المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته وانتهج نهجه إلى يوم الدين وعلى رسل الله أجمعين ....
الموضوع :
فقد وصف الله المؤمنين بأنهم خير أمة أُخرجت للناس، فقال عز وجل: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله {آل عمران: 110}. فرفع الله قدر هذه الأمة وشرفها واصطفاها على غيرها من الأمم، وجعلها خير أُمة أُخرجت للناس، ولِمَ لا وهي أمة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، فهي لم تدرك هذا الفضل إلا بإيمانها بالله، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ذكر الله عز وجل، ولا ينال هذا إلا من استجاب لله وللرسول كما قال تعاللى في وصف الصحابة الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أُحد، فكان الرجل يتهادى بين الرجلين لما به من الجراح والآلام: الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم {آل عمران: 172- 174}. فبقدر الإيمان والاستجابة لله وللرسول تكون الخيرية لهذه الأمة، ولا يمكن أن تكون هذه الخيرية إلا لأمة الاستجابة. أما أمة الدعوة ففيها المؤمن والكافر والمنافق واليهودي والنصاري وكل من بلغته دغوة النبي الخاتم منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يكون لهؤلاء فضل ولا شرف ولا خيرية إلا بالإيمان والاستجابة، وقد قال تعالى في آية الخيرية: ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون {آل عمران: 110}، وقال تعالى: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (114) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين {آل عمران: 113- 115}، وقال سبحانه: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب {آل عمران: 199}. وهؤلاء هم الذين آمنوا بالله ورسوله من أهل الكتاب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يؤتَون أجرهم مرتين لأنهم آمنوا مرتين واستجابوا مرتين كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين"، فذكر منهم رجلاً من أهل الكتاب آمن وصدق بالنبي صلى الله عليه وسلم . هذه هي أمة الإسلام، أعظم الأمم في الدنيا والآخرة، مثلها في عداد الأمم كالشعرة السوداء في جلدة الثور الأبيض، ومع هذا فهي في الذروة العالية: "إنكم توفون- تتمون- سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم. إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، يعطيهم ربهم حلمًا وعلمًا من عنده سبحانه كما في الأثر الذي رواه أحمد والبزار والطبراني، وهم أكثر الأمم استجابة وتلبية، فلم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس.ولهذه الأمة خصائص اختصها الله بها من بين الأمم، من هذه الخصائص ما هو في الدنيا، ومنها ما هو في الآخرة، فمن هذه الخصائص في الدنيا: 1- أنها الأمة المجاهدة، شرع الله لها جهاد الكفار والمنافقين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحل لها الغنائم، ولم تكن تحل لمن سبقها من الأمم، قال تعالى: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم {الأنفال: 69}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعطيت خمسًا لم يعطهن نبي قبلي". فذكر منها: "وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي". [متفق عليه}.أما من قبلهم من الأمم فمن جاهد منهم في سبيل الله، لم يكن تحل لهم الغنائم، بل كانت تنزل عليهم نار فتحرقها كما في الصحيح. 2- أنها الأمة المحفوظة من الهلاك والاستئصال، لا تهلك بسَنة عامة، ولا يسلط الله عليها عدوًا من غيرها، يستأصل شأفتها، ولو اجتمع عليها كل أهل الأرض كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يسبيتح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا". رواه مسلم. 3- أنها لا تجتمع على ضلالة: فهذه الأمة تتقلب بين حالين: حال غزوٍ وتمكين تجتمع فيه الأمة على الحق دون تفرق ولا تشرذم، تعتصم بالله وبدينه وشرعه وتجتمع على إمام واحد، تسمع له وتطيع وتجاهد في سبيل الله تحت لوائه فيبلغ ملكها مشارق الأرض ومغاربها ممتثلة قول الله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وقد وقع هذا للأمة في صدر الإسلام في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش". رواه مسلم.وحال ضعف وفرقة وهوان بعدما أصاب الأمة ما أصاب الأمم قبلها من اختلاف وتفرق وتشرذم وبُعْدٍ عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة، فتسلط عليها أعداؤها، وذلت بعد عز، ولكنها مع هذا كله لم تترك الحق بالكلية، فهي أمة التوحيد، لا تجتمع على باطل، بل يبقى فيها طائفة على الحق ظاهرين به لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وسوف ترجع الأمة إلى حال عزها تجاهد في سبيل الله وتجتمع على الحق حتى تقتل المسيح الدجال، وتقاتل اليهود، ويبارك الله في خراج الأرض، ثم يرسل الله ريحًا طيبة تقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، عليهم تقوم الساعة.

الخاتمة :
خصائص هذه الأمة أن الله تعالى رفع عنها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلها، فأحل لها كثيرًا مما حُرم على غيرها، ولم يجعل عليها من حرج ولا عنت ولا شدة، بل يُسر وفرج، قال تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر {البقرة: 185}، وقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت {البقرة: 286}. قال تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم {المائدة: 6}، وقال: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج: 78}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني أرسلت بحنيفية سمحة". [رواه أحمد}. وقال: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ". وقال لرسله وسفرائه ودعاته: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفر". قالها لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن. [رواه البخاري}.