أصـبح الـسفح مـلعبا للنسور فاغضبي يا ذرا الجبال iiوثوري
إن لـلجرح صـيحة فـابعثيها فـي سـماع الدنى فحيح سعير
واطـرحي الكبرياء شلوا مدمى تـحت أقـدام دهـرك iiالسكير
لملمي يا ذرا الجبال بقايا النسر وارمـي بـها صدور iiالعصور
إنـه لـم يعد يكحل جفن النجم تـيـها بـريـشة iiالـمـنثور
هـجر الوكر ذاهلا وعلى عينيه شـيء مـن الـوداع الأخـير
تـاركا خـلفه مـواكب سحب تـتهاوى مـن افـقها iiالمسحور
كـم اكـبت عـليه وهي تندي فـوقه قـبلة الضحى iiالمخمور
هـبط السفح طاويا من جناحيه عـلـى كـل مطمح iiمـقبور
فـتبارت عصائب الطير ما بين شــرود مـن الأذى iiونـفور
لا تـطيري جوابة السفح فالنسر إذا مـا خـبرته لـم iiتـطيري
نـسل الـوهن مـخلبيه وأدمت مـنـكبيه عـواصف الـمقدور
والـوقار الـذي يـشيع عـليه فضلة الإرث من سحيق الدهور
وقـف الـنسر جـائعا يـتلوى فـوق شـلو على الرمال iiنثير
وعـجـاف البغاث تـدفعه بالمخلب الغض والجناح iiالقصير
فـسرت فـيه رعشة من جنون الـكبر واهـتز هـزة iiالمقرور
ومضى ساحبا على الأفق الأغبر أنـقـاض هـيـكل iiمـنخور
وإذا مـا أتـى الغياهب واجتاز مـدى الـظن من ضمير iiالأثير
جـلجلت منه زعقة نشت الآفاق حـرى مـن وهجها iiالمستطير
وهوى جثة على الذروة الشماء فـي حـضن وهجها iiالمستطير
أيـها النسر هل أعود كم عدت أم الـسفح قـد أمـات iiشعوري







عمر أبو ريشة:
و هو من شعراء العلم العربي المجددين في ألفاظهم و صورهم ،دون التجديد بأوزانهم و بحورهم ،فحافظ على البحور الخليلية ،فجاء شعره رائعاً في تصويره ،رائعاً في معانيه الي طرقها.
هو : عمر بن شافع أبو ريشة .
ولد في منبج سنة1908)م ( في سوريا ) وهي بلد البحتري ودوقلة وأبي فراس الحمداني .
وقد انتقل به والده إلى حلب صغيراً فالتحق بالمدرسة الابتدائية فيها ،حتى ألحقه والده بالجامعة الامريكية ببيروت سنة (1924)م .
وفي هذا السن بدأ الفتى ينظم الشعر ، ويشارك في أحداث الأمة حوله .
وقد تأثر بشعراء المهجر فأخذ أساليبهم وقوافيهم ، فأكثر من ألفاظ الحزن على لسانه ، وترددت في شعره ، ومنها: "السعير واللظى" ، "وتباريح الهوى" ،"وبحور التعس".
وكثرت ألفاظ الاعتزار والفخر والعنفوان والإباء في ثنايا قصائده .
ثم درس الانكليزية والكمياء في جامعات انكلترا ،وعاد منها عام1932)م ، ولم يرجع إليها للدراسة بعد وإنما عمل في سبيل الكفاح الوطني ، حتى اختير بعد عشرين عاماً سفيراً لدولته يتنقل في امريكا والنمسا والهند وغيرها من البلاد ، إلى أن توفي قبل سنوات معدودة .
شعره وشاعريته :
قال مبيناًَ منهجه في كلام له حيث يقول :
( هناك .أدوار متباينة النزعات مرت علي ، وتركت في حياتي الأدبية أثرها العميق ، أحببت أول نشأتي شعر البحتري وأبي تمام وشوقي وأضرابهم ...و تحت تأثير هذا الرأي أخذت أنظم .
ثم بعد زمن سئمت هذا الشعر ، وهذه الزمرة من الشعراء فعدت أبحث في كتب الأدب عليَّ أجد ما أروي من ظمئي ، فعثرت على شعر جيد مبعثر هنا وهناك كأبيات لعبدة بن الطبيب وابن زريق البغدادي وغيرهما من فحول الشعراء .
ثم ساعدني الحظ فسافرت إلى انكترا لإتمام دراستي، فشغفت بشعراء كثر كشكسبير وشلبي و كتيس وبودلير.0. )
فهذا الكلام يحكي لنا تنازع المذاهب له، ولكنه استفاد من قراءته للأدب القديم حلاوة العبارة وجمال التراكيب مما جعل شعره غنائياً في أكثر صوره ، سواء العمودي منه أو المرسل القوافي .
كذلك جاء بمادة وصور حية اشعره خلدها على مر الأزمان ، عن طريق التشخيص والتجسيد والتجسيم .
فلم يكن عمر يسعى وراء الألفاظ بقدر ما كان يسعى وراء الصور، فلما نظم قصيدة في ذكرى حافظ، يرسم الأديب البائس .كهزار، قد أوحشته مغانيه، وعاثت كف الأذى به ، فناح في وكره وحيداً، يرسل الصرخة الحزينة في الشعر، ويلتمس السبيل ليرى زميله شوقي يروح ويغدو فرحاً فقال:
ورأى إلفه يروح ويغدو * ويبث الأطيار عذب صداحه
فبكى لوعة فعاجله النز * ع، فلف المنقار تحت جناحه
وكذلك عمد عمر إلى الرمز والصورة يرسم بؤس حافظ ونعيم شوقي فمثل لهما بطائرين سعد أحدهما وشقي الآخر .
وهكذا كل صورة فيها هذا التجسيد والتشخيص .
وهكذا انطلق من منبج على بساط القرن العشرين ، بجناحين من عروبة وكرامة وعزة وشاعرية وعنفوان وذكاء ، يطير بهما من أفق إلى أفق ، فتعلق بشعره بأنواع ثلاثة هي :"الطبيعة الفاتنة والمرأة الخالدة والوطن المقدس ".
شعر النضا
ترجمة :عمر أبو ريشة تقدمت في تلأريخ الأدب:
تحليل :قصيدة نـسـر:لعمر أبي ريشه ()
القصيدة له على قافية الراء المكسورة المطلقة ، وهي من بحر الخفيف ( فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن ) ، ومن عروضه الأولى الصحيحة ، والضرب مثلها ، وهو بحر غنائي ، وقافيته تنبئ عن الحسرة التي في قلبه فهي راء مكسورة تخرج الهواء معها منساباً.
وأفكارها تدور حول بكائه على أمل أمته ، بعد أن كانت الأمل المرجو ، حين كانت قوية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى .وقد استحالت حالها إلى هذا الوضع المزري الّذي شبهه بصورة النسر الكسير ، الّذي تجرأ عليه كل شيء من حوله ، لاحول له ولا طول .
وقد عبر عنه بهذه الصورة الرمزية بهذا النسر الجائع ، وحوله البغات تسخر منه ، فإذا به ينهض إلى السماء ، ويعود جثة هامدة .
والرمز في النسر يحتمل عدة معان ، فبعضهم جعله رمزاً للشاعر نفسه ، حيث كان يطمح إلى مكانة عالية في أمته ، لكنه يرى الآن من حوله تسلطوا عليه وتسلموا المراتب دونه ، فحق له أن ينتحر ويترك المكان لهم وحدهم .
انظر : الشعراء .. د/ سامي الدهان.( 307-361).
وقد يقصد بالرمز:" العربي" في كبريائه وعظمته ، والآن وقد تخلى عن هذه القومية لمتابعته الغرب في كل شيء .
ل عنده :
لقد رثى الأبطال والشهداء ، وخلدهم في قصائد مشهورة أشهرها قصيدته في رثاء "إبراهيم هناتو" أحد قادات الشعب ، ورثى "سعد الجابري "نديده-نديد هناتو- في الجهاد .
كما بكى على دمشق حين احتلال الفرنسيين لها،كما تحسر على أمته وضياع آماله.
كما عبر عن أمته بالنسر حين فقدت القوة بعد أن كانت لاتحوم حول السفح وهو ما سندرسه في النصوص الأدبية فيما بعد .
كما لاينسى فلسطين واليهود يعبثون بها منذ سنة" (1935)م
كما لاننسى أنه صور البطولات القديمة المقدسة مثل بطولة النبي r وبطولة خالد ابن الوليد ، وهما من ملحمته الكبرى
=======
و له قصيدة من عيون قصائدة تعرف بالنسر ،و هذا هو تحليلها، مع عدم المؤاخذة :
إيليا الحاوي 160 ( عمر أبو ريشة - الشعر العربي المعاصر .
1- أصبح السفح ملعباً للنسور * فاغضبي يا ذرى الجبال وثوري
فالشاعر يتحسر على أن سفح الجبل وهو المكان أسفل الجبل ، وقد غدا ملعباً للنسور ، التي لم تكن تألفه من قبل ، حيث مكانها في عاليات الذرى وقمم الجبال .
وهنا ينبغي أن تغضب قمم الجبال العالية على تركه مسارحها ، وأن تعبر عن ثورتها وغضبها لذلك .

2- إن للجرح صيحةً فابعثيها * في سماع الدنى فحيح سعير
إن هذا الجرح الّذي أحدثه النسر في ذرى الجبال حين فارقك ، له صيحة تخرج منه في سمع الزمان مدوية كأنها لهب النار تقذفه بقوة وعنفوان .

واطرحي الكبرياء شلوا مدمى * تحت أقدام دهرك السكير
فلا تعالى واطرحي كبرياءك وعظمتك بعد أن فارقك هذا النسر
اطرحيه تحت قدميك جسداً ملطخاً بالدماء، ودوسيه بأرجل دهرك المعربد .
وفي هذا البيت عدد من الاستعارات :حيث جعل ما لها من عظمة وكبرياء ينصل من تحت قدميها فيداس وهو:"شلو ممزع" ، وجعل لها "أقدام دهر معربد" ، ثم جعل هذه الكبرياء شلواً كأنه قطعة لحم ملطخ بالدماء .

4- لملمي يا ذرى الجبال بقايا النســــر وارمي بها صدور العصور
خطاب ( بلملمي) يوحي بعدم المبالات بهذا النسر المحطم ، الّذي لم يبق غير حطامه بعد أن نزل من عليائه، لملميها "و ارمي بها" في قديم الزمن "صدور العصور"، حيث جعل للعصور جسداً وهذه استعارة بالكناية .
وجعل للنسر بقيا لأنه فقد مكانته المهيبة من القدرة على الطيران فلم يبق منه ما يستحق أن يكون بمكانته القديمة .

5- إنه لم يعد يكحل جفن النجــــــم تيهياً بريشه المنثور
فالنسر لم يعد له المكانة فيحتل أعالي النجم ، لأنه لايطير إلا على القمم لا في السفوح ، وجعل للنجم جفنا؛ لأنه: عال وجفنة أعلا شيء فيه استعارة بالكناية .
"لم يعد يكحل النجم تيهياً" لم يعد يفتخر به كما كان سابقاً فيه من عظمة، حين يرخي جناحيه القويين ، فهما محطمان الآن .

6- هجر .الوكر ذاهلاً وعلى عيـــنيه شيء من الوداع الأخير
فقد غادر وكره في قمة الجبل وهو لايدري من هول ما أصابه كأنه فاقد عقله ، وعلى عينيه شيء من الحسرة لفراقه وبعده عنه ، وهو يظن ألا يرجع إليه ، كأنه متيقن من أنه الوداع الأخير .

7- تاركا خلفه مواكب سحب تتهاوى من أفقها المسحور
خلف بعده من ذكرياته ، ما يبكي السحب ، وويجعلها تهوي شوقاً عليه لمكانته القديمة ، وجعل للسحب مواكب لعظمتها ، وجعل ما أصابها كأنه يزحزها عن مكانها لهول المصيبة عليها .

8- كم أكبت عليه وهي تندي فوقه قبلة الضحى المخمور
جعلها تكب عليه تحسراً وجزعاً ، وهي تذروا الدموع فوقه ، تقبله في الضحى المخمور الضحى العابس المتغير .،فجعل الضحى مخموراً لأنه متغير كأنه شرب الخمر .
وينتقل في وصف هذا الطائر بعد نزوله من عليائه فيقول :

9- هبط السفح طاوياً من جناحيـــه على كل مطمح مقبور
جعله ينزل من عليائه هابطاً بقوة إلى أرض السفح ، وكأن أجنحته قصت أو كأنها طويت على الطموح المدفون ، فلا خير فيه .

10- فتبارت عصائب الطير ما بـيـن شرود من الأذى ونفور
فجعل الطير الصغيرة التي تخاف أذى النسر حين كان في قوته وصولته تتسابق في النفار منه والهرب ما بين شاردة وهاربة خوفا من أذاه .

11- لاتطيري جوابة السفح فالنــسر إذا ما خبرته لن تطيري
فخاطبها بأن: هوني عليك من الطيران يا أيتها الطير الآلفة هذا المكان المنخفض وقد أفزعك هذا النسر الّذي لم تألفيه يأتي إليه قبل ذلك.
فعهدك به قديم ، فلو خبرتيه وعرفتيه حق المعرفة مما آل إليه حاله الآن من الضعف ، لم تطيري وتنفري منه .

12- نسل الوهن مخلبيه وأدمت منكبيه عواصف المقدور
فقد أصابه الوهن والضعف ، فقد سلت مخالبه ونزعت أظافره ، فلا خوف منه ، لقد أدمت المقادير منكبيه ، وهذا كناية عن ضعفه وتغير حاله .

13- والوقار الّذي يشيع عليه * فضلة الإرث من سحيق الدهور
وما ترين عليه من المهابة والعظمة إنما هي بقية المهابة التي ورثها من قديم الدهر ، وأما الآن فكل ذلك ذهب عنه ،جعل ما بقي عليه من عظمة مما ورثه من دهره ، فكأنه مال يورث .
14- وقف النسر جائعاً يتلوى فوق شلو على الرمال .نثـير.
لقد هبط فوه جائعاً يتلوى من شدة الجوع ، على شلو من الجيف المنثور فوق الرمال ، ما أوقفه غير الجوع وإلا كيف يأكل الجيف ، وهو الطير الجارح الّذي يصطاد الأحياء .من كل شيء. لقوته و سطوته.

15- وعجاف البغاث تدفعه بالمخـــلب الغض والجناح القصير
لقد تجاسرت عليه ضعاف الطير وهي:"بغاثها" التي لاخير فيها ، فصارت تدفعه حين عرفت أنه صار في الهوان أحقر منها ، تدفعه بمخلبها الضعيف وجناحها القصير .

16- فسرت فيه رعشة من جنون الـــكبر واهتز هزة المقـرور
عند ذلك تحركت منه نخوة من بقايا النخوة القديمة منه ، وانتفض انتفاضة البردان ، وجعلها من"جنون الكبر"، لأنها رعشة مصطنعة ليست أصلية كالجنون ، ضعيفة لاتعمل فيه شيئا .

17- ومضى ساحباً على الأفق الأغـــــبر أنقاض هيكل منخور
ومضى يطير طيراناً ضعيفاً يسحب نفسه سحباً ، على الأفق المغبر ، وجعله مغبراً لأنه لايستطيع أن يحلق في الأفق البعيد لضعفه ، ويسحب جسمه الّذي لم يبق منه إلا هيكل قد حطمته .الليالي و نحرته. الأيام .

18- وإذا ما أتى الغياهب واجتاز مدى الظن في ضمير الأثير
فقد طار حتى وصل الغياهب البعيدة ، فوجد في نفسه من البعد عن الضيم، ما دفعه إلى أن :"اجتاز مدى الظن في ضمير الأثير"، لأنه تجاوز ما كان متوقعاً له في الأفق .

19- جلجلت منه زعقة نشت الآفا ق حرى من وهجها المستطير
خرج منه زعقة واحدة مجلجلة مدوية عند وكره القديم ، لها حرارة ،تخرج من روحه ،فكانت النتيجة:

20- وهوى جثة على الذروة الشماء في حضن وكره المهجور
فلما وصل إلى وكره وما كاد ، فزعق زعقة فاضت منها روحه ، وهوت جثته لاحراك بها في الوكر المهجور منذ القدم لضعفه عن الوصول إليه .

21- أيها النسر هل أعود كما عدَّ ت أم السفح قد أمات شعوري
وهذا ختام هذه القصيدة ، التي يشعرك بأنه مثل هذا النسر يتطلع للعلياء ، ويتمنى العودة إليها ، فهل يعود إلى مجده القديم أم أنه ألف جو السفح والركون فمات شعوره وأحساسه .
للأمانه الموضوع مقتبس