محمد البساطي



الأستاذ الدكتور متولى محمد البساطى من أبناء مدينة ميت أبو غالب بمحافظة دمياط و أحد أهم أعلامها و عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة بجامعة الازهر الشريف ووكيل كلية اللغة العربية بالمنصورة سابقا .

ولد الاستاذ الدكتور متولى البساطى في 11 اغسطس سنة 1944 و توفى في يوم الجمعة 15 يونيو 2007 و هو في الثالثة و الستين من العمر

حصل على الشهادة الثانوية من معهد دمياط الازهرى سنة 1965 و حصل على شهادة الليسانس من كلية اللغة العربية بالقاهرة بجامعة الازهر سنة 1970 و الماجستير سنة 1972 و حصل على شهادة الكتوراه سنة 1979 . و قد عمل مدرسا بوزارة التعليم من سنة 1970 إلى سنة 1978 ثم عين معيدا بكلية اللغة العربية بالمنصورة و اصبح مدرسا مساعدا بكلية اللغة العربية ، جامعة الازهر سنة 1979 و حصل على درجة أستاذ سنة 1987

و عمل استاذا بكلية التربية بجامعة المللك فيصل بالمملكة العربية السعودية و ساهم في تأسيس قسم اللغة العربية و تولى رئاسة قسم اللغة العربية بكلية التربية بجامعة الملك فيصل و أشرف على العديد من رسائل الماجستير و الدكتوراه بجامعتى الازهر و الملك فيصل .

عضو أحد اللجان العلمية بجامعة الازهر وعضو رابطة الادب الاسلامى و له بحوث و مقالات بمجلات كلية اللغة العربية و الهلال و الازهر و الارشاد اليمنية . له العديد من المؤلفات المنشورة مثل :

1- القصة في الأدب العربى 2- مع الشعراء المعاصرين 3- المرأة في الشعر السعودى المعاصر . 4- دراسات حول كتاب طوق الحمامة لابن حزم 5- فنون أدبية في البيان النبوى 6- في قواعد اللغة العربية ( بالاشتراك ) 7- نصوص من العصر الحديث . 8- في مرآة الشعر الجاهلى 9- في النقد الادبى الحديث . 10- فن المقال بين النظرية و التطبيق . بالاضافة للعديد من المؤلفات الاخرى .


يذكر ان الاستاذ الدكتور رحمه الله كان له عظيم الائر على كلية اللغة العربية أثناء توليه منصب وكيل و من بعدها عميدا للكلية من الناحية الادارية

فقد تم في عهده ادخال نظام المعلومات للكلية و انشاء وحدة للحاسب . و قام بانشاء سنترال اتصالات مركزية بالكلية بعد ان كانت تعانى من تهالك السنترال القديم الذى يعود بالعمر إلى السبعينات و تحديث الابنية و الاهتمام بتجميل الكلية و اظهارها بما يليق بمكانتها .




محمد البساطي .. أبن بلدة (الجمالية) المطلة على بحيرة المنزلة .. صاحب العشرين عملاً ما بين الروايات و المجموعات القصصية بدأ مشواره عام 1967 برواية (التاجر و النقاش) ليبدأ مشواره الإبداعي الذي توج برائعته (الخالدية) مروراً ب"المقهى الزجاجي" (1978)، "الأيام الصعبة" (1978)، "بيوت وراء الاشجار" (1993)، "صخب البحيرة" (فازت بجائزة احسن رواية لعام 1994)، "ويأتي الفطار"، "ليال اخرى"...، وغيرها.

كما صدرت له كذلك عدة مجموعات قصصية مهمة، ومنها:
"حديث من الطابق الثالث" (1970)، "احلام رجال قصار العمر" (1979)، "هذا ما كان" (1987)، "منحنى النهر" (1990)، "ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً" (1993)، "ساعة مغرب" (1996)...، الخ.

فاز (البساطي) عام 2001 بجائزة "سلطان العويس" في الرواية والقصة مناصفة مع السوري زكريا تامر.

يراه بعض النقاد بأنه الذي جعل من القرية الصغيرة أسطورة .. فمعظم أعماله تدور في جو الريف الساحر الذي يجذب القارئ اليه ليعش و يتعايش في تلكم العالم الغني الساحر الذي يشده له (البساطي) بأسلوبه السهل الممتنع .. ليصدمك بسلبيات مجتمعنا من خلال التفاصيل الدقيقة لحيوات أبطاله المهمشين في الحياه الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم ..

تسرد الرواية قصة قرية (الخالدية) .. قرية صغيرة بالوجه القبلي مشطورة لنصفين متناقضين .. البر القديم – منشأ المدينة - بطبقاته المطحونة و أناسه المقهورين المعبئين بالغضب من حال البر الثاني الذي تسود فيه الفيلات والقصور ذات الحدائق الضخمة حيث يعيش اغنياء المدينة .. يفصل بينهما النهر كأغلب مدن الصعيد .. و يقطع النهر الكوبري الذي يصل الضفتين ببعضهما .. يمكن فتحه بحجة مرور السفن الشراعية على الرغم من أن ارتفاع الكوبري يسمح بمرورها .. السبب الحقيقي هو عزل الضفتين وقت الاضطرابات .. فصل الطبقتين عن بعضهما مما يسهل مهمة الأمن ليريح المأمور بطل الرواية و التي تسير الأحداث مع سيره ..

الجديد هنا هو أن القرية بكل تفاصيلها الدقيقة من صنع الخيال ! .. خيال بطل الرواية الحقيقي .. الموظف في ارشيف وزارة الداخلية الذي يعيش وحيدا ويتقن تزوير توقيعات مسؤولي الوزارة ويستغل قدراته هذه في عملية تزوير هي الاكبر في عالم التزوير حيث يقيم من خلالها بلدة بكاملها ويضع في داخلها مخفرا للشرطة ! .. و قد استوحى (البساطي) تلك الفكرة من الحادثة الشهيرة التي قام فيها محاسب ببناء مبنى أعتمد مركزاً للشرطة داخل أحدى القرى ليستمر أعواماً داخل القرية و الكل يظنه مركز شرطة حقيقي و يتعامل مع الموجودين فيه و كأنهم ضباط ..

يقوم البطل الحقيقي هنا بعمل (ماكيت) للبلدة الوهمية في غرفته بالصلصال .. يصنع شوارعها و مبانيها و أناسها ليتخيل حوارات أهل القرية و مشاكلهم و حسناتهم و سيئاتهم من خلال مخاطبته لمأمور مركز الشرطة الذي يتقمص شخصيته حتى يمكنه حبك خدعته لتصبح أذونات الصرف المزيفة منطقية الأسباب ..

تعرض الرواية حيوات أهل المدينة المتناقضة .. من السيدة (نجوى) بالبرالثاني ذات الغناء الفاحش و الجمال الارستقراطي و التي تمارس نشاط خطف الفتيات القرويات لتحويلهن لعاهرات و التي يسهل المأمور لها مصالحها حسب بنود صداقتهما، (الحاج صبحي) تاجر الأدوات الصحية و الزبون الدائم لمدام (نجوى) و صاحب جلسات المزاج، الفتاه المتزوجة التي يحبها المأمور و يحاول التقرب لها و إبعاد زوجها بالقوة لو أمكن، زوجة المأمور التي أتى ذكرها قليلاً و التي لا تسكن (الخالدية) و كيف تشمئز من الطريقة التي يمارس بها زوجها الجنس معها، معاونين المباحث الذين يختلسون بعض ضبطيات (الحشيش) لأنفسهم أو لتحقيق مصالحهم .. سكان البر الثاني المستعدين لترك قصورهم إذا بلغهم المأمور بثورة أهل البر القديم التي يترقبها و يخشي حدوثها ..

و من خارج العالم الفانتازي الوهمي هناك (يونس) .. الموظف البسيط رقيق الحال و التي تعمل زوجته كخادمة و الذي أختاره البطل لصرف ايرادات مركز الشرطة الوهمي حتى لا يكون في وجه المدفع .. و الذي تتطور شخصيته من البحث عن أقل القليل لإطعام أولاده ليبرز الحيوان الشهواني بداخله مع الراتب المغري الذي يعطيه له البطل ليبدأ التدخين و خيانة زوجته لتدمر النقود حياته باكتشاف زوجته بخيانتها له ..

يمر البطل في تلك الرواية بمرحلة النفور تدريجياً .. مما يظهر واضحاً من سير الأحداث في (الخالدية) المتناغم و غير المتطابق مع تطورات نفسيته عن طريق المأمور الذي أصبح و كأنه قرينه .. لتبدأ الهلاوس و يبدأ عالم (الخالدية) الذي صنعه ينقلب عليه من خلال اقحام الواقع بالخيال ليراه المأمور ليلكمه في أنفه ليصحو و أنفه غارق بدمه بالفعل ! .. يرى حياة (يونس) تدمر أمامه بسبب النقود، المرأة العجوز التي رمى لها ظرف النقود من شباك منزلها بالدور الأرضي لتشترى بالنقود خمراً و تقف لتسب جيرانها بصوت عالِ لتقع على الأرض ميتة في النهاية في مشهد مؤثر أجيد توظيفه بشدة ..

تصل ذروة تيمة (تمرد المسخ على صانعه) في نهاية الرواية .. ليقتل المأمور بطل الرواية لتجسسه عليه في غرفة نومه بعد أن نال فتاته التي رغب فيها منذ خطا بقدميه أرض القرية .. بعد أن فشل البطل في إبقاء كفتي الميزان متساويتين بين رغبته في نصرة الفقراء الذي هو منهم و ممارسه السلطة التي لم يعشها في الحقيقة من خلال تقمصه لشخصية المأمور .. لتنتهي حياته و تطفأ أنوار (الماكيت) لتعلن نهاية (الخالدية) ..


في المجمل تحمل الرواية كعادة (البساطي) هموم من يعيشون على هامش الحياه .. تعرض التواطؤ الذي يحدث في جميع أطوار العيش .. و أن الفساد ليس له مصدر معين لأن الجميع متواطئين فيه .. المساحة الرمادية التي تغطي برمزها رموزاً أعمق .. و تعتبر "خالدية" (البساطي) في رأي العديد من النقاد فتحاً جديداً و باباً لم يُطرق من قبل في الأدب العربي من ناحية توظيف الفانتازيا بجو محلي بحت نجح في تحويله إلى حالة عامة

المصدر:
موسوعة ويكبيديا