رصدت «الإمارات اليوم» على مدى الشهر الماضي، ما يقرب من 1500 إعلان نشرت في ثلاث مطبوعات صحافية، تعلن عن استعداد أصحابها لإعطاء دروس خصوصية لطلبة المدارس في جميع الصفوف الدراسية، ولاحظت خلال عملية الرصد، أن إعلانات الدروس تتجاوز طلبة المدارس لتشمل طلبة الجامعات والماجستير، وتنوعت الإعلانات ما بين مدرّسين يقصرون خدماتهم على صفوف بعينها، وآخرين يعلنون استعدادهم لإعطاء دروس للمراحل التعليمية كافة، باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى انتشار إعلانات في الشوارع، وفي محطات الحافلات، وعلى جدران مدارس، تحمل أرقام هواتف لأشخاص يبدون استعدادهم لإعطاء دروس خصوصية. وجاءت الجنسية المصرية في المرتبة الأولى لعدد المدرسين الراغبين في إعطاء دروس خصوصية، تلتها الجنسية السورية، وكانت الجنسية السودانية الأكثر في عدد إعلانات المدرّسات المستعدات لتقديم خدمات تعليمية.
واحتلت مادة الرياضيات المستوى الأول بين المواد في عدد إعلانات المدرسين، تلتها مادة اللغة الإنجليزية، ثم الفيزياء والمواد العلمية، وجاءت إعلانات مادتي اللغة العربية والتاريخ في ذيل قائمة الإعلانات.
آراء
أكد طلاب وآباء أن «الدروس الخصوصية مفيدة، وتستدعيها الحاجة الفعلية، وليس حب المظاهر، فيما حذّر طلاب جامعيون من «ترك الحبل على الغارب»، لافتين إلى ضرورة وجود أطراف تراقب هذه الظاهرة، وتجلى هذا الاختلاف في الآراء باختلاف الأشخاص أنفسهم، فقد قال علاء الشربيني، موظف في مؤسسة خاصة، إنه مضطر للاستعانة بمدرسين خصوصيين، لتدريس طفليه، على الرغم من أنها تكلفه نحو 4000 درهم شهرياً، عازياً ذلك إلى عدم معرفته وزوجته باللغة الإنجليزية التي تعتمد عليها معظم المواد الدراسية.
ورأى منصورأ الكعبي، وهو موظف حكومي، أن الدروس الخصوصية «شيء طبيعي للأسر الإماراتية، وليست نوعاً من حب الظهور»، مرجعاً انتشارها إلى وجود رغبة حقيقية لدى ذوي الطلبة في دفع أبنائهم للحصول على تقديرات أفضل. وتابع: «أنا شخصياً أعطي أبنائي دروساً خصوصية، ولن أتردد في القيام بأي شيء من شأنه مساعدتهم أكاديمياً وعلمياً، ليكونوا ناجحين ومتفوقين». ووصف الطالب في جامعة الإمارات، سيف القاضي، ظاهرة الدروس الخصوصية بين الطلاب الجامعيين بأنها أصبحت منتشرة جداً، مضيفاً أنه يمكن وصفها بأنها مؤشر إلى وجود خلل جامعي، وقال «على الجهات المعنية أن تؤدي مهمتها في مراقبة هذه الظاهرة، ومحاصرة أسبابها، بدلاً من تركها تنمو»، معتبراً أنها امتداد لثقافة المرحلة المدرسية التي تسبق دخول الجامعة. وأفاد الطالب عبدالله مسعود، من كلية التقنية، بوجود أشخاص متخصصين بعمل الأبحاث والمشروعات بدلاً من الطلبة، بمقابل مالي يبدأ من 500 درهم، ويصل في بعض الأحيان إلى بضعة آلاف، بحسب البحث والمشروع، مشيراً إلى ضرورة التأكد من المستوى التحصيلي، أو المعرفي، الحقيقي، للطالب الذي ينهي دراسته الجامعية.
مشروعات جامعية
لم تقتصر إعلانات الدروس على طلاب المراحل التعليمية المدرسية، بل تخطتها إلى إعلان أساتذة جامعات عن استعدادهم لإعطاء دروس لطلبة البكالوريوس، مع إمكان إعداد البحوث والمشروعات الجامعية، وأعلن أحد الأساتذة عن استعداده لتدريس مناهج البكالوريوس والماجستير، وأعلن آخر متخصص في اللغة العربية عن استعداده لإعطاء دروس في مجال اختصاصه للمراحل التعليمية المختلفة، بجانب طلبة الجامعات.
ومن اللافت أن بعض الإعلانات اتخذ طابعاً فكاهياً، من حيث الصياغة والمضمون، إذ جاء متن أحد الإعلانات ليعلن عن مدرس خبرة ستة أشهر في البلد، ومستعد لإعطاء دروس خصوصية للمرحلة الأولى والثانية في الدروس كافة، فيما اشترطت إحدى المدرّسات إعطاء الدرس في منزلها، وأعرب مدرس في إعلانه عن استعداده لإعطاء دروس خصوصية في مواد اللغة الإنجليزية والعلوم والرياضيات والدين للصفوف الدراسية كافة، وأعلن آخر عن استعداده لتقديم دروس خصوصية في الرياضيات، والمواد العلمية، للصفوف الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات باللغتين العربية والإنجليزية، بينما أبدى مدرّس كفاءته في إعطاء دروس لكل المواد، إضافة إلى دروس تعليم الكبار، ومن يعانون صعوبات التعلم من ذوي الإعاقات.
مدير عام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، سعيد حمد الحساني، أكد أن «هذه الظاهرة موجودة في كل الدول، والجامعات هي المسؤولة عن مواجهتها».
وقال إن معظم من يعطون دروساً خصوصية، ليسوا على كادر جامعي في الدولة، بل هم حاصلون على مؤهل ما فوق العالي، ويعملون في مهن بعيدة عن التدريس الجامعي، وبالتالي لا سلطة للجامعات عليهم، مضيفاً أن المفروض أن يحدد الطلبة بأنفسهم ما إذا كان المعلم مؤهلاً لهذا العمل أم لا، وأن يخاطبوا جامعاتهم بحاجاتهم التعليمية بدلاً من اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
ولفت الحساني إلى أن المشكلة ستكون أكبر إذا كان المعلم الخصوصي معلماً أكاديمياً، وفي هذه الحال تقع مسؤولية عقابه على جامعته وليس الوزارة.
من جانبه، أفاد مدير عام وزارة التربية والتعليم بالإنابة، علي ميحد السويدي، بأن الوزارة تجرّم الدروس الخصوصية، وتعاقب من ثبت أنه أعطى دروس تقوية بأجر من المعلمين التابعين لها، لكنها لا تمتلك سلطة على الجرائد لمنع مثل هذه الإعلانات. وأضاف: «لا يمكن أن نحدد ما إذا كان هذا الشخص الذي يعلن في الجرائد استعداده لإعطاء دروس خصوصية، يتبع الوزارة أم لا».
وأوضح أن الوزارة لا يمكنها استصدار قانون يجرّم الدروس الخصوصية، لأنها لا تستطيع منع الأشخاص الخارجين عن سلطتها من إعطاء دروس خصوصية، مشدداً على ضرورة تعاون بقية المؤسسات مع الوزارة في منع مثل هذه الإعلانات.
وأشار إلى أن استمرار نشر هذه الإعلانات في الصحف، يعد ظاهرة خطرة، يجب على الجميع مواجهتها، داعياً الصحف إلى الالتزام بميثاق شرف يمنع نشر الإعلانات التي تساعد على انتشار الدروس الخصوصية.
وأكد ميحد اتخاذ الوزارة خطوات للحد من الدروس الخصوصية، من بينها قيام المدارس بعمل مجموعات تقوية مجانية للطلاب المتأخرين دراسياً، أو من يواجهون صعوبات في التعلم. وشدد مجلس أبوظبي للتعليم على منع العاملين التابعين له من تقديم دروس خصوصية مدفوعة الأجر، لأي طالب يدرس في أي مدرسة من مدارس الإمارة، ما لم ينظم المجلس هذه الدروس، مؤكداً أن الحصول على أجر مقابل تلك الدروس غير مقبول، وفقاً لسياسة وقواعد السلوكيات المهنية والوظيفية المعتمدة لدى المجلس.
دعـم أكاديمي
عزا مدير مدرسة أبوظبي الثانوية، محمد جمعة، انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، إلى طول وبطء الإجراءات التي تتخذ ضد المدرّس الذي يزاول هذا النشاط ، خصوصاً أن إثبات هذا العمل صعب جداً.
وأشارت مديرة مدرسة حنين الثانوية بنات، علياء الحوسني، إلى وجود برنامج يتم تطبيقه حالياً في المدرسة تحت مسمى «فريق عمل الدعم الأكاديمي»، يتكون من مجموعة من المدرسات والإداريات، ويعتمد على تبني كل مدرسة طالبتين أو ثلاثاً على الأكثر، لمتابعتهن دراسياً في كل المواد، وتشرف عليها إحدى الإداريات، وتحرر تقريراً أسبوعياً عن مدى تقدم الطالبات ومناطق القوة والضعف لديهن. وقالت إن هذا البرنامج، هو العمل الأمثل لمحاربة الدروس الخصوصية، مؤكدة أنه يحقق نجاحاً ويدفع الطلبة إلى الاهتمام والمذاكرة.