجعلها معدن الفضل، ومنبع الخير، ومصدر البرّ، ومشرق الهداية والنور، اللهم اجعلها نفيسة العلم، عظيمة الحلم، جليلة القدر، قوية الدين، كاملة اليقين".
وعند البشرى أيضًا بمولد السيدة نفيسة قدم رسول الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وترجّل عن فرسه، ثم دخل المسجد الحرام، وشقّ الصفوف حتى وصل إلى الحسن الأنور، ثم أخرج من جعبته كتابًا، ورفع إليه مع هذا الكتاب هدية الخلافة وكانت عبارة عن كيس كبير يحتوي على عشرين ألف دينار. وكان الكتاب يفوح منه رائحة المسك والعطر والطيب، ففتحه الشيخ، وقرأه في تؤدة وأناة.
وكان القوم يسمعون وهم خائفون على كبير أهل البيت، وعظيم بني هاشم أن يمسّه من الخليفة سوء، أو يناله منه مكروه، ولكنهم لم يبرحوا حتى شاهدوا الحسن الأنور يبكي، فازدادوا قلقًا وخيفة عليه، فسألوه عن فحوى كتاب الخليفة، فقال لهم وهو يبكي، متهيبًا الموقف لعظيم الأمانة التي تُلقى على عاتقه: "لقد وُلّيت المدينة المنورة واختارني الخليفة أميرًا عليها " … فتهلل وجههم بالبشر، واستضاء جباههم بالفرح والسرور، وقالوا له: هنيئًا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل مثلك، يقيم فيها لواء العدل، وينشر فيها راية الحق، ويبثّ في جنباتها وبين ربوعها الأمن والطمأنينة والسلام والإنصاف… هنيئًا لأهلها أن يظفروا بذلك كله على يد ابن بار من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفّذ الأحكام ويقيم الحدود، ويُحيي السنن، ويُجدّد معالم الدين الحنيف.
فدع عنك التردد… فلعلك تجد مظلومًا تُنصفه، أو ملهوفًا تُغيثه، أو أسيرًا تفكّه، أو شريدًا طريدًا تحميه وتؤويه، فلما سمع الحسن الأنور منهم هذا القول سرّي عنهم وقال لهم: "إذا كانت تلك الإمارة نعمة من الله علينا وعلى الناس كانت تلك الوليدة بشيرها – يقصد السيدة نفيسة – وإذا كانت الإمارة كرامة لنا فإن الوليدة الجديدة رسولها".
نشأتها
نشأت السيدة نفيسة نشأة شريفة، فبعد أن درجت بمكة تحوطها العزة والكرامة، اصطحبها أبوها وهي في الخامسة من عمرها إلى المدينة، وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها، فحفظت القرءان، ولقّنها حديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وسمعت سيرة الصالحين، وصفات المتقين، ولم يقتصر في تربيتها على الحفظ والرواية، والدراسة والتلقين، بل حرص أن يجمع في تربيتها بين القول والعمل.
فكان يشاركها معه في نسكته وعبادته، ويُقرئها معه أوراده، وكثيرًا ما كان يصحبها إلى المسجد النبوي لتشهد جماعة المسلمين، ولتنظر بعينها إلى مواكب الأخيار، ووفود الأبرار وهم يترددون بشوق على مسجد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وقد بارك الله لها في طفولتها، فلم تبلغ الثامنة من عمرها حتى فرغت من حفظ كتاب الله تعالى، وشيئًا غير قليل من السنّة النبوية وكانت لا تفارق أباها في حلّه وترحاله، فكان لها قدوة حسنة وأسوة صالحة.
فأشرق صدرها بنور الإيمان، وخالطت نفسها حلاوة الطاعة. وكثيرًا ما كانت تدعو الله وهي صغيرة قائلة: اللهم حُلّ بين قلبي وبين كل ما يشغلني عنك وحبّب إليّ كل ما يقرّبني منك، ويسّر لي الطريق لطاعتك، واجعلني من أهل ولايتك، فإنك المرجو في الشدائد، المقصود في النوائب والملمّات.
ومن بين الذين التقت بهم السيدة نفيسة في المدينة الإمام مالك رضي الله عنه الذي كان حديث الفقهاء والمسلمين بكتابه "الموطأ" وفقهه الذي انتشر في الأمصار.
وكان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة من أرفع العلماء قدرًا، وأكثرهم ورعاً، وأصحهم حديثًا، وأقرأهم لكتاب الله رضي الله عنه.
وكانت تجتمع في بيت أبيها الحسن بصفوة العلماء وخلاصة الفقهاء، وفحول الشعراء وكبار الأدباء، فكانت تستمع إليهم وتروي عنهم، تأخذ من أقوالهم وتحفظ من حكمتهم ما يغذّي عقلها المتفتح، ويضيء نفسها الزكية. فكانت صاحبة عقل راجح، وهمّة عالية، وعزيمة صادقة، وفكرة سليمة، ونشاط متجدد.
فضائلها:
كانت عابدة، صالحة زاهدة ورعة عاملة، فالعمل هومحل الصدق ومقياس الإخلاص واليقين. وهذا ما يتميز به الدعاة الربانيين الذين يؤثرونفي الناس بالعمل قبل القول فتكون الثمرة لدعوتهم واضحة.
عرفت بكثرة البكاء وقيامالليل وصيام النهار وأكلها كان في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ولا تقبل طعاماً من أحدبل تأكل من كسب زوجها فقط وهذا شأن الداعي والداعية العفيفة الأبية النفس، والداعيةالفقيهة حجت ثلاثين مرة في وقت كانت المخاطر التي يتعرض لها الحجاج شديدة من نهبومشقة ووحوش في الصحراء، وكانت تتعلق بأستار الكعبة قائلة "إلهي وسيدي ومولاي متعنيوفرحني برضاك عني".
روي أنها كانت تجود بما عندها وتؤثر غيرها فتداوي المرضيوتخدمهم ، وذكر أهل العلم أنها أحسنت إلى الإمام الشافعي حينما ورد إلى الديارالمصرية وزارها من وراء حجاب طالباً الدعاء وقد طلب منها بشر الحافي وابن حنبل أنتدعو لهما فقالت: اللهم إن بشرًا بن الحارث الحافي وأحمد بن حنبل يستجيران بك منالنار فأجرهما يا أرحم الراحمين .
وإذا كان بشر قمة الورع وابن حنبل قمة التقوىوالعلم والصرامة في الحق ، يطلبان الدعاء بالخير لنفسيهما ، فأولي بالدعاة إلى اللهوغيرهم أن يغتنموا فرصة اللقاء بالصالحين ويطلبوا منهم الدعاء والتوفيق من اللهوالقبول والإخلاص طمعاً في اجتياز عقبات الدنيا التي لا يقطعها إلاالفائزون.
علمها وتلامذتها .. رضي الله عنها:
لقد حفظتالقرآن الكريم وتفسيره وكان ثقة وحجة في الرواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى قصدها العلماء يبتغون عندها العلم النافع وعلى رأس هؤلاء الشافعي رحمه الله : أحد الأئمة المشهورين صاحب المذهب في الأحكام الفقهية الذي سمع منها الحديث النبويالشريف،والعلم وهو العدة والسلاح الذي لا مفر منه لكل من يسير على طريق الدعوةمتأسياً بهؤلاء الأعلام وهو بمثابة السيف والرمح في ميدان الجهاد. وهذا هو سبيلالنبي – صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله على بصيرة ونوروضياء
شجاعتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:¬
لقد ورثت السيدةنفيسة رضي الله عنها عن جدها على بن أبي طالب -كرم الله وجهه- الجرأة والشجاعة وعدمالخوف إلا من الله . مهما كان الجبروت والبطش والطغيان ، مراعية أدب النصيحة وحسنالقول وأدب مخاطبة السلاطين وذوي الهيبة إذا احتاج الأمر ولم تخش في الحق لومة لائمولم تعبأ بالعواقب التى قد تصير إليها الأمور ، فهدفها (ليكن الحق عالياً وليكن بعدذلك ما يكون ....) .
قيل لما ظلم أحمد بن طولون واستغاث الناس من ظلمه بالسيدةنفيسة يشكونه إليها : فقالت سائلة متى يخرج موكب الأمير؟ ، ثم كتبت رسالة ووقفت بهافي طريقه ونادته فنزل عن فرسه لما عرفها وأخذ الرسالة ثم قرأ فيها: "ملكتم فأسرتم،وقدرتم فقهرتم وحملتم أمانة الحكم فظلمتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقدعلمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموهاوأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبق الظالم. اعملوا ما شئتم فإنا صابرون،وجوروا فإنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون"، ﴿وَسَيَعْلَمْالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227). فعدللوقته عن ظلمه.
وهذا أسلوب أهل العلم والفقه والحكمة في الدعوة للحق فقد وجهتالراعي إلى العدل والحق وذكرته بالله والورود بين يديه ، كما وجهت الرعية إلىالدعاء بالأسحار واللجوء إلى الله عند الشدة والتحلي بالصبر حتى يقض الله أمرًا كانمفعولاً وهذا هو مسلك العلماء والدعاة الربانيين الذين لا يريدون إلاالإصلاح.
حب الناس لها:
كان أهل مصر الذين عايشوها ورأوا فيهامكارم الأخلاق وهي سليلة الطهر والعفاف ومحاسن الأخلاق التى تحلى بها أهل البيتوالنبوة يحبونها حباً شديداً وقد تعاطفوا معها بعد حادث كربلاء وما أصاب آل البيتفي محنتهم الشديدة وتحركت عواطفهم بالمواساة والاحترام لآل البيت ، وأصبح لحبهموتقديرهم في قلوب الناس رصيداً كبيراً .
حسن خاتمتها:
بعد أنأقامت بمصر سبع سنوات، وكان الموت لا يغادر لحظة فكرها حفرت قبرها بيدها في بيتهاوكانت تنزله وقرأت فيه القرآن مائة وتسعين مرة وتبكي بكاءً عظيماً حتى احتضرت سنةثمانية ومائتين للهجرة وهي صائمة وآخر آية قرأتها قول الله تعالي ﴿َلهُمْ دَارُالسَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:127) وغشي عليها ثم أفاقت وشهدت شهادة الحق ، ثم قبضت إلى رحمة الله ،ودفنت في البيت الذي كانت تسكنه بمصر وسلام الله عليها والمسلمينأجمعين.
الخاتمة:
رضي الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارين. اللهم أمّدنا بأمدادها واجمعنا بها في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا والحمد لله رب العالمين.
صورة لمسجد السيدة نفيسة في مصر عام 1314 هـ \ 1879م
صورة لمسجد السيدة نفيسة في مصر عام 1427 هـ \ 2006م
المراجع والمصادر:
http://www.sunna.info/Lessons/islam_1283.html
quran.maktoob.com
كتاب: رائدات في الاسلام _ محمد بك الخضري _1978
وزارة التربية والتعليم
منطقة التعليمية
مدرسة الثانوية
2008-2009
الاسم :
الصف :
مقدم للم