الطفل

من عمر سنة إلى سنتين




خلال السنة الثانية ، يتباطأ نمو الطفل قليلاً , بينما يزداد نشاطه ازدياداً ملحوظاً . يتمكن في بداية السنة من الوقوف على قدميه وفي نهايتها يستطيع الركض . يكون لنفسه شخصية حقيقية , ولائحة بالأشياء التي يفضلها وأخرى بالتي يرفضها , ولا يتردد في فرض إرادته . يبقى البالغون طوال هذه السنة , شركاءه المفضلين في اللعب . لكن يبدأ الرفاق بالظهور , ليحتلوا مكانة خاصة . وتبدأ انطلاقاً من هذه السنة عملية اكتساب تعاليم أساسية مثل اللغة والنظافة والقدرة على قول " لا " .



في الأشهر الستة الأولى

ينشغل الطفل كثيراً باكتساب القدرة على المشي وتطويرها . يحسن أيضاً قدرته على الجلوس والنهوض وحده وعلى الحفاظ على توازنه عندما يكون جالساً . تزداد مهارة اليدين والقدمين , فيستطيع الآن أن يضع مكعباً على آخر من دون أن يقعا , ويمرر غرضاً من يد إلى أخرى , ويدفع كرة بقدمه , ويمد يده بالغرض الذي نطلبه منه . يستعمل يديه أيضاً ليفك شيئاً ، أو يفتحه , أو يفرغه , أو ليكتشف كل جديد ويبعث الخراب حيثما مر . يرغب الطفل بأن يفعل أكير من ذلك لأنه فهم الكثير من الأمور , لكنه يعجز عن تحقيق ما يريده , مما يثير لديه حالات من التوتر والغضب .

يبقى الاكتشاف الحسي هو الأهم . يحب الطفل أن يلجأ إلى كنف والده أو والدته . يشم رائحة الطعام ويمعن النظر فيه قبل أن يتذوقه . يبدي استعداداً لتذوق كل الأطباق , ما دامت تسكب في صحن أحد والديه . يحب أن يلمس ويداعب ويبعثر , وإن كان فمه لا يزال أداة الاكتشاف المفضلة لديه .

يظهر تطور الطفل الفكري على المستويات كافة . أولاً مع بداية النطق , والتعابير الأولى , فالطفل يصرخ ويضحك , ويغني ويبدأ بالتلفظ ببعض الكلمات المفهومة . مع إثبات شخصيته لاحقاً , يعي الطفل أنه شخص متفرد مختلف عن الآخرين , ويصر على تأكيد ذلك بالقول والفعل . ويفعل ذلك خلال هذه السنة بآليات ثلاث : يرفض ما يطلب منه وفضاً قاطعاً ، ويلح للحصول على ما يمنع عنه , ويرغب بأن يفعل كل شيء وحده . وأخيراً تتطور طريقة فهمه لما يحيط به .

في المرحلة الممتدة بين عمر السنة والسنة والنصف , سنرى أن الطفل يبدأ الاختيارات ، في محاولة لحل بعض مشاكله : أولاً عن طريق المحاولة والخطأ ثم بطريقة سرعان ما تصبح أكثر فاعليه . قد يغير الطفل مثلاً , عمداً وجذرياً , طريقة قيامة بعمل معين , أو يجمع بين عملين ليرى ما قد تكون النتيجة . تشهد هذه المرحلة أيضاً بداية تبلور في مفهومي الوقت والمسافة .

يبقى كل ما يفعله الطفل متحوراً حوله . لكنه يلاحظ أن تصرفات الآخرين تحدث تغييراً بمحيطه .

يكون الطفل تدريجياً صورة ذهنية للأشياء والأحداث , التي تساعده على الابتعاد تدريجياً عن أسلوب التجارب الملموسة والمباشرة .



الفصل الثاني من السنة الثانية

يشهد اكتسابات جديدة للطفل . على صعيد الحركة عامة . يبدأ الطفل بالمشي وحده , ويحافظ على توازنه بشكل أفضل . يستطيع أن يركض ويرتقي السلالم وهو واقف , إذا أمسكنا بيده , ويهبطها وحده على يديه ورجليه . يمكنه أن يقرفص ليلتقط غرضاً ما عن الأرض ثم يستقيم , بدون أن يقع .

يستطيع أخيراً أن يسحب أو يدفع شيئاً أمامه أو خلفه ( مثل عربة أطفال , أو لعبة مربوطة بخيط ) .

أما على صعيد الحركة الدقيقة , فيتحكم الطفل أكثر بحركة يديه , مما يسمح له بتركيب ثلاثة مكعبات الواحد فوق الآخر , وبالإمساك بملعقة أو كوب ليأكل أو يشرب وحده , وبفتح ذراعيه لالتقاط الكرة , أو إفراغ سلة أو دلو . كما يتمكن في هذه المرحلة من أن ينزع وحده قبعته وقفازيه وجاربيه .

لا يعتمد الطفل كثيراً في هذه المرحلة على أحاسيسه التلقائية ، إلا أنه يسخر حواسه ليختار ويحدد ما يعجبه وما يثير اشمئزازه .

تصبح ملاحظته البصرية قوية جداً مما يمكنه من التعرف على أشخاص يحيطون به في صور فوتوغرافية , ومن الإشارة في كتاب مصور إلى أشياء يعرفها نسميها له .

يستطيع استعمال الكلمات . لكن الفرق قد يبدو شاسعاً بين طفل وآخر في هذا المضمار , إذ يمكن أن يتراوح عدد الكلمات بين خمس ومئتي كلمة وفقاً للحالات . كما يبدأ بعض الأطفال بربط كلمتين أو ثلاث لتشكيل جملة مفيدة , لكن التعبير لا يبدأ فعلياً إلا في السنة التالية . أما القدرة على فهم اللغة فلا بأس بها , حتى يمكن أن نقول إن الطفل " يفهم كل ما يقال له " .

يتطور عمل الفكر أكثر فأكثر . يتحول التقليد إلى طريقة تعليم أساسية . يكتشف الوالدان أن لتصرفانهم أثراً أكبر من الكلام . من جهة أخرى يصبح الطفل قادراً على فهم العلاقات الرمزية . يمكنه أن يجد حلولاً لبعض المشكلات عن طريق التفكير فقط , بدون أن يحتاج للتصرف . ويكون الطفل صوراً ذهنية للأشياء , والأشخاص والأماكن . تسمح له تلك الصور الداخلية الأولى , بالتحرر من الاعتماد على حواسه واختلاق أفكار جديدة حول تصرفات لم يرها ولم يجربها سابقاً .

يمكنه في هذه المرحلة أن يعرف الأشياء بواسطة مخيلته . وذلك الانفتاح على الصعيد الرمزي هو ما يسمح للطفل بالولوج إلى عالم السحر والخرافة حيث كل شيء ممكن .

وهكذا فإن الحركة المتناسقة والصور الذهنية , إضافة إلى حدس ناشط , تساهم كلها في جعل الطفل يؤثر بشكل فعال على محيطه .

في السنة الثانية من عمره , يترك الطفل المساحة الحسية _ الحركية ليدخل في عالم الفكر .

الألعاب التي نقترحها عليكم تأخذ بعين الاعتبار تطور الطفل في تلك السنة الثانية . حتى لو كبر الطفل كثيراً , فهو لا يزال طفلاً كبيراً , تجدونه نشيطاً جداً , لكنه انفعالي جداً أيضاً . لا يستريح أبداً ويمل بسرعة مما يفعله , مما يفرض أن نغير له الألعاب التي نقترحها عليه . حتى لو بدا لكم أنه يجركم دائماً باستفزازاته إلى صراع القوة , يجب أن تعلموا أنه يطمئن عندما يعلم أنه ليس الزعيم وأن ثمة سلطة أعلى منه . الطفل يخاف من نوبات غضبه أكثر مما يخشاها والداه , لذلك هو بحاجة لأن يؤكدا له حبهما . بهذه الطريقة فقط , يتراجع شيئاً فشيئاً عن رفضه المطلق وعدوانيته . ذلك يتطلب أن يتحلى المحيطون به بالحزم والهدوء والمرح وأن يبقوا دائماً تحت تصرفه .

المطلوب هو الصبر ثم الصبر والروح المرحة ! !