خاتمة:

إن عملية تجاوز الهياكل المركزية السياسية التقليدية في بناء الدول، نحو إنشاء كيانات فدرالية، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا بتضافر عوامل ثلاث:

وعي مجتمعي بالهوية الفدرالية وأهميتها، ودفع باتجاه تحقيقها، باعتبارها الممثل الحقيقي عن مصالح المجتمع.
تسطير مواساة فعلية بين الأقاليم الفدرالية في الحقوق والواجبات، فهي الكفيلة بتعزيز الانتماء الفدرالي لكافة الشرائح المجتمعية.
الارتقاء بمستوى فعالية المؤسسات الفدرالية، وخاصة لناحية تمثيلها لشرائح المجتمع، أو لناحية العمل باتجاه بلوغ مستوى الرفاه والعدالة الاجتماعية التي يطمح إليها المجتمع.


وإن كانت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً ناجحاً لإدارة المجتمعات في كيان فدرالي، رغم تناسق طبيعة سكانها عرقياً ودينياً، فمن باب أولى البحث في هذا الشكل الفدرالي، في دول عربية تعيش أزمات هوية تكاد تفتتها، نتيجة تنوعها الإثني.



وحيث أن العراق استوحى تلك التجربة، إلاّ أن افتقار المؤسسات الحكومية إلى الفعالية المطلوبة على المستوى الفدرالي، وعدم ترسخ الفكرة ذاتها بين الفئات المجتمعية، ودفع بعضها نحو الاستقلال، وتدهور مؤشرات الاستقرار السياسي والتنمية والمساواة، أعاق تطوير تلك التجربة التي لم تنبثق عن وعي كلي بضرورتها، وخاصة لحظة الإنشاء، كما أن الإنشاء أتى فرضاً عبر القوة الأمريكية، كما وتؤدي الولاءات الفرعية الداخلية والخارجية دوراً سلبياً في بناء الهوية الفدرالية العراقية. خاصة عبر الصراع الهوياتي على المستوى العرقي (العربي-الكردي) وعلى المستوى الديني (السني-الشيعي).



لذا فإن الدفع الداخلي باتجاه توسيع المشاركة السياسية، وابتعاد الدولة عن المجال الخاص، عبر إتاحة الفرصة للمجتمعات المحلية في إدارة ذاتها، وترسيخ مبدأ المساواة داخل المجتمع بين كافة المكونات، ضرورة تفرض على الدول العربية وخاصة في ظل اضطرابات الربيع العربي، والعجز عن الانتقال سريعاً إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني في كثير من الدول، وانعكاس ذلك على الانتماء الوطني والولاء للدولة.