يعيش أولياء الأمور حالياً على وقع القلق والضغط النفسي، وهم محاصرون بأعباء مادية من كل صوب، في انتظار افتتاح المدارس أبوابها وعودة أبنائهم إليها، الأمر الذي تفاقمت حدته بسبب تزامن الاستعداد لبداية العام الدراسي الجديد مع عيد الفطر، وقبله الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك . وهي تشكل مجتمعة ضغطاً معيشياً ومادياً ثقيل الوطأة على كاهل الأسرة، لاسيما من شريحة ذوي الدخل المحدود، في ظل التكاليف الباهظة والمصاريف المتعددة للمناسبات الثلاث . ويشكل غول الغلاء، ممثلاً بارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة مستمرة في السوق المحلي خلال المراحل الماضية، مصدراً متجدداً لمعاناة أولياء الأمور، خاصة أن أسعار القرطاسية ولوازم الدراسة بمختلف أصنافها،

لم تشذ هذا العام عن خطها البياني المتصاعد سنوياً في الأعوام الماضية، فيما تشهد الأسواق حالياً ارتفاعاً جديداً في هذا القطاع الحيوي، بنسبة قدّرها عاملون في القطاع ب20%، على غرار ما عرفته السنوات السابقة، لترتفع أصوات الأهالي بالشكوى، مناشدين المسؤولين والموردين والتجار الرأفة بأحوالهم، وعدم منع بهجة “العودة إلى المدرسة” من دخول بيوتهم ومعانقة أبنائهم .

“أسعار القرطاسية” تطرح أسئلة متعددة حول أسباب الارتفاع المستمر ومبرراته، في قطاع بالغ الحساسية والأهمية، لارتباطه بالقطاع التعليمي، الذي يعول عليه كثيراً في البناء والتنمية والتطوير، ودور الرقابة في كبح جماح الغلاء في احتياجات أبنائنا الطلبة من اللوازم المدرسية .

تجار التجزئة: الموردون الكبار السبب وتكاليف الإيجارات والعمالة مرهقة

أم محمد، ربة بيت، تشتكي من “الأسعار التي وصلت إليها أنواع القرطاسية في الأسواق المحلية، ما يخنق الأسر، ويشكل ضغطاً مادياً ومعيشياً هائلاً على أربابها” . وخصت “الارتفاع في أسعار الحقائب المدرسية، التي اشترت منها 3 حقائب لأبنائها الثلاثة خلال الأيام الماضية، بمبلغ 450 درهماً تقريباً، بواقع 150 درهماً تقريباً للحقيبة الواحدة”، متسائلة حول “أسباب هذا الغلاء الفاحش، حسب وصفها، ودور الجهات المختصة بالرقابة على الأسواق المحلية وتنظيم الحركة التجارية” . وأضافت “إذا كانت الأسعار الحالية في متناول بعض الأسر ذات الحال الميسور، من أين تأتي شريحة واسعة من الأسر ذات الدخل المحدود بتكاليف الاستعداد للمدارس، في ظل الارتفاع الملحوظ في أسعار القرطاسية” .

طارق يهمور الحبسي، ولي أمر، لديه 6 أبناء على مقاعد الدراسة في مراحل دراسية مختلفة، يقول “إن غلاء أسعار اللوازم المدرسية ظاهر للعيان، وتكفي جولة في المكتبات ومحلات بيع القرطاسية لمعرفة هذا الواقع عن كثب”، معتبراً أن “غلاء أسعار القرطاسية في السوق المحلي يندرج ضمن ظاهرة ارتفاع شتى السلع والخدمات في الإمارات، والتي تشكل موجة غامرة في السنوات الماضية، تزحف على احتياجات ومتطلبات أفراد الأسرة، بمختلف مراحلهم العمرية” .

يضيف الحبسي “تعاني الأسر ذات الدخل المحدود في توفير متطلبات أبنائها للدراسة، مع بدء العد التدريجي للعام الدراسي الجديد، وتتفاقم معاناة أرباب الأسر ذوي الرواتب المحدودة، الذين تضم أسرهم عدداً كبيراً من الأبناء الطلبة على مقاعد الدراسة، ويصل في بعض الحالات إلى 10 أبناء يدرسون في وقت واحد، ما يشكل ضغطاً ثقيلاً على كاهل الآباء والأسر، الأمر الذي يستدعي النظر إلى معاناة هذه الشريحة من المجتمع المحلي” . وألقى الضوء على “معاناة فئات الأرامل والمطلقات وكبار السن والعجزة والمرضى من أرباب الأسر والمعتمدين على معونة “الشؤون”، في توفير احتياجات أبنائهم من اللوازم المدرسية قبل بدء العام الدراسي ومع الأيام الأولى من انطلاقته، حين تتزايد مطالب المدارس والمعلمين”، مناشداً ب”النظر في أوضاع تلك الشرائح الاجتماعية المعوزة من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة” .

ويطالب وسام مقبل، ولي أمر، المسؤولين والجهات المختصة ب”تعزيز الرقابة وتكثيف حملات التفتيش على المكتبات ومتاجر بيع القرطاسية ولوازم المدارس ومحلات الهايبر ماركت والأسواق الاستهلاكية الكبرى قبل العام الدراسي مباشرة وخلاله، لمنع الاستغلال ورفع الأسعار غير المبرر، رأفة بالأسر المحدودة الدخل”، محذراً من “تأثير وخيم للغلاء بصورة عامة، وخاصة في القرطاسية واللوازم المدرسية، على القطاع التربوي والحركة التعليمية في الدولة، والتي تشكل حجر زاوية في عملية التنمية” .

إبراهيم الشيراوي، أب لأربعة أبناء من طلبة المدارس، اثنان من الذكور ومثلهما من الإناث، يشير إلى “الغلاء المستمر من عام دراسي لآخر في أسعار القرطاسية، والذي يتابعه شخصياً بصورة سنوية خلال شرائه احتياجات أبنائه، وغياب أي رادع أو إجراءات حازمة لكبح جماح الغلاء في هذا القطاع الحيوي، المتصل بمستقبل أبنائنا والحركة التعليمية والتربوية في الدولة، التي تعد الأساس المتين للتطوير والتقدم في شتى القطاعات في كل دول العالم” .

ويشير الشيراوي إلى أن “أسعار الزي المدرسي الموحد، المخصص للطالبات خاصة، والأحذية الرياضية والقرطاسية والحقائب المدرسية ترتفع بصورة حادة مع انطلاق كل عام دراسي جديد .

آثار سلبية لعجز الأسر

مهلة حسن الملا، معلمة لغة عربية في مدرسة زيد بن حارثة للتعليم الأساسي للذكور، تشرح تأثير غلاء القرطاسية ولوازم المدارس على الطلبة، من واقع قربها اليومي منهم، إلى جانب كونها أم لخمسة أبناء على مقاعد الدراسة، بالقول “إنها تلاحظ عجز فئة من الأسر عن توفير المستلزمات المدرسية لأبنائها الطلبة خلال عملها اليومي كمعلمة، الأمر الذي تلمسه عند طلبها للوسائل والاحتياجات من طلبتها بصورة خاصة”، وتلفت إلى “الانعكاس السلبي لعجز بعض الأسر عن تلبية احتياجات أبنائها من القرطاسية وبقية اللوازم، لاسيما عندما يقارنون أنفسهم بقرنائهم من زملائهم الآخرين، ما يتضاعف أثره لدى الطلبة في المراحل السنية المبكرة، نظراً لشفافية نفوسهم ودقة مشاعرهم، ويدفع ذلك بعضهم إلى “سرقة بريئة”، إن جاز التعبير، لحاجيات زملائهم، وهي مشكلة إذا لم تتم معالجتها في سن مبكرة واستمرت قد تتفاقم مع مرور الأيام، ليتحول صاحبها إلى عنصر سلبي ناقم على المجتمع، يهدد أمنه وطمأنينته، وهي ظواهر نلاحظها كمعلمين داخل الفصل الدراسي” .

وترى أن “ارتفاع أسعار لوازم الدراسة وإلحاح الأبناء وحاجتهم والرغبة في مسايرتهم والرفق بمشاعرهم يضطر بعض الأسر إلى الرضوخ للأمر الواقع وشرائها، رغم الغلاء، ما يشكل ضغطاً على ميزانية الأسرة المحدودة الدخل .

عثمان جميل، موظف في إحدى المكتبات المتخصصة في بيع القرطاسية واحتياجات المدارس، يوضح أن “الأسعار غير ثابتة لدى الكثير من المحلات التجارية المتخصصة، وهي قابلة للنقاش والأخذ والعطاء بين الزبائن وأصحاب المكتبات والعاملين فيها، ما يوفر هامشاً وفرصة لأرباب الأسر، للبحث عما يخفف عن كاهلهم” .

الموردون هم السبب

ويرى عدد من تجار التجزئة وأصحاب المكتبات أن “سبب الغلاء يرجع إلى الموردين الكبار، فيما لدى بعض المكتبات مبررات لرفع الأسعار نسبياً، لأسباب أهمها ارتفاع قيمة الإيجارات، والارتفاع الموازي خلال المراحل الماضية في قيمة الرسوم الحكومية المفروضة من قبل الدوائر الاتحادية والمحلية المختصة، منها غلاء قيمة معاملات استقدام وتشغيل العمالة لدى وزارة العمل وقيمة الرخص التجارية، ما يدفع بعض تجار التجزئة إلى رفع أسعار القرطاسية، لتعويض خسائرهم، ولتحقيق هامش ربحي معقول” . ولم يستبعد أحد أصحاب المكتبات أن يكون “جشع بعض ملاك المكتبات، من تجار التجزئة، عاملاً في تعزيز موجة غلاء القرطاسية ومضاعفة الأعباء على كاهل أولياء الأمور” .

ويدافع أصحاب مكتبات وعاملون فيها عن أنفسهم، مشيرين إلى “ضعف الإقبال على منشآتهم والخسائر التي تتكبدها، على الرغم من أن المدارس باتت على الأبواب، وهو الموسم الذي تنتظره المكتبات ومحلات بيع القرطاسية لتعويض خسائرها وجني الأرباح، فيما نتوقع تحسن الإقبال خلال الأيام القليلة القادمة، وتحديدا بعد العيد، إذ ينتظر الكثير من الأسر انتهاء رمضان والعيد وانشغالاتهما وما يتطلبان من تكاليف باهظة، للمباشرة في توفير مستلزمات أبنائهم للدراسة” . ويؤكدون “تلقيهم الشكاوى خلال عملهم اليومي من قبل الزبائن من أولياء الأمور” .

ويقدر عدد من العاملين في متاجر بيع القرطاسية نسبة الارتفاع في أسعارها هذا العام ب20%، وهي النسبة ذاتها التي قفزتها الأسعار خلال الأعوام القليلة الماضية . ويلفت بعضهم إلى أن “الغلاء يتركز حاليا في أسعار الورق ومنتجاته، مثل الدفاتر والكراسات والأقلام، فيما ترتفع أحيانا بعض أصناف اللوازم المدرسية أكثر من مرة في العام الدراسي الواحد” . ورداً على شكاوى الأهالي من ارتفاع أسعار الحقائب المدرسية تحديداً، يقول عاملون في المكتبات “إنها تشهد ارتفاعاً في أسعارها بالفعل، كما ارتفعت أسعار معظم اللوازم المدرسية، إلا أن أسعار الحقائب تتفاوت، حسب أنواعها وجودتها وأحجامها، وتتراوح بين 40 إلى 45 حتى 130 درهماً للحقيبة الواحدة، ما يوفر الفرصة نسبيا لشرائح مختلفة من المستهلكين للاختيار، وفقا لأوضاعهم المادية” .

أحمد علي البلوشي، مدير إدارة الرقابة وحماية المستهلك في دائرة التنمية الاقتصادية برأس الخيمة، أكد أن “الدائرة نفذت قبل العيد حملة رقابية وتوجيهية، حسب وصفه، على المكتبات ومحلات بيع القرطاسية وأسواق “الهايبر الماركت” الكبيرة، التي تخصص أقساماً لبيع القرطاسية، بمناسبة اقتراب انطلاق العام الدراسي الجديد . وركز رجال الرقابة خلال الحملة على توعية تجار القرطاسية والعاملين في المكتبات بأهمية الابتعاد عن رفع الأسعار غير المبرر، والأوضاع المادية الصعبة التي تواجهها شريحة اجتماعية واسعة، بسبب الضغوط على كاهل المستهلك، والتي أحدثها تعاقب شهر رمضان المبارك وعيد الفطر وافتتاح المدارس، وقرب المناسبات الثلاث من بعضها . كما حرصت الحملة على منع التفاوت في الأسعار بين المكتبات المختلفة، وفرض وضع الأسعار بصورة بارزة للعيان على السلع من مختلف أنواع القرطاسية، وهي من شروط الدائرة في جميع المنشآت التجارية، لمنع التلاعب وضمان حق المستهلك في الاطلاع العلني على السعر، وتسهيل مهمة المفتشين في الرقابة على الأسعار وضمان عدم المبالغة فيها” .

وأضاف البلوشي أن “الحملة بادرت إلى توزيع الملصقات، التي تحمل رقم الخط الساخن لاقتصادية رأس الخيمة، والمخصص لتلقي شكاوى الجمهور وملاحظاته واستقبال استفسارات المستهلكين واقتراحاتهم على الأسعار والخدمات كافة، فيما يتم إلزام المكتبات وجميع المنشآت التجارية العاملة بوضع تلك الملصقات على واجهات منشآتهم، وعلى أبوابها تحديداً، وداخلها، لتكون بارزة للعيان”، مضيفا أن “طاقم الدائرة نجح حتى الآن في توزيع الملصقات وتعليقها في 85% تقريباً من المحلات التجارية في مناطق الإمارة، بما فيها البعيدة والنائية، فيما تفرض مخالفة على أي محل تجاري يزيل الملصق” . ويحمل البلوشي المستهلكين جزءاً من مسؤولية غلاء القرطاسية، نظراً لسلبية الكثيرين وعدم إبلاغهم الدائرة بتجاوزات المكتبات ورفعها غير المبرر للأسعار، إذ لم تتلق الدائرة أي شكاوى أو ملاحظات بهذا الخصوص” .