الطفل من عمر السنتين إلى الثلاث سنوات
تتطور قدرة الطفل بشكل كبير خلال هذه الستة ، على الصعيد الفكري والاجتماعي والانفعالي .
سيدرك أنه إنسان صغير مستقل بذاته ويكتشف نفسه , لكنه يواجه بعض الصعوبات . يعترض الطفل كثيراً في هذه المرحلة , فهو يدرك أن يعرف الحدود التي يستطيع بلوغها كما يريد أن يفرض إرادته . لكنه مع مرور الوقت وبالكثير من الصبر , يتقدم ببطء ليكتسب قدرة السيطرة على انفعالاته فتقل نوبات غضبه .
ماذا تفعلين بانتظار ذلك ؟؟ تصرفي معه بحزم ولكن بلطف . اظهري له الحنان وشجعيه دائماً . دعيه ينجز بعض الأمور بنفسه إذا كان ذلك ممكناً . عبري له عن الفخر به لأنه يصبح شاباً كبيراً .
أعطيه بعض الحرية في اكتشافاته , مع حمايته من الأخطار التي لا يدركها بعد . وفري له الإحساس بالأمان عن طريق المحافظة على نمط معين في الحياة اليومية . أوجدي له روتيناً خاصاً به .
عندما يكتسب الطفل بعض الاستقلالية ويبدأ بالمطالبة بها , يحين الوقت لتعليمه كيفية العناية بجسمه ثم لتركه يفعل ذلك بنفسه .
يصبح قادراً خلال هذه السنة على تنظيف أسنانه ويديه ثم كامل جسمه , تحت إشراف أحد الكبار . يستطيع أن ينزع ملابسه ويلبسها إذا سهلنا له الأمر .
يحاول أن يتشبه بالكبار فيشارك سعيداً بترتيب ألعابه , والأعمال المنزلية وتصليح الأشياء المحطمة وكل اهتمامات الكبار المنزلية . لكنه يحتاج أيضاً لبعض الوقت ليلعب وحده ويبتدع قصصاً وهمية .
إذا كانت مشية الطفل وحركته لا تزال غير ثابتة , فسوف تتحسن كثيراً بفعل التمرين الدائم . يحب الطفل القفز والتسلق والانزلاق والركض . تؤمن الكرة تمريناً ممتازاً لليدين ( بفعل حركتي الرمي والالتقاط ) وللقدمين . لكن يصعب على الولد التقاط الكرة لأن ذلك يتطلب تناسقاً جيداً بين حركة العين واليد معاً . بالمقابل تشكل هذه السنة الوقت المثالي لتعلم ركوب الدراجة الثلاثية العجلات .
تصبح يدا الطفل أكثر مهارة فيستطيع القيام بألعاب كثيرة تؤدي إلى تمرين قدراته . ما أن يمسك القلم بطريقة صحيحة , حتى يعمد الطفل إلى الرسم ويحسن خطوطه بسرعة . لتشجيعه على ذلك , يمكنك أن تقترحي عليه تحضير هديا صغيرة لمن يحبهم , فتعطينه مواد وأدوات مختلفة ليستعملها ( مقص , مادة لاصقة , ألوان .... إلخ ) . وتطلبين منه أن ينجز أشياء مبتكرة , كأن يصنع عقداً من اللؤلؤ المزيف أو حبات المعكرونة , أو يرسم على زجاج النافدة بلوح صابون مبلل ثم يساعد على شطفها أو يلصق على الزجاج صوراً ... كل ذلك من باب اللعب لكنه يتعلم الكثير بهذه الطريقة .
يستمر النمو الفكري بالتأكيد أيضاً . تنمو عند الطفل القدرة على المثابرة والتركيز . يستطيع الاستمرار طويلاً بعمل واحد ويتقدم كثيراً في المجالات التي تهمه . مفهوم الكمية لا يزال مبهماً بالنسبة إليه : لا يعرف سوى " واحد " و " كثير " , ثم تظهر كلمة " اثنين " . لكن أهم ما يطبع هذه المرحلة على صعيد فهم الأشياء , هو القدرة على التمييز بين الأشياء , وتصنيفها حسب شكلها ولونها . يستطيع الطفل أن يميز المربعات من الدوائر وأن يصنفها . كذلك يميز الألوان ( الأغراض الزرقاء معاً والحمراء معاً ) كما يتعلم أن يسميها أيضاً .
أهم الوظائف الفكرية التي تتطور في هذه السنة هي طبعاً القدرة على الكلام . في بداية السنة تقتصر جمل الطفل على كلمتين أو ثلاث , وغالباً ما تكون مبهمة بالنسبة للذين لا عهد لهم بالأطفال .
لكن الطفل يتقدم بسرعة , في بداية السنة الثالثة يبدأ بطرح الأسئلة التي لا تعد ولا تحصى . من الضروري جداً أن نرد على هذه الأسئلة لأنه يجب المحافظة على فضول الطفل لما له من إيجابيات . تساهم الأجوبة الصادقة ليس فقط في تطوير معارف الطفل بل أيضاً في تأمين استقراره العاطفي فيشعر في قرارة نفسه أن أمه وأباه بقربه , يهتمان به , يفهمان الدنيا ويشرحانها له .
بانتظار تلك المرحلة غالباً ما يسمع الأهل العبارات التالية : " لا " و " هذا لي " و " أنا وحدي " .... إلخ . لا يقصد الطفل الرفض فعلاً في كل الحالات ، بل يسعى من خلال هذا إلى إثبات وجوده ، ويجب أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار .
عندما يتكلم الطفل عن شيء يراه , نستطيع تكرار حديثه مع إضافة بعض التفاصيل ، مثال على ذلك إذا قال : " ذهبت الكرة " أضيفي : " نعم , أترى ؟؟ تدحرجت كرتك الصغيرة تحت الكنبة . تمدد على الأرض لتبحث عنها " . المطلوب هو أغناء مفردات الطفل بمعان جديدة , وصفات متنوعة , وبكلمات تدل على الوقت أو المكان ( البارحة , في هذه الأثناء , بعد قليل , إلى جانب , تحت , في الوسط ، ..... إلخ ) .
يحب الطفل الكتب ويصبح قادراً على قلب الصفحات , أستغلي ذلك وأعطيه كتباً أو اقرئي له قصصاً . تصفحا معاً كتباً مصورة أو تلك التي تعتمد على الترتيب الأبجدي في الصور : إنها طريقة مسلية لتعليم المفردات . لا تكتفي بأن تقولي له : " أنظر إلى الهرة " بل أضيفي قليلاً : " أنظر إلى الهرة الرمادية ، بعقدها الجميل حول عنقها " . الأغاني القصيرة والقصائد والقصص المسجلة تساعد كثيراً .
أخيراً , في مجال الكلام والتطور الفكري , يبدأ الطفل ، مع اقترابه من السنة الثالثة ، بفهم بعض القواعد والامتداد الزمني للأحداث . يسمح له ذلك بفهم الألعاب التي تتطلب أن يلعب كل شخص بدورة وفقاً لقاعدة تسري على الجميع . كما يساعده ذلك على تحديد موقعه من الزمن , من خلال تلك المعالم الأولى التي تشكلها الأوقات المختلفة من النهار ، والأيام التي تشكل أسبوعاً .
لا يجب أن يغيب عنا أن الطفل لا يتعلم بعقله فقط بل بحواسه . من الخطر جداً أن نركز على طريقة فهم فكرية بحث ، على حساب الحواس الأخرى . إذا تعلم الطفل استعمال حواسه الخمس لا يستفيد فقط على صعيد التعلم والاكتساب , بل يجد في ذلك متعة كبيرة أيضاً . في البداية ينبغي لفت انتباه الطفل إلى الأشياء التي لم يراها أو لم يسمعها لأنه لم يكن ينتبه لوجودها : تغريد العصفور , صوت طائرة تمر في الجو ، بيت النمل ، ......... إلخ إذا أظهرنا بعض الحماس يمكن أن نثير اهتمام الطفل بكل ما يحيط به ، سوء كان عادياً أو غير اعتيادي , مثل منظر مدينته في الليل أو شكل المطر المتساقط . عندما يبدأ الطفل بالتنبه للتفاصيل , والروائح ، والأصوات وملمس الأشياء , يفتح باب اكتشافات كثيرة ممكنة , وعندها تبدأ ولادة الفكر العلمي .
يصبح الطفل في هذه السنة الثالثة أكثر قدرة على اللعب مع أطفال آخرين وتتطور قابليته الاجتماعية كثيراً . يستطيع , عندما يبلغ السنتين والنصف ، أن ينظم ألعاباً بسيطة مع رفيقين أو ثلاثة ، يريدون بدورهم أن يقرروا قواعد اللعبة بأنفسهم , الأمر الذي يفسد الشراكة بسرعة . وبما أنه غير قادر على أن يضع نفسه مكان الآخر لتقدير وضعه , تبقي العلاقة بينه وبين أصدقائه صعبه أحياناً . لكن من جهة أخرى تبدأ في هذا السن روابط صداقة حقيقية وقوية ، قد تدوم وقتاً طويلاً .
يقوم الطفل ، وحيداً أو ضمن مجموعة ، في هذه السنة والتي تليها , بألعاب تعتمد على الخيال والتقليد ، وتتحسن بشكل مطرد . يبتكر أحياناً قصصاً خيالية ، وشخصيات ورفاق وهميين . وأحياناً أخرى يقلد الحقيقة ويدعي أنه رجل إطفاء , أو راعي بقر , أو راقصة أو أم لها عائلة كبيرة , وهو يفعل ذلك باقتناع مدهش .
يتبع ........