تمهيد

يمهد الكاتب لهذه القضية بقوله: "إن الله – جلت عظمته – أول ما خلق خلق القلم، وقال له: اكتب، فكتب في تلك الساعة كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالخلق جميعهم منتهون إلى ما كتب. وعلى ذلك فكل ما يجرى في الكون، مع مر الزمان، وتقلب الليل والنهار، إنما هو تنفيذ دقيق محكم لما جرى به القلم آنذاك.. فإذا هبت الريح – مثلا – وسفت مالا يحصى من حبات الرمال وذرات الأتربة، فإن الله قد أحصاها قبل خلقها، وقدر عددها، ومستقرها ومستودعها.. وهكذا لا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بما في الكتاب، وجميع المخلوقات خاضعة لسطوة الجبار، منفذة لمشيئته طوعًا أو كرهًا".
بعد التمهيد تبدأ فصول الكتاب التي افتتحها المؤلف بالقرآن الكريم.


ظهر الغلاف

[عدل]من القرآن الكريم

في هذا الفصل عرض لعدد من آيات القرآن التي توافق موضوع الكتاب مثل قوله تعالى:
{وكان أمر الله قدرا مقدورا} الأحزاب:38.
{إنا كل شيء خلقناه بقدر} القمر:49.
{قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} آل عمران:154.
وهكذا...
وفى خلال ذلك يقدم الكاتب نبذ من أقوال المفسرين وفوائد العارفين مثل كلام أحمد بن عجيبة في تفسيره لقوله تعالى: {ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} الكهف:23، 24. حيث يقول: "تضمنت الآية خصلة التفويض إلى مشيئة الله وتدبيره، والرضا بما يبرز به القضاء، بحيث لا يعقد على شئ، ولا يجزم بفعل شئ، إلا ملتبسا بمشيئة الله، فينظر ما يفعل الله. فالعاقل إذا أصبح نظر ما يفعل الله به، والجاهل إذا أصبح نظر ما يفعل بنفسه".
[عدل]من الحديث النبوى الشريف

عن الوليد بن عبادة قال: "دخلت على عبادة رضى الله عنه وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصنى واجتهد لى. فقال: أجلسونى، فلما أجلسوه قال: يابنى إنك لم تطعم الإيمان، ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. فقلت: ياأبتاه وكيف لى أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك. يابنى إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يابنى إن مت ولست على ذلك دخلت النار". (أخرجه الترمذى وأحمد)
في هذا الباب سبعة فصول كلها من حديث النبى صلى الله عليه وسلم وهذه عناوينها:
ضرورة الإيمان بالقضاء والقدر
الله قدر كل شيء قبل خلق السموات والأرض
لا حيلة أبدا فيما قدر الله وقضى
العمل والقضاء والقدر
أهل الجنة وأهل النار
لا عذر لمن يدخل النار
العبرة بالسابقة
[عدل]من سير الأنبياء والصالحين

في هذا الفصل عرض لبعض الآثار من الأمم السابقة وأنبيائها، ثم من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة الكرام وسلف الأمة الصالح.
من آثار الأمم السابقة – مثلا – ما رواه الطرطوشى في كتابه "سراج الملوك" من أنه روى في الإسرائيليات أن نبيا من أنبياء الله تعالى مر بفخ منصوب، وإذا طائر قريب منه، فقال الطائر: يانبى الله، هل رأيت أقل عقلا من هذا.. نصب هذا الفخ ليصيدنى فيه وأنا أنظر إليه. قال: فذهب عنه ثم رجع، فإذا الطائر في الفخ. فقال له: عجبا لك، أولست القائل آنفا كذا وكذا؟ فقال: يانبى الله، إذا جاء الحين لم تبق أذن ولا عين.
ومن آثار النبى صلى الله عليه وسلم – مثلا – أنه قيل لعائشة: ما كان أكثر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته إذا خلا؟ قالت: كان أكثر كلامه إذا خلا في بيته: "ما يُقضى من أمر يكون" (الرضا لابن أبى الدنيا)
ومن آثار الصحابة – مثلا – ما روى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان كثيرا ما يخطب ويقول على المنبر:
حفِّض عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرهــا
فليس بـآتيك منهيهـا ولا قاصر عنك مأمورها
(البيهقى في الأسماء والصفات)
ويستعرض أقوال نفر من الصحابة وهم – بالإضافة إلى عمر:
أبو بكر الصديق وعلى بن أبى طالب، والسيدة عائشة أم المؤمنين، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عباس، وسلمان الفارسى، وأبو الدرداء، وعبد الله بن عمر، ووهب بن منبه، ومحمد بن كعب القرظى.
ومن آثار السلف الصالح – على سبيل المثال – قول أبى سليمان الدارانى: ليس أعمال الخلق بالتي ترضيه أو تسخطه، إنما رضى عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضا، وسخط عن قوم فاستعملهم بأعمال السخط (حلية الأولياء لأبى نعيم)
[عدل]من الحِكم العطائية

في هذا الفصل يعرض الكاتب مجموعة من حكم ابن عطاء الله السكندرى التي تتناول قضية االقضاء والقدر مع قدر مختصر من شرح أحمد بن عجيبة على كل حكمة مثل قوله في الحكم العطائية:
كيف يكون طلبك اللاحق سببا في عطائه السابق
وفيها يقول ابن عجيبة: إن الله سبحانه قدر في الأزل ما كان وما يكون إلى أبد الأبد، فقد قسم الأرزاق الحسية والمعنوية، وقدر الآجال. فإذا علمت أيها الإنسان أن القضاء والقدر قد سبق برزقك وأجلك، وأنه قد سبقت قسمتك وجودك، فماذا تطلب؟ وإذا طلبت فكيف يكون طلبك اللاحق سببا في عطائه السابق؟ إذ قد سبق منه العطاء قبل أن يكون منك الطلب.
[عدل]ختــام

في ختام الكتاب يسأل المؤلف: إذا كانت المشيئة سابقة على الأفعال، نافذة على كل حال، ففيم إذن الثواب والعقاب؟
أو بمعنى آخر: إذا كان الله سبحانه وتعالى قدر الخير على أناس وأجراه على أيديهم، وقدر الشر على آخرين وأجراه على أيديهم، فلم يثيب هؤلاء ويعذل أولئك؟
يجيب المؤلف عن هذا السؤال في ثمانية صفحات فيقول: إن الله جلت قدرته خلق الإنسان من جسد وروح، وكذلك جعل الدين، له جسد وروح، وهو ما إصطلح عليه العلماء بالشريعة والحقيقة، ولا تفهم قضايا الإيمان – التي منها موضوع القضاء والقدر – إلا بهما معًا.
ثم يقول في ختام الفصل: إذن.. فالشريعة إسلام، والحقيقة استسلام. الشريعة طاعة بالجوارح، والحقيقة خضوع بالقلب، الشريعة نهوض للأمر، والحقيقة إعظام للأمر. فإذا تدرع المؤمن بالاثنين معًا؛ الشريعة والحقيقة، فمن أين يأتيه الاعتراض أو يتسرب إلى قلبه الشك؟
ثم يختم الكتاب بفصل صغير جعل عنوانه:
[عدل]مسك الختام

قال فيه: وهكذا.. قبل أن يوجد الله الدنيا من العدم، قدر ما هو كائن فيها وقضاه. خلق الجنة والنهار، ثم خلق الخلق، فقسمهم – بسابق تقديره – إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير.
واصطفى من بين خلقه الأنبياء والرسل، وبعثهم للناس دُعاة وهُداة، واختار خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فأتم به الدين، وختم به الرسالات، كما يُختم على الكتاب لضمان سلامته من عبث العابثين.
ومع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء بعثًا، إلا أنه أولهم خلقًا، فإن القلم أول ما جرى في اللوح كتب: لا إله إلا الله محمد رسول الله ودَعَا الله إليه الخلق كافة، فلم يبعث نبيًّا إلا أخذ عليه وعلى قومه العهد والميثاق: لئن أدركتم محمدًا لتؤمنن به ولتنصرنه. قال تعالى في كلامه القديم: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} آل عمران:81 – 82.
اصطفاه الله – في الأزل – من بين جميع خلقه، وأعطاه ما لم يُعط أحدًا قبله ولا بعده..
اختار له الآباء والأمهات من الطاهرين والطاهرات إلى أبى البشر آدم عليه السلام، واختار له الذرية والأحفاد إلى يوم القيامة، فكان منهم المهدى المنتظر الذي يخرج في آخر الزمان، يُقيم العدل والميزان.
واختار له أصحابه وأنصار دينه، ومع أن عمر بن الخطاب – مثلا – كان يؤذى المسلمين أشد الإيذاء، بل حمل سيفه ومشى ليقتل به النبى صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا لم يضره شيءًا، لأنه مكتوب في أم الكتاب من السعداء، ممن اختارهم الله لِصُحبة حبيبه ومصطفاه. فأجابه، وأعداؤه قضاهم الله قبل أن يخلق الخلق، وقبل أن تكون سماءًا ولا أرض، وحددهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم، ولا يزيد منهم واحد ولا ينقص منهم واحد.
وقال هؤلاء في الجنة ولا أبالى، وهؤلاء في النار ولا أبالى..
.......
فالحياة كلها..
مدارها حول محمد صلى الله عليه وسلم.