<DIV class=boxt>
<DIV id=title>وسائل الاستخلاف في الأرض</DIV>
<P id=title2>شادي الأيوبي&nbsp;&nbsp;| 16/7/1425</P></DIV>
<DIV class=linen4></DIV><SPAN class=Article>
<P>"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (البقرة:30).<BR>إن استخلاف الله للإنسان كان أمراً من الله _سبحانه_ للبشر بعمارة الأرض وخلافته فيها، وتطبيق ما أمر بتطبيقه الله من شرائع وأحكام لتسير عليها البشرية إيماناً منها بأن في هذه التعاليم الخير والسعادة لها.<BR>ووجود الإنسان على الأرض لمدة من الزمن إنما هو تهيئة لمرحلة ما بعد هذه الحياة وهو البعث والحساب، حيث يكون الميزان يومئذ "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". </P>
<P>بهذا الكلام البسيط يستطيع المرء شرح أهداف الاستخلاف في الأرض ومن دون الخوض في الفلسفات القديمة والحديثة لتعليل الوجود، والتي لم يستطع أصحابها الوصول إلى جواب حاسم يقنعون به أنفسهم فضلاً عن أن يقنعوا به سواهم، ذلك أن الاعتماد على العقل بمحدوديته المعروفة في مسائل تدخل فيها مسائل الميتافيزيقيا أمر غير سليم ولا يؤمن معه من الخوض في متاهات لا حدود لها.</P>
<P>ولكن إذا نظرنا إلى الحياة وما فيها من تجارب مريرة وصعوبات ومشاق نجد أن البعض من هذه الصعاب كان كافياً لثني هذا المخلوق بإرادته الضعيفة عن الاستمرار في هذه المهمة الشاقة، فكيف وقد اجتمعت كلها معاً وعاونها ضعف البشر وعجزهم ؟<BR>وهذه الحقيقة يقر بها القرآن الكريم، حيث يقول عن حياة البشر وصعوبتها :<BR>"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي كَبَدٍ" (البلد:4).<BR>وكذلك يصف القرآن الكريم البشر وصفاً دقيقاً، فيقول فيهم:<BR>"وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً" (الإسراء:83).<BR>لذلك يحق لنا التساؤل: ما الذي جعل من هذا المخلوق الضعيف سريع اليأس يتعايش مع هذه الصعوبات وهذا الكبد؟<BR>لقد كان لابد من طريقة لدفع هذا الإنسان باتجاه الاستمرار في الوجود والرغبة في حفظ النوع البشري، ولولا وسائل مختلفة جعلها الخالق من صميم تكوين البشر لكانت البشرية منذ عهد بعيد في خبر كان، هذه الوسائل كفلت استمرار البشر أنفسهم واستمرار العوامل الضرورية لوجودهم من الرزق والأشغال وغيرها، وكفلت إلى حد ما توازن اختياراتهم المختلفة .</P>
<P><FONT color=#0000ff>استمرار الجنس البشري: الحاجة الفطرية للقاء بين الرجل والمرأة </FONT><BR>ومن أول الوسائل لاستمرار البشر ذلك اللقاء الذي تنادي به الفطرة البشرية وتسير عليه الإنسانية منذ القدم وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها ولا يشذ عن ذلك إلا القليل القليل الذي لا يعتد به ولا يقاس عليه، لذلك كانت الدعوات للتبتل والزواج الأحادي الجنس خطراً لا يتهدد المبادئ الدينية والأخلاقية وحسب، بل ويهدد الوجود البشري بأكمله بالزوال. <BR>والناظر إلى طبيعة كل من الرجل والمرأة يحكم بطبيعة الحال أنهما لم يكونا إلا ليلتقيا ويجتمعا، فالطباع الموجودة لدى كل منهما لا توجد بطبيعة الحال لدى الآخر، وهذا هو التنوع الذي يعطي الحياة غناها المطلوب لاستمرارها فقوة الرجل وجلده على العمل الشاق والسعي في الأرض تقابله صبر المرأة على أمور الأطفال والبيت، وحاجة الرجل إلى امرأة يأوي إليها بعد التعب ويشعر في عشها بالعناية يقابلها حاجة المرأة إلى رجل تعيش في كنفه وتشعر بالأمان في حماه، وحب الزينة والجمال لدى المرأة يقابله طبع الخشونة والتحمل لدى الرجل، وهذا ليس عيباً في المرأة ولا الرجل، ولكنه _كما سبق الحديث عنه- من وسائل الملاءمة بين الجنسين.</P>
<P><FONT color=#0000ff>حب التكاثر: </FONT><BR>إن من أهم الدوافع التي تدفع البشر نحو الاستمرار والتكاثر هو تلك الرغبة الفطرية الموجودة في قلوب الجميع من رجال ونساء بتكوين ذرية ترث الآباء والأمهات، ورغم أن أقصى المطامح والرغبات المأمولة من هذه الذرية لا تعدو الصلاح والبر بالوالدين- وفي حالات كثيرة يكون جزاء الإحسان الإساءة ويكون مقابل البر الجحود - مع ذلك فلا يتحدث أحد عن ترك التكاثر لوجود هذه الاحتمالات.</P>
<P><FONT color=#0000ff>كل ميسر لما خلق له: </FONT><BR>لا شك أن الله _سبحانه_ قد جعل في كل من المرأة والرجل رغبة الفطرة، ولكن الأمر ليس بالقدر والمفهوم نفسه عند المرأة والرجل فلكل منهما ما يتناسب مع طبيعة الدور الذي سيقوم به في هذه العملية. <BR>فبالنسبة للمرأة وهي التي تتحمل الجزء الأكبر والأشق، من الحمل ومشاقه، والولادة وأخطارها وآلامها التي لولا قدرة الله _سبحانه_ لما استطاعت تحملها بضعفها الظاهر، وهي آلام لو وزعت على آلاف الرجال لما استطاعوا تحملها، وتلك من عجائب قدرة الله ومن أبدع أسراره في خلقه. <BR>بناء على هذا كان لا بد من أن تكون المرأة أشد عاطفة وحباً للذرية؛ لأنها لو استجابت لصوت المنطق ومنهج السلامة، فما الذي يدفعها إلى تعريض حياتها للخطر أكثر من مرة من أجل ولد قد يكون براً بها أو قد لا يكون كذلك، وكم من مرة تسمع من امرأة خرجت من عملية الوضع بعد مخاض عسير، وهي تتعهد بعدم تكرار التجربة مهما كانت الظروف، ثم تجدها بعد ذلك بسنة أو أشهر قد نسيت آلامها واستجابت من لنداء الفطرة من جديد.<BR>وكذلك كان لا بد للمرأة أن تكون أكثر صبراً على تحمل تربية الأطفال وما فيها من تعب وسهر قد يصل أحياناً كثيرة إلى ليال بأكملها الأمر الذي يضيق به الرجل مع ما فيه من جلد على أمور أصعب وأشق.<BR>أما بالنسبة للرجل فهو الآخر يتحمل الصعاب المختلفة ويعمل في المهن الخطيرة ويسافر إلى أقاصي الأرض من أجل مستقبل مجهول لهذا الطفل الناشئ، والذي لا يعرف عن طباعه وأخلاقه أي شيء.</P>
<P><FONT color=#0000ff>الأمل: دافع البشر إلى كل تضحية </FONT><BR>إن الأمل هو الدافع الأول لكل من الأب والأم للمزيد من العطاء والبذل والتضحية، ومن طريف هذا الأمل أنه لا يعرف حدوداً ولا منطقاً، ولا يفكر إلا في مستقبل زاهر وواعد، من منا لم ير أماً تداعب وليدها وتخاطبه بألقاب ومسميات دون تفكير أو تقدير، وتتمنى له أن يصبح يوماً من الأيام مهندساً أو طبيباً أو غير ذلك من المهن، ولكن هل سبق لأحد منا أن رأى تلك الأم تحمل وليدها ويخطر ببالها ولو لحظة أن هذا الوليد شأنه شأن سائر البشر يعيش ويكبر ويمرض ويتكدر ويموت بعد ذلك إن هذه الأفكار وإن كانت من المسلمات فمن الصعب جداً أن تخطر ببال تلك الأم؛ لأن الأمل يشغلها تماماً عنها، وذلك أيضاً من الوسائل التي جعلها الله لاستمرار الحياة. </P>
<P><FONT color=#0000ff>النسيان من عوامل استمرار الوجود: </FONT><BR>كثير من الناس يشكون من النسيان المتكرر، والذي يسبب الكثير من المشاكل والمصاعب، ولكن هذا النسيان نفسه هو من النعم التي أنعم بها الله على الإنسان ليستمر في الحياة، ذلك أن الإنسان يتعرض في حياته للكثير من المصائب والأحزان بفقدان قريب أو حبيب أو مصيبة في النفس أو المال، ولولا عامل النسيان -وكذلك الصبر – لكان من الصعب على البشر نزع تلك الأفكار المؤلمة عن تلك المصيبة، وبهذا تنضم خاصية ظاهرها مزعج إلى أهم عوامل استمرار الوجود.</P>
<P><FONT color=#0000ff size=4>التوازن في المجالات المختلفة: </FONT><BR><FONT color=#0000ff>التوازن في المفاضلة بين الجنسين: </FONT><BR>إن الله _سبحانه_ لم يعط واحداً من متماثلين كل صفات الكمال دون الآخر، فلكي يستمر كل نوع من الأنواع لا بد أن يكون له مميزات تجاه النوع الأخر ليوجد دائماً مجال للمقارنة واختلاف الآراء، وإذا نظرنا إلى المعتبر في كثير من المجتمعات في المقارنة بين الأولاد الذكور والبنات وجدنا أن الأهل-خاصة في دول العالم غير المتطور - يفضلون في كثير من الأحيان الأولاد الذكور على الإناث؛ لأنهم أقدر على النهوض بأعباء البيت وغير ذلك، فكان لا بد من لفت نظر الأهل إلى أن موضوع الأرزاق ليس رهناً بكون الولد ذكراً أو أنثى، بل إن القرآن الكريم في حديثه عن الأولاد يقدم الأنثى على الذكر لرفع قيمتها:<BR>"لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ" (الشورى:49).<BR>وكان القرآن الكريم أراد بهذا الكلام أن يقول للمغالين في هذه القضية: إن هذا المخلوق الذي أخرتموه في حساباتكم هو مقدم عند الله، وحسابات الله مقدمة على حساباتكم.<BR>لذلك فقد جعل الله _سبحانه_ خاصية المحبة والعطف في الأنثى منذ ولادتها، وجعل قلوب الأهل تخصها بالمحبة والعطف أكثر مما تخص الذكر لإحساسهم بهذا الضعف المركب فيها، وحاجتها إليهم أكثر من الذكور، وكذلك كان نموها وإدراكها أسرع وكانت حركاتها ونبراتها وتصرفاتها الطفولية أجمل بكثير من حركات الذكور، وكل ذلك من الأسرار التي جعلها الله فيها لتكسب القلوب وتغير من أفكار المفاضلة بين وبين إخوانها الذكور.</P>
<P><FONT color=#0000ff>التوازن في استعمار الأرض: </FONT><BR>وكان لا بد للبشر من أن ينتشروا في الأرض ويعمروها كلها أو معظمها، والمتأمل في طبيعة المناطق المختلفة وما يعتريها من عوامل مناخية وغيرها يعجب لحال الكثير من الشعوب التي تقطن بلادا ذات مناخ غير مناسب، فما الذي يجعل شعباً مثل الإسكيمو يعيش إلى أيامنا هذه في تلك الأصقاع المتجمدة بما ف%E