“دموع المتفوقين” في الحقول العلمية الخالصة، من طلبة الوطن، وهم يتحدثون عن مستقبلهم العلمي، ليست مجرد انفعال عابر، أو لحظة حيرة تجاه خياراتهم الأكاديمية والدراسية المستقبلية، بل رسالة بليغة إلى المسؤولين، تكشف غياب الرعاية للمواهب العلمية الوطنية، وافتقار تلك الشريحة الحيوية، التي يفترض أن تلعب دوراً محورياً في التنمية الحقيقية مستقبلا، للدعم المادي والمعنوي الكافي .

بعد تتويج عدد من أبناء الوطن مؤخراً بالمراكز الأولى في أولمبياد الكيمياء العربي السادس، الذي استضافته تعليمية رأس الخيمة، وحصد آخرين من طلبة الإمارات مراكز متقدمة في المسابقات العلمية الدولية والعربية سابقا، يتساءل طلبة وأولياء أمورهم بإلحاح، حول استمرار غياب أي مؤسسة وطنية متكاملة لرعاية المتفوقين وأصحاب الطاقات النادرة في التخصصات العلمية، كالعلوم والفيزياء والأحياء والكيمياء والرياضيات، وجاءت “الدموع” رد فعل طبيعياً عليه من قبل عدد من الطلبة المواطنين المتميزين علميا، ممن أثبتوا علو كعبهم مؤخراً، في حديثهم ل”الخليج” حول توجهاتهم العلمية مستقبلاً، والفرص المتاحة أمامهم .

الطالبة نورة سالم اليماحي، 18 عاماً، خريجة ثانوية عامة بمعدل 98%، التاسعة بين المواطنين بمنطقة الفجيرة التعليمية، قالت، وهي تغالب دموعها: “إنها صدمت من حجم الإهمال الذي واجهته كطالبة متفوقة علمياً، ما أصابها بإحباط شديد، بعد تخرجها من الثانوية”، ورغم معدلها العالي، إلا أنها تؤكد أنها “أصرت على تعويض أسرتها، التي كانت تتطلع لتبوئها المراكز الأولى بين طلبة الثانوية العامة على نطاق الدولة، من خلال التفوق في إحدى المسابقات العلمية العربية، الأمر الذي تحقق لها سريعاً في أولمبياد الكيمياء العربي الأخير، حين حصدت المركز الأول بين الطلبة العرب” .

وتشرح اليماحي قصتها: “كان حلمي دراسة الطاقة النووية أو طاقة الرياح المتجددة، في ظل الاهتمام المتصاعد بمثل هذه التخصصات محلياً وإقليمياً ودولياً، وانسجامها مع ميولي العلمية وطموحاتي، لكن وقع الصدمة كان حادا، بعد أن وجدت الأبواب موصدة في وجهي، إذ إن الابتعاث لدراسة أي من تلك التخصصات في الخارج صعب للغاية، لأسباب اجتماعية ترتبط بالتقاليد والقيم، التي تجعل اغتراب الطالبة المواطنة للدراسة في الخارج شبه مستحيل، في حين أن التخصصات العملية النادرة غائبة عن برامج الجامعات المحلية في الإمارات، حيث ينصب التركيز على التخصصات الإنسانية، رغم أهمية التخصصات العلمية في دفع مسيرة التنمية” .

وتقول: “الحقيقة التي خرجت بها بعد تخرجي في الثانوية العامة، هي أن على الطالب المواطن أن يسعى بنفسه وحيداً، في غياب دور فاعل لأي مؤسسة وطنية متخصصة تتكفل بدعم الطاقات العلمية، وتوفير فرص استكمال تعليمها العالي في التخصصات العلمية المنشودة، وصولاً إلى استغلال طاقاتهم المهدرة في خدمة الوطن، فضلاً عن غياب بيئة علمية متكاملة، كالمراكز البحثية والمختبرات والمكتبات”، وتؤكد أنها “اضطرت تحت إملاء الواقع إلى حصر اختياراتها في تخصصات تقليدية”، مشيرة إلى أن “السبل تتقطع بالطالب الطموح علمياً في مواجهة ضعف البنية التحتية الأكاديمية والعلمية ومنظومة القيم الاجتماعية، ورفض الأسرة لفكرة اغتراب أبنائها” .

وينتقد حمدان يعقوب الحوسني، 17 عاماً، طالب ثانوية عامة، من منطقة أبوظبي التعليمية، الذي يحلم بدراسة الهندسة النووية، “تركيز الدعم والاهتمام على النشاط الرياضي ودعم الرياضيين، خاصة في كرة القدم، مقابل ضعف الدعم الموجه للباحثين المواطنين والمواهب العلمية، فالتحول إلى لاعب أفضل ألف مرة من التفكير بالتخصص في المجالات العلمية، أو الرغبة في أن تصبح باحثاً في الشؤون العلمية”، مطالباً ب”إنشاء مؤسسة تضع على عاتقها مهمة اكتشاف الموهوبين من المواطنين علمياً، وإتاحة فرص الدراسة بما يناسب ميولهم، وتوجيههم بصورة سليمة، والعمل على تدريبهم وصقلهم المستمر” .