التوظيف وتضمين لغتهم في المناهج .. أحلام الصم عربيا
كتبت - رندا خطاب
تحت رعاية سعادة الشيخة حصة بنت حمد بن خليفة آل ثاني رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، اختتم أمس المؤتمر الدولي الخامس للتأهيل الدولي أعماله والتي استمرت على مدار ثلاثة أيام تحت شعار «من أجل عالم أفضل للجميع– إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بالتنمية» والذي يهدف إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم للمشاركة في دفع عملية التنمية دون إقصاء. وأكد علي عبيد السناري رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصم خلال ورقة عمل بعنوان «الدمج الاجتماعي وفرص الوصول للصم» انه رغم التطور الواضح في حجم الخدمات المقدمة للصم في المنطقة العربية إلا أن هناك معوقات كثيرة تحد من تقدم الصم وانخراطهم في مجالات الحياة أهمها، تدني مستوى التعليم والتي ينعكس سلباً على فرص التشغيل واقتصار عملهم على المهن الأكثر تواضعاً والتي تم وضعهم فيها دون أن يعطوا فرصة لمعرفة قدراتهم العلمية والمعرفية والدخول بتنافس حقيقي مع الآخرين، وما يترتب على ذلك من تدني الرواتب، مشيرا إلى أن البعد الآخر للمشكلة فيتمثل بالأثر السلبي النفسي والاجتماعي للمعوقين سمعياً والذين يفتقرون إلى القدرة على التواصل الاجتماعي مع الآخرين بسبب عدم معرفة أفراد المجتمع بطرق التواصل معه، لافتا أن غياب التنسيق بين قطاعات المجتمع كافة وقلة الدعم اللازم للصم لاسيما من قبل وسائل الإعلام والجامعات التي تستقطبهم ابرز العقبات التي تواجههم.
وأكد السناري على ضرورة إعادة النظر في السياسات التربوية المتبعة في تعليم الصم والتركيز على التعليم ثنائي الثقافة واللغة، فضلا عن تعريف الكادر التعليمي بهذا المنهج وضرورة إتقانه للغة الصم ومعرفة ثقافتهم وطريقة تفكيرهم، موضحا انه لا يجب أن تترك مهنة المعلمين العاملين في هذا المجال لمن لا مهنة له، فالاهتمام بالمترجمين وصقلهم وتدريبهم من شأنه أن يرتقي بفئة الصم ويساهم في تثقيفهم وتأهيلهم ليس على الصعيد المحلي فحسب ولكن على كافة الأصعدة العربية. واكد السناري على ضرورة صقل مهارات العاملين في هذا المجال بشتى الطرق من خلال تعريفهم بكيفية توظيف لغة الإشارة بالعملية التعليمية أو بالحصة الصفية وتوفير خدمات الترجمة في كافة مؤسسات الدولة وخاصة الخدماتية منها، فضلا عن تدريب منتسبي تلك المؤسسات على لغة الإشارة وأساليب التواصل مع الصم، إضافة إلى الاهتمام في مهنة الترجمة الإشارية وصناعتها وفق معايير مهنية عالية الجودة.
وعن أكثر العقبات التي تواجه فئة الصم قال رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصم «هناك نقص كبير في البرامج التأهيلية والتدريبية اللازمة لتحقيق النمو الكامل لدى المعوقين سمعياً، وتحقيق التكيف النفسي والاجتماعي بالتالي الدمج المتكامل التواصل مع الآخرين، هذا إلى جانب غياب دور المؤسسات العاملة بمجال رعاية الصم في المشاركة الفاعلة ورسم السياسات التربوية والتعليمية.
ونقل السناري أحلام وطموحات الصم والتي تتلخص في حلمهم بالتواصل مع بالآخرين دون وسيط، وأن ينخرطوا في سوق العمل ويتلقوا التعليمات والإرشادات من مسؤولهم المباشر، وأن يسمعوا تقييمهم على أدائهم الوظيفي، ومخالطة زملاء العمل بتفاعل وحيوية، مضيفا: «نحلم أيضا بأن ننخرط بالعمل ونستخدم المواصلات العامة لنمر على اللوحات الإعلانية بالشوارع نقرأها ونفهم فحواها ومعناها»، متابعا: «نحلم أيضا بالذهاب لمراجعة مؤسسات الدولة بكافة القطاعات لنلتقي بموظف يستطيع التواصل معنا ويجيد لغتنا الإشارية، نحلم بتضمين لغة الإشارة في مناهج التعليم العام بمدارس الدولة وفق خطة وبرنامج يتوافق مع الفئات العمرية والمستوى الدراسي للطلبة السامعين.
جزء لا يتجزأ
وقال السناري «إن الأشخاص الصم هم جزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات ولهم حقوق وعليهم واجبات فكان لزاماً علينا أن نخطط معهم وبمشورتهم لتقديم أفضل الخدمات للوصول بهم لدمج كامل متكامل والعمل على توعية المجتمعات بخصوصية هذه الفئة اللغوية وطريقة وأسلوب التواصل معهم، مضيفا «للفرد الحق في حياة كريمة ولكل إنسان الحق في إثبات وجوده وفق فرص متساوية دونما تمييز ليكون فرداً ناشطاً ومنتجاً، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال صقل متكامل لقدرات الإفراد العلمية والتربوية والنفسية، وتحقيق فرص الوصل والولوج به لكافة المجالات المتاحة في المجتمعات».
وتابع قائلا: «فمن خلال رصدنا للكثير من الدراسات اتفق معظم الباحثين والدارسين على أن هناك سمات عامة تغلب على فئة الصم ومعظمها غير إيجابية وخاصة فيما يتعلق بالثقافة الاجتماعية والنضج الاجتماعي، حيث يظهر بعض الصم اضطرابات في السلوك النفسي والاجتماعي مثل عدم التكيف والعزلة الاجتماعية وهذا مرده عدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين على اعتبار أن لغة التواصل عند الصم هي لغة الإشارة وتعتبر لغتهم الأم ولأن الكثير من أفراد المجتمع المحيط لا يجيدون لغة التواصل تبقى الحواجز قائمة دونما التمكن من التعرف على الآخر، مشيرا إلى الحاجة الماسة لتعريف كافة أفراد المجتمع بلغة الإشارة والتي تعد اللغة الأم للصم، حيث إن اللغة هي الوسيلة لتفاعل الإنسان مع بيئته وبواسطتها يعبر عن أفكاره ورغباته وميوله، وهي وسيلته الوحيدة لنقل العلم والمعرفة وتبادل الخبرات، لاسيما وان مفهوم الدمج يرتكز على التعليم لأن تعليم الأصم القراءة والكتابة تمثل مفاتيح المعرفة.
واكد السناري على تدني المستوى التعليمي عند الصم في المنطقة العربية، وذلك لأن الأساليب المستخدمة في تعليم الصم جعلت المجتمع ينظر إليه كما لو كانوا متخلفين عقليا ويحرمه من حقوقه التعليمية والمعرفية والمهنية بل ويقتل مواهبه الكامنة والتي كان من الممكن أن تكتب لها الحياة والنمو لو كان المجتمع قد أتاح له فرصة حقيقية للتعلم، مضيفا «وهنا يمكن القول إن التعليم المتدني للصم مرده السياسات التربوية المتبعة في المنطقة العربية والتي أنتجت صما أُميين، فإذا كان تعريف الأُمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب فهو تعريف لا ينطبق على الصم الذين يجيدون القراءة والكتابة ولكن القراءة بلا فهم والكتابة لديهم رسم أحرف، فالأمية هنا هي أمية المعنى والمضمون وليست أمية القراءة والكتابة.
وتابع قائلا: «إن المقصود بالدمج الاجتماعي هنا هو دمج الأصم بمحيطه سواء في المدرسة أو في العمل أو في محيطه الأسري، ولكن إذا ما بقي الوضع التعليمي والتأهيلي للصم يراوح مكانه سيبقى الأصم العربي بعيد كل البعد عن الدمج المجتمعي، وقد يتراءى للبعض أنه مدموج مجتمعياً ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، مضيفا: «فالواقع الفعلي أن الصم في الوطن العربي مدمجون بأجسادهم مع المحيط ولكن دونما تفاعل حقيقي حيوي يحفظ الكرامة والمساواة».
تأهيل الكوادر
وأشار السناري إلى ضرورة السعي إلى تأهيل كوادر تربوية متخصصة قادرة على التفاعل بأقل فترة زمنية مع طلبته الصم لضمان نقل المعلومة بسهولة ويسر الأمر الذي يؤدي إلى توسيع مدارك الصم والارتقاء بمستواهم التعليمي لمراحل متقدمة جداً ضمان حقوق فئة من أبنائنا، وذلك تماشياً مع الاتفاقية الدولية للأشخاص المعاقين والتي تنص على تحقيق ارتقاء نوعي بالخدمات المقدمة للأشخاص المعوقين بشكل عام والصم خاصة لاسيما فيما يتعلق بالعملية التأهيلية والتعليمية.
تجربة حية
وتحدث السناري عن تجربته الشخصية قائلا: «أتحدث إليكم عن نفسي حيث درست وتعلمت في الكويت وامتلك مهارات متعددة ولكني لا امتلك مهارات قراءة وكتابة عالية وكثيراً ما أرى كلمات وجمل لا أفهم معناها إلا إذا ترجمت لي لأني لم استطع التعرف على الكلمة المكتوبة لأن المدرس وقتها لم يقرنها لي بمفهومها الإشاري التي هي لغتي، مضيفا: «هذه هي مخرجات التعليم في المنطقة العربية فكيف سيكون دمجي في المجتمع وأنا اشعر بالضعف في داخلي وأنني دون المستوى التعليمي ومحكوم علي بمهن ووظائف متواضعة والحكم علي بسلم وظيفي لن أتخطاه لأن تحصيلي العلمي لا يؤهلني للتقدم على اعتبار وجود علاقة جدلية أزلية بين العلم والعمل.
فرص الوصول
وقدم السناري مجموعة من الاقتراحات التي من شأنها تحقيق فرص الوصول والدمج الاجتماعي لفئة الصم اهمها، تدريب وتأهيل الطلبة المتخصصين في التربية الخاصة على تعلم لغة الإشارة واستخدامها كلغة تواصلية على اعتبار بأنه مدرس المستقبل القادم للصم، وإدخال مادة لغة الإشارة كمساق دراسي حر اختياري لكافة التخصصات بالجامعات.
وتابع «لتحقيق فرص الوصول لدمجهم بالمجتمع يتطلب الوصول بهم لمستوى تعليمي مميز كما يشمل تهيئة البيئة المادية المناسبة، والتي تشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية وخدمات الصحة والتعليم والإعلام والاتصال والتواصل الأمثل، هذا إلى جانب تفعيل دور مؤسسات ومنظمات الصم الأهلية والحكومية وضرورة النضال من أجل المشاركة الفاعلة والحصول على كافة الحقوق والمكتسبات، إضافة إلى إشراك هذه الفئة في صناعة القرار وخاصة بالأمور المتعلقة بهم، والتركيز على دور الأسرة والمحيط وضرورة تدريب الوالدين والمحيطين على أساليب التواصل المتبعة مع الصم.
المساواة في الحقوق والواجبات
من جانبه قال المستشار محمد عبد الرحمن السيد– نائب رئيس التأهيل الدولي– الإقليم العربي إن هناك حاجة ملحة إلى المساواة في الحقوق وإتاحة الفرص أمام الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة، خاصة في ظل مستويات الفقر غير المقبولة والإقصاء الذي يواجهه الأشخاص ذوي الإعاقة، وعلى وجه الخصوص في البلدان ذات الدخل المتوسط والمتدني.
ولفت سيادته إلى أن الأهداف الألفية للتنمية لن تتحقق في ظل وجود مليار شخص من ذوي الإعاقة المهمشين، مضيفا: «فالجميع مدعوون للعمل معاً، حكومات ومجتمع مدني، لإزالة العوائق سواء المادية أو المعنوية، بحيث يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة المشاركة الكاملة في جميع جوانب التنمية والحصول على حقوقهم في كافة الخدمات مثل الصحة والتعليم والتوظيف أسوة بباقي أفراد المجتمع، مضيفا: «وبالتالي لا بد لجهود التنمية في جميع أنحاء العالم أن تشمل قضايا الإعاقة عند وضع السياسات والبرامج، ورصد الأموال للبرامج والمشاريع التنموية، فإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في التنمية هو استراتيجية لتحقيق المساواة». وقال السيد إن منظمة التأهيل الدولي لا تدخر جهدا في دعم هذه الفئة ومناصرة قضاياها على مستوى الإقليم العربي من خلال استقطاب خبرات جميع الفاعلين في مجال الإعاقة بدءاً بهذه الفئة نفسها مروراً بالباحثين والمؤسسات الاجتماعية الحكومية وغير الحكومية ووصولاً إلى رصد السياسات والإجراءات المتبعة في سبيل تقييمها تمهيداً لتحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء تلك الشريحة.
http://www.al-watan.com/viewnews.asp...atenews6&pge=7