ابرز قضايانا الوطنية بحاجة إلى حلول جذرية وناجعة

واقع العلاقات التربوية في النظام التعليمي ... (2)




يشكل الواقع التعليمي عبئاً على مواكبة الوتيرة المتسارعة للتنمية في الدولة على الرغم من توفير جميع الامكانيات للنهوض به، ونظراً لأهمية دوره في إعداد الكفاءات العلمية والمهنية رفيعة المستوى وتأهيل الكوادر الوطنية في عالم أضحت فيه الموارد المعرفية ذات أهمية كبرى في التنمية الشاملة، يحظى التعليم في الإمارات بأهمية بالغة من القيادة الرشيدة ويشكل أولوية في سلم الإستراتيجية الاتحادية . وتطوير التعليم يجب أن ينسجم مع التقدم الذي وصلت إليه الدولة لتتناسب معاييره مع الطفرات المتلاحقة والإنجازات المتواصلة التي تشهدها الإمارات في شتى مجالات الحياة، وفقاً لرؤية تتلخص في إيجاد منظومة تعليمية تتواءم مع أفضل المعايير التربوية العالمية، وتعد الطالب لحياة نافعة ومنتجة، وتنمي لديه القدرة على التعليم المستمر والتعامل مع معطيات عصر العولمة، وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع . وانطلاقاً من أن التعليم هو مفتاح التطور والتقدم للشعوب، تفتح “الخليج” ملف التعليم وتسبر أغوار واقعه وما يعتريه من سلبيات تؤثر في تقدمه وتحد من تطويره، وتسلط الضوء على المعلمين والبيئة التعليمية والمناهج الدراسية والطلبة وأولياء الأمور، وتكشف الستار عن مدى تفاعل العلاقة بين هذه الأطراف وانعكاسها على الارتقاء بمخرجات التعليم وتحسين التحصيل الدراسي للطلبة الذين يعتبرون محور العملية التعليمية .

جدل في العلاقة التربوية وأطرافها يتبادلون الاتهامات

ليس هناك شك، على الساحة السياسية والتربوية، في أن التعليم أهم المقومات الأساسية في حياة المجتمعات البشرية، على اعتبار أن بلدان العالم خاصة المتقدمة منها تسخر له ميزانيات هائلة لإصلاح مناهجه وتوفير وسائله وتطوير علاقاته ودعم عناصر العملية التعليمية وخاصة الطالب والمدرس والأسرة، وكل ذلك بهدف الوصول إلى بيئة تعليمية أفضل .

وعلى هذا النحو كان التعليم مقياساً لتقييم نجاح أو فشل أي مجتمع .

فتطوير التعليم ليس بمسألة متعلقة بمجتمع دون سواه وإعادة النظر في عناصره أمر يفرضه التغير المستمر للظروف الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويشمل حتى أكبر دول العالم، وفي هذا الصدد صرح جون كنيدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن فاز بالانتخابات الرئاسية أن سر تفوق الاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة وتمكنهم من غزو الفضاء يرجع بالدرجة الأولى إلى نجاح النظام التعليمي في الاتحاد السوفيتي وإخفاقه في الولايات المتحدة .

ولما كان الطالب محور العملية التعليمية منه تنطلق وإليه ترتد فإنه من الواجب أن يعمل كل الفاعلين التربويين من أجل إعداده إعداداً صالحاً ليس من حيث الجانب العلمي فحسب بل من الجانب التربوي والأخلاقي أيضاً على اعتبار أن الطالب اليوم هو رجل الغد الذي سيشارك في عملية التنمية الشاملة .

فما هو واقع العلاقات التربوية في النظام التعليمي الإماراتي من وجهة نظر الفاعلين الاجتماعيين التربويين؟ وهل تؤثر طبيعة هذه العلاقات على العملية التعليمية؟ “الخليج” طرحت هذه التساؤلات من خلال التحقيق التالي:

تحقيق: عبد الرحمن دوار

البداية كانت مع عدد من الطلبة من مختلف المراحل التعليمية الذين ألقوا اللوم على توتر العلاقة بين الطالب والمدرس إلى الأخير وإلى المناهج الدراسية الطويلة حيث يحاول كل مدرس أن ينهي برنامجه من دون أن يعير أي اهتمام لفهم واستيعاب الطالب .

يقول عمار خلفان سالم الجابري طالب في مدرسة معاذ بن جبل “توتر العلاقات بين الطالب المتوسط أو الضعيف والمدرس يحدث عندما يطلب الطالب إعادة فكرة لم يفهما من المدرس، فيحدث نوع من الغضب وقد يتلفظ بألفاظ لا تليق به كمدرس ولا يحترم تواجده في بيئة مدرسية، وعدم احتواء المشكلة في لحظتها يؤدي إلى تفاقمها وتدخل ولي الأمر وهو ما يزيد الطين بلة”

وأرجع عبدالله سعيد الراشدي طالب في مدرسة الثميد للتعليم الثانوي، ظاهرة العلاقات التربوية المتوترة بين الطالب والمدرس إلى غياب الصبر لدى المدرس الذي يلقى بمشاكله الشخصية على الطلاب وكأن الطلاب هم المسؤولون عن الوضع الذي يعيشه وعن الراتب الذي يتقاضاه من وزارة التربية والتعليم، مما يجعل المدرس في لحظة غضب وقد يصدر قراراً بامتحان فوري يمتحن فيه الطالب من دون إخطار مسبق فيصل الأمر إلى ولي الأمر الذي يحرص على مصير ابنه في المادة وهكذا تتوتر وتتصاعد المشكلة إلى أعلى المستويات .

وتساءل حميد علي النعيمي طالب في مدرسة الذيد للتعليم الثانوي عن مدى نجاعة الأسلوب التربوي القائم على نعت الطالب بأنه حيوان لا يفهم، مطالباً المدرسين بضرورة التنسيق فيما بينهم حتى لا تتكاثر الواجبات على الطالب مما يجعله غير قادر على المذاكرة، وهو ما يخلق نوعا من التوتر بين الطالب والمدرس، إضافة إلى وضع الأصفار على كل طالب متغيب عن امتحان من دون البحث عن سبب الغياب .

غياب اللوائح العقابية

ويرى المدرسون أن العلاقة التربوية بين المدرس والطالب من جهة وبين المدرس وأسرة الطالب من جهة أخرى تتأثر مباشرة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الطالب، مطالبين وزارة التربية والتعليم بضرورة تعديل القوانين واللوائح المدرسية لتتماشى مع التطورات التكنولوجية الحاصلة على مستوى العالم والتي شملت الدولة .

أدهم جعفر مدرس مادة الجغرافيا في مدرسة معاذ بن جبل، يرى أن وجود العديد من الملهيات في حياة الطالب سبب رئيس في انعدام الدوافع عنده، من بينها كثرة الجلوس على الانترنت واستخدام الهواتف النقالة في سن مبكرة جدا في ظل غياب الأبوين اللذين يركضان وراء لقمة العيش أو تنشئة الطالب تكون من خادمة، مشيراً إلى غياب اللوائح التنظيمية الوزارية عن أي أسلوب في العقاب في الوقت الذي نجد فيه مواد كثيرة تنص على الثواب ويلاحظ عجز إدارات المدارس عن تطبيق هذه اللوائح في الكثير من الأحيان، حيث يمنع استخدام الهاتف في الفصول الدراسية وحتى إدخاله إلى المدرسة إلا أن الكثير من الإدارات المدرسية عاجزة عن منع الطالب من استخدام الهاتف النقال فكيف يمكن للمدرس أن يؤدي واجبه التعليمي على أكمل وجه في وجود عوامل تشويش تعوق العملية الاتصالية بين الطالب والمدرس، وأنادي بعودة مبادئ المدرسة التقليدية في ما يتعلق بالجزاء والتي تحفظ حقوق المدرس وتعيد نظرة المجتمع الدونية لهذه المهنة النبيلة .

عدم التوافق

ويقول سعيد الزلباني مدرس علم النفس، الواقع التربوي انعكاس للواقع الذي نعيشه، فإذا نظرنا إلى ما تبذله وزارة التربية والتعليم من جهود في سبيل توفير كل الوسائل التعليمية لأمكن القول إن مخرجات التعليم يجب أن تكون متفقة مع هذه الجهود، إلا أن ما يمكن ملاحظته أن مخرجات التعليم لا تتفق تماما مع هذا الكم الهائل من الوسائل التعليمية والكوادر البشرية التي توفرها الوزارة والذي يعود بالأساس إلى وجود فجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل مما يخلق لدى الطالب عدم الرغبة في التعلم والمعرفة، وأن الشهادة لن تضيف إلى رصيده أي شيء فيضيع الطالب وسط هذه الظروف، وهو ما أفرز ظاهرة التسرب المدرسي التي تعد هدراً للموارد المادية التي توفرها الدولة ويلاحظ أن الخلل في توتر العلاقة بين المدرس والطالب يعود بالأساس إلى وجود فجوات بين المدرس والطالب والمنهج، والحل هو أن خلق بيئة مدرسية تساعد على جذب الطالب من خلال الأنشطة والرحلات الميدانية وإعادة النظر في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل وإلزام الطالب بالتعليم من خلال وضع قواعد قانونية صارمة كأن يحرم كل فرد من العمل من دون مستوى الثانوي .

وهو الأمر الذي أيده يوسف الديوك معلم مادة التربية الفنية قائلاً يجب الاهتمام واحتواء طاقة الطالب وتحويلها إلى قدرات تتماشى مع ميوله ورغباته من دون إهمال للجانب التعليمي، ويرى الطالب يكون سبباً في انفعال المدرس الذي يظل بشراً يتأثر بما يحيط به من ظروف .

قواعد صحيحة

وأجمع مديرو المدارس على أن العلاقة التربوية بين الطالب والمدرس وبين المدرسة والأسرة يجب أن تبنى على قواعد صحيحة يسودها التعاون والأخوة واحتواء المشكلات ضمن المدرسة وعدم التصعيد إلى جهات أعلى قد تزيد من تفاقمها .

محمد علي مدير مدرسة المجد يرى أن الفراغ أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوث بعض التوتر في العلاقة التي تجمع المدرس بالطالب فكلما كان وقت الفراغ معدوما قلت المشكلات بين المدرس والطلبة كما يرى أن إشراك الطالب في اتخاذ القرار مهما كان يقوي هذه العلاقة وهو ما تسعى وزارة التربية والتعليم إلى تجسيده من خلال عملية التقويم المستمر، إضافة إلى إعطاء فرصة للطالب في إبداء رأيه في مدرسه ضمن استبيانات سرية توزع على الطالب خارج الحصص الدراسية .

بطي المهيري مدير مدرسة علي بن أبي طالب يقول: إن المدرسة هي صورة مصغرة لوزارة التربية والتعليم وإنه لا وجود لبيئة مدرسية من غير مشكلات لأن غياب المشكلات يعني غياب دور الإدارة المدرسية ولكن العمل يكون على تقليل المشكلات بالطرق التي تراها الإدارة مناسبة ويجب على المدرس ألا يفهم أن أي قرار يتخذ هو ضده، لأن بعض مديري المدارس يتخذون إجراء حيث أثبتت التجربة أن صدور قرار نقل مدرس من مدرسة إلى مدرسة أخرى نتائج إيجابية وكلها تصب في مصلحة الطالب فقد يكون المدرس لا يتكيف مع هذه الفئة من الطلبة لذلك يجب مراعاة في عملية التعيين رغبة المدرس ومع أي مرحلة من المراحل يمكن أن يقدم عطاء أكبر .

مهير الخيال الطنيجي مدير مدرسة وشاح يقول: إن العلاقة بين الطالب والمدرس أو بين ولي الأمر والمدرسة تتوتر في حال كانت كل الاتصالات مع ولي الأمر سلبية، بمعنى استدعاء ولي الأمر في حال وجود مشكلة سلوكية قام بها الطالب والصحيح أن يستدعي ولي الأمر في كلتا الحالتين حالة السلوك الإيجابي والسلوك السلبي واستماع إدارة المدرسة لولي الأمر والطالب والمعلم ومساعدتهم في حل المشكلات التربوية بالطرق الصحيحة هي أنجع الأساليب لتوطيد العلاقة بين كل الفاعلين التربويين التي لا بد أن تظل علاقاتهم حسنة من أجل إخراج العملية التعليمية في أحسن صورها .

من جانبهم يرى أولياء الأمور أن المدرسة هي التي تلعب الدور الأساسي في تحبيب الطالب في التعلم أو تنفيره منه .

جدول زمني

ويقول محمود العلو أحد أولياء الأمور إن تواصل إدارة المدرسة مع ولي الأمر يجب أن يكون وفق جدول زمني مرة كل شهر أو شهرين يجتمع فيه أولياء الأمور بإدارة ومعلمي المدرسة لمناقشة أهم المشكلات التربوية سواء من حيث التحصيل أو من حيث السلوكيات ومحاولة تجاوزها .

وفي الاتجاه ذاته يقول محسن زرزوري أن مسألة توتر العلاقة بين أولياء الأمور والمدرسة والطالب تعود إلى جملة من العوامل الخارجية التي تؤثر لا محالة على الطالب والمدرس ولا يمكن تجاوزها لأن المدرس بشر يؤثر ويتأثر بالظروف المحيطة والحل الأنسب هو المناقشة بين جميع الأطراف .

قصور في التواصل

الدكتور خالد صقر المري رئيس مجلس أولياء أمور طلبة وطالبات منطقة الشارقة التعليمية يقول: لا ننكر وجود القصور الجزئي في عملية التواصل بين المدرسة والأسرة وهو ما يسعى المجلس إلى معالجته، ولكن هذا القصور لا يصل إلى حد وجود فجوة في عملية التواصل بين جميع الأطراف الفاعلة في العملية التعليمية، باعتبار أن معظم الأولياء من الطبقة المتعلمة ومجلس أولياء الأمور يتواصل عن طريق جميع الوسائل الاتصالية المتاحة مع أولياء الأمور ودور المجلس ينصح بتنظيم دورات للمدرسين في مجال علم النفس التربوي وتقريب الطالب من المدرس .

ومن جانبهم يرى الموجهون أن غياب الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين له تأثير بشكل أو آخر على العلاقات بين الطالب والمدرسة والأسرة .

نبيهة حواس موجهة مادة التربية البدنية في منطقة الشارقة التعليمية تقول إن نقص الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين على مستوى المدارس يزيد من حدة تفاقم المشكلات التربوية حيث لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي يلعبه الأخصائيين في هذا المجال مشيرة إلى ضرورة أن يخضع الطالب المخطئ للعقاب الذي يطبق في الدول المتقدمة كحرمان الطالب من رحلة أو تكريم ومكافأة الملتزمين من الطلبة الذي يعد في حد ذاته عقاباً للطالب المشاغب .

وتساءلت هبة محمد موجهة الخدمة الاجتماعية عن إمكانية قيام 3 أخصائيين نفسيين فقط على مستوى منطقة الشارقة التعليمية بتأدية عملهم على أكمل وجه إضافة إلى ما يعاني منه الأخصائي الاجتماعي الذي يشرف على 500 طالب وطالبة .

وقال جاسم سلطان المدفع منسق الرحلات في منطقة الشارقة التعليمية إن الطلبة يعانون ضغطاً كبيراً في مناهج تتسم بالحشو الكثير في غياب الأنشطة الترفيهية والرحلات إن وجدت فهي قليلة وهو ما يؤثر على سلوكيات الطالب ويدفعه إلى سلوكيات تخالف طبيعته .

وفندت حصة عبد الجبار الخاجة رئيسة قسم المناهج والبرامج التعليمية في منطقة الشارقة التعليمية فرضية أن يكون المنهج سبباً في ضعف العلاقة التربوية حتى وإن تغيرت المناهج باستمرار لأن التغير من سمة الحياة ككل ومع ذلك يجب أن يخضع المدرس لدورات تدريبية في المنهج لإيصاله إلى ذهن الطالب بأفضل الطرق من خلال استخدام المدرس للدليل المرفق بالمنهج الذي تشرف عليه وزارة التربية والتعليم .

حقوق مكفولة

ويقول صلاح الحوسني رئيس قسم الأنشطة والرعاية الطلابية والاحتياجات الخاصة في منطقة الشارقة التعليمية، رداً على تخوف المدرس من الطلبة، إن المدرس يعد موظفاً حكومياً في وزارة التربية والتعليم وإن الدولة تكفل جميع حقوقه فلا مبرر للذين يقولون إن الطالب أصبح يهدد المدرس باتهامه لأن أي اتهام يتبعه تحقيق .

ويقول كل من: عبد الله إبراهيم الهرمودي رئيس قسم الشؤون القانونية في منطقة الشارقة التعليمية وسوسن عيسى باحثة، إن القانون نظم العلاقات التربوية داخل البيئة المدرسية فعلاقة الطالب بالمدرسة منظمة بقانون مجلس الوزراء رقم 454 لسنة 1998 الخاص بلائحة توجيه سلوك الطلبة والتي تحتوي على عقوبات من حق إدارة المدرسة اتخاذها ضد الطالب في حال صدور سلوك مخالف تبدأ من التنبيه الشفوي فالتنبيه الكتابي ثم الإنذار الأول فالنهائي إلى أن تصل إلى الفصل وكل عقوبة لها موجباتها وتنفيذها يكون تحت إشراف لجنة تشكل من مدير المدرسة ومساعد المدير و3 معلمين وأخصائي اجتماعي مع مراعاة سن الطالب وظروفه . ويحكم المدرس قانون 11/2008 الذي ينص في المادة 83 قيام المدرس بعمل مخالف للوائح الوزارية يعرضه للمساءلة والعقاب بلفت نظر خطي والخصم من الراتب بما لا يتجاوز 10أيام و60يوماً من السنة ثم الفصل من الخدمة مع الحق في المعاش أو مكافأة نهاية الخدمة أو حرمانه منها من الربع كحد أقصى وإيقاف المدرس لحين صدور الحكم القضائي في حال ما كان على ذمة قضية وأهم القضايا المطروحة هي لجوء المدرسين إلى الدروس الخصوصية والمخالفات المالية الخاصة بالعهدة وتوجيه ألفاظ غير لائقة من قبل المدرسين وعدم الالتزام بالدوام .

عوامل كثيرة

وأرجعت منى عبد الله شهيل نائب المدير للشؤون التربوية والأنشطة الطلابية في منطقة الشارقة التعليمية، ضعف العلاقة بين الطالب والمدرس الذي أدى إلى ضعف المخرجات التعليمية إلى أسباب عديدة ومتنوعة منها: تغيير المناهج المستمر والتطبيق السريع من دون التدريب، فمنهج اللغة الإنجليزية مثالاً تم تغييره عدة مرات في الحلقات الدراسية مما يشكل عبئاً على الطالب أضف إلى ذلك إقبال بعض المعلمين على المهنة دون أن يكون لديهم أدنى خبرة في التعامل مع المستويات المختلفة للطلبة إضافة إلى المشكلات الأسرية من طلاق ومشاجرات منزلية بين الوالدين وتعدد الزوجات مما يؤدي بولي الأمر إلى إهمال أبنائه والزواج من أجنبيات وغير ذلك، وأقترح زيادة الهيكل التنظيمي من إداريين والمشرفين وتخفيف الأعباء على المعلمين واستقرار المناهج مع تدريب المعلمين عليها وتدريب المعلمين على كيفية التعامل مع الطلبة في كل مرحلة عمرية وإجبار ولي الأمر على متابعة ابنه كحق شرعي من حقوق الطفل ومعاقبته قانوناً في حال ما أخل بهذا الالتزام وأن يترك المدرس مشاكله الخارجية وألا يقحمها في العمل وأن يتكلم عن قيمة من القيم الأخلاقية مع الطلبة .

وتقول فوزية حسن بن غريب مدير منطقة الشارقة التعليمة إن مسألة العلاقات التربوية في النظام التعليمي الإماراتي أمر يحتاج إلى دراسة حقيقية تستند إلى معطيات ميدانية يتم تناولها باستخدام المناهج العلمية الدقيقة التي توصلنا إلى كشف أهم أسباب الخلل في هذه العلاقات التي تؤثر في مخرجات التعليم .

وخير ما نختم به هذا التحقيق مقولة كبار أحد العلماء التربويين في العصر الحديث وهو: هنري ثورو الذي كتب قائلاً “إننا لا نزال نولد ونحن لا نملك إلا رؤى ناقصة عن الأشياء إن الرؤى الكاملة هي رؤى الغد الذي لم يولد بعد، حقاً أيها السادة إن دراسة الشعوب تنطلق من دراسة التاريخ الذي لم يصنع بعد لأننا ببساطة شعوب تولد باستمرار” .



ضعف الولاء والانتماء يعني رسالة تعليمية منقوصة

تواضع الحوافز المالية وراء غياب الكوادر الوطنية عن مهنة المعلم

يعتبر قطاع التعليم في دولة الإمارات من القطاعات ذات الأولوية التي توليها القيادة الوطنية الرشيدة اهتماماً واضحاً منذ قيام الاتحاد باعتبار التعليم رافداً أساسياً مساهماً في تقدم الدولة ودعم مسيرتها، وعلى الرغم من توفير كافة الإمكانات في مختلف إمارات الدولة وإنشاء وبناء المدارس والجامعات والعمل على تسخير الكوادر البشرية التعليمية ذات الكفاءة العلمية، إلا أن قطاع التعليم لايزال يواجه عددا من العقبات سواء كانت متعلقة بعمل الكادر المواطن لفئة (الذكور) أو طبيعة المناهج التعليمية المعتمدة وكذلك عدم تأهيل الطالب تأهيلا علميا صحيحا في ظل وجود علاقة غير متوازنة بين الطالب والمعلم .

تحقيق: ماهر خالد

الكوادر الوطنية

ومن جانبه، يرى عبيد حميد القعود مدير منطقة أم القيوين التعليمية أن أهم المشكلات التي توجه قطاع التعليم بشكل عام خلال مسيرته هي عزوف المواطنين (الذكور) عن مزاولة مهنة التدريس وهذه المشكلة تعد من أكثر القضايا الشائكة، فكيف يمكن لمسيرة تعليمية أن تتقدم من دون وجود كوادر وطنية تشارك في صنعها، وغياب العائد المادي الجيد المخصص لقطاع التعليم بالإضافة إلى وجود فرص عمل كبيرة ومتنوعة في قطاعات أخرى تقدم الامتيازات وتعطي نوعا من الأمان الوظيفي أدى إلى غياب الكوادر الوطنية وبالتالي يقبل الشاب المواطن الحاصل على شهادة تخرج لتقديم أوراقه في أي مؤسسة حكومية ولا يفكر في قطاع التعليم، وربما يوجد سبب آخر لعدم مزاولة مهنة التدريس يتعلق بصورة المعلم بشكل عام التي اهتزت خلال الأعوام القليلة الماضية ولم تعد تلك الصورة للمعلم صاحب الشخصية التي تحظى باهتمام وتقدير وخاصة عند الطلبة .

وكذلك غياب دور وسائل الإعلام وعدم طرح أي برامج تحفيزية أو توعوية حول مكانة ودور المعلم في صناعة تاريخ وحضارة دولة، فنحن نطالب بمعالجة هذا الملف بشكل سريع وفعال على أرض الواقع حتى نبدأ المعالجة بشكل صحيح .

أما الجانب الثاني من ملف التعليم فنجد أن المعلم لا يواجه مشكلات بمعنى الكلمة، بل إن البيئة التي توفرها الوزارة من خلال مناطقها التعليمية جيدة جدا بل مشجعة على العمل ولكن تكمن المشكلة في المعلم ذاته لعدم تغطيته واجباته المطلوبة وتوزيع ساعات العمل بشكل يتناسب مع الجدول المخطط له، وبالتالي بروز ظاهرة اجتماعية متمثلة في الدروس الخصوصية التي نعمل كمنطقة تعليمية بأم القيوين على محاربتها من خلال استصدار تعميم على مختلف المدارس يحظر فيه العمل بهذه الظاهرة وفي حالة ثبوتها على أي معلم فيتم تتبعه قانونيا، لأن قيمته ومكانته داخل المؤسسات التعليمية الرسمية وليس في أروقة الغرف المغلقة، أما بخصوص طريقة اختيار المعلم عند التعاقد معه فإن الوزارة تخضعه لعدة اختبارات شاملة معقدة وتقسم على محاور عدة فليس من السهل الاعتماد على الأوراق أو الشهادات التي حصل عليها المعلم في بلده .

الرسالة التعليمية

في حين أكد سعيد علي رئيس قسم الموارد البشرية، أن أهم المشكلات التي تواجه التعليم غياب الكادر المواطن بشكل واضح وما يترتب على ذلك بإيجاد بديل من دول عربية شقيقة للعمل في قطاع التعليم، ولذلك فإن الرسالة العلمية المطلوبة لن تتحقق بشكل كامل نظرا لغياب عناصر الولاء أو الانتماء للدولة .

فالمعلم بشكل عام يؤدي وظيفته التدريسية ضمن حدود الجدول والبرنامج المعد مسبقاً كما أن غياب عوامل التشجيع في قطاع التعليم بالنسبة للمواطنين يعد سبباً مهماً في غيابهم، وبالتالي لا بد من إيجاد حلول عملية واقعية تستجيب لمتطلبات المرحلة لبناء جيل متكامل بسواعد مواطنة مؤمنة بأن التعليم طريق للنجاح والتقدم .

أما في ما يتعلق بالبيئة التعليمية فإن وزارة التربية والتعليم لا تألو جهدا في دعمه العملية التعليمية بمختلف الوسائل والإمكانات وإعداد بيئة خصبة للعمل، ولا وجود لمبرر أن يقدم أي معلم على إعطاء دروس خصوصية للطالب خارج المدرسة ومثل هذا السلوك شخصي وليس عائدا الى الواقع التعليمي بشكل عام، فالمعلم يقبل على العمل بعد اجتياز اختبار الوزارة بمحض إرادته ولا يوجد مبرر لإعطاء الدروس الخصوصية بتاتا والتي تدخل في ثقافته الشخصية لا أكثر ولا أقل .

محدودية فرص الترقي

وحول رأي مديري المدارس حول قطاع التعليم وأين تكمن نقاط الخلل فيه، أكد حسن بله مدير مدرسة الأمير للتعليم الثانوي (بنين) أن قطاع التعليم في الدولة وعلى الرغم من توفير كل الامكانات المساعدة على تطويره إلا أن عزوف الكادر المواطن عن الالتحاق بمهنة التدريس يعد من أهم العوائق التي تحول دون تقدمه، فمهنة التدريس تعتبر شاقة وصعبة وتحتاج إلى الصبر والتحمل البدني والنفسي وحسن التعامل مع كافة الشرائح الطلابية، كما تتطلب مهنة التدريس ساعات عمل طويلة ومرهقة تمتد أحيانا إلى ساعات متأخرة من الليل من حيث التحضير وتصحيح واجبات الطلاب ووضع الامتحانات، وربما تلك العوامل لا تستجيب لطموحات الكادر المواطن، إضافة إلى غياب الحافز المادي مقارنة بالوظائف الأخرى التي تتطلب المستوى التعليمي نفسه رغم طبيعة العمل الشاق للمعلم، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على الإجازات وخاصة في الحالات الاضطرارية التي قد تحدث للمعلم وعدم السماح له بالخروج أو أخذ إجازة وإن خرج فذلك يؤثر سلبا في تقييمه وبالتالي ترقيته .

وحول أسباب عدم مزاولة المواطن لمهنة التعليم فإن تهميش الإعلام بوسائله المختلفة للدور الكبير والعمل الحقيقي الذي يقدمه المعلم المواطن، وعدم وجود الوعي الكافي لدى المجتمع بأهمية وأهداف وسمو مهنة التدريس لقلة برامج التوعية ونقص المعلومات المتاحة عن المهنة وإبراز الإعلام الجوانب السلبية للمهنة وتضخيمها في الكثير من الأفلام والبرامج ويشوه دوره الحقيقي بدلا من إبراز الجوانب الإيجابية المشرفة للمهنة .

ومن هنا يجب أن نعمل على وضع تصور شامل وعام للنهوض بقطاع التعليم باعتباره عنصرا أساسيا لنجاح أي برامج تنموية طموحة ولكي نحقق المعادلة الصعبة بتوطين مهنة التدريس يجب أن تتوفر استراتيجية لتوطين مهنة التدريس في الدولة تشارك في بناء هذه الاستراتيجية كل الأطراف ذات العلاقة، على أن تتضمن رؤية واضحة لكيفية التوطين ومدى زمني محدد، وآليات تنفيذ ممكنة التطبيق، وتقويم ومتابعة، تبني وزارة التربية والتعليم استراتيجيات محددة، تعنى بالتطوير والتحديث المستمر للمعلم، تأهيل وتدريس وتدريب المعلم وتحديث معلوماته بشكل دوري ومنتظم من خلال المشاركة في الندوات والمؤتمرات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى ضرورة تحسين بيئة العمل من خلال استحداث حضانات داخل المدارس لأطفال المعلمات، رفع رواتب المعلمين أسوة بزملائهم بالوظائف العسكرية، وتعويضهم مالياً للالتحاق بتلك المهنة نظراً لصعوبة عملهم، وتبني استراتيجية إعلامية مستمرة للتعريف بهذه المهنة وبيان أهميتها الحالية والمستقبلية، ومزايا العمل فيها بمشاركة جميع الأطراف الإعلامية الفاعلة في المجتمع مثل وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والموسوعة والمرئية .

في حين يرى جاسم القعود مدير مدرسة عثمان بن عفان، أن قطاع التعليم سيبقى المحور الأساسي في عملية بناء المجتمع وتطوره وبالتالي لا بد من عمل قراءة شمولية قائمة على معالجة الواقع فلا توجد مشكلات في صلب البيئة التعليمية، بل يوجد في بعض الأحيان سوء تقدير أثناء عملية توزيع الجدول أو الحصص الدراسية المخصصة خلال أسبوع الدراسة، فكيف يمكن لمعلم أن يقسم 24 حصة دراسية على 5 أيام من العمل هذا من جانب، فالرواتب الشهرية تعد ضعيفة مقارنة بمرتبات الوزارات الأخرى، زد على ذلك النظام الداخلي المتبع في عملية الإجازات السنوية أو المرضية، فتجد أن المعلم مطالب بتقديم إذن طبي للحصول على الإجازة من قبل مستشفى حكومي وليس من غيره، وبعدها التوجه إلى الوزارة ودفع مبلغ 50 درهما للتصديق عليه، والدروس الخصوصية بمقابل مادي أصبحت مشكلة ولن يكون لها حل إلا بمحاربتها وتقديم دعم من قبل الوزارة متمثل في إعطاء حوافز مادية خارج أوقات العمل الرسمية للمعلمين لتقديم أي دروس إضافية في المدرسة أثناء الفترة المسائية .

د . عائشة العبدالله:

مركزية عمل الوزارة من أهم ثغرات النظام التعليمي

أكدت الدكتورة عائشة أحمد العبدالله مستشارة في وزارة التربية والتعليم ل”الخليج”، إن النظام التعليمي يواجه ثغرات عدة في جوهره تتمثل بمركزية العمل دون إشراك الجهات التربوية الأخرى عند اتخاذ القرارات، والنظام المتبع بالوزارة لا يخضع بمفهومه الدراسي القائم على توعية جيل أو إيصال رسالة تعليمية للطالب من خلال تقيد المعلم ببرنامج وجدول محدد وعدم السماح له بالزيادة أو النقصان، زد على ذلك الزمن المحدد غير كاف للإبداع أو إيصال الرسالة التربوية .

ومن هنا على الوزارة أن تتبنى طرقاً وأساليب تطويرية، إضافة إلى إعطاء المعلم فرصة لعمل التقييم ودراسة الواقع لأنه الأقرب والممارس للمهنة على عكس بقية الإدارات أو الأقسام الأخرى .

وحول طبيعة عمل الكادر التعليمي بالدولة وانتقائهم فلا بد من الأخذ بالمفاهيم الحديثة لقسم الموارد البشرية عند اختيار المعلمين لوظيفة التدريس فالأفضلية للكادر المواطن صاحب الكفاءة المهنية ومن ثم إعطاء الفرصة للكادر العربي مع الحد من الاعتماد على الكوادر غير العربية .