-
مشرف ملتقى الطلبة
أسرة من الطبقة المتوسطة في 11 ديسمبر (كانون الأول) في عام 1911 بحي الجمالية، ذي الطابع التاريخي العريق، والقريب من حي الأزهر والحسين، وكان والده موظفا في إحدى المصالح الحكومية، ثم استقال وعمل بالتجارة. والطريف أن والده «عبد العزيز»، سماه نجيب محفوظ، تيمناً باسم أشهر طبيب ولادة في مصر حينذاك وهو نجيب محفوظ باشا، وقد نشر نجيب محفوظ مؤلفاته الأولى بهذا الاسم المركب «نجيب محفوظ عبد العزيز». شب نجيب محفوظ في أجواء ثورة 1919 وتأثر بمشهد جنازة الزعيم المصري سعد زغلول زعيم حزب الوفد الليبرالي، وتعلم من هذه الاجواء قيمة الوطنية وأثرها في وجدان الجماهير، وقد تبلور هذا في اهتماماته الخاصة بالعدالة الاجتماعية وعلاقتها بالحرية الفردية، وتجسد هذا بالفعل في ثلاثيته الشهيرة «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية»، والتي تؤرخ للفترة ما بين 1917 إلى 1944، ومن خلال جيلين أحدهما قام بثورة يوليو (تموز)، وضحى من أجلها والآخر حصد ثمارها. ومن الصحافي سلامة موسى الذي شجعه وفتح له أبواب «المجلة الجديدة» تعلم محفوظ معنى الاشتراكية والعلم. وعمل محفوظ منذ التحق بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة قسم الفلسفة ـ عام 1930 وحتى تخرجه فيها عام 1934 محرراً شبه ثابت في المجلة. كما نشر له سلامه موسى روايته الأولى «عبث الأقدار»، وكانت نسخها أول ما تقاضاه نجيب محفوظ من أجر على عمل روائي. وعلى الرغم من أن التأثير الأكبر والأهم في حياة نجيب محفوظ الأدبية كان من نصيب توفيق الحكيم، خاصة في فكرة التمسك بالجذور الفرعونية والعودة إليها، إلا أن محفوظ أصر منذ بداية مشواره الأدبي على أن يكون له شكله الفني الخاص ورؤيته المتفردة للواقع والتاريخ، من دون أقنعة رمزية، وهو ما تجسد في الكثير من أعماله التي مزج فيها التاريخ بالفلسفة بقضايا الواقع. وبعد تخرجه في الجامعة عام 1934 عمل نجيب محفوظ موظفاً في إدارة التفتيش بوزارة الأوقاف، وقد أكسبته طبيعة الموظف «البيروقراطي» الصغير قيمة الانضباط والنظام والبعد عن البلبلة. ومن الحارة وإيقاعها الشعبي العفوي تعلم «فن الإصغاء» بعمق إلى ما يدور حوله. توقف محفوظ تماماً عن الكتابة الأدبية طيلة سبع سنوات، وبالتحديد في الفترة من 1952 إلي 1959 وهي الفترة التي واكبت بداية ثورة 23 يوليو. وبعد هذه الفترة عاد إلى الحياة الأدبية بقوة من خلال روايته «أولاد حارتنا»، والتي نشرها مسلسلة في «الأهرام» في الفترة من 21 سبتمبر (ايلول) 1959 إلى 25 ديسمبر 1959 وكانت بمثابة ولادة جديدة لصاحب «الثلاثية»، وقال فيها كلمته بقوة في العلاقة بين الدين والعلم والاشتراكية، وانحاز إلى جانب العلم والعدالة في إطار رؤية صوفية، تستمد جذورها من صميم الواقع. لكن الأزهر اعترض على الرواية وأوقف نشرها في مصر. لكن وبعد 47 عاما من الحظر في مصر، وافق محفوظ على نشر الرواية لكن بشرطين الأول موافقة الأزهر، والثاني ان يقوم شخص قريب من الاخوان المسلمين بكتابة المقدمة. وهو ما تم بالفعل هذا العام، حيث صدرت الرواية عن «دار الشروق» بمقدمة للدكتور محمد كمال أبو المجد الذي يحسبه قطاع كبير من المثقفين المصريين على الاخوان المسلمين. لكن هذه الخطوة أدت الى انتقادات بعض المثقفين والكتاب. والبعض مثل الروائي عزت القمحاوي اعتبره «كأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به الا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للوصاية على الأدب خارجة عن القانون والدستور». وأشار إلى أن موقف محفوظ هو «جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ، يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا تكن هذه السلطة». واتفق المقربون من محفوظ، كالغيطاني والقعيد، على أن «مطالبة محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الإبداع، بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا أن لائحة الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة، إلا بناء على طلب من جهة ما». وبعد «اولاد حارتنا» و«الثلاثية» تدفقت اعمال محفوظ في كل اتجاه وكتب في كل القضايا، وطور طريقة السرد في الرواية العربية، وبناء الرواية على نحو لم يسبقه اليه غيره. اما الاثر الذي تركه في شعبية الرواية العربية فهائل سواء على المستوى العربي او الدولي، ولا ينسى قراء «الاهرام» ان احد الاسباب الاساسية لشراء الصحيفة، كان متابعة روايات محفوظ، التي كانت تنشر مسلسلة على حلقات، فكانت تحول الصحافة الى وسيط أدبي أو ناقل للأدب على المستويات الشعبية. وقد عرف محفوظ بطقوس صارمة في الكتابة: قضاء الصيف في الإسكندرية والشتاء في القاهرة. والانتهاء من العمل في الثانية ظهرا والعودة إلي البيت، ثم تناول الغداء ثم راحة لبعض الوقت، والاستيقاظ في الرابعة والكتابة لمدة ثلاث ساعات، ثم فترة راحة قصيرة وتناول العشاء، ومعاودة الكتابة أو القراءة وحين تدق الثانية عشرة مساء، يكف عن الكتابة مهما كان إلحاح الرؤى والأفكار. ولا يكتب محفوظ أعماله الروائية إلا على مكتبه في البيت، أما سيناريوهات الأفلام فأغلبها كان يكتبها على المقهى. وقد ظل محفوظ طيلة عمله بصحيفة الأهرام الذي انتقل إليها في عام 1957 بناء على رغبة رئيس تحريرها آنذاك محمد حسنين هيكل، ظل يذهب من بيته إلى مقر الصحيفة مشيا على الأقدام قاطعا نحو خمسة كيلومترات يوميا، وفي منتصف المسافة يستريح قليلا فى مقهى «على بابا» المطل على ميدان التحرير، يطالع عناوين الصحف ويتأمل وجوه العابرين، مكتفيا من فنجان القهوة برشفة أو رشفتين، ثم
-
مشرف ملتقى الطلبة
يواصل المشي حتى يصل إلى مبنى الاهرام في شارع الجلاء بوسط القاهرة في التاسعة تماما بالضبط، حتى أن موظفي الأهرام كانوا يقولون: إننا نضبط ساعاتنا يوميا على موعد وصول نجيب محفوظ. وأطلق أحد رسامي الكاريكاتير عليه وصف «الرجل الساعة».
وعلى عكس طقوس العمل الصارمة، يتميز نجيب محفوظ بوجه بشوش، وروح مرحه مع أصدقائه، وهو يضفي على مجلسه معهم جوا من المرح والدعابة بقفشاته وتعليقاته اللاذعة، فالجلوس معه متعة بذاتها حتى وإن ظل صامتا. حسبما يقول الفنان التشكيلي محمد الشربيني أحد المقربين من محفوظ. ويتابع الشربيني «كلنا نتساند على نجيب محفوظ، سواء بشخصه كرمز تفانى في العطاء بنبل وشرف، أو بأعماله التي ستبقى حية وممتدة في الزمان والمكان». وبعد تكرمات مصرية وعربية على أعلى المستويات، نال محفوظ جائزة نوبل للآداب. ويتنهد وهو يتذكر سطورا من كلمته إبان تسلمه الجائزة عام 1988 «أنا بن حضارتين تزوجتا في عصرين من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاهما عمرها سبعة آلاف سنة وهي الفرعونية، لن أحدثكم عن اهتدائها إلى الله سبحانه وتعالى، وكشفها فجر الضمير البشري. وثانيتهما يا سادة عمرها ألف وأربعمائة سنة، وهي الحضارة الإسلامية، لن أحدثكم عن دعوتها الى إقامة وحدة وطنية تنهض على الحرية والمساواة والتسامح. قدر يا سادة أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما وأتغذى على آدابهما وفنونهما». نوبل التي دونها محفوظ لأول مرة في سجل العرب الأدبي والثقافي عن جدارة واستحقاق، حاول البعض تشويه فرحته بها، من أبرزهم وأعنفهم الكاتب المصري يوسف إدريس، الذي صور حصول محفوظ على الجائزة بأنه «مكافأة» له على موقفه المؤيد لاتفاقية «كامب ديفيد» وعملية السلام مع إسرائيل. وقال إدريس وقتها إن مسؤولين بالأكاديمية السويدية عرضوا عليه الحصول على الجائزة مناصفة مع كاتب إسرائيلي لكنه رفض بشدة. وحسب مقربين من محفوظ لم يكف إدريس عن مهاجمته، إلا بعد تدخل من القيادة السياسية آنذاك. ذلك المشهد وغيره عبر 95 عاما من التاريخ الذي يحمله محفوظ على ظهره، ربما يفسر التسامح المرير التي تتخفى وراء وجهه. فمحفوظ لم يكن في أي يوم من الأيام «رجل معارك» في الواقع الأدبي والسياسي في مصر، وقد تحاشى دوما صخب هذه المعارك، وربما لذلك لم تنزلق قدماه يوما إلى السجن في أي مرحلة من حياته، وعلى هذا المنوال كان حديثه في جلساته وندواته لا يشارف السياسة، بل يتجنب الحديث عنها ولو اضطر إلى ذلك يكون كلامه مقتضبا جدا وغير مباشر، وأحيانا بصورة رمزية. كان نجيب يؤكد دوما أن معركته الحقيقية مع الورق، مع فعل الكتابة والإبداع نفسه. لكن البعض كان يرى فى ذلك «عدم شجاعة» سياسية، على اساس أن نأي محفوظ بنفسه عن القضايا السياسة، سببه انه يخاف السجن. لكن إبراهيم فتحي الناقد المعروف يرى أن آراء محفوظ السياسية وغيرها ليست، هي التي صنعت نجيب محفوظ، لأن رؤيته وفلسفته الحقيقية تتجلى في رواياته وأعماله الإبداعية «لذا يجب ألا يحكم على تصريحاته التي أدلى بها كمواطن، ويجب ألا نعامله كسياسي، لأنه أولا وأخيرا مبدع، وأنا لا تلزمني تصريحاته السياسية، لأنني لا أقدرها ولا أدرسها، إن ما يلزمني هو علمه القصصي والروائي». لكن كيف يمكن تفسير تقلبات محفوظ السياسية، بل موقفه من السلطة عموما والذي يبدو في جوهره وكأنه موقف «المع والضد» في آن واحد، فهو مثلا تعايش وتصالح مع رجال ثورة يوليو وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، ثم غضب منهم وانتقدهم بخاصة في روايات «ثرثرة فوق النيل». و«ميرامار» ثم «الكرنك» والتي كتبها بعد موت عبد الناصر، ووجه فيها أقسى أنواع الانتقاد له ولعصر. اما الرئيس الراحل انور السادات، الذي أيد محفوظ مبادرته للصلح مع إسرائيل، فقد انتقده محفوظ بشده في روايته «يوم قتل الزعيم»، والتي قال على لسان أحد أبطالها «لا خلاص إلا بالخلاص من كامب ديفيد». وبلغت السخرية مبلغها حين سخر بشكل رمزي واضح من شخصية السادات نفسه «الفعل لمناحم بيجين والزي لشارلي شابلن». صد إبراهيم فتحي كل هذا التناقض ويراه طبيعيا، مؤكدا أن هناك فارقا ـ في اعتقاده ـ بين «أيديولوجية» الكاتب والعمل الفني الخاص به. ويرى فتحي أن اضعف أعمال محفوظ هي التي اتكأت على السياسة بشكل مباشر مثل «أمام العرش» و«الكرنك»، وغيرهما «لأنه حاول فيهما أن يصب آراءه السياسية في رواياته، والعمل الفني إذا تحول إلى تحليل سياسي مجرد، وليس من دم ولحم وعظم إنساني أصبح ضعيفا، لذلك يجب أن يحاكم نجيب محفوظ من خلال عالمه الفني وليس من خلال أقواله». لكن محفوظ صاحب مقولة «إن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت، وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره»، لا يتذكر ما يؤلمه فقط، فهو بسبب طبيعته المتسامحة يتذكر ما يؤلمه وما يسعده ايضا، ويميل الى الصفح ونسيان ما يؤلم. وهو حين تعرض لمحاولة اغتيال يوم 14 أكتوبر (كانون الأول) عام 1994، وهو خارج من بيته على يد شاب عاطل ينتمي لفكر الجماعات الإسلامية المتشددة طعنه بمطواة حادة في عنقه، (المفارقة أن هذا الشاب لم يعرف محفوظ، ولم يقرأ له، لكنه سمع فتوى من أحد شيوخ المساجد تتهم محفوظ بالكفر، لأنه تجرأ على الخالق سبحانه وعلى الدين في روايته «أولاد حارتنا»)، وعلى الرغم من أن الحادث أثر على صحة محفوظ وقدرته على الكتابة والإمساك بالقلم، غير ان ذلك لم يفقده قناعاته السياسة وتسامحه، فظل محتفظا بعلاقات طيبة مع جماعة الإخوان المسلمين، بل إنه طالب أخيرا بحقهم في الظهور
-
مشرف ملتقى الطلبة
على السطح كتنظيم سياسي مشروع. ولا ينسى محفوظ أن من بين زواره عقب ذلك الحادث الأليم، كان الشيخ محمد الغزالي أحد الذين كتبوا تقريرا إلى عبد الناصر يطالبون فيه بمنع «أولاد حارتنا» من النشر. كما لا يزال محفوظ يحن كالطفل إلى قطعة من الآيس كريم، اذ كان يعشقه لكن الأطباء حرموه منه، بعد أن داهمه مرض السكري إثر حادثة نصب تعرض لها على يد أحد التجار باعه قطعة أرض وهمية على النيل في الستينيات، ولم يعاود محفوظ حلمه بهذا البيت، حتى بعد حصوله على جائزة نوبل، والتي قسم عائدها المادي: ثلث لابنتيه الوحيدتين «أم كلثوم» و«فاطمة» وثلث له هو وزوجته والثلث الآخر تبرع به للجمعيات الخيرية.
نجيب محفوظ محللاً للتاريخ :
الروائي المصري نجيب محفوظ أدمن تحليل التاريخ المصري القديم والحديث، وقد خصص أغلب أعماله لمناقشة قضايا بلده السياسية من خلال الحبكات الروائية المختلفة، وعبر الشخصيات الغنية المتوترة، حيث تقف في مواقف النقيض لما هو كائن من أنظمة سياسية، لم تبلغ درجة النموذج لديه، المتجسد في النظام الديمقراطي (العادل) أي النظام الذي يقف مع الطبقات الشعبية من دون قهر، أي النظام الديمقراطي الاشتراكي كما يتصوره محفوظ في حلمه السياسي.
كذلك هو يعتمد على التصوير عبر الأحداث والأساليب المتعددة المليئة بالأخيلة والبرقيات الموجزة. إن هذا التفكير بالأرض وبالتاريخ السياسي، هو الذي يميزه، فإذا كانت التحليلات تتدفق، والرموز تنهمر، فهي كلها تفكير سياسي، ولكن في زمن الدولة الوطنية العسكرية، كانت هذه مغلفة بالكثير من الرموز وبالشخصيات المأزومة، وحين خفتت الأحكامُ القهرية أخذت الأفكار السياسية تغدو شديدة الوضوح وأحياناً تفقد تلك الفنية العالية التي تجلت في المرحلة السابقة.
في كتابه «أمام العرش» يوجه تحليله نحو تاريخ مصر بكليته، ويبتكر شكلاً قصصياً طريفاً، فيقيم أوزوريس محاكمة لجميع حكام مصر، منذ السلالات الفرعونية حتى عبدالناصر وأنور السادات. إن هذا الشكل القصصي هو حوارٌ دائمٌ عبر العصور، يتمثلُ فيه الحكامُ وفتراتهم المختلفة، وما أرادوه وما أنجزوه، فيتضحُ السجلُ الحافلُ بالصراعات وتتجسد مسيرة التاريخ الوطني التي لا تتوقف، ولهذا فإن العرض القصصي هو عرضٌ للوقائع والأحداث، وهو ومضاتٌ سريعةٌ عن نفوس الحكام المتوارية زمن الحكم بألف خدعة وبهرجة. فنراهم أمامنا وقد تعروا من ملابسهم الديكورية التاريخية، فمنهم الذي اندفع للبناء وتعمير الأرض وخدمة الوطن والدفاع عنه ضد الغزاة ومنهم مَن كرس الوطن وخيراته لذاته. ولا يُترك الحاكم وحده يعرض منجزاته الحقيقية أو الوهمية، بل إن أوزوريس يوجه النقد والأسئلة لهذا الحاكم، وغالباً ما تكونُ اسئلة عميقة نافذة، تكشفُ عن الفساد والإهمال الفظيعَين، وإدانة للغزو الخارجي واستغلال الأمم الأخرى، وغير ذلك من المشكلات التي تنمو أثناء التطور.
وينقسم حكام مصر إلى نوعين أساسيين في العصر المصري القديم، أولهما هو النوع المستبد الباني، الذي يتمثل في أغلبية حكام الأسر الذين أسسوا الحضارةَ المصرية الواسعة الخالدة، بأدوات عصرهم الاقتصادية والثقافية. والنوع الثاني هو الثوار الذين شيدوا دول التقدم ومساعدة الضعفاء والفقراء الذين أهلهم التاريخُ المكتوبُ وسميت عصورهم بعصور الفوضى والظلام.
إن ممثل قوى المعارضة الشعبية الحاكمة هو «أبنوم» الذي يتقدم أمام أوزوريس فيقول: «تجاهل التاريخُ أسماءنا وأفعالنا، فهو تاريخٌ يدونه الخاصةُ، ونحن من عامة الفلاحين والصناع والصيادين، ومن عدالة هذه القاعة المقدسة انها لا تغفلُ من الخلق أحداً، وقد تحملنا من الآلام فوق ما يتحملُ البشر، ولما أنصبَ غضبنا الكاسرُ على عفنِ الظلم والظَلَمة نعتوا ثورتنا بالفوضى، ونعتونا باللصوص...».
إن الروائي محفوظ يجلبُ مختلفَ الحكام لمحكمةِ العدل الأدبية، ويجمعُ خيطاً مضيئاً لجميع الشخوص من ملوكٍ وثوارٍ وحكماء، وكل أولئك الذين وضعوا مداميك البناء الإنساني، وخاصة في العهود الغارقة في الصمت والعتمة، كالحكام الذين تصدوا لغزو الهكسوس وقاموا ببناء السدود، من دون أن تغمض عيون أوزوريس - محفوظ المشتركة، عن فسادهم وانغماسهم في الملذات، مثلما يستل خيط النور للمقاومة ونضال البسطاء من كومة قش التاريخ المضللة.
وفي العصر الحديث ينشد أوزوريس محفوظ بقوة لنموذجه المبهر، وهو (سعد زغلول) مؤسس مصر الحديثة الديمقراطية، ولكنه يعرضه بموضوعية وبنقد، لم يكن من عادته في رواياته الأولى، فقد حاول أن يجمع الفقراء والأغنياء في تيار واحد، وهو الموقف الذي أدى إلى فشل كفاحه، ويجيء ذلك على لسان أوزوريس: «قال بعضُ أعوانك إنه يجب أن تبقى على رأس الثورة ولا تقبل الوزارة». لكنه تراجع عن الثورة وذاب في الجهاز الحكومي.
ويكملُ مصطفى النحاس سيرةَ سعد زغلول، حيث وضع مبادئه في مجرى النضال الحقيقي على الأرض: «مرحباً بالثائر الشعبي الثالث في حياة شعبنا، وقد استمد قوته من إيمانه بشعبه وإلهه، واتسمت حياته بالكفاح الطويل والنزاهة، وقد عاش فقيراً ومات فقيراً».
لقد كانت مبادئ الوفد حسب رؤية محفوظ البرجوازية الوطنية هي ذروة تطور مصر الحضاري، عبر تضفيرها بين الحرية الفردية والحرية الاجتماعية، ولكن هذه المبادئ لم تُستكمل في تيار قوي جديد، ولهذا فإن محكمة أوزوريس تستدعي «شاهداً أم متهماً؟» هو الرئيس جمال عبدالناصر مفجر ثورة يوليو، فتنشبُ معركةُ حوارٍ بين القادة الوطنيين الثلاثة الكبار. تلخص كلمات النحاس رؤية محفوظ لتاريخ الثورة المصرية الأخيرة فهو ينتزعها من شروطها الطبقية والتاريخية، ويغدو التاريخ عمل أفراد فيذكر: «... كان بين يديك قاعدة وفدية شعبية أنهلت عليها بدباباتك، وعجزت عن إقامةِ بديل عنها فظلت البلاد تعاني من الفراغ، ومددت يدك إلى المنبوذين من الأمة فوقعت في تناقضٍ مؤسف بين عمل إصلاحي يعتبر في روحه امتداداً لروح الوفد وأسلوب حكم يعتبر امتداداً لحكم الملك والأقليات، حتى قضى أسلوبُ الحكم على جميع النوايا الطيبة!».
ومن الواضح ان رؤية النحاس باشا - محفوظ، ترتكز على تعابير مجردة مثالية ككلمة الروح، معتبراً ثورة البرجوازية الصغيرة من الضباط الوطنيين الشموليين مماثلة لثورة البرجوازية الوطنية ذات الأساليب المغايرة، وهذه الرؤية تتجسد فنياً في تحويل التاريخ إلى شخوص مقطوعة السياق بطبقاتها.
يواصل مصطفى النحاس الهجوم على عبدالناصر: «وأغفلت الحرية وحقوق الإنسان، ولا أنكر انك كنتَ أماناً للفقراء ولكنك كنتَ وبالاً على أهل الرأي والمثقفين وهم طليعة أبناء الأمة».
ورؤية الروائي هنا تغفلُ أسباب عجز الفئات الوسطى التي قادها النحاس عن استكمال معركة التحرير الوطني، وإبقاء الفلاحين في ظروف إقطاعية شديدة التخلف والقسوة، واندماج قادة الوفد في الفئات الغنية الكبرى وتوقف الوفد عن استكمال الثورة الثقافية عبر الديمقراطية والعلمانية، وبهذا فإن هذه الرؤية تتطابق مع تلك الفئات، بسبب منهج الرؤية الفرداني، وتصويرها للتاريخ وكأنه فعل أفراد.
وتلخص إيزيس نضال عبدالناصر بالقول التالي: « إن أعماله الجليلة لتحتاج إلى جميع جدران المعابد لتسجيلها، أما الأخطاء فلا أدري كيف أدافع عنها».
وإذا قام السادات بأعمال مهمة كتوسيع الحريات وتحرير الأرض إلا أنه أحدث سلبيات أخطر، ولهذا فإن سعد زغلول يوجه إليه انتقادات كبيرة: «عندما يغتصب الحاكم حقوق شعبه يخلقُ منه خصماً، وعند ذاك تهدرُ قوةَ البلاد الأساسية في صراع داخلي بدلاً من أن توجه للعمل الصالح».
إن الشكل القصصي الذي ابتكره محفوظ هنا يتداخل والرؤية، فهو شكل قصصي مفتوح، كله حوارات، ويتقلصُ فيه السرد، فيغدو شكلاً مبسطاً مباشراً، ليس فيه تحليلات داخلية على هيئة منولوجات أو تشخيصات، ومن هنا فالمؤلف لم يضع على الغلاف كلمة «رواية» بل كتب «حوار مع رجال مصر»، رغم الأسلوب القصصي في العرض، وهو أمرٌ يشير إلى توجه الكتاب ليكون مقالات أو أعمدة على ألسنة الشخصيات التاريخية، كأنها محاكمة من آخر الزمان، لكن الكتاب لا يصل إلى نموذج الرواية.
إذا توقفت الأحلام.. انتهت الحياة :
أعد الحوار للنشر:
حسن عبدالموجود
كان شيئا مدهشا أن يعترف نجيب محفوظ أمام حرافيشه بأنه يدخل أحلام اليقظة في ساعات النهار. يوسف القعيد سأله: هل هذا هروب من الواقع؟ قال محفوظ بلهجته الساخرة وبتكثيفه الدال، العميق: 'وهوٌ فيه واقع'!؟
لاينفي محفوظ وجود الواقع ولكنه يسخر بمرارة من الأحوال التي وصلنا إليها. وهو لايزال ¬ أمد الله في عمره ¬ متوقد الذهن، إجاباته مبطنة بالسخرية، يبدو متابعا جيدا للأحداث من حوله، وهو للمرة الأولي أيضا يعترف بإدمانه للأحلام ، يعتبر الليلة التي تمر من دون حلم ليلة ضائعة، ويخشي من تكرار الأحلام في المستقبل، وهذا
-
مشرف ملتقى الطلبة
يشبه أن يحدثك أحد الكتاب عن خشيته من توقفه عن الكتابة في حالة إذا لم يجد أفكارا جديدة تصلح. في جلسته مع الحرافيش أجاب محفوظ عن كل الأسئلة ومعظمها ينطلق من أحلامه ويصب في خانة الواقع، وقد فضلت ان أترك بعضا من إجاباته بعاميتها، حتي يعرف القراء أي لهجة جميلة موحية يتحدثها الكاتب الكبير..
جمال الغيطاني: الأحلام.. هل هي أحلام حقيقية كاملة رأيتها في المنام.. أم أنه يدخلها جزء من التأليف؟
نجيب محفوظ: 'شوف'.. الحلم يأتيني، وحينما أستيقظ آخذ معناه أو جزءا منه وأكٌون شيئا جديدا..
جمال الغيطاني: هناك أحلام تذهب إلي طيٌ النسيان، وأحيانا نستقيظ متذكٌرين بعض الأحلام ولكن قد يحدث نوع من الكسل في تدوينها.. فأي نوع تقصد من الأحلام؟!
نجيب محفوظ: الحلم هو مايتبقي في الذاكرة، أشتغل عليه حتي يخرج ماترونه منشورا!
جمال الغيطاني: تشتغل عليه في ذهنك؟!
نجيب محفوظ: نعم..
جمال الغيطاني: هل درٌبت نفسك علي الأحلام؟
نجيب محفوظ: من زمان يعني؟!
جمال الغيطاني: أقصد بصياغة أخري ما الفارق بين تجربة كتابة الروايات وتجربة كتابة الاحلام التي جاءت قصيرة وتشبه الشعر؟ وهل هناك احلام من نسج خيالك 'تأليف يعني'؟!
نجيب محفوظ: لا. لم أؤلف أي حلم.. هذه احلامي ولكن بعد تحويرها..
جمال الغيطاني: ألا توجد أحلام جنسية؟
نجيب محفوظ: جنسية؟ هناك كثير وقد دونتها!
جمال الغيطاني: هل هناك فكرة واحدة يمكن القول أنها مسيطرة عليك في الأحلام؟
نجيب محفوظ: عدد قليل جدا مثل (ع) التي أحببتها زمان قوي.. و (ب) التي أحببتها 'بعدين'.
جمال الغيطاني: ورموز الموت أيضا، هناك مثلا الرجل الذي وجد الناس 'يعزٌلون' إلي منطقة أخري..
نعيم صبري: تكشف الأحلام عن إحساس بالغربة..
نجيب محفوظ: ازاي؟ هل هناك أحلام فيها ذلك؟
جمال الغيطاني: الأحلام التي تراودنا هل تكون من أول العمر أم منتصفه أم آخره.. يعني هل يمكن أن تعود إلي البيت وتحلم بالأمور التي نتحٌدث فيها الآن ؟!
نجيب محفوظ: الأحلام تأتي علي 'كيفها' يعني ربما أشاهد حلما في بيت القاضي، وآخر في العباسية، وحلما الآن.
جمال الغيطاني: ومن الأشخاص الأكثر تكرارا في أحلامك؟!
نجيب محفوظ: من أحببتهم، وفي السياسة سعد زغلول 'طلع كتير' وزكريا أحمد.
جمال الغيطاني: كنت أنت وزكريا أحمد صديقين مقربين ولكنٌي لن أقول ما السبب في قربكما لأن الكلام سينشر.
نجيب محفوظ: 'يضحك'..
جمال الغيطاني: المادة التي يأخذها الشخص من نفسه أكثر تدفقا أم التي يستمدها من الحياة كما كان يحدث قبل ذلك؟
نجيب محفوظ: الحلم أكثر حرية، فيه تدفق..
جمال الغيطاني: هل هناك معان كنت مشغولا بها تريد ان تصل للناس؟
نجيب محفوظ: بعد النشر تظهر المعاني.
جمال الغيطاني: هل تملي ماتكتبه؟
نجيب محفوظ: نعم .. فلا استطيع الكتابة؟
جمال الغيطاني: منذ متي؟
نجيب محفوظ: منذ أن عجزت عن الكتابة؟
جمال الغيطاني: منذ سنة مثلا؟!
نجيب محفوظ: ربما..
جمال الغيطاني: هل الحاج صبري من يقوم بذلك؟!
نجيب محفوظ: نعم..
جمال الغيطاني: هل تملي عليه أم تقوم بالقراءة أولا؟!
نجيب محفوظ: بعد أن يقرأ الجرائد عليٌ يسألني:
هل هناك أحلام؟! ولو 'فيه'.. أملي عليه ولو لم يكن.. أقول.. لسه بتشتغل..!
جمال الغيطاني: هل تحفظ الحلم وتمليه عليه جاهزا ومكتملا أم تقول له اشطب هذا وأضف هذا؟!
نجيب محفوظ: يكون جاهزا لانني 'حافظه'.. ووصلت فيه إلي حدود الاكتمال.
جمال الغيطاني: هل حلمت حلما 'عرض مستمر' بمعني أن تستيقظ وتعود لإكماله!؟
نجيب محفوظ: 'حصلت كتير'..
جمال الغيطاني: في السنوات الأخيرة أم زمان؟
نجيب محفوظ: ربما أحلم ثم أستيقظ وأذهب للحمام وأعود لإكمال الحلم!
جمال الغيطاني: هل هناك احلام تقوم منها وأنت 'معيٌط'.؟
نجيب محفوظ: وأنا 'معٌيط'؟!
جمال الغيطاني: أو بتضحك .. بمعني أن الحلم يسبب لك حالة نفسية معينة في اليقظة؟
نجيب محفوظ: نعم.. هناك أحلام كذلك!
جمال الغيطاني: هل هناك أحلام تتشاءم منها؟!
نجيب محفوط: لا. التفاؤل والتشاؤم شيء غير وارد
جمال الغيطاني: انت لاتشاءم الآن ولكن هل كان هذا يحدث منذ زمن بعيد!.
نجيب محفوظ : لا
جمال الغيطاني: هل هناك أحلام تتكرر؟
نجيب محفوظ : أرجو الا يحدث ذلك؟
جمال الغيطاني: أنت تريد مصادر لاتنضب.
نجيب محفوظ : نعم.. نعم...
جمال الغيطاني: ألم تحلم بهذا المجلس أو بالمجالس الأخري؟
نجيب محفوظ : كثيرا جدا..
جمال الغيطاني: هل قرأت كتبا في تفسير الأحلام، لفرويد، لابن سيرين؟
نجيب محفوظ : لا..
جمال الغيطاني: ألم يحدث أن قلت بينك وبين نفسك.. اللهم اجعله خيرا..
نجيب محفوظ : حينما أشاهد كابوسا!
د. محمد الشربيني: هل ليالي ألف ليلة وليلة كانت عبارة عن حلم كبير؟!
نجيب محفوظ : لا. كنت ماأزال أعمل.
جمال الغيطاني: ولكن أنت لاتزال تعمل!
نجيب محفوظ: أقصد أنني كنت أعمل من غير أحلام!
جمال الغيطاني: هل الاحلام هي مايتبقي من الحياة؟!
نجيب محفوظ : كيف؟
جمال الغيطاني: يعني هل يمكن أن تتحول حياة الانسان كلها لحلم؟!
نجيب محفوظ : أحلامنا غريبة جدا، تأتي من اليمين والشمال، من زمان والآن، وكثيرا. يبدو الحلم كأنه لن يقول شيئا، وحينما تفكٌر فيه تولد منه أشياء!
جمال الغيطاني: هل تتشوق إلي النوم حتي تحلم؟
نجيب محفوظ : النوم مطلوب دائما؟
زكي سالم: بعد الحادث توقفت عن الكتابة لمدة عامين، وتدربت خلالهما علي الكتابة وبدأت بكتابة قصة اسمها 'الأغاني' ثم خمس أو ست قصص قصيرة ثم الأحلام..
نجيب محفوظ : تمام..
جمال الغيطاني: وأنت ذاهب إلي النوم هل يراودك إحساس بأنك ستحلم.. لحياة أخري؟!
نجيب محفوظ : حينما 'أنام واصحي' من غير حلم أعتبرها ليلة ضاعت!
جمال الغيطاني: حينما تستيقظ هل تتشوق الي الحلم مرة اخري؟ وهل هناك طقوس تحب عملها قبل أن تنام حتي تضمن زيادة الأحلام؟!
نجيب محفوظ : النوم عادي والحلم عادي!
جمال الغيطاني: هل الأحلام هي خلاصة الحياة.. بمعني أن المرأة التي احببتها تحولت لحلم، الجمالية أصبحت حلما، والحب والجنس والسياسة.. أنت رجل فيلسوف كيف تفكر في هذا الموضوع! أريد أن أذكرك أيضا بكلام المتصوفة الحياة حلم ونستيقظ منها بالموت، هل توافق علي هذه الكلام
نجيب محفوظ : لا دا كلام صوفية!!
جمال الغيطاني: هل تخلط أحيانا بين الحلم والواقع الذي تحياه؟ لا الحلم وحده، والواقع وحده!
يوسف القعيد: ما الفارق بين الأحلام الأخيرة وبين 'رأيت فيما يري النائم'؟
نجيب محفوظ : الثانية كانت تأليفا..
يوسف القعيد: هل كنت تتمني لو أنك شاهدت الثانية حلما؟
نجيب محفوظ : لم أكن افكر في الاحلام؟
يوسف القعيد: ألم تهتم قبل ذلك بالأحلام؟!
نجيب محفوظ : حينما 'خلٌصت اللي عندي من القصص القصيرة.. جاءت الأحلام لتسدٌ الفراغ..
جمال الغيطاني: أم جاءت لتلبٌي رغبتك في الكتابة؟
نجيب محفوظ : نعم.. قديما كنت آخذ
قصصي من الواقع، الآن الحلم صار بديلا للواقع!
جمال الغيطاني: الحلم نفسه قادم من الواقع.. حياتك الفائتة كٌلها تحولت إلي حلم من نصدق! الحلم الآن أم الواقع الذي عشته في يوم من الايام؟!
نجيب محفوظ : الاثنان.
نعيم صبري: (يضحك) لانصدٌق هذا ولا ذاك.
د. محمد الشربيني: أحيانا تمر علينا لحظة يهييء لك أننا مررنا بها قبل ذلك .. هل حدث لك هذا؟
نجيب محفوظ : نعم..
جمال الغيطاني: أقول لك، مثلا ربما أكون مارٌا في شارع وأتذكر نجيب محفوظ ثم أفاجا به أمامي..
نجيب محفوظ : يحدث هذا كثيرا، فسٌروها في علم النفس كظاهرة..
جمال الغيطاني: وماتفسيرك لمقولة.. ده حلم ولاٌ علم'!
نجيب محفوظ : مش عارف
حسن ناصر : تقال حينما يكون هناك شيء جميل جدا، والشخص لايصدق أنه حدث..
جمال الغيطاني: الأحلام أجمل؟
نجيب محفوظ : نعم..
جمال الغيطاني: تظهر في الأحلام أحيانا شخصيات لانعرفها هل يحدث لك هذا ؟!
نجيب محفوظ : هذا يحدث، شخصيات غربية في الأغلب تكون قد قابلناها ثم نسيناها.
جمال الغيطاني: أو ملامح مختلفة يتم تركيبها لتخلق شخصيات جديدة.
يوسف القعيد: هل حلمت بأي نبي؟!
جمال الغيطاني (مضيفا): من يري سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم يراه بملامحه الحقيقية..
نجيب محفوظ : لا أتذكر!
جمال الغيطاني: وما آخر مرة حملت فيها بأحد الوالدين ؟!
نجيب محفوظ : قريب لكن 'مش ' بعيد!
جمال الغيطاني: وهل حلمت بأحد من أصدقاء العباسية؟!
نجيب محفوظ : نويره والشويخي..
جمال الغيطاني: من الشويخي، هل 'حضرناه' نحن في الستينات؟!
نجيب محفوظ : هو أحد زملائنا في العباسية، وكان يجلس معنا في عرابي بالستينات.. (ويضيف بعد لحظة صمت) المهم ان الأحياء والاموات شيء واحد.
جمال الغيطاني: هل هناك احتمال ان يكون الحلم نافذة
-
مشرف ملتقى الطلبة
-
مشرف ملتقى الطلبة
الخدمة الى خدمتى واحالتى الى المعاش واخيراً وجدت الطمأنينة فى موضع لا يتطلع اليه طماع ولا ينظر اليه ذوو الطموح
حلم 37
المحمل يتمايل فوق الجمل المزين بالالوان والورود. امامه رجل يغرس فى فيه عاموداً ذا رأس تدلى منه شراشيب ورأس الجمل فى مستوى أول طابق من بيت اطل انا من نافذته وتلاقت عينى مع عين الجمل فقرأت فيها ابتسامة وغمزة وحلت لى البركة فطرت من موقعى وراء النافذة ودرت حول رأس الجمل بجلبابى وشعرى المنفوش وكبر الناس وهللوا وذهلوا لوقوع المعجزة وتماديت أنا فارتفعت فى الجو وتراجعت نحو سطح بيتى وهبطت وبعد مرور المحمل تجمع الناس امام البيت يريدون مشاهدة الانسان الطائر واذا بهم يتحولون فجأة من الاعجاب الى الخوف والحذر وقالوا ان روحاً شريرة حلت بالشخص الطائر وان طيرانه حول رأس الجمل نذير شؤم للناس جميعاً وأنه يجب ان يبرأ من الشيطان ذلك بجلده حتى يتطهر تماماً فاذا رفض الدواء عرض نفسه للعقاب المناسب وهو القتل، وركب الرعب الشاب واسرته واستنجدت الاسرة بالشرطة واشترط المأمور ان يرى المعجزة وهى تحدث امام عينيه وذهب الى البيت ورأى المعجزة وبهر بها حقاً ولكنه وجد نفسه بين رأيين الأسرة تقول انها كرامات الاولياء والناس تؤكد انه عبث من الشيطان ونذير شر. واخيراً قرر المأمور ان يضع الشاب فى السجن حتى ينسى الموضوع برمته
حلم 50
كنت اتطلع الى امراة فاتنة تسير فى الطريق فاقترب منى بجرأة وهمس فى أذنى إنها تحت أمرى إذا أمرت كان براق العينين منقرا ولكن لم أصده واتفقنا على مبلغ واصر أن يأخذ نصفه مقدما فأعطيته النصف وضرب لى موعدا لكن عند اللقاء كان بمفرده واعتذر بتوعك المرأة وكان على أتم الاستعداد لرد المقدم ولكنى صدقته وابقيته معه وكان يقابلنى فى حلى وترحالى ويطالبنى بالصبر وخشيت ان تسىء هذه المقالبلات سمعتى فأخبرته اننى عدلت عن رغبتى ولن استرد المقدم ولكن عليه الا يقابلنى ولم يعد يقابلنى ولكنه كان يلوح بها فى اكثر الاماكن التى اذهب اليها وضقت به كما كرهته وقررت الانتقال الى الاسكندرية وفى محطة سيدى جابر رايته واقفا وكانه ينتظر
97
هذه حجرة السكرتارية حيث أمضيت عمرا قبل احالتي الي المعاش، وحيث زاملت نخبة من الموظفين شاء القدر أن أشيع جنازاتهم جميعا، واسترقت نظرة من داخل الحجرة لأري من خلفونا من الشباب، فكدت اصعق لم أر سوي زملائي القدامي واندفعت الي الداخل هاتفا سلام الله علي الأحباب متوقعا ذهولا واضطرابا، ولكن أحدا لم يرفع رأسه عن أوراقه فارتددت الي نفسي محبطا تعسا، ولما حان وقت الانصراف غادروا مكاتبهم دون أن يلتفت أحد نحوي بمن فيهم المترجمة الحسناء، ووجدت نفسي وحيدا في حجرة خالية..
98
من موقفي علي اطوار أرسلت بصري الي الحديقة من خلال قضبان السور الحديدية، وهناك رأيت مالكة فؤادي وهي توزع شيكولاتة علي المحبين فاندفعت جهة باب السور حتي بلغت مدخل الحديقة وأنا ألهث وواصلت الجري في الداخل ولكني لم أعثر للمحبوبة علي أثر فهتفت بحدة لاعنا الحب. وحانت مني التفاتة الي الخارج فرأيت الفتاة في الموضع الذي كنت فيه وهي تتأبط ذراع شاب بدا أنه خطيبها، وهممت بالرجوع من حيث أتيت ولكن أقعدني الارهاق وطول المساءلة وفوات الفرصة.
99
هذا فناء مستدير تتوسطه نخلة رشيقة وتقوم في جوانبه بيوت صغيرة وعند العصاري تفتح الابواب وتخرج النساء للسمر تحت النخلة ويدور الحديث غالبا حول البنات والزواج، وأنزوي أنا بعيدا لاتابع الحديث بشغف، وعندما يهبط المغيب يعضني الجوع ولم يكن يعلم بحالي سوي صديقة طفولتي تتسلل الي حاملة طبقا صغيرا نصفه مملوء بالجبن البيضاء والنصف الآخر مفروش بالبقدونس، ونتعاون معا علي معالجة الجوع علي أنغام حديث الزواج.
100
هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسئول عما حاق بنا، ولكني أحبطت عندما دار الحديث بين القاضي والزعماء بلغة لم اسمعها من قبل حتي اعتدل القاضي في جلسته استعدادا لاعلان الحكم باللغة العربية فاسترددت للأمام، ولكن القاضي أشار إلي أنا ونطق بحكم الاعدام فصرخت منبها اياه بأنني خارج القضية وإني جئت بمحض اختياري لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخي.
101
زينا البيت ترحيبا بالابن العائد بعد غياب، أصبح فيه نجما من نجوم المجتمع وأمضينا السهرة في الشرفة التي تمد الشقة بالمنظر الجميل والهواء النقي، واتحفنا العائد بالأشعار والألحان حتي انتصف الليل وفي الصباح وجدت مدخل الشرفة مسدودا بدولاب عملاق فخجلت، ولكن الابن لم يخف حزنه، اذ ثبت له أن أناسا من صميم أسرته لا يستلطفون وجوده ويكرهون عمله الجميل.
102
أخيرا اهتديت إلي مأوي في الدور التحتاني من بيت قديم، ولكن سرعان ماضفت برطوبته وسوء مرافقه فسعيت من جديد حتي نقلت الي الدور الفوقاني وهو أفضل من جميع النواحي، غير أن السماء أمطرت بغزارة غير معهودة فانسابت المياه من الاسقف فاضطررنا الي تكويم العفش وتغطيته بالأكلمة، وغادرنا الشقة الي بير السلم فشعر بنا ساكن الدور التحتاني الجديد فخرج الينا ودعنا بإلحاح وبشدة الي الداخل حيث الدفء والرعاية.
103
ماذا جري لبيتنا جميع المقاعد تلاصقت وسمرت قوائمها في الأرض، وخلت الاسقف من المصابيح والجدران من الصور والأرض من السجاجيد، فماذا جري لبيتنا؟
قالوا بأنه اجراء لتأمين البيت لتعدد حوادث السطو علي المنازل، فقلت دون تردد إن السطو أحب الي من القبح والفوضي.
104
رأيتني في حي العباسية اتجول في رحاب الذكريات، وذكرت بصفة خاصة المرحومة عين فاتصلت بتليفونها ودعوتها الي مقابلتي عند السبيل، وهناك رحبت بها بقلب مشوق واقترحت عليها أن نقضي سهرتنا في الفيشاوي كالزمان الاول، وعندما بلغنا المقهي خف الينا المرحوم المعلم القديم ورحب بنا غير أنه عتب علي المرحومة عين طول غيابها، فقالت ان الذي منعها عن الحضور الموت فلم يقبل هذا الاعتذار، وقال إن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة.
105
جميع الرجال في حينا يحلقون رءوسهم في صالون عم عبده انجذابا للحسناء الجالسة خلف صندوق النقود، وتمنينا جميعا أن تتحسن حالتنا المالية فنحلق ذقوننا كل صباح في رحاب الجمال، وذات يوم وجدتني أسير في طريق متألق الجمال والنقاء، واذا الحسناء مقبلة نحوي من بعد قريب حتي اذا حاذتني التفتت الي فجأة وأخرجت لي لسانها، وبسرعة مذهلة تحول وجهها الي كتلة خشبية سميكة فذعرت وسارعت مبتعدا، غير أن ترامي الي صوت ضحك فنظرت ناحيته فرأيت الحسناء تراقص الأسطي وهما في غاية الحيوية والمرح.
106
غزا الوزارة نبأ بأن انقلابا قد وقع في الصباح الباكر فتجمع الموظفون حول التليفزيون واستمعنا الي البيان الأول، فقال موظف قديم إنه سمع هذا البيان في مطلع شبابه، أما أنا فاكتشف أن زعيم الانقلاب صديق حميم، ومن فرحتي أعلنت الخبر مسترخيا في حبور بأن الحياة سوف تضحك لي، فقال الموظف القديم: إنه قد تضحك لي الدنيا وقد أعدم بدون محاكمة.
107
أنه من تراحم عجيب، ففي حقيقته يرقد نعش كتب عليه أن هذه جنازة فلان تنفيذا لوصيته، وفلان زميل كريم اشتهر بندب حظه السييء فعلي كثرة مؤلفاته لا يكاد يعرفه قاريء، وجاء المشيعون والمتفرجون حتي بلغ الكرام المدافن وسط مظاهرة لم تشهده جنازة من قبل، و ماجاء المساء حتي كان اسم الراحل يتردد علي كل لسان.
108
غادرت القطار الجميل وقلبي مفعم بالأشراق، ولكني وجدت نفسي في خلاء مخيف، فأين إذن الحديقة التي لا يوجد مثلها في البلاد؟!
وأدركني رجل وجيه تذكرت وجه الرجل الذي تزوج من حبيبتي منذ سنوات فاعتذر عن التأخير في بدء العمل لتعاقب الحروب وأكد أن الرأي استقر نهائيا علي أن يعود هذا الأسبوع وعلي أن يتم تمامه في شهر واحد تعود بعده الحياة لأجمل صديقه في الوجود، وبخلاف المتوقع فإنني صدقته أملا أن يجيء يوم تجمع الحديقة بيني وبين حبيبتي كما جمع بيننا حي واحد في الزمان الأول.
109
هذا تلميذي يتلقي عني علوم الموسيقي والألحان وسرعان ما أصبح تلميذي نجما ثريا، وظللت أنا في الظل منسيا فتركت عملي الجميل الشاق واشتغلت بتدريب الآثار، وكف تلميذي عن التعليم والعلم وأدمن المخدرات وعرض صوته للتلف، وحدث أن جمعنا حفل ساهر فلا هو عرفني ولا أنا عرفته، وأخذت أتساءل مع كثيرين عن تدهورنا وما جري لنا.
110
إنه مشوار مرهق وعند نهايته وجدت بوابة مغلقة فاستجمعت قواي وجعلت أرفعها حتي استجابت، فرأيت وراءها بحيرة تنطلق منها صواريخ كلما بلغ صاروخ الفضاء في الفجر باعثا من الظلمة وجها عزيزا محبوبا امتلأ الفضاء بالأحبة، ومع ذلك فمازلت أنتظر سطوع الوجه الذي علمني العشق وألهمني الخلود.
111
في الجو غيم وفي الصدور قلق ويترامي إلينا من بعيد لا يتوقف، وقال صاحبي وهو يحذرني بأنهم يستهدفون حياتنا فقلت له إني عرفت أخيرا سبيل الخلاص، ولا أنكر أنه وعر كثير المقاومة ولكن ليس عندي خير منه فاتبعني إن شئت، وتفكر صاحبي طويلا ثم تبعني وهو يقول إن الأعمار بيد الله وحده!
112
يا لها من ضوضاء، فثمة أصوات متضاربة وخطوات تهرول حينا وتركض حينا وصرخة هنا وصرخة هناك وطلقات نارية وامرأة تستغيث بالله، أذهلني التشابه بين صوته وصوت المرحومة أمي، ومن فوري هرعت إلي السطوح حيث اجتمع إخوتي وأخواني وتحدث أخي الأكبر عن الاستغاثة والصوت، فقال لي بتيقن بأن الصوت هو صوت أمجنا دون غيره وليس آخر يشبهه.
113
أخيرا حضر الوزير الجديد فقدمت له نفسي باعتباري سكرتيره البرلماني، ولكنه لم يفهم كلمة من كلامي فحاولت شرح عملي ولكنه نهرني بحدة وأمر بنقلي من وظيفتي، وهكذا بدأت المعاناة في حياتي، ثم شاء القدر أن يجمع بيني وبين الوزير في مكان خير موقع وهو السجن، وبعد أن أفقت من ذهولي أخذت أذكره بلقائنا الأول وما جري فيه حتي تذكر وتأسف واعتذر، وانتهزت وجودنا في مكان واحد كي أشرح له عمل السكرتير البرلماني.
114
جاءت الشغالة الجديدة مصحوبة ببعض أقربائها وكأنهم أرادوا أن يشاهدوا المكان وأهله لتطمئن قلوبهم علي ابنتهم الوسيمة، غير أن الوسيمة لم تمكث عندنا إلا نصف يوم، ثم ذهبت تاركة في النفوس غضبا وبلبلة، حتي كان ذات مساء فرأيتها تخرج من عمارة قريبة وهي علي حال من الانحراف الصارخ فصعقتني الحقيقة الغائبة وأدركت عم كانوا يبحثون في اللقاء الأول.
115
في البدء التهب الخصام حول إصلاح البيت بين الساكنة في الدور التحتاني ومالكة البيت المقيمة في الدور الفوقاني وترامت الأصوات إلي الحارة الصغيرة ففتحت نوافذ وأبواب وأيد البعض مالكة البيت. أما الكثرة فأيدت الساكنة، واحتدم الجدل ثم تطايرت الشتائم حتي أنذر الغضب الأحمر بسفك الدماء.
116
ذهبت لتهنئة صديق قديم علي الوزارة، ولكن بخلاف المتوقع قوبلت في المكتب بفتور واضح ثم طال انتظار المقابلة دون جدوي، فتسلل إلي ظني أن بعضهم افتري علي فرية أفسدت الود القديم، وأخيرا غادرت مجلسي لا أري ما بين يدي واستقبلني زميل.
يبقي علي وده وقال لي إن لعنة الله علي ألسنة السوء فسألته ولم لم يقابلني ويتحقق من الأمر، فقال إنه مضي زمن والقانون معطل اكتفاء بأقوال الشهود.
117
كنت جالسا في المقهي وإذا بفتوة الحي يجلس إلي جانبي دون استئذان فرحبت به مرغما فقال: إنه اختارني للزواج من ابنته المطلقة، فارتعشت أطرافي وقلت: إنني سأتزوج من ابنة عمي في نهاية الأسبوع، فقال ببساطة وثقة: أنت ستتزوج من ابنتي وأنا سأتزوج من ابنة عمك.
118
وجدتني في ميدان محطة الرمل المزدحم دوما بالبشر، ولمحت في ناحيته الرجل الذي تردد كلماته الألوف وهو يغازل غانية، فهمست في أذنه 'إذا بليتم فاستتروا' فقال: وهل ثمة ستر أقوي من ملابسها.
119
وصلت إلي المحطة في الوقت الحرج واتخذت موقعي في الطابور الممتد إلي شباك التذاكر. ظللنا بين القاطرة والشباك حتي انطلقت صفارة الإنذار الأخيرة ومازلت علي مبعدة من الشباك، وهكذا فاتني القطار.
120
قمنا برحلة إلي المملكة التي تغني بروعتها الشعراء، وهناك انضم كل فرد إلي المرشد الذي اختاره يتنقل به من مشهد إلي مشهد ومن جبل إلي بحيرة ومن متحف إلي مقبرة، وقال المرشد: إنه لم يبق من الرحلة إلا الحديقة البللورية، ودعنا الي شيء من الراحة والتأمل كي لا يصدمنا الانبهار فسألنا: وهل ثمة انبهار يفوق ما شاهدنا من أحياء وأشياء، فابتسم المرشد وواصل السير ونحن في أثره.
121
رأيتني أسير في شارع كورنيش الإسكندرية مستهدفا العمارة التي أري في إحدي شرفاتها السيدة الأنيقة بصحبة زوجها وأبنائها الشبان، فلما فتر الهدف ذاب المنظر ذوبانا سحريا ناعما حتي اختفي وحل محله شارع العباسية، ومازلت أسير نحو العمارة الجديدة التي تطالعني من إحدي نوافذها الفتاة التي لا تنسي، ولكني وجدت النافذة خالية فقررت الانتظار كالعادة في محطة الترام، ولكني لم أجد للمحطة أثرا ولا لقضبان الترام أثرا علي طول الشارع.
-
مشرف ملتقى الطلبة
الخدمة الى خدمتى واحالتى الى المعاش واخيراً وجدت الطمأنينة فى موضع لا يتطلع اليه طماع ولا ينظر اليه ذوو الطموح
حلم 37
المحمل يتمايل فوق الجمل المزين بالالوان والورود. امامه رجل يغرس فى فيه عاموداً ذا رأس تدلى منه شراشيب ورأس الجمل فى مستوى أول طابق من بيت اطل انا من نافذته وتلاقت عينى مع عين الجمل فقرأت فيها ابتسامة وغمزة وحلت لى البركة فطرت من موقعى وراء النافذة ودرت حول رأس الجمل بجلبابى وشعرى المنفوش وكبر الناس وهللوا وذهلوا لوقوع المعجزة وتماديت أنا فارتفعت فى الجو وتراجعت نحو سطح بيتى وهبطت وبعد مرور المحمل تجمع الناس امام البيت يريدون مشاهدة الانسان الطائر واذا بهم يتحولون فجأة من الاعجاب الى الخوف والحذر وقالوا ان روحاً شريرة حلت بالشخص الطائر وان طيرانه حول رأس الجمل نذير شؤم للناس جميعاً وأنه يجب ان يبرأ من الشيطان ذلك بجلده حتى يتطهر تماماً فاذا رفض الدواء عرض نفسه للعقاب المناسب وهو القتل، وركب الرعب الشاب واسرته واستنجدت الاسرة بالشرطة واشترط المأمور ان يرى المعجزة وهى تحدث امام عينيه وذهب الى البيت ورأى المعجزة وبهر بها حقاً ولكنه وجد نفسه بين رأيين الأسرة تقول انها كرامات الاولياء والناس تؤكد انه عبث من الشيطان ونذير شر. واخيراً قرر المأمور ان يضع الشاب فى السجن حتى ينسى الموضوع برمته
حلم 50
كنت اتطلع الى امراة فاتنة تسير فى الطريق فاقترب منى بجرأة وهمس فى أذنى إنها تحت أمرى إذا أمرت كان براق العينين منقرا ولكن لم أصده واتفقنا على مبلغ واصر أن يأخذ نصفه مقدما فأعطيته النصف وضرب لى موعدا لكن عند اللقاء كان بمفرده واعتذر بتوعك المرأة وكان على أتم الاستعداد لرد المقدم ولكنى صدقته وابقيته معه وكان يقابلنى فى حلى وترحالى ويطالبنى بالصبر وخشيت ان تسىء هذه المقالبلات سمعتى فأخبرته اننى عدلت عن رغبتى ولن استرد المقدم ولكن عليه الا يقابلنى ولم يعد يقابلنى ولكنه كان يلوح بها فى اكثر الاماكن التى اذهب اليها وضقت به كما كرهته وقررت الانتقال الى الاسكندرية وفى محطة سيدى جابر رايته واقفا وكانه ينتظر
97
هذه حجرة السكرتارية حيث أمضيت عمرا قبل احالتي الي المعاش، وحيث زاملت نخبة من الموظفين شاء القدر أن أشيع جنازاتهم جميعا، واسترقت نظرة من داخل الحجرة لأري من خلفونا من الشباب، فكدت اصعق لم أر سوي زملائي القدامي واندفعت الي الداخل هاتفا سلام الله علي الأحباب متوقعا ذهولا واضطرابا، ولكن أحدا لم يرفع رأسه عن أوراقه فارتددت الي نفسي محبطا تعسا، ولما حان وقت الانصراف غادروا مكاتبهم دون أن يلتفت أحد نحوي بمن فيهم المترجمة الحسناء، ووجدت نفسي وحيدا في حجرة خالية..
98
من موقفي علي اطوار أرسلت بصري الي الحديقة من خلال قضبان السور الحديدية، وهناك رأيت مالكة فؤادي وهي توزع شيكولاتة علي المحبين فاندفعت جهة باب السور حتي بلغت مدخل الحديقة وأنا ألهث وواصلت الجري في الداخل ولكني لم أعثر للمحبوبة علي أثر فهتفت بحدة لاعنا الحب. وحانت مني التفاتة الي الخارج فرأيت الفتاة في الموضع الذي كنت فيه وهي تتأبط ذراع شاب بدا أنه خطيبها، وهممت بالرجوع من حيث أتيت ولكن أقعدني الارهاق وطول المساءلة وفوات الفرصة.
99
هذا فناء مستدير تتوسطه نخلة رشيقة وتقوم في جوانبه بيوت صغيرة وعند العصاري تفتح الابواب وتخرج النساء للسمر تحت النخلة ويدور الحديث غالبا حول البنات والزواج، وأنزوي أنا بعيدا لاتابع الحديث بشغف، وعندما يهبط المغيب يعضني الجوع ولم يكن يعلم بحالي سوي صديقة طفولتي تتسلل الي حاملة طبقا صغيرا نصفه مملوء بالجبن البيضاء والنصف الآخر مفروش بالبقدونس، ونتعاون معا علي معالجة الجوع علي أنغام حديث الزواج.
100
هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسئول عما حاق بنا، ولكني أحبطت عندما دار الحديث بين القاضي والزعماء بلغة لم اسمعها من قبل حتي اعتدل القاضي في جلسته استعدادا لاعلان الحكم باللغة العربية فاسترددت للأمام، ولكن القاضي أشار إلي أنا ونطق بحكم الاعدام فصرخت منبها اياه بأنني خارج القضية وإني جئت بمحض اختياري لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخي.
101
زينا البيت ترحيبا بالابن العائد بعد غياب، أصبح فيه نجما من نجوم المجتمع وأمضينا السهرة في الشرفة التي تمد الشقة بالمنظر الجميل والهواء النقي، واتحفنا العائد بالأشعار والألحان حتي انتصف الليل وفي الصباح وجدت مدخل الشرفة مسدودا بدولاب عملاق فخجلت، ولكن الابن لم يخف حزنه، اذ ثبت له أن أناسا من صميم أسرته لا يستلطفون وجوده ويكرهون عمله الجميل.
102
أخيرا اهتديت إلي مأوي في الدور التحتاني من بيت قديم، ولكن سرعان ماضفت برطوبته وسوء مرافقه فسعيت من جديد حتي نقلت الي الدور الفوقاني وهو أفضل من جميع النواحي، غير أن السماء أمطرت بغزارة غير معهودة فانسابت المياه من الاسقف فاضطررنا الي تكويم العفش وتغطيته بالأكلمة، وغادرنا الشقة الي بير السلم فشعر بنا ساكن الدور التحتاني الجديد فخرج الينا ودعنا بإلحاح وبشدة الي الداخل حيث الدفء والرعاية.
103
ماذا جري لبيتنا جميع المقاعد تلاصقت وسمرت قوائمها في الأرض، وخلت الاسقف من المصابيح والجدران من الصور والأرض من السجاجيد، فماذا جري لبيتنا؟
قالوا بأنه اجراء لتأمين البيت لتعدد حوادث السطو علي المنازل، فقلت دون تردد إن السطو أحب الي من القبح والفوضي.
104
رأيتني في حي العباسية اتجول في رحاب الذكريات، وذكرت بصفة خاصة المرحومة عين فاتصلت بتليفونها ودعوتها الي مقابلتي عند السبيل، وهناك رحبت بها بقلب مشوق واقترحت عليها أن نقضي سهرتنا في الفيشاوي كالزمان الاول، وعندما بلغنا المقهي خف الينا المرحوم المعلم القديم ورحب بنا غير أنه عتب علي المرحومة عين طول غيابها، فقالت ان الذي منعها عن الحضور الموت فلم يقبل هذا الاعتذار، وقال إن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة.
105
جميع الرجال في حينا يحلقون رءوسهم في صالون عم عبده انجذابا للحسناء الجالسة خلف صندوق النقود، وتمنينا جميعا أن تتحسن حالتنا المالية فنحلق ذقوننا كل صباح في رحاب الجمال، وذات يوم وجدتني أسير في طريق متألق الجمال والنقاء، واذا الحسناء مقبلة نحوي من بعد قريب حتي اذا حاذتني التفتت الي فجأة وأخرجت لي لسانها، وبسرعة مذهلة تحول وجهها الي كتلة خشبية سميكة فذعرت وسارعت مبتعدا، غير أن ترامي الي صوت ضحك فنظرت ناحيته فرأيت الحسناء تراقص الأسطي وهما في غاية الحيوية والمرح.
106
غزا الوزارة نبأ بأن انقلابا قد وقع في الصباح الباكر فتجمع الموظفون حول التليفزيون واستمعنا الي البيان الأول، فقال موظف قديم إنه سمع هذا البيان في مطلع شبابه، أما أنا فاكتشف أن زعيم الانقلاب صديق حميم، ومن فرحتي أعلنت الخبر مسترخيا في حبور بأن الحياة سوف تضحك لي، فقال الموظف القديم: إنه قد تضحك لي الدنيا وقد أعدم بدون محاكمة.
107
أنه من تراحم عجيب، ففي حقيقته يرقد نعش كتب عليه أن هذه جنازة فلان تنفيذا لوصيته، وفلان زميل كريم اشتهر بندب حظه السييء فعلي كثرة مؤلفاته لا يكاد يعرفه قاريء، وجاء المشيعون والمتفرجون حتي بلغ الكرام المدافن وسط مظاهرة لم تشهده جنازة من قبل، و ماجاء المساء حتي كان اسم الراحل يتردد علي كل لسان.
108
غادرت القطار الجميل وقلبي مفعم بالأشراق، ولكني وجدت نفسي في خلاء مخيف، فأين إذن الحديقة التي لا يوجد مثلها في البلاد؟!
وأدركني رجل وجيه تذكرت وجه الرجل الذي تزوج من حبيبتي منذ سنوات فاعتذر عن التأخير في بدء العمل لتعاقب الحروب وأكد أن الرأي استقر نهائيا علي أن يعود هذا الأسبوع وعلي أن يتم تمامه في شهر واحد تعود بعده الحياة لأجمل صديقه في الوجود، وبخلاف المتوقع فإنني صدقته أملا أن يجيء يوم تجمع الحديقة بيني وبين حبيبتي كما جمع بيننا حي واحد في الزمان الأول.
109
هذا تلميذي يتلقي عني علوم الموسيقي والألحان وسرعان ما أصبح تلميذي نجما ثريا، وظللت أنا في الظل منسيا فتركت عملي الجميل الشاق واشتغلت بتدريب الآثار، وكف تلميذي عن التعليم والعلم وأدمن المخدرات وعرض صوته للتلف، وحدث أن جمعنا حفل ساهر فلا هو عرفني ولا أنا عرفته، وأخذت أتساءل مع كثيرين عن تدهورنا وما جري لنا.
110
إنه مشوار مرهق وعند نهايته وجدت بوابة مغلقة فاستجمعت قواي وجعلت أرفعها حتي استجابت، فرأيت وراءها بحيرة تنطلق منها صواريخ كلما بلغ صاروخ الفضاء في الفجر باعثا من الظلمة وجها عزيزا محبوبا امتلأ الفضاء بالأحبة، ومع ذلك فمازلت أنتظر سطوع الوجه الذي علمني العشق وألهمني الخلود.
111
في الجو غيم وفي الصدور قلق ويترامي إلينا من بعيد لا يتوقف، وقال صاحبي وهو يحذرني بأنهم يستهدفون حياتنا فقلت له إني عرفت أخيرا سبيل الخلاص، ولا أنكر أنه وعر كثير المقاومة ولكن ليس عندي خير منه فاتبعني إن شئت، وتفكر صاحبي طويلا ثم تبعني وهو يقول إن الأعمار بيد الله وحده!
112
يا لها من ضوضاء، فثمة أصوات متضاربة وخطوات تهرول حينا وتركض حينا وصرخة هنا وصرخة هناك وطلقات نارية وامرأة تستغيث بالله، أذهلني التشابه بين صوته وصوت المرحومة أمي، ومن فوري هرعت إلي السطوح حيث اجتمع إخوتي وأخواني وتحدث أخي الأكبر عن الاستغاثة والصوت، فقال لي بتيقن بأن الصوت هو صوت أمجنا دون غيره وليس آخر يشبهه.
113
أخيرا حضر الوزير الجديد فقدمت له نفسي باعتباري سكرتيره البرلماني، ولكنه لم يفهم كلمة من كلامي فحاولت شرح عملي ولكنه نهرني بحدة وأمر بنقلي من وظيفتي، وهكذا بدأت المعاناة في حياتي، ثم شاء القدر أن يجمع بيني وبين الوزير في مكان خير موقع وهو السجن، وبعد أن أفقت من ذهولي أخذت أذكره بلقائنا الأول وما جري فيه حتي تذكر وتأسف واعتذر، وانتهزت وجودنا في مكان واحد كي أشرح له عمل السكرتير البرلماني.
114
جاءت الشغالة الجديدة مصحوبة ببعض أقربائها وكأنهم أرادوا أن يشاهدوا المكان وأهله لتطمئن قلوبهم علي ابنتهم الوسيمة، غير أن الوسيمة لم تمكث عندنا إلا نصف يوم، ثم ذهبت تاركة في النفوس غضبا وبلبلة، حتي كان ذات مساء فرأيتها تخرج من عمارة قريبة وهي علي حال من الانحراف الصارخ فصعقتني الحقيقة الغائبة وأدركت عم كانوا يبحثون في اللقاء الأول.
115
في البدء التهب الخصام حول إصلاح البيت بين الساكنة في الدور التحتاني ومالكة البيت المقيمة في الدور الفوقاني وترامت الأصوات إلي الحارة الصغيرة ففتحت نوافذ وأبواب وأيد البعض مالكة البيت. أما الكثرة فأيدت الساكنة، واحتدم الجدل ثم تطايرت الشتائم حتي أنذر الغضب الأحمر بسفك الدماء.
116
ذهبت لتهنئة صديق قديم علي الوزارة، ولكن بخلاف المتوقع قوبلت في المكتب بفتور واضح ثم طال انتظار المقابلة دون جدوي، فتسلل إلي ظني أن بعضهم افتري علي فرية أفسدت الود القديم، وأخيرا غادرت مجلسي لا أري ما بين يدي واستقبلني زميل.
يبقي علي وده وقال لي إن لعنة الله علي ألسنة السوء فسألته ولم لم يقابلني ويتحقق من الأمر، فقال إنه مضي زمن والقانون معطل اكتفاء بأقوال الشهود.
117
كنت جالسا في المقهي وإذا بفتوة الحي يجلس إلي جانبي دون استئذان فرحبت به مرغما فقال: إنه اختارني للزواج من ابنته المطلقة، فارتعشت أطرافي وقلت: إنني سأتزوج من ابنة عمي في نهاية الأسبوع، فقال ببساطة وثقة: أنت ستتزوج من ابنتي وأنا سأتزوج من ابنة عمك.
118
وجدتني في ميدان محطة الرمل المزدحم دوما بالبشر، ولمحت في ناحيته الرجل الذي تردد كلماته الألوف وهو يغازل غانية، فهمست في أذنه 'إذا بليتم فاستتروا' فقال: وهل ثمة ستر أقوي من ملابسها.
119
وصلت إلي المحطة في الوقت الحرج واتخذت موقعي في الطابور الممتد إلي شباك التذاكر. ظللنا بين القاطرة والشباك حتي انطلقت صفارة الإنذار الأخيرة ومازلت علي مبعدة من الشباك، وهكذا فاتني القطار.
120
قمنا برحلة إلي المملكة التي تغني بروعتها الشعراء، وهناك انضم كل فرد إلي المرشد الذي اختاره يتنقل به من مشهد إلي مشهد ومن جبل إلي بحيرة ومن متحف إلي مقبرة، وقال المرشد: إنه لم يبق من الرحلة إلا الحديقة البللورية، ودعنا الي شيء من الراحة والتأمل كي لا يصدمنا الانبهار فسألنا: وهل ثمة انبهار يفوق ما شاهدنا من أحياء وأشياء، فابتسم المرشد وواصل السير ونحن في أثره.
121
رأيتني أسير في شارع كورنيش الإسكندرية مستهدفا العمارة التي أري في إحدي شرفاتها السيدة الأنيقة بصحبة زوجها وأبنائها الشبان، فلما فتر الهدف ذاب المنظر ذوبانا سحريا ناعما حتي اختفي وحل محله شارع العباسية، ومازلت أسير نحو العمارة الجديدة التي تطالعني من إحدي نوافذها الفتاة التي لا تنسي، ولكني وجدت النافذة خالية فقررت الانتظار كالعادة في محطة الترام، ولكني لم أجد للمحطة أثرا ولا لقضبان الترام أثرا علي طول الشارع.
-
مشرف ملتقى الطلبة
122
الليل سجي فاحتوتنا غرفة وهبتنا الظلمة راحة عابرة وفرحا حميما، وترامي إلينا من الطريق ضجة، فهرعت إلي خصاص النافذة فرأيت قوما يحدقون بشخص مألوف الهيئة وينهالون عليه باللعنات واللكمات، وهو مستسلم لم يقاوم حتي شعرت بالكلمات تخرق جسدي.
123
هذا ميدان الأوبرا وفيه أسير متجها نحو مقهي الحرية، فأدهشني أن أجدها خالية من روادها اللهم إلا شخص منكب علي قراءة أوراق مبسوطة بين يديه، وسرعان ما تبين لي أنه أستاذي الشيخ مصطفي عبدالرازق، فانشرح صدري واندفعت نحوه مشتاقا إلي لقاء حميم غير أنه التفت إلي متجهما فهبط قلبي، وأشار الأستاذ نحو الأوراق وقال لي: آسف إنه قرأ اسمي بين شهود الإثبات، فلم أدر ماذا أقول ولا كيف أعتذر؟
124
كثيرا ما اجتمعنا بمكان بقع بين الحقول من ناحية والطريق العام من ناحية أخري، وحتي قال لي صاحبي إن هذا الموقع لا يضمن السلامة في كل الأحوال، ومن لحظتها سكن القلق في صدري حتي استيقظت ذات صباح علي ضجة وصياح، فقمت إلي النافذة فرأيت جموعا لا يحصرها حصر وجماهير لم أميز فيها سوي الغضب الأحمر.
125
توجهت إلي مسكني فوجدته يمور بالحركة ولا شيء من الأثاث في موضعه، وثمة غلمان وبنات لا أعرفهم يلعبون هنا وهناك دون أن يحسوا بحضوري فانقبض صدري، ودلفت إلي الشرفة المطلة علي حديقة قريبة مني، وفيها شجرة ضخمة تمتليء أغصانها بالعصافير المزقزقة، وكانت الزقزقة وحركة العصافير قد أنستني كل شيء غير صوت العصافير وهي تغرد.
126
ذهبنا لتهنئة الوزير الجديد بوصفنا أصدقاء قدامي فرحب بنا، ووجدنا أحباء آخرين فرجعنا معهم إلي عهد الصبا، وفي الصباح التالي أذاع الراديو البيان الأول لحركة الجيش، وعندما ذهبنا إلي السكرتارية للترحيب قال لنا لا تسهبوا في الترحيب قبل أن تعرفوا القادم.
127
في حديقة هذه الفيلا نجتمع مساء للسهر والسمر في حرية شاملة، ولكن صاحب الحديقة تغير فجأة فاستبد بكل شيء، فهو يختار موضع الجلسة وموضوع الحديث والأكل والشرب، وحسبناها دعابة ولكنه استمر وتمادي فضقنا به ذرعا غير أننا اخفينا مشاعرنا إكراما للموقف. إلا واحد لم يستطع إخفاء مشاعره، وذات مساء انفجر غضبه المكتوم وجن جنونه فصرخ، وأخرج من جيبه مسدسا صوبه نحونا بيد مرتجفة فتفرقنا في الحديقة تطاردنا لعناته وشتائمه.
128
هذا محل لبيع التحف يتألق نورا وبهجة، وتجلس في خدمة ضيوفه شابة آية في الجمال، وطفت به حتي صادفني مطعم صغير فتناولت ساندوتشا ودخنت سيجارة والتفت لرؤية الشابة الجميلة، لكني وجدت مكانها امرأة طاعنة في السن فانقبض صدري وأرسلت ناظري باحثا عن الجميلة، فمضيت في حيرة بمرآة فوقها مشهد به صورة عجوز يتوكأ علي عصا غليظة قد أعياه المشي والقلب والذاكرة.
129
مازلت في صباحي مستوصيا بالصبر والعزم والاستمرار حتي بلغت مرتفعا أوحي إلي بأخذ شيء من الراحة، وهنا لمحت صبيا يكافح للصعود، فرق له قلبي ومددت له يدي، ولكنه جذبني بقوة لم تجرني في جناحه، فهربت أتدحرج ولا أملك لنفسي شيئا.
130
صحوت من نومي علي أصوات تناديني غير عابئة بوقار الليل، وسرعان ما عرفت منها أصوات صديقات الزمان الأول، وكن يذكرنني بالميعاد الذي لم أنجزه فتلفحت بالروب وهرولت إلي الخارج، ولكني وجدت الشارع خاليا والصمت سائدا.
131
لقاؤنا في هذا الركن من الغابة وحياتنا طرب مستلهم من المواويل، وسماؤنا سحب من دخان رقيق عاطر، ونحن كأننا نائمون أو غافلون، وذات يوم اقتحم هدوءنا غناء غريب مجنون الإيقاع شديد الصخب فذهلنا ورأي بعضنا إسكاته ولو بالقوة علي حين آثر البعض التأمل والحكمة، وعلي أي حال فقد استيقظ النائمون وتخفر الغافلون.
132
هي وأنا ماضيان كالعادة إلي ملهي، وفي الطريق استأذن دقيقة ريثما يشتري سجائره ولما رجع لم يجدها فعلم علي ظنه إنه سبقته إلي الملهي المتفق عليه فذهب إليه ولكنه لم يجدها، فراح ينتقل من ملهي إلي ملهي باحثا عنها، وحتي هذه اللحظة لم يكف عن البحث.
133
جائزة مقدارها مائة جنيه لم أعرف قبلها من النقود إلا راتبي الصغير، فأملت أن تكون الخطوة الأولي في طريق الثراء. فم من زميل بدأ من الصفر ثم أصبح من كبار الأغنياء، وسألت أحدهم عن الوسيلة فضحك وقال لا تسل عن الوسيلة فلايجهلها أحد، ولكن سل عن الشخص والزمن.
134
جمعتنا المواعيد في الطريق الزراعية، فجعلنا ننشد الأشعار ونغني ما طاب لنا من الألحان حتيسرقنا الوقت، فغاب قرص الشمس ونحن لا ندري، فتذكرنا أنه عند هبوط الظلام يترامي إلينا عواء الذئاب من جهات كثيرة..
135
اشتقت لرؤية أهلي فانتقلت من فوري إلي البيت القديم، وهالني بأن أجده غارقا في الظلام كأنهم استأنسوا بالظلمة، فناديتهم معاتبا رجلا رجلا وامرأة امرأة، ولكن لم يجبني أحد.. رجعت أكرر النداء حتي دمعت عيناي..
136
رقد جثمان أختي علي الفراش، وقفت أمامه ومعي حبيبتي خاشعين، علي حين تربعت علي الفراش صبية جميلة تغني غناء شجيا، وجري الزمن فأصبح الجثمان الراقد علي الفراش، وهو جثمان حبيبتي، ووقفت أنا وأختي أمام الفراش خاشعين، واصلت الصبية في موضعها تغني غناءها الشجي.
137
يالها من حديقة لا أول لها ولا آخر يقطر من سمائها الصفاء وتتواري أرضها تحت الشجر، وجلسنا في ظل شجرة لنأكل ونشرب، وإذا بصوت يخبرنا بأن المغنيات والراقصات آتيات آتيات، وصوت آخر يحذرنا من الاستماع الي الأمثال والحكم التي تذم بصلب الدهر وتحدي الأيام، وقال إن حسبكم هذه الأشجار المثقلة ثمارها بالهناء والسرور.
138
شارع طويل عريق وأنا أسير فيه علي مهل غافلا عما حولي، وأذ بيد تربت علي كتفي، فالتفت أمامي فرأيت امرأة آية في الجمال والرشاقة ودهشت فابتسمت فابتسمت فأسرعت نحو بيت أنيق أخضر، فاستقر رأيي علي أن أتبعها، ولكنني التفت حولي لحظة ليطمئن قلبي، وفي هذه اللحظة تدفق جنود الأمن حتي سدوا الطريق سدا وتعذر عليٌض التقدم، ولكن عينيَّ لم تتحولا قط عن البيت الأنيق الأخضر.
139
هذا معرض اشتهر بصوره الفنية التي تتغير شكلا ومضمونا كلما اقترب منها المشاهد، وأول ما طالعني صورة غابة آية في الجلال ولما اقتربت خطوة تلاشت الغابة وحلت محلها صورة امرأة عارية متعددة المحاسن، وعند الخطوة التالية غابت المرأة وظهرت محلها صورة معركة حامية الوطيس اشتعلت فيها كافة أنواع الأسلحة من الأحجار وحتي الالكترونات.
140
هذه امرأة ثرية المحاسن ما إن رأيتها حتي غازلتها، وإذا بزوجها ينقض علي ويأبي أن يتركني إلا في القسم، ولكن تداخل رجل من حينا اشتهر بين خاصة معارفه بالدعوة الي الحرية المطلقة، ففررت بعد أن لقنني درسا لا ينسي ويتجسد لي كلما قابلت امرأة، حتي رأيت نفسي وجها لوجه مع المرأة الجميلة فهممت بالجري، ولكنها أقبلت علي باسمة وتأبطت ذراعي وهي تهمس بأن زوجها اعتنق أخيرا دعوة الحرية المطلقة.
141
هذا حينا القديم الجميل، وهذا أنا أجول في أركانه حاملا في قلبي ذكرياته، ثم خطر لي أن أقيم في البيت القديم حتي تخف أزمة المساكن، ولكن تبين لي من أول يوم أنه لم يعد صالحا للحياة الحديثة.
142
هذه القطعة من الأرض الفضاء هي ميراثي الوحيد، وقد أطلق عليها اسم الخرابةلطول ما عانت من إهمالها، وما أن رزقت بعض المال حتي فكرت جادا في تعميرها، ولكني لم أقدم لكثرة ما عرفت من حوادث النصب وفساد الذمم، حتي سألت جاري الحكيم: ألايوجد في الدنيا شخص خير؟ فأجابني بأنه موجود، ولكن يتطلب العثور عليه عزما وشجاعة وبحثا لايتوقف.
143
سمعت صوتا غير مألوف فمرقت بسرعة إلي فناء العمارة فرأيت رجلا غريبا أثار في نفسي الريب، فناديت البواب ولقت نظرة إلي الرجل الغريب، فأخبرني بهدوء أنه موظف ويؤدي واجبه الرسمي وهو أخذ الزائد من الأفراد من المساكن المكتظة وينقلهإلي مسكن يتسع له، فاعترضت قائلا إنه يأخذ فردا من أسرة ويخلف حزنا وينقله علي رغمه إلي مكان لايرحب به، فقال البواب بأن هذا هو القانون ونحن لا نملك حياله إلا الإذعان والتسليم.
144
نظرت في ظمات الماضي فرأيت وجه حبيبتي يتألق نورا بعد أن دام غيابها خمسين سنة، فسألتها عن الرسالة التي أرسالتها لها منذ أسبوع، فقالت إنها وجدتها مفعمة بالحب ولكنها لاحظت أن الخط الذي كتبت به ينم عن إصابة كاتبه بداء الخوف من الحياة وبخاصة من الحب والزواج، ولما كنت مصابا بنفس الداء فقد عدلت عن الذهاب إليك وفكرت في النجاة فلذت بالفرار.
145
هذا مهرجان عظيم جمع العديد من رموز الأمم، وناداني رئيس المهرجان وسلمني كرة وهو يقول إنها هدية المهرجان لك وهي من الذهب الخالص، وأنهالت عليَّ التهاني، ولما رجعت أعلنت نيتي علي التبرع بنفس الهداية لأعمال الخير فجاءوا بمنشار وأخذوا يقسمونها، ولما وصل المنشار إلي باطن الكرة دوي المكان بانفجار مزلزل وتطايرت شظايا الضحايا من الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
146
انتصر العدو واشترط لوقف القتال أن يتسلم تمثال النهضة الذهبي المحفوظ في الخزانة التاريخية، وذهبت مع فريق لنحضر مفتاح الخزانة المحفوظ بالصندوق الأمين، ولما كشفنا غطاء الصندوق تبديلنا ثعبان مخيف ينذر بالموت كل من يدنو منه، فتفرقنا وأنا أداري فرحتي وأدعو للثعبان بالسلامة والتوفيق في حفظ المفتاح.
الحلم 177
ثالوث التقدم
أقيم سرادق كبير للاحتفال بالحزب الجديد وظهر فى المنصة الزعيم مصطفى النحاس واستقبل بالهتاف والقى خطاباِ يشرح فيه مبادئ الحزب وفى مقدمتها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية ولما رجعنا الى المكان الذى نجتمع فيه كل مساء قلت لهم اننى لما رأيتهم يحتفلون ذكرتهم بفرحتهم يوم حريق القاهرة واقالة وزارة النحاس فقال لى أحدهم ان تلك الفرحة هى خطيئتهم الكبرى وأنهم كفروا عنها فى اجتماع اليوم.
يظهر الزعيم مصطفى النحاس خليفة الوفدى العظيم، والليبرالى الكبير فى سرادق الوطن الذى يتوسطه تعانق الهلال مع الصليب، ومصر للمصريين، وأن الدين لله والوطن للجميع، ويعلن فى احتفاله عن مبادئ التقدم، وآليات التنوير، التى تربى عليها نجيب محفوظ، ورسخت فى وعيه، واخلص لها فى أعماله، وظل ابناً باراً لتلك التعاليم فلم يغيره الزمن، أو تقلبات السياسة يلخص الزعيم الوفدى والخليفة الليبرالى مبادئ الوفد الأصيلة التى أنارت سماء مصر وحررت الوعى ورسمت طريقاً لوطن يدرك فيه المواطن مواطنته، ويعرف مقدار وضعيته السياسية والتاريخية، فالجماهير الأحرار تنصت للزعيم الحر الذى يشرح لجماهيره المبادئ الثلاثة للوعى السياسى وأنه اركان الوطنية، والمواطنة، المواطن لا تتحقق الا بتلك المبادئ الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والوحدة الوطنية، فلا وطن للحريات او تداول سلطة، او تعددية سياسية.
ـ الديمقراطية مفهوم اصيل فى وعى النحاس كذلك فى وعى محفوظ الذى جاوز التسعين لكنه مازال يحلم، ويكتب، ويؤكد أن الديمقراطية ركن اصيل من اركان التنوير، واساس ليبرالى عريق لتحرر الوعى، وتقدم مصر، محفوظ ابن ثورة 19 وابن ذلك التراث العريق من النضال من اجل مواطن حر،لا يكون الا بتحقق العدالة الاجتماعية فلا ديكتاتورية فى توزيع الثروات، ولا ديمقراطية بدون ان يكون هناك عدل اجتماعى ولا ازالة للفتن مثل ما للعدل الاجتماعى فقانون الحياة يقتضى الصراع بغير ظلم، ويأتى الركن الثالث والاقنوم الذى يقوم عليه الركنان الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فبهما يتحقق التنافس الحر حيث المساواة، والتسامح والمحبة هى آليات المجتمع الديمقراطى فلا تمييز او محاباة هكذا يحلم نجيب محفوظ، وهكذا تكون المبادئ لأى حزب جديد هى مبادئ الوفد الراسخة فى ضميره، والتى يكررها، ويؤكد ع ليها ويحلم بها، ويكتب عنها، من اجل مستقبل حر لوطن حر، وحين يعود يذكرهم الحالم نجيب محفوظ بخطيئتهم الكبرى حين اقالوا صاحب تلك المبادئ، يوم ان احترقت القاهرة بنيران الفاشية فكانت تمهيداً لما هو آت، ونبوءة عن القادم، الذى احرق الاخضر واليابس، وردم مبادئ النحاس، وتخلى عن مكاسب جماهير ثورة ،19 فكان الحريق، وكان الاقصاء للنحاس اقصاء لحرية الوطن، يذكرنا نجيب محفوظ، بأن الخطيئة الكبرى التى يجب ان تكفر عنها الجماهير هى العودة الى حارتنا الاصيلة، حارة ثورة 19 ومبادئ النحاس وان الذات السياسية التى هللت للحريق، فوجئت بالاقالة كانت كمن باع روحه، ولم يسترد ذاته، وكان ذلك التهليل كما سلم يهوذا المخلص، فوجب ان نعلن ندمنا، ونكفر عن خطيئتنا بالعودة الى السرادق الكبير والاستماع الى خطاب النحاس ومبادئ التنوير وفى مقدمتها الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية ذلك عودة الوعى الحقيقي، والاجتماع الجدير بالاحتفال
الحلم 189
وزارة النحاس المحفوظية
رأيتنى وزيراً فى وزارة يرأسها مصطفى النحاس وجعلت أفكر فى مشروع انشاء مدارس اولية وابتدائية وثانوية بلا مصروفات ولا رسوم للمتفوقين والمتفوقات من أبناء الفلاحين والعمال على أن نتابعهم بالرعاية فى الجامعة والبعثات، وعرضت الموضوع على الزعيم، فرحب به واضاف اليه تعديلاً أن تخصص تلك المدارس للمتفوقين والمتفوقات من أبناء الأمة كلها، وطلب منى أن أقدم المشروع فى مجلس الوزراء القادم ووعد بتأييده.
لأن الحالم وزير فى وزارة وفدية، أتت بدستور ،23 وحررت وعى المصريين، وأنارت دنياهم السياسية بمصابيح التنوير وناضلت من اجل استقلال الذات المصرية، لانها وكيلة وفود الشعب، والوفد نائب عن الأمة، والأمة هى مصدر السلطات ، والنحاس هو امين الأمة، والحارس لتراث، ومكاسب ثورة ،19 وخليفة الزعيم الليبرالى سعد زغلول، وحين تكون وزيراً فى وزارته فلا تفكر الا فى البناء، ولا تطمح الا بالتقدم ومن كان هذا هدفه، وتربة الوفد جذوره، ووعى ثورة 19 عقليته، وذهنيته، فالطريق لذلك لا يكون الا بتكوين عقل يؤمن بالمعرفة، ويعرف اليات العلم، ويترك وسائل التعليم، فيفكر وزير النحاس فى عقل الأمة، وكيفية إخراج انسان جيد ، وقاهرة جديدة والطريق بالتعليم، فيعرض على النحاس انشاء وزارة تعتنى بالتعليم فتقيم مدارس واماكن للمعرفة والتعليم، والتنوير لمختلف المراحل، ولجميع مستويات العقول ولان الثورة بنت الشعب ومن الشعب والى الشعب، فأماكن المعرفة،، والتقدم، والتنوير، والتعليم لا تكون الا لأبناء الشعب من الفلاحين والعمال فهم حائط الوفد، وأعمدته الرئىسية ووقود الثورة والراوى والحالم يبصر مشروع المستقبل، ويدرك رأس المال الحقيقى باستثماره فى المعرفة والتنوير هكذا كانت الثورة، وكذلك تكون فبغير التعليم والمعرفة لا يكون الهروب من التخلف.
وحين يعرض المشروع على الزعيم مصطفى النحاس امين الأمة، التاريخ، والواقع السياسى البصير بالآتى، والمخلص لرفعة الأمة، وازدهارها، الواعى بأن المعرفة وسيلة الرخاء ولانه ابن الشعب، ووفد الشعب فإنه يضيف تعديلاً يناسب رؤية الزعيم فلا تخصيص ولكن التعديل شمل ابناء الأمة كلها،ووعد بتأييده، هكذا من يكون وزيراً فى وزارة النحاس، وهكذا يكون الزعيم حيث يرى برؤية شاملة، ويبصر المساواة فى المواطنة، وكذلك يبصر ان التعديل الحقيقى للدستور القادم لا يكون الا بالغاء ذلك البند الذى انقضى تاريخه وضاعت وضعيته ولا يناسب المقام، فالزعيم يدرك ان الوطن للجميع فلا تمييز، ويوسع من المفهوم الشعبى للحالم والراوى والوزير ولا وعى الحالم يرشدنا الى تأييد تعديل الزعيم مصطفى النحاس، فالأمة، لكل الأمة، والمواطنة لكل مواطن، والمساواة لكل أبناء الشعب فالأمة مصدر السلطات والوطن للجميع.
حلم 204:
«رأيتني مديرا لشؤون السينما وجاءتني الفنانة «ف» تطلب إعفاءها من العمل مع الممثل «أ»، فانزعجت وقلت لها إن هذا سيغير الخطة كلها، ولكنها أصرت على موقفها، ثم جاءني الممثل «أ» وطلب مني الضغط عليها فاعتذرت. وراحت هي تقول للوسط الفني إني أضغط عليها لتعمل مع الممثل «أ» صديقي على رغم إرادتي، وراح يقول إنني سهلت لها التحرر من العمل لغرض في نفسي، فلعنت اليوم الذي توليت فيه هذا المنصب».
حلم رقم 205:
«رأيتني أشاهد دورية من الجنود الأجانب فضربتها بحجر وصعدت الى السطح وعبرت الى سطح الجيران وهبطت السلم لأهرب من باب البيت فوجدته مسدودا بجنود شاهرين السلاح».
حلم رقم 206 :
" رأيتني اعد المائدة والمدعوون في الحجرة المجاورة تأتيني اصواتهم اصوات امي واخوتي . صحوت فاقدا" الصبر فهرعت الى الحجرة المجاورة لأدعوهم فوجدتها خالية تماما وغارقة في الصمت واصابني الفزع دقيقة ثم استيقظت ذاكرتي فتذكرت انهم جميعا رحلوا الى جوار ربهم وانني شيعت جنازتهم واحدا بعد الاخر "
-
مشرف ملتقى الطلبة
122
الليل سجي فاحتوتنا غرفة وهبتنا الظلمة راحة عابرة وفرحا حميما، وترامي إلينا من الطريق ضجة، فهرعت إلي خصاص النافذة فرأيت قوما يحدقون بشخص مألوف الهيئة وينهالون عليه باللعنات واللكمات، وهو مستسلم لم يقاوم حتي شعرت بالكلمات تخرق جسدي.
123
هذا ميدان الأوبرا وفيه أسير متجها نحو مقهي الحرية، فأدهشني أن أجدها خالية من روادها اللهم إلا شخص منكب علي قراءة أوراق مبسوطة بين يديه، وسرعان ما تبين لي أنه أستاذي الشيخ مصطفي عبدالرازق، فانشرح صدري واندفعت نحوه مشتاقا إلي لقاء حميم غير أنه التفت إلي متجهما فهبط قلبي، وأشار الأستاذ نحو الأوراق وقال لي: آسف إنه قرأ اسمي بين شهود الإثبات، فلم أدر ماذا أقول ولا كيف أعتذر؟
124
كثيرا ما اجتمعنا بمكان بقع بين الحقول من ناحية والطريق العام من ناحية أخري، وحتي قال لي صاحبي إن هذا الموقع لا يضمن السلامة في كل الأحوال، ومن لحظتها سكن القلق في صدري حتي استيقظت ذات صباح علي ضجة وصياح، فقمت إلي النافذة فرأيت جموعا لا يحصرها حصر وجماهير لم أميز فيها سوي الغضب الأحمر.
125
توجهت إلي مسكني فوجدته يمور بالحركة ولا شيء من الأثاث في موضعه، وثمة غلمان وبنات لا أعرفهم يلعبون هنا وهناك دون أن يحسوا بحضوري فانقبض صدري، ودلفت إلي الشرفة المطلة علي حديقة قريبة مني، وفيها شجرة ضخمة تمتليء أغصانها بالعصافير المزقزقة، وكانت الزقزقة وحركة العصافير قد أنستني كل شيء غير صوت العصافير وهي تغرد.
126
ذهبنا لتهنئة الوزير الجديد بوصفنا أصدقاء قدامي فرحب بنا، ووجدنا أحباء آخرين فرجعنا معهم إلي عهد الصبا، وفي الصباح التالي أذاع الراديو البيان الأول لحركة الجيش، وعندما ذهبنا إلي السكرتارية للترحيب قال لنا لا تسهبوا في الترحيب قبل أن تعرفوا القادم.
127
في حديقة هذه الفيلا نجتمع مساء للسهر والسمر في حرية شاملة، ولكن صاحب الحديقة تغير فجأة فاستبد بكل شيء، فهو يختار موضع الجلسة وموضوع الحديث والأكل والشرب، وحسبناها دعابة ولكنه استمر وتمادي فضقنا به ذرعا غير أننا اخفينا مشاعرنا إكراما للموقف. إلا واحد لم يستطع إخفاء مشاعره، وذات مساء انفجر غضبه المكتوم وجن جنونه فصرخ، وأخرج من جيبه مسدسا صوبه نحونا بيد مرتجفة فتفرقنا في الحديقة تطاردنا لعناته وشتائمه.
128
هذا محل لبيع التحف يتألق نورا وبهجة، وتجلس في خدمة ضيوفه شابة آية في الجمال، وطفت به حتي صادفني مطعم صغير فتناولت ساندوتشا ودخنت سيجارة والتفت لرؤية الشابة الجميلة، لكني وجدت مكانها امرأة طاعنة في السن فانقبض صدري وأرسلت ناظري باحثا عن الجميلة، فمضيت في حيرة بمرآة فوقها مشهد به صورة عجوز يتوكأ علي عصا غليظة قد أعياه المشي والقلب والذاكرة.
129
مازلت في صباحي مستوصيا بالصبر والعزم والاستمرار حتي بلغت مرتفعا أوحي إلي بأخذ شيء من الراحة، وهنا لمحت صبيا يكافح للصعود، فرق له قلبي ومددت له يدي، ولكنه جذبني بقوة لم تجرني في جناحه، فهربت أتدحرج ولا أملك لنفسي شيئا.
130
صحوت من نومي علي أصوات تناديني غير عابئة بوقار الليل، وسرعان ما عرفت منها أصوات صديقات الزمان الأول، وكن يذكرنني بالميعاد الذي لم أنجزه فتلفحت بالروب وهرولت إلي الخارج، ولكني وجدت الشارع خاليا والصمت سائدا.
131
لقاؤنا في هذا الركن من الغابة وحياتنا طرب مستلهم من المواويل، وسماؤنا سحب من دخان رقيق عاطر، ونحن كأننا نائمون أو غافلون، وذات يوم اقتحم هدوءنا غناء غريب مجنون الإيقاع شديد الصخب فذهلنا ورأي بعضنا إسكاته ولو بالقوة علي حين آثر البعض التأمل والحكمة، وعلي أي حال فقد استيقظ النائمون وتخفر الغافلون.
132
هي وأنا ماضيان كالعادة إلي ملهي، وفي الطريق استأذن دقيقة ريثما يشتري سجائره ولما رجع لم يجدها فعلم علي ظنه إنه سبقته إلي الملهي المتفق عليه فذهب إليه ولكنه لم يجدها، فراح ينتقل من ملهي إلي ملهي باحثا عنها، وحتي هذه اللحظة لم يكف عن البحث.
133
جائزة مقدارها مائة جنيه لم أعرف قبلها من النقود إلا راتبي الصغير، فأملت أن تكون الخطوة الأولي في طريق الثراء. فم من زميل بدأ من الصفر ثم أصبح من كبار الأغنياء، وسألت أحدهم عن الوسيلة فضحك وقال لا تسل عن الوسيلة فلايجهلها أحد، ولكن سل عن الشخص والزمن.
134
جمعتنا المواعيد في الطريق الزراعية، فجعلنا ننشد الأشعار ونغني ما طاب لنا من الألحان حتيسرقنا الوقت، فغاب قرص الشمس ونحن لا ندري، فتذكرنا أنه عند هبوط الظلام يترامي إلينا عواء الذئاب من جهات كثيرة..
135
اشتقت لرؤية أهلي فانتقلت من فوري إلي البيت القديم، وهالني بأن أجده غارقا في الظلام كأنهم استأنسوا بالظلمة، فناديتهم معاتبا رجلا رجلا وامرأة امرأة، ولكن لم يجبني أحد.. رجعت أكرر النداء حتي دمعت عيناي..
136
رقد جثمان أختي علي الفراش، وقفت أمامه ومعي حبيبتي خاشعين، علي حين تربعت علي الفراش صبية جميلة تغني غناء شجيا، وجري الزمن فأصبح الجثمان الراقد علي الفراش، وهو جثمان حبيبتي، ووقفت أنا وأختي أمام الفراش خاشعين، واصلت الصبية في موضعها تغني غناءها الشجي.
137
يالها من حديقة لا أول لها ولا آخر يقطر من سمائها الصفاء وتتواري أرضها تحت الشجر، وجلسنا في ظل شجرة لنأكل ونشرب، وإذا بصوت يخبرنا بأن المغنيات والراقصات آتيات آتيات، وصوت آخر يحذرنا من الاستماع الي الأمثال والحكم التي تذم بصلب الدهر وتحدي الأيام، وقال إن حسبكم هذه الأشجار المثقلة ثمارها بالهناء والسرور.
138
شارع طويل عريق وأنا أسير فيه علي مهل غافلا عما حولي، وأذ بيد تربت علي كتفي، فالتفت أمامي فرأيت امرأة آية في الجمال والرشاقة ودهشت فابتسمت فابتسمت فأسرعت نحو بيت أنيق أخضر، فاستقر رأيي علي أن أتبعها، ولكنني التفت حولي لحظة ليطمئن قلبي، وفي هذه اللحظة تدفق جنود الأمن حتي سدوا الطريق سدا وتعذر عليٌض التقدم، ولكن عينيَّ لم تتحولا قط عن البيت الأنيق الأخضر.
139
هذا معرض اشتهر بصوره الفنية التي تتغير شكلا ومضمونا كلما اقترب منها المشاهد، وأول ما طالعني صورة غابة آية في الجلال ولما اقتربت خطوة تلاشت الغابة وحلت محلها صورة امرأة عارية متعددة المحاسن، وعند الخطوة التالية غابت المرأة وظهرت محلها صورة معركة حامية الوطيس اشتعلت فيها كافة أنواع الأسلحة من الأحجار وحتي الالكترونات.
140
هذه امرأة ثرية المحاسن ما إن رأيتها حتي غازلتها، وإذا بزوجها ينقض علي ويأبي أن يتركني إلا في القسم، ولكن تداخل رجل من حينا اشتهر بين خاصة معارفه بالدعوة الي الحرية المطلقة، ففررت بعد أن لقنني درسا لا ينسي ويتجسد لي كلما قابلت امرأة، حتي رأيت نفسي وجها لوجه مع المرأة الجميلة فهممت بالجري، ولكنها أقبلت علي باسمة وتأبطت ذراعي وهي تهمس بأن زوجها اعتنق أخيرا دعوة الحرية المطلقة.
141
هذا حينا القديم الجميل، وهذا أنا أجول في أركانه حاملا في قلبي ذكرياته، ثم خطر لي أن أقيم في البيت القديم حتي تخف أزمة المساكن، ولكن تبين لي من أول يوم أنه لم يعد صالحا للحياة الحديثة.
142
هذه القطعة من الأرض الفضاء هي ميراثي الوحيد، وقد أطلق عليها اسم الخرابةلطول ما عانت من إهمالها، وما أن رزقت بعض المال حتي فكرت جادا في تعميرها، ولكني لم أقدم لكثرة ما عرفت من حوادث النصب وفساد الذمم، حتي سألت جاري الحكيم: ألايوجد في الدنيا شخص خير؟ فأجابني بأنه موجود، ولكن يتطلب العثور عليه عزما وشجاعة وبحثا لايتوقف.
143
سمعت صوتا غير مألوف فمرقت بسرعة إلي فناء العمارة فرأيت رجلا غريبا أثار في نفسي الريب، فناديت البواب ولقت نظرة إلي الرجل الغريب، فأخبرني بهدوء أنه موظف ويؤدي واجبه الرسمي وهو أخذ الزائد من الأفراد من المساكن المكتظة وينقلهإلي مسكن يتسع له، فاعترضت قائلا إنه يأخذ فردا من أسرة ويخلف حزنا وينقله علي رغمه إلي مكان لايرحب به، فقال البواب بأن هذا هو القانون ونحن لا نملك حياله إلا الإذعان والتسليم.
144
نظرت في ظمات الماضي فرأيت وجه حبيبتي يتألق نورا بعد أن دام غيابها خمسين سنة، فسألتها عن الرسالة التي أرسالتها لها منذ أسبوع، فقالت إنها وجدتها مفعمة بالحب ولكنها لاحظت أن الخط الذي كتبت به ينم عن إصابة كاتبه بداء الخوف من الحياة وبخاصة من الحب والزواج، ولما كنت مصابا بنفس الداء فقد عدلت عن الذهاب إليك وفكرت في النجاة فلذت بالفرار.
145
هذا مهرجان عظيم جمع العديد من رموز الأمم، وناداني رئيس المهرجان وسلمني كرة وهو يقول إنها هدية المهرجان لك وهي من الذهب الخالص، وأنهالت عليَّ التهاني، ولما رجعت أعلنت نيتي علي التبرع بنفس الهداية لأعمال الخير فجاءوا بمنشار وأخذوا يقسمونها، ولما وصل المنشار إلي باطن الكرة دوي المكان بانفجار مزلزل وتطايرت شظايا الضحايا من الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
146
انتصر العدو واشترط لوقف القتال أن يتسلم تمثال النهضة الذهبي المحفوظ في الخزانة التاريخية، وذهبت مع فريق لنحضر مفتاح الخزانة المحفوظ بالصندوق الأمين، ولما كشفنا غطاء الصندوق تبديلنا ثعبان مخيف ينذر بالموت كل من يدنو منه، فتفرقنا وأنا أداري فرحتي وأدعو للثعبان بالسلامة والتوفيق في حفظ المفتاح.
الحلم 177
ثالوث التقدم
أقيم سرادق كبير للاحتفال بالحزب الجديد وظهر فى المنصة الزعيم مصطفى النحاس واستقبل بالهتاف والقى خطاباِ يشرح فيه مبادئ الحزب وفى مقدمتها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية ولما رجعنا الى المكان الذى نجتمع فيه كل مساء قلت لهم اننى لما رأيتهم يحتفلون ذكرتهم بفرحتهم يوم حريق القاهرة واقالة وزارة النحاس فقال لى أحدهم ان تلك الفرحة هى خطيئتهم الكبرى وأنهم كفروا عنها فى اجتماع اليوم.
يظهر الزعيم مصطفى النحاس خليفة الوفدى العظيم، والليبرالى الكبير فى سرادق الوطن الذى يتوسطه تعانق الهلال مع الصليب، ومصر للمصريين، وأن الدين لله والوطن للجميع، ويعلن فى احتفاله عن مبادئ التقدم، وآليات التنوير، التى تربى عليها نجيب محفوظ، ورسخت فى وعيه، واخلص لها فى أعماله، وظل ابناً باراً لتلك التعاليم فلم يغيره الزمن، أو تقلبات السياسة يلخص الزعيم الوفدى والخليفة الليبرالى مبادئ الوفد الأصيلة التى أنارت سماء مصر وحررت الوعى ورسمت طريقاً لوطن يدرك فيه المواطن مواطنته، ويعرف مقدار وضعيته السياسية والتاريخية، فالجماهير الأحرار تنصت للزعيم الحر الذى يشرح لجماهيره المبادئ الثلاثة للوعى السياسى وأنه اركان الوطنية، والمواطنة، المواطن لا تتحقق الا بتلك المبادئ الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والوحدة الوطنية، فلا وطن للحريات او تداول سلطة، او تعددية سياسية.
ـ الديمقراطية مفهوم اصيل فى وعى النحاس كذلك فى وعى محفوظ الذى جاوز التسعين لكنه مازال يحلم، ويكتب، ويؤكد أن الديمقراطية ركن اصيل من اركان التنوير، واساس ليبرالى عريق لتحرر الوعى، وتقدم مصر، محفوظ ابن ثورة 19 وابن ذلك التراث العريق من النضال من اجل مواطن حر،لا يكون الا بتحقق العدالة الاجتماعية فلا ديكتاتورية فى توزيع الثروات، ولا ديمقراطية بدون ان يكون هناك عدل اجتماعى ولا ازالة للفتن مثل ما للعدل الاجتماعى فقانون الحياة يقتضى الصراع بغير ظلم، ويأتى الركن الثالث والاقنوم الذى يقوم عليه الركنان الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فبهما يتحقق التنافس الحر حيث المساواة، والتسامح والمحبة هى آليات المجتمع الديمقراطى فلا تمييز او محاباة هكذا يحلم نجيب محفوظ، وهكذا تكون المبادئ لأى حزب جديد هى مبادئ الوفد الراسخة فى ضميره، والتى يكررها، ويؤكد ع ليها ويحلم بها، ويكتب عنها، من اجل مستقبل حر لوطن حر، وحين يعود يذكرهم الحالم نجيب محفوظ بخطيئتهم الكبرى حين اقالوا صاحب تلك المبادئ، يوم ان احترقت القاهرة بنيران الفاشية فكانت تمهيداً لما هو آت، ونبوءة عن القادم، الذى احرق الاخضر واليابس، وردم مبادئ النحاس، وتخلى عن مكاسب جماهير ثورة ،19 فكان الحريق، وكان الاقصاء للنحاس اقصاء لحرية الوطن، يذكرنا نجيب محفوظ، بأن الخطيئة الكبرى التى يجب ان تكفر عنها الجماهير هى العودة الى حارتنا الاصيلة، حارة ثورة 19 ومبادئ النحاس وان الذات السياسية التى هللت للحريق، فوجئت بالاقالة كانت كمن باع روحه، ولم يسترد ذاته، وكان ذلك التهليل كما سلم يهوذا المخلص، فوجب ان نعلن ندمنا، ونكفر عن خطيئتنا بالعودة الى السرادق الكبير والاستماع الى خطاب النحاس ومبادئ التنوير وفى مقدمتها الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية ذلك عودة الوعى الحقيقي، والاجتماع الجدير بالاحتفال
الحلم 189
وزارة النحاس المحفوظية
رأيتنى وزيراً فى وزارة يرأسها مصطفى النحاس وجعلت أفكر فى مشروع انشاء مدارس اولية وابتدائية وثانوية بلا مصروفات ولا رسوم للمتفوقين والمتفوقات من أبناء الفلاحين والعمال على أن نتابعهم بالرعاية فى الجامعة والبعثات، وعرضت الموضوع على الزعيم، فرحب به واضاف اليه تعديلاً أن تخصص تلك المدارس للمتفوقين والمتفوقات من أبناء الأمة كلها، وطلب منى أن أقدم المشروع فى مجلس الوزراء القادم ووعد بتأييده.
لأن الحالم وزير فى وزارة وفدية، أتت بدستور ،23 وحررت وعى المصريين، وأنارت دنياهم السياسية بمصابيح التنوير وناضلت من اجل استقلال الذات المصرية، لانها وكيلة وفود الشعب، والوفد نائب عن الأمة، والأمة هى مصدر السلطات ، والنحاس هو امين الأمة، والحارس لتراث، ومكاسب ثورة ،19 وخليفة الزعيم الليبرالى سعد زغلول، وحين تكون وزيراً فى وزارته فلا تفكر الا فى البناء، ولا تطمح الا بالتقدم ومن كان هذا هدفه، وتربة الوفد جذوره، ووعى ثورة 19 عقليته، وذهنيته، فالطريق لذلك لا يكون الا بتكوين عقل يؤمن بالمعرفة، ويعرف اليات العلم، ويترك وسائل التعليم، فيفكر وزير النحاس فى عقل الأمة، وكيفية إخراج انسان جيد ، وقاهرة جديدة والطريق بالتعليم، فيعرض على النحاس انشاء وزارة تعتنى بالتعليم فتقيم مدارس واماكن للمعرفة والتعليم، والتنوير لمختلف المراحل، ولجميع مستويات العقول ولان الثورة بنت الشعب ومن الشعب والى الشعب، فأماكن المعرفة،، والتقدم، والتنوير، والتعليم لا تكون الا لأبناء الشعب من الفلاحين والعمال فهم حائط الوفد، وأعمدته الرئىسية ووقود الثورة والراوى والحالم يبصر مشروع المستقبل، ويدرك رأس المال الحقيقى باستثماره فى المعرفة والتنوير هكذا كانت الثورة، وكذلك تكون فبغير التعليم والمعرفة لا يكون الهروب من التخلف.
وحين يعرض المشروع على الزعيم مصطفى النحاس امين الأمة، التاريخ، والواقع السياسى البصير بالآتى، والمخلص لرفعة الأمة، وازدهارها، الواعى بأن المعرفة وسيلة الرخاء ولانه ابن الشعب، ووفد الشعب فإنه يضيف تعديلاً يناسب رؤية الزعيم فلا تخصيص ولكن التعديل شمل ابناء الأمة كلها،ووعد بتأييده، هكذا من يكون وزيراً فى وزارة النحاس، وهكذا يكون الزعيم حيث يرى برؤية شاملة، ويبصر المساواة فى المواطنة، وكذلك يبصر ان التعديل الحقيقى للدستور القادم لا يكون الا بالغاء ذلك البند الذى انقضى تاريخه وضاعت وضعيته ولا يناسب المقام، فالزعيم يدرك ان الوطن للجميع فلا تمييز، ويوسع من المفهوم الشعبى للحالم والراوى والوزير ولا وعى الحالم يرشدنا الى تأييد تعديل الزعيم مصطفى النحاس، فالأمة، لكل الأمة، والمواطنة لكل مواطن، والمساواة لكل أبناء الشعب فالأمة مصدر السلطات والوطن للجميع.
حلم 204:
«رأيتني مديرا لشؤون السينما وجاءتني الفنانة «ف» تطلب إعفاءها من العمل مع الممثل «أ»، فانزعجت وقلت لها إن هذا سيغير الخطة كلها، ولكنها أصرت على موقفها، ثم جاءني الممثل «أ» وطلب مني الضغط عليها فاعتذرت. وراحت هي تقول للوسط الفني إني أضغط عليها لتعمل مع الممثل «أ» صديقي على رغم إرادتي، وراح يقول إنني سهلت لها التحرر من العمل لغرض في نفسي، فلعنت اليوم الذي توليت فيه هذا المنصب».
حلم رقم 205:
«رأيتني أشاهد دورية من الجنود الأجانب فضربتها بحجر وصعدت الى السطح وعبرت الى سطح الجيران وهبطت السلم لأهرب من باب البيت فوجدته مسدودا بجنود شاهرين السلاح».
حلم رقم 206 :
" رأيتني اعد المائدة والمدعوون في الحجرة المجاورة تأتيني اصواتهم اصوات امي واخوتي . صحوت فاقدا" الصبر فهرعت الى الحجرة المجاورة لأدعوهم فوجدتها خالية تماما وغارقة في الصمت واصابني الفزع دقيقة ثم استيقظت ذاكرتي فتذكرت انهم جميعا رحلوا الى جوار ربهم وانني شيعت جنازتهم واحدا بعد الاخر "
-
مشرف ملتقى الطلبة
وفاته:
في الثامنة وخمس دقائق من صباح اليوم الأربعاء 30 أغسطس 2006 م في القاهرة الروائي المصري نجيب محفوظ، العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل للآداب.
وكان محفوظ (95 عاما) أدخل مستشفى الشرطة بحي العجوزة وسط القاهرة يوم 10 أغسطس/آب الجاري لإصابته بمشاكل في الرئة والكليتين.
وذكر مصدر طبي أن محفوظ توفي في وحدة العناية المركزة جراء قرحة نازفة بعدما أصيب بهبوط مفاجئ في ضغط الدم وفشل كلوي.
وكان الروائي الشهير قد أدخل في يوليو/تموز الماضي المستشفى ذاته إثر سقوطه في الشارع وإصابته بجرح غائر في الرأس تطلب جراحة فورية.
ويعد محفوظ أشهر روائي عربي حيث امتدت رحلته مع الكتابة أكثر من سبعين عاما كتب خلالها أكثر من خمسين رواية ومجموعة قصصية، فضلا عن كتب ضمت مقالاته.
ومن أشهر رواياته ثلاثية "بين القصرين" "قصر الشوق" و"السكرية"، وكذلك روايته "أولاد حارتنا" التي منع الأزهر نشرها.
ولد محفوظ عام 1911 في القاهرة وتخرج من جامعتها وعمل في وزارة الأوقاف وتولى إدارة الرقابة على المصنفات الفنية، وخلال ذلك كتب سيناريوهات عدد كبير من الأفلام.
وتوقف محفوظ عن الكتابة بعدما طعنه من وُصف بأنه إسلامي، في رقبته عام 1994. إلا أنه في السنوات الثلاث الأخيرة كان يكتب قصصا قصيرة أطلق عليها اسم "أحلام فترة النقاهة". وقد كتب ما يقارب السبعين من هذه "الأحلام" الصوفية والفلسفية.
حصل محفوظ على عدد كبير من الجوائز والأوسمة كان أبرزها جائزة نوبل للآداب عام 1988.
وظل الروائي المصري الشهير حتى أيامه الأخيرة حريصا على برنامجه اليومي في الالتقاء بأصدقائه في بعض فنادق القاهرة، حيث كانوا يقرؤون له عناوين الأخبار ويستمعون إلى تعليقاته على الأحداث أحمد محمد عبد الغنى يعقوب. .
و تودع مصر صباح يوم 31 /8/2006 في جنازة شعبية وعسكرية مهيبة الأديب العالمي نجيب محفوظ, الذي وافته المنية صباح أمس عن عمر يناهز95 عاما, بعد صراع طويل مع المرض.
وقد نعي الرئيس حسني مبارك أديب نوبل الكبير إلي شعب مصر, والأمة العربية, والعالم.
ووصف الرئيس مبارك ـ في بيان صدر عن رئاسة الجمهورية أمس ـ الأديب الكبير نجيب محفوظ بأنه علم من أعلام الفكر والثقافة, وروائي فذ, ومفكر مستنير, وقلم مبدع, وكاتب خرج بالثقافة العربية وآدابها إلي العالمية.
وقال الرئيس مبارك: إن نجيب محفوظ انحاز بقلمه لشعب مصر, وتاريخه, وقضاياه, وعبر بإبداعه عن القيم المشتركة للإنسانية, ونشر بكتاباته قيم التنوير, والتسامح النابذة للغلو والتطرف, وكان حصوله علي جائزة نوبل للآداب اعترافا بإسهام الفكر العربي في حضارة الإنسانية وتراثها المعاصر.
وأضاف البيان أن الرئيس مبارك إذ ينعي هذا المصري البار لشعب مصر, وأمتها العربية, والعالم, ليعرب عن خالص عزائه ومواساته لأسرة الفقيد الراحل, ولمحبيه, والعارفين بفضله, داعيا الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته, وأن يجزيه عن عطائه لوطنه وأمته خير الجزاء.
وعلي جانب آخر, نعي الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأديب الكبير نجيب محفوظ, ووصفه بأنه أحد الأعلام الثقافية المصرية, وأحد أعمدة الأدب العربي المعاصر, تميزت أعماله بالواقعية ومثلت تأريخا للتطور الاجتماعي في مصر.
وقال: لقد نال جائزة نوبل بجدارة تقديرا من المجتمع العالمي لعمله الأدبي المتفرد.
صرح بذلك الدكتور مجدي راضي المتحدث باسم مجلس الوزراء.
وأكد الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أن وفاة الأديب العالمي نجيب محفوظ تمثل خسارة لرصيد الفكر والأدب في مصر والعالم.
وصرح مصدر مسئول بأن الأديب الكبير ستقام له جنازتان, الأولي شعبية حسب رغبته, وتبدأ في العاشرة من صباح اليوم من مسجد الإمام الحسين, حيث تقام الصلاة عليه بقلب المنطقة الشعبية التي عاش فيها الراحل وسط أهله وأصدقائه.
أما الجنازة الثانية فهي عسكرية, وتقام عقب صلاة الظهر اليوم من مسجد آل رشدان بمدينة نصر.
ويتقدم الجنازة العسكرية المهيبة كبار المسئولين والأدباء والصحفيين من مصر والعالم العربي, وسينقل جثمان الأديب الكبير علي عربة مدفع تجرها الخيول, ويلف الجثمان بعلم مصر التي طالما عشقها وأحبها, وعبر عنها في كل أعماله الأدبية وروائعه الفنية في مختلف مراحلها السياسية والاقتصادية والفنية.
وسيتقدم الجنازة حملة أكاليل الزهور من مختلف المؤسسات والهيئات, وحملة الأوسمة والجوائز التي حصل عليها الفقيد الكبير طوال مشوار حياته, وفي مقدمتها قلادة النيل, وهي أعلي وسام في مصر, الذي منحه الرئيس حسني مبارك للأديب الكبير تقديرا لمكانته الرفيعة, وإثرائه الأدب المصري والعربي, الذي ترجم إلي العديد من اللغات العالمية لينقل أدب مصر وحضارتها وثقافتها إلي مختلف المحافل الأدبية والثقافية في أنحاء العالم.
وسيتم دفن جثمان الأديب العالمي في مقابر أسرته بطريق الفيوم.
وتقام ليلة التعزية في فقيد مصر والأمة العربية مساء غد بمسجد الحامدية الشاذلية بالقاهرة.
ومن مستشفي العجوزة بالجيزة, أعلن الدكتور حسام موافي رئيس الفريق الطبي المعالج للأديب الكبير أن الوفاة حدثت في الساعة الثامنة وعشر دقائق من صباح أمس نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية, حيث توقف القلب عن الحياة مرتين, الأولي في السابعة من مساء أمس الأول, وتم عمل الإسعافات, ووضعه علي أجهزة الإفاقة والتنفس الصناعي, ونجح الفريق المعالج في إعادة القلب إلي الحياة, والمرة الثانية كانت في الساعة الثامنة من صباح أمس, ولم تفلح محاولات الأطباء, ووافته المنية.
وقد أعرب عدد كبير من زعماء العرب والعالم عن تعازيهم لمصر في فقيدها الكبير, وأشادوا بإسهاماته المتميزة في إثراء الحضارة الإنسانية.
وقد عبر الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حزنه لرحيل الكاتب الكبير نجيب محفوظ وقال إن كتاباته تتجاوز جميع التصورات, وستواصل تعريف مصر للأمريكيين والقراء في أنحاء العالم.
كما أعرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن تعازيه لرحيل نجيب محفوظ.الخاتمة :
إن اطفأت الشمعة يوما فلن ينسى أحد عملها ....... هو هكذا رحل ولكن اعماله لم ارحل معه لعالم مجهول ، بل بقيت بيننا نذكره بها ، فمازلنا نقرأ كلماته ونردد رحم الله فلانا بن فلان ، ثم نجد كتبه على رفوف المكاتب فنقول : ما أعظم صنيعه في الأدب العربي .
وهذا اخر ما ليد
اتمنى ان ينال اعجابكم
وبحاول اختر وارفعه
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى