فهامة زمانه ............ بقلم / سيد مصطفى

جلست مع رفقة طيبة متنوعة العقول و الأفكار والأشكال والأحجام العلمية ، وتبادلنا الحوار في أكثر مجال ، منها التربوي والاجتماعي والسياسي والرياضي والثقافي والعلمي ، ومن الطبيعي أن نرجع في كل قضية أثيرت إلى المتخصص فيها ، و تكلمنا عن المشاكل التربوية والطرق النمطية في التدريس ، والوسائل العقيمة وعقول البعض المنغلقة انغلاقا كليا على القديم ، وتدني مستوى التحصيل الدراسي ومحو الأمية الذي نمارسه في مدراس عالمنا العربي
وحقيقة التعليم بشكله الحالي في دولنا العربية لا يناسبه اسما سوى

محو الأمية
ز ر ع زرع
ح ص د حصد
ق ر أ قرأ
ك ت ب كتب
العلم نورن

والجميع انتظر المتخصص في هذا المجال وهو معروف بيننا ليدلي دلوه ، وقبل أن يفتح فاه ، أو حتى يفكر في إبداء رأيه العلمي المدعم بالأبحاث والدراسات
ارتفع صوت جهوري من بين الحاضرين ، وشخص الحالة والمرض واتهم الجميع بالتقصير والإهمال ، ويجب ويجب ويجب ويجب ولابد وحتما وإلزاما
حتى تعب هو من الكلام

فسكت هذا التربوي المخضرم ولم يعلق ببنت شفة ، وتكلمنا في موضوع آخر يخص الطاقة والبحث عن طاقات بديلة ونظيفة وصديقة للبيئة ، ومعنا مهندس متخصص في هذا المجال ، و قبل أن ننظر إليه ، انطلق الفهامة العلامة الذي أفتى في التربية منذ قليل وأفاض في الموضوع ، فسكت الخبير البترولي ، فذكر أحد الحضور نتائج كرة القدم ، ولم يصل في كلامه إلى حرف الميم في كلمة القدم ، حتى أذاع صاحبنا أخبار المباريات وحلل ولعب وحكم وعزل وزير الرياضة والشؤون القروية والحكم المحلي ، ومجلس المدينة ، وحل النقابات العمالية ، وأغلق المصانع وسرح العمال ، وحل وربط اتحاد كرة القدم ، وغير المدربين والمدربات الأحياء منه والأموات .

وكلما فتحنا موضوعا ، هو يكمله بأفكاره اللامحدودة ، وآرائه السديدة ، وخبرته التليدة ، وأجمعنا على عدم الكلام في أي موضوع .
وتركنا له الساحة ، والحقيقة أنه لم يقصر ، تناول كل مجالات الحياة ، فعزل وزراء لعدم صلاحيتهم ، وعين آخرين ، وغير مناهج التعليم ، وألغى وزارات كاملة ، وشرع قوانين جديدة في المعاشات والمرافعات ، وأضاف وحذف بعض المواد الدستورية
حتى وصل إلى قضايا الدين ، وأراد أن يتناولها ووصل الأمر إلى الفتوى ، والحلال والحرام ، فلم يتأخر في الرد ، هذا حلال وهذا حرام دون تردد أو تفكير أو دليل

فاشتد غيظ بعضنا ، حتى الدين لم يسلم من آرائك يا فصيح ! ، وقال أحدنا ، ردا على الحلال الذي أحله والحرام الذي حرمه بكل سهولة ويسر

ما دليلك النقلي والعقلي على هذه الفتوى ؟
فقال الفهامة : أي دليل ؟
رد عليه : دليل التحريم الذي حرمت به هذا الأمر
ففكر قليلا ، قم قال : سمعت
فرد عليه : سمعت ممن ؟
قال : من أحد العلماء
رد عليه : ما اسمه ؟
قال : لا أتذكر
رد عليه : وهل هذا العالم متخصص في هذا المجال ؟
قال : لا أدري
وهذه أول مرة أسمعه يقول لا أدري
فقلت أنا بأعلى صوتي :
معقول يا فلان لاتدري ؟
فشعر ببعض الخجل

ثم استمر هذا المتخصص المحترف في تعليم وتأديب وتهذيب صاحبنا فهامة زمانه ، حتى أقر في نهاية الأمر بأهمية التخصص واحترام المتخصصين

وخلصت من هذا الموضوع ، أننا يجب علينا في هذه الفترة أن ننتبه إلى أهمية التخصص في كل حياتنا ، ولا ندعي معرفة كل شيء في أي شيء ، وإنما نحترم الآخرين في تخصصاتهم ، ونعطي لهم الفرصة ، ولا نحجر عليهم ، ولا نصدر الأحكام المسبقة عليهم بالفشل لسوء فهمنا ، وتسرع حكمنا ، ونفاد صبرنا

وأنا أكاد أجزم أن معظم مشاكلنا سببها عدم التخصص ، وتولي بعض غير المتخصصين في غير تخصصاتهم المخصصة لهم في المخصصات المخصصة في مجال التخصيص المخصص من قبل المتخصصين في تخصصاتهم المخصصة تخصيصا يخص كل متخصص في تخصصه المتخصص فيه .

والحكمة تقول :
اعرف كل شيء عن شيء ( تخصصك )
واعرف شيئا عن كل شيء ( تخصصات الآخرين )

وهذا درس لصاحبنا فهّامة زمانه عله يستوعبه ، ودرس لنا أيضا علنا نطبقه .

بقلم
سيد مصطفى
2-5-2011م