بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله انتجبه لولاته واختصه برسالته وأكرمه بالنبوة أمينا على غيبه ورحمة للعالمين .وصلى الله على محمد وآله عليهم السلام قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31)
أما بعد :
فكم يطيب لي أن أقدم بحثي((الإسراف والتبذير )) فالإسراف في اللغة هو مجاوزة الحد ،ويعرفه الجرجاني بأنه مجاوزة الحد في النفقة. والإسراف كما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير ، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف ". ولذلك اخترته ليكون عنوانا لبحثي الذي تحتوي طياته على مجموعة من النقاط أبرزها:
مفهوم الإسراف والتبذير^
الشرع ينهى عن الإسراف
^
^الفرق بين التبذير والإسراف
أسباب الإسراف والتبذير^
^الإسراف في القرآن
^من صور الإسراف في واقعنا
^ الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير















مفهوم الإسراف والتبذير:
المعنى اللغوي للإسراف هو مجاوزة الحد وقد ذكر القليوبي هذا المعنى اللغوي في تعريفه للإسراف، ولكن بعض العلماء خصَّ استعمال الإسراف بالنفقة والأكل. يقول الجرجاني في تعريفاته: "الإسراف تجاوز الحد في النفقة". وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحل له، أو يأكل ما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز الكمية فهو جهل بمقادير الحقوق. وقيل: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس.
ومما سبق نستطيع القول إن الإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول، وإن كان في الإنفاق أشهر. وكما يكون الإسراف في الشر يكون في الخير، كمن تصدق بجميع ماله كما في قوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).. والإسراف كما يكون من الغنى، فقد يكون من الفقير أيضاَ، لأنه أمر نسبي.. والإسراف يكون تارة بالقدر، ويكون تارة بالكيفية، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف".
الإسراف والتبذير: التبذير هو تفريق المال وإنفاقه في السرف، قال تعالى: (ولا تبذر تبذيراً). وخصه بعضهم بإنفاق المال في المعاصي، وتفريقه في غير حق.
ويعرف بعض الفقهاء التبذير بأنه: "عدم إحسان التصرف في المال، وصرفه فيما لا ينبغي، وأما صرف المال إلى وجوه البر فليس بتبذير، وصرفه في الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله تبذير". وعلى هذا فالتبذير أخص من الإسراف، لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في السرف أو المعاصي، أو في غير حق، والإسراف أهم من ذلك، لأنه مجاوزة الحد، سواء أكان في الأموال أم في غيرها، كما يستعمل الإسراف في الإفراط في الكلام أو القتل وغيرهما.
وقد فرق ابن عابدين بين الإسراف والتبذير من جهة أخرى، فقال: "التبذير يستعمل في المشهور بمعنى الإسراف، والتحقيق أن بينهما فرقاً وهو أن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي.
ومثله ما جاء في "أدب الدنيا والدين": "التبذير الجهل بمواقع الحقوق، والسرف الجهل بمقادير الحقوق".. ويقول الراغب الأصفهاني: "إن التبذير في الحقيقة أقبح من الإسراف لأن بجانبه حقاً مضيعاً، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى أن يظلم غيره، ولهذا قيل أن المبذر أقبح لأنه جاهل بمقدار المال الذي هو سبب استبقاء الناس". وعليه، فإن الإسراف والتبذير بينهما علاقة عموم وخصوص، تخضع لقاعدة "إذا اجتمعا اتفقا، وإذا افترقا اختلفا".
الشرع ينهى عن الإسراف:
ولأن الإسراف من مساوئ الأخلاق التي تعود على صاحبها وعلى المجتمع والأمة بالكثير من الأضرار فإن الله عز وجل قد نهى عباده عنه فقال: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31).
وقال تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).
وقال عز وجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة ". والأدلة في هذا كثيرة.
الفرق بين التبذير والإسراف:
بعض اللغويين فسر التبذير بالإسراف في الإنفاق، وبعضهم فرق بينهما فالإسراف قد تقدم معناه أما التبذير فقال الراغب الأصفهاني:
التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال اللّه تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏ [الإسراء/ 27]، وقال تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء/ 26]. وعلى هذا فالتبذير يكون أعم وأشمل من التضييع في الإنفاق.

أسباب الإسراف والتبذير:
وللإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها:
1 جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعاً على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نُهى عنه (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا..) فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين).. ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلى الإسراف. جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف..".
2 النشأة الأولى: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولى، أي الحياة الأولى، ذلك أن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي. ولعلنا بهذا ندرك شيئاً من أسرار دعوة الإسلام وتأكيده على ضرورة اتصاف الزوجين والتزامهما بشرع الله وهديه. قال تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم..).. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".
3 الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة. والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر.
4 السعة بعد الضيق: وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر، فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماماً، فيكون الإسراف والتبذير.
5 صحبة المسرفين: وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ أن المرء كما قال صلى الله عليه وسلم: "على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
6 حب الظهور والتباهي: وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.
7 المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها.
8 الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير: وقد يكون السبب في الإسراف والتبذير إنما هو الغفلة عن الآثار المترتبة عليهما، ذلك أن للإسراف آثاراً ضارة، وللتبذير عواقب مهلكة. ولقد عرف من طبيعة الإنسان أنه غالباً ما يفعل الشيء أو يتركه، إذا كان على ذكره من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار، فإن سلوكه يختل.. وقد تبين من خلال دراسة ميدانية عن المشكلات الاقتصادية التي تواجه الشباب أن معظم التعبيرات الحرة من أفراد عينة البحث كانت تعبر عن التبذير والإسراف في غير مكانه بنسبة 8،3% ومن نماذج تعبيراتهم الحرة: "إنني مبذر أذهب إلى المحل وأنا لا أحدد ما سأشتري"، "عدم التوازن في النفقات وعدم تنظيم الصرف"، "أحياناً أضع مالاً في غير مكانه الصحيح"، "عدم قدرتي على حفظ نفسي من صرف المال"، هذه التعبيرات تبرز حاجة الشباب خاصة إلى المنهج الإسلامي في معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير وإنفاق المال في كل ما هو شرعي وغير ضار.

الإسراف في القرآن:
قال تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام: من الآية141)
أي لا تجاوزوا الحد وهذا يقال تارة اعتبارا بالقدر، وتارة بالكيفيّة، ولهذا قال سفيان: (ما أنفقت في غير طاعة اللّه فهو سَرَفٌ، وإن كان قليلا) وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ} غافر/ 43. أي المتعدون طور العبودية هم أصحاب النار.
وقال تعالى: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} الشعراء / 151. أي شرفاء القوم وعظماؤهم وهم منحرفون.
وقال تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} يونس/ 83.
قال في التبيان: اخبر تعالى أن فرعون كان عالياً من المسرفين أي متجبراً متكبراً من المسرفين في الأرض الذين يتجاوزون حد ما يجوز فعله إلى ما لا يجوز فعله استكباراً وعلواً وعتوّاً، يقال: أسرف يسرف إسرافاً فهو مسرف، ومثله الإفراط، وضده الإقتار، وإنما وصف المسرف بأنه عال، وإن كان وصف عال قد يكون صفة مدح، لأنه قيده بأنه عال في الإسراف، لان العالي في الإحسان ممدوح والعالي في الإسراف مذموم، وإطلاق صفة عال تعظيم، وإذا أطلق فالمدح به أولى. وقال الطبرسي: «وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ» أي مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها «وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ» أي من المجاوزين الحد في العصيان لأنه ادعى الربوبية وأسرف في القتل والظلم والإسراف التجاوز عن الحد في كل شي‏ء
وفي آية أخرى حول فرعون قال تعالى: {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} (الدخان:31)
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) غافر/ 28.
وقال تعالى: (كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ ) غافر/ 34. أي كافر شاك.
وقال تعالى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) يس / 19. أي متجاوزون الحد الموضوع لكم.
وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة: من الآية32) يعني بني إسرائيل.
وقال تعالى: (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (الأنبياء:9)
وقال تعالى: (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يونس / 12.
وقد نهى القرآن الكريم عن الإسراف في موارد عديدة منها:
قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) 7/ 31.
وقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) 6/ 141.
وقوله تعالى: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) 17/ 33.
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) 25/ 67. مدح حالة الوسطية بين الإسراف والتقتير وبين التبذير والبخل.
وقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) النساء / 6.
وقوله تعالى: (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ)
أي وكما ذكرنا نجزي من أشرك وجاوز الحد في العصيان ولم يؤمن بآيات ربه أي لم يصدق بحجج ربه وكتبه ورسله «وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ» من عذاب الدنيا وعذاب القبر «وَأَبْقى‏» أي أدوم لأنه لا يزول وعذاب الدنيا وعذاب القبر يزول‏
مجموع الآيات التي تعرض القرآن الكريم فيها للسرف ومشتقاته ينبئ عن وخامة الإسراف وخطره على مختلف الأصعدة:
1- الاقتصادية .
2- والعقائدية
3- والأخلاقية .
4- والسياسية .
5- والفقهية .
بل إن الإسراف يشكل جريمة على العالم كله ويدفع ثمنها الضعفاء والفقراء ومتوسطي الحال طيلة حياتهم ويرثها أجيالهم المستقبلية.
من صور الإسراف في واقعنا:
هناك صور كثيرة في دنيا الناس حين يراها العبد بمنظار الشرع يراها إسرافا وتبذيرا وتجاوزا للحدود ، قد أشار أبو الحسن الماوردي رحمه الله إلى كثير منها حين قال:
( من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذماً ويحمل إلى آخرته إثماً كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين، ومن التبذير أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه، ومن التبذير أن يجعل المال في الفُرش الوثيرة والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها.." ثم يقول: "وكل ما أنفقه الإنسان ما يكسبه عند الله أجراً ويرفع له إليه منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمداًً فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر. وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثماً وعند العقلاء ذماً فهو تبذير وإن قلّ...).
فإنفاق المال على الدخان والمخدرات والمسكرات من أعظم صور الإسراف والتبذير ، وإنفاقه في فضول الطعام والشراب بل ورمي الطعام والشراب في القمامة من صور الإسراف والتبذير ، والعجيب أن بعض الدول الإسلامية تبلغ نسبة فضلات الأطعمة الملقاة في القمامة فيها 45% ، أليس هذا إسرافا وتبذيرا؟!.ثم إن من صور الإسراف والتبذير متابعة الموضة والانشغال بجنون الأزياء والاستجابة لضغوط الحملات الإعلامية الصاخبة التي تحمل كثيرا من متابعيها على شراء ما لا يحتاجون.


الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير:
لا شك أن هناك العديد من النتائج والآثار السيئة المترتبة على شيوع ظاهرة الإسراف والتبذير، ومن ذلك:
1 الإسراف خطر على العقيدة: الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعاً كاذباً يفوق الدخل الحقيقي المستمر، ثم لا تكاد المكاسب الجانبية تزول ولا يبقى سوى الدخل الحقيقي، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه فتمتد اليد بشكل أو بآخر فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظاً على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به".
2 الإسراف نوع من التسرع والتهور: الإسراف نوع من التهور والتسرع وعدم التبصر بعواقب الأمور وقد يكون دليلاً على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب وسئ النتائج فهو يقتل حيوية الأمة ويؤدي بها إلى البوار والفساد ويملأ القلوب حقداً وضغينة ويقضي على حياة الأمن والاستقرار كما أن فيه كسراً لنفوس الفقراء وبطراً لأهل الغنى.
3 الإسراف ودواعي الشر والإثم: فالإسراف داع إلى أنواع كثيرة من الشر، لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
4 الإسراف وتأثيره على البيئة: يعتبر الإسراف سبباً رئيساً من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها. وهو وإن كان متعدد الصور والأساليب، إلا أنه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة: إهلاك الحرث والنسل، وتدمير التوازن البيئي.
5 الترف والدعوة إلى النعومة والليونة: يؤدي الترف إلى النعومة والليونة، التي تدفع الناس إلى الرذائل، وتقعد بهم عن الجهاد والتضحية، وفي ذلك أعظم الخطر على الأمة.
6 التبذير والهوى: التبذير مما يأمر به الهوى وينهى عنه العقل، وأحسن الأدب في هذا تأديب الحق سبحانه حين قال: (ولا تبذر تبذيراً). فالإنسان قد يعطي رزق شهر في يوم، فإذا بذر فيه بقي شهراً يعاني البلاء، وإذا دبر منه عاش شهراً طيب النفس.
7 عدم الرعاية والاهتمام بالآخرين: ذلك أن الإنسان لا يراعي الآخرين ولا يهتم بهم غالباً، إلا إذا أضناه التعب وغصته الحاجة، كما أثر عن يوسف عليه السلام لما سُئل: لا نراك تشبع أبداً؟ قال: أخاف أن شبعت أن أنسى الجياع، والمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب، فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين.
الخاتمة :

أخيرا عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة أن الإسراف من الأمور المنهي عنها لقوله تعالى {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام: من الآية141)ولم ينهى الله عن شيء إلا لحكمة أو لضرر فهناك أسباب وآثار وصور للإسراف والتبذير كثيرة ، نسأل الله أن يقينا والمسلمين شرها ، وأن يجنبنا جميعا كل مكروه وسوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصادر :
الكتب(1)
(1) القرآن الكريم
(2) خير الدين وانلي، الأكمل من هدي النبي المرسل،دار ابن حزم،الطبعة الأولى.
) أبو زكريا محيي الدين يحيى النووي ، شرح رياض الصالحين ، المكتبة التوفيقية، 3 (
الجزء الثالث
(2) الإنترنت:
http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=
http://alradhy.com/hadeth/alahadeth29/10-1.htm

http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/namaa-32/morajaat.asp