الطفل من الولادة إلى عمر سنة




يكتسب الطفل في سنته الأولى مقدرات جديدة ويقطع أشواطاً بعيدة أكثر من أي وقت لاحق في حياته . والمعارف التي سوف يحصل عليها والاكتشافات التي سوف يقوم بها , أداتها جسمه وإحساساته ؟ لهذا السبب نتكلم عن مرحلة حسية _ آلية .

اللعب مع الطفل الصغير ليس فقط ممكناً بل منصوحاً به كما رأينا . لكن يجب اتخاذ بعض الاحتياطات , فكلما كان الطفل أصغر سناً كلما كان عاجزاً عن التركيز لمدة طويلة . إن الوقت المناسب هو عندما لا يشعر بالجوع ولا بالنعاس وعندما تجدينه هادئاً . لكن توقفي ما أن يبدو عليه التعب . على الطفل أن يحدد وتيرته الخاصة . يجب أن تعلمي سريعاً متي ينصرف انتباه الطفل , سواء من التعب أو من الإثارة الشديدة ؛ عندها أوقفي اللعب حالاً .

يتجاوب الطفل بشكل أفضل إذا كان بإمكانه رؤية وجه من يكلمه أو يلاعبه , وبخاصة عينيه : لذا ينبغي أن تقفي أمامه مباشرة للاستئثار بانتباهه .

أذكر أخيراً أن الطفل مرهف الإحساس , يتأثر بحالتنا النفسية الداخلية ؛ لذا لا يفيده بشيء أن نلعب معه إلا إذا كنا مستعدين وفرحين مرتاحي الأعصاب .

تلك السنة الأولى ، الغنية جداً على صعيد ما يكتسبه الطفل , هي أيضاً مرحلة حساسة جداً .

فالطفل الذي لا يستطيع بعد الاعتماد على نفسه , لديه حاجات كثيرة . يحتاج الدفء والحب والحنان والنظام والهدوء والتوعية . يحتاج أن نهتم به , فلا نتركه يمل وحده في زاوية من زوايا المنزل . يحتاج أن يعيش في وسط يشعر فيه بالأمان المادي والعاطفي على حد سواء . الطفل مزود بمقدرات خاصة لينمو بأفضل ما يمكنه لكن على الأهل والمربين أن يوفروا له الظروف الملائمة ليفعل ذلك .



حتى الشهر الرابع

ينظم الطفل تدريجياً أوقات أكله ونومه ويكتسب في هذه المرحلة عادات . نراه يتنبه بسرعة ويتجاوب مع من حوله بطريقة أكثر دقة : فيبتسم ويضحك ويحاول أن يصدر أصواتاً .

اكتشاف جسمه يشغله كثيراً . يمكنه أن يمضي وقتاً طويلاً في تأمل يديه , تلك الأشياء المتحركة المضحكة ! يجلس في كرسيه المريح يتأمل أغراضاً ملونة تتحرك أو يراقب مشية من يحبهم . على صعيد الوعي الفكري , يتعلم الطفل كيف يربط بين حركتين تلقائيتين , بشكل يسمح له باكتساب حركات جديدة أكثر تنظيماً .

يتعلم كيف يتحرك بشكل غير مبالغ فيه . كل حركات الطفل في هذه المرحلة موجهة لنفسه , وغالباً ما تصدر من باب الصدفة . ثم يصبح لاحقاً , قادراً على تكرارها . مثالاً على ذلك , القدرة على متابعة شيء ما بعينه , أو حمل يده إلى فمه المفتوح , أو الإلتفات إلى مصدر الصوت إلخ........



من الشهر الرابع إلى الشهر الثامن

يمر اكتشاف العالم بالحواس . النظر الحاد جداً , الذي يجعله يميز بوضوح بين الأشكال والألوان , والذوق مع إدخال أطعمة جديدة إلى نظامه الغذائي ، الشم الذي يعمل بشكل ممتاز منذ الولادة ، فقد بدأ يتعرف على الأصوات وضجيج البيت ويكتشف مفهوم الإيقاع .

وأخيراً حاسة اللمس , عن طريق استعمال يديه أو وضع الأشياء في فمه . نمو الحركة هام جداً ويسمح للطفل بالقيام بتمارين جديدة مثل : محاولة تثبيت رأسه . يكتسب الطفل شيئاً فشيئاً وضع الجلوس , تم تحرر يديه . ويتعلم كيف يلتقط الأشياء : الطفل الذي كان يمسك غرضاً ما بقبضة يده , يكتشف التقابل بين الإبهام والسبابة , الذي يشكل عنده ملقطاً فعالاً جداً . تزداد تمارين التقليب باليد ويعي الطفل أن له جسم , فيكتشفه ويسيطر بشكل أفضل على حركاته .

النمو الفكري لا يأتي في المرتبة الثانية أبداً . يكتشف الطفل طرق تصرف جديدة , ويكررها حتى يعتادها . تلك العملة تمنحه متعة كبرى . يكتشف مثلاً أنه إذا رفع ساقه في الهواء عندما يكون مستلقياً على ظهره ، في سريرة , يستطيع أن الدمى المعلقة فوق رأسه تتحرك . أو أنه إذا صرخ (ماماما) تأتي إليه أمه فرحة سعيدة ! يمضي الطفل وقتاً طويلاً ليتعلم الربط بين الفعل والنتيجة : يجيب عندما نناديه باسمه , يلعب ( الغميضة) عندما يغطي رأسه بقطعة قماش , يقهقه ضاحكاً , يلفت الانتباه , يرفض المأكولات التي لا يحبها إلخ...........



من الشهر التاسع إلى السنة

يحسن الطفل في طريقة جلوسه ويبدأ في محاولة الوقوف ثم المشي . بعد ذلك , لا شيء يقف بوجه ذلك المستكشف الصغير ! إنها المرحلة التي يجب أن يتزود فيها الأهل بأقفال , وحواجز وخزانات تقفل بالمفتاح . الأخطار كثيرة والحوادث المنزلية متعددة . تصبح اليد أداة خبيرة في عمليات الاكتشاف وفي تقديم المساعدة لسحب الجسم إلى الأمام , عندما يزحف الطفل . يواجه الطفل بعض الصعوبة في التقاط الشيء أو إفلاته لكن ذلك سيقوده تدريجياً إلى التحكم جيداً بالأشياء , وإلى أنواع كثيرة من العاب المشاركة . نمو الذكاء واضح . فالطفل يفهم كلمات بسيطة ، يصفق بيديه ليقول (ممتاز, رائع) أو يلوح بيديه ليقول وداعاً . يضحك إذا هرجنا أمامه , يفهم معاني معقدة مثل : في الداخل , وفي الخارج وإلى جانب . . . ويعرف معنى كلمة (لا) .

لا يكتفي الطفل بترسيخ ما اكتسبه في المراحل السابقة عن طريق تطبيقها على أوضاع متنوعة , لكنه يكون لنفسه مفاهيم جديدة .

المفهوم الأكثر أهمية هو ما نطلق عليه (الاحتفاظ بالشيء) . حتى الآن , لم يكن الطفل يبحث عن شيء اختفى إلا بواسطة النظر . حتى لو كان مخبأ أمامه تحت وسادة , كان يعتبره غير موجود لأنه لم يعد يراه . أما الآن فقد أصبح يعلم أن الغرض لا يزال موجوداً , حتى لو لم يعد يراه : لذلك سيدفع الوسادة ليستعيد الغرض المخبأ تحتها . ويدرك الطفل بالطريقة نفسها أن أمه لا تزال موجودة حتى لو خرجت من غرفته , أو وضعته في دار الحضانة , مما قد يجعل الافتراق عنها صعباً في هذه المرحلة .

يبدأ الطفل بتقليد الآخرين : يفعل أشياء رأى أحداً يقوم بها إما لنفسه ( كأن يقلب صفحات كتاب مثلاً ) ، أو لغيره ( كأن يحاول إطعام دبه بملعقة صغيرة ) . يفهم الطفل في هذه المرحلة تسلسل الأحداث , لذا يصبح قادر على استباق الأمور . نراه يفرح عندما يسمع المفتاح يدور في قفل الباب , أو عندما يرى أمه متجهة إلى المطبخ . إذا سارت الأمور كالمعتاد , نراه مطمئناً وسعيداً . أما إذا حصلت تغيرات ما في سياق الأحداث , فتظهر عليه أمارات المفاجأة والقلق .

إن فئات الألعاب التي حددناها تستعيد الطرق التي يعتمدها الطفل لفهم محيطه . وهي التنبيه بالحواس , بالإضافة طبعاً إلى دور اليد والجسم كله , كأدوات تساعد على الاكتشاف واكتساب المعرفة والاكتشافات الفكرية التي تميز هذا العمر .





يتبع ...............