في ختام اجتماع الخبراء الثاني.. المشاركون: دعوة "الأعلى للأسرة" لإعداد دراسة ميدانيّة عن واقع الإرشاد الأسري في قطر



مقترح بإعداد مشروعات لتشريعات بشأن تنظيم مهنة الإرشاد الأسري

مُناشدة جامعة قطر طرح برامج للدراسات العليا في مجال الإرشاد الأسري

منى الخليفي: مهنة الإرشاد الأسري تتطلّب معايير لممارستها وتحديد جهة إصدار تراخيص لمزاولتها

"الاستشارات العائليّة" نجح في تحقيق الصلح لـ37 % من الحالات التي تناولها بزيادة قدرها 7 % عن السنوات السابقة


هديل صابر


ناشد اجتماع الخبراء الثاني، الذي نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة على مدار يومين، جامعة قطر لطرح برامج للدراسات العليا في مجال الإرشاد الأسري، كما دعا الاجتماع المجلس الأعلى لشؤون الأسرة لإعداد دراسة ميدانيّة حول واقع واحتياجات الإرشاد الأسري في دولة قطر، واقترح المشاركون بالاجتماع إعداد مشروعات الأدوات التشريعيّة اللازمة بشأن تنظيم مهنة الإرشاد الأسري من حيث تحديد الجهة المختصّة بمنح التراخيص بمزاولة مهنة الإرشاد الأسري، ووضع شروط وضوابط منحها.


حيث أصدر الاجتماع في ختام أعماله بياناً ختامياً اشتمل على 9 توصيات، استنبطت من محاور النقاش الثلاثة التي تطرّقت إلى محور الإطار المفاهيمي والآليات المقترحة للإرشاد الأسري، محور الإطار القانوني لمهنة الإرشاد الأسري، ومحور التعليم والتأهيل في مجال الإرشاد الأسري.


وطالب المشاركون في بيانهم الختامي الجهات المختصّة بإنشاء جمعية للممارسين في مهنة الإرشاد الأسري ومواكبة المتغيّرات والتحوّلات المجتمعيّة، والعمل على إنشاء مكتب أو اكثر للإرشاد الأسري داخل دائرة اختصاص كل محكمة أسرة، وفتح فروع لها خارج المحكمة، على أن يكون اللجوء إلى هذه المكاتب وجوبياً، وإضفاء صفة السندات التنفيذيّة على محاضر الصلح التي تتم من خلال مكاتب الإرشاد الأسري واستصدار الأدوات والتشريعات اللازمة لذلك، التدريب والتأهيل للاختصاصيين العاملين في مكاتب الإرشاد الأسري، وذلك بالتنسيق مع المراكز المختصّة، وإدراج محور للإرشاد الأسري ضمن الإستراتيجيات المعنيّة بالأسرة، وتطوير برامج الإرشاد الموجهة لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة.


تجارب الإرشاد الأسري


هذا وقد تناولت جلسات يوم أمس محور التجارب العربية في الإرشاد الأسري، وكان من بينها ورقة عمل تقدّمت بها السيدة منى الخليفي- مدير إدارة الاستشارات بمركز الاستشارات العائلية- حيث طرحت تجربة مركز الاستشارات العائليّة كتجربة حيّة للإرشاد الأسري في دولة قطر، مطالبة بضرورة تكاتف أجهزة الدولة الأساسية (مثل جامعة قطر، ووزارة الشؤون الاجتماعية)، لوضع استراتيجية متكاملة لخلق آليات تعليميّة لإنتاج كوادر وطنيّة جديدة، ووضع معايير لممارسة مهنة الإرشاد الأسري وتحديد جهة إصدار هذه التراخيص، موصية بأهمية التعاون بين القطاعات المختلفة في وضع معايير مهنيّة لمهنة الإرشاد الأسري، وتحديد جهة رسميّة لمنح التراخيص، مؤكّدة على ضرورة فتح قسم بجامعة قطر يقوم بتدريس الإرشاد بأنواعه، والإرشاد الأسري بصفة خاصة، وبرامج دراسات عليا، وقيام مؤسسات الإرشاد الأسري بتأهيل وتدريب كوادر متخصّصة تعمل في هذا المجال.


ووصفت منى الخليفي تجربة دولة قطر في تقديم خدمة الإرشاد الأسري بأنها فريدة من نوعها من حيث نوعية ومستوى الخدمة المقدّمة، ومن التحدّيات التي تواجه المهنة، في ظل مساعي المركز نحو تحقيق أهداف الاستراتيجية العامة التنمويّة للدولة.


واستعرضت مديرة إدارة الاستشارات، ممارسات مهنة الإرشاد الأسري والدروس المستفادة منها، بعد مرور تسع سنوات على إنشائه، باعتباره أوّل مراكز الإرشاد الأسري في الدولة بصورة مهنيّة محترفة مسترشدا بمعايير الجودة العالمية، وركزت منى الخليفي على تحديات الواقع واستشراف الرؤى المستقبليّة لمهنة الإرشاد الأسري بما يضمن تطويرها بصورة تحقّق رؤية الاستراتيجيات الوطنيّة لحماية الأسرة.


وأشارت إلى أن المركز يستند إلى خمسة موجهات أساسية يسترشد بها في وضع أهدافه الاستراتيجية والتشغيليّة، ومنها استنتج ضرورة تكوين علاقة وثيقة مع محاكم الأسرة كسبيل أمثل لتقديم أفضل خدمة لجمهور المحكمة، ولتحقيق هدف المركز في خفض نسبة الطلاق، تتمثّل في رؤية قطر الوطنية (2030)، التي تنصّ الركيزة الثانية منها الخاصة بالتنمية الاجتماعية على: "المحافظة على أسرة قويّة ومتماسكة تحظى بالدعم والرعاية والحماية الاجتماعية"، والسياسة العامة للسكان: التي تستهدف زيادة معدلات النمو السكاني للمواطنين وتصحيح الخلل في التركيبة السكانية، فضلا عن الحد من ارتفاع نسبة الطلاق ومعالجة آثاره، وقيام مركز الاستشارات العائليّة بفتح فروع مختلفة في الدولة، ووضع برامج للتوعية بمخاطر الطلاق، والطلاق التعسفي وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع، هذا بجانب الاستراتيجيّة العامة للأسرة (2011 — 2016): التي تنص على "النهوض والارتقاء بالأسرة".


الاستشارات العائلية


وأضافت منى الخليفي أن مركز الاستشارات العائلية يعمل على تحقيق التعامل الإيجابي بين أفراد الأسرة والحفاظ عليها من التفكّك والانهيار، وتهدف بصفة خاصة إلى: تشجيع التعامل الإيجابي بين أطراف العلاقة الزوجيّة والأسريّة، ومساعدة الأسر على دعم سبل التفاهم بين أفرادها لتقليل نسب الطلاق في المجتمع، ومساعدة المطلقين على تحقيق الرضا النفسي الذاتي والقبول الاجتماعي، وأشارت الي أن في آخر أربعة شهور من سنة الإنشاء الأولى (2003)، بدأ المركز نشاطه بتقديم خدمة الإرشاد الأسري للحالات المتردّدة على المركز وعددها (114)، كما قدم استشارات هاتفيّة بلغ عددها (462) استشارة هاتفية، وفي السنة الثانية (2004)، لاحظ المركز أنه لكي يستطيع تحقيق أهداف التأسيس (5،4،2) فإن عليه أن يقترب من منبع حالات الطلاق، فسعى إلى التفاوض مع المجلس الأعلى للقضاء حتى تم الاتفاق على: تحويل حالات دعاوى الطلاق للمركز لبذل مساعي الإصلاح، وتنفيذ أحكام الحضانة عن طريق المركز بدلاً من الشرطة لتهيئة مناخ آمن يحافظ على الصحة النفسيّة للأطفال، وتهيئة جو هادئ لهم يعين الطرفين على رعاية الطفل وتلبية احتياجاته بصورة صحيّة سليمة.


وعرجت منى الخليفي على التحدّيات التي واجهت المركز في تقديم خدمة الإرشاد الأسري المتمثّلة في عدم وجود أعداد كافية من المرشدين الأسريين وخاصة الرجال، وعدم وجود أية جهة أكاديمية تقدّم دبلوم في الإرشاد الأسري، بما في ذلك مراكز التدريب الخاصة، التي لم تطرح أي برامج تدريبيّة في هذا التخصّص، وغياب الوعي بمهنة الإرشاد الأسري لدى المؤسسات والمجتمع ككل، وتردّد المراجعين وعزوف الرجال عن تلقّي الجلسات الإرشادية، بجانب إغلاق برنامج دبلوم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة قطر، الذي كان يعتبر تربة خصبة لإنتاج كوادر ذات خلفية تؤهلها لاكتساب مهارات الإرشاد الأسري بالسرعة المطلوبة، مما زاد من حدة المشكلة، وأضافت أن المركز عمل على مواجهة هذه التحدّيات من خلال استقطاب السيدات العاملات كأخصائيات اجتماعيات في المدارس للعمل كمرشدات عائليات وخاصة ممن حصلن على دبلوم الإرشاد النفسي من جامعة قطر، وتقديم التدريب الداخلي المكثّف في الإرشاد الأسري واستقطاب الخبراء المتخصّصين من خارج الدولة للتدريب، بالاضافة إلى التعاقد مع مجموعة من المستشارين الأسريين والنفسيين من جامعة قطر ومؤسسة حمد الطبية للعمل، واشارت إلى التركيز على خدمة الاستشارات وإصلاح ذات البين، خدمة الاستشارات الهاتفية، تنفيذ أحكام الرؤية والحضانة داخل المركز، فضلا عن حاجة المجتمع إلى التوسّع في تقديم خدمات الإرشاد الأسري وتحقيق الانتشار الجغرافي لها.


الإرشاد الأسرى


ولفتت منى الخليفي إلى أن خدمة الإرشاد الأسري يقدّم لجميع الحالات المحوّلة من المحاكم أثناء فترة طلب الطلاق، وتتميّز خدمة الإرشاد هنا بقيام المُرشد بدور الوسيط العائلي؛ حيث يقوم بهذه الوساطة على عدة مراحل قام المركز بتصميمها بعناية ليضمن فاعلية الإصلاح، قائلة " ان المركز نجح خلال فترة ستة شهور في تحقيق الصلح في 37 % من الحالات التي تناولها بزيادة قدرها 7 % عن النسبة المحقّقة في السنوات السابقة، بالإضافة إلى خدمة الصلح التي تشمل النجاح في توقيع اتفاقية صلح بين الطرفين والتنازل عن دعوى الطلاق، وتحقيق طلاق ودّي يحقّق مصالح جميع الأطراف بدون نزاع أو خلاف يؤثّر على الأطفال، مشيرة إلى خدمة الرعاية الوالدية، حيث يقدم الإرشاد الأسري لجميع الحالات المحوّلة من المحاكم بعد الحصول على الطلاق.


التجربة السودانية


ومن جانبها تناولت رجاء حسن خليفة- مستشار رئيس الجمهورية،رئيسة مجلس شورى القومى للاتحاد العام للمرأة السودانية وعضو برلمان- " التجربة السودانية في الإرشاد الأسري"، بالقول: " إنَّ الإرشاد الأسري وحماية المرأة ظلا من الأجندة المشتركة وذات الأولويّة على منضدة الحركة النسائيّة السودانيّة، التى بدأت تشكيلاتها منذ أربعينيات القرن الماضىـ، فتكونت أوّل جمعية نسوية " جمعية الفتيات الثقافية بأم درمان " فى العام 1947م، برئاسة السيدة فاطمة طالب هى وطليعة الخريجات الأوليات في الجامعات السودانيّة وتبلور الوعى بأهمية العمل النقابى، عندما تشكّلت أوّل نقابة للمعلمات ثم الممرضات وكان هذا الحراك هو النواة التى مهدت لميلاد أول تنظيم نسوى " الاتحاد النسائى " 1952م الذى انطلقت مسيرته وكانت مسألة رفع الوعي بالحقوق والواجبات ومن ضمنها قضية مكانة المرأة فى الأسرة، ومتابعة التشريعات المعزّزة لحقوقها من أهم واجباتها، ثم تطوّرت الساحة الاجتماعية لتشهد ميلاد منظمات وجمعيات أخرى وتأثّرت الحركة النسائية طوال مسيرتها بالأوضاع والنظم السياسية، وظلّ هم الإرشادات الأسرية وحماية المرأة هو قاسم مشترك طوال مسيرة الحركة النسائيّة التى أكملت ستين عاماً على ميلادها.


الحروب وممارسات ضد النساء


وتابعت رجاء حسن ملفتة إلى أنَّ خلال السنوات الأخيرة وبسبب الحروب الأهليّة التى ابتلى بها السودان فى دارفور وجبال النوبة وبعض المناطق بشرق السودان، ساهمت هذه الحروبات فى ظهور ممارسات وسلوكيات زادت معاناة النساء فليس هناك أسوأ من أجواء الحرب نفسها من خراب ودمار ونزوح وقتل الأبناء والأزواج على مرأى من الامّهات والزوجات، واضطرار المرأة واطفالها للعيش فى معسكرات للنزوح لا تتوافر فيها أجواء الأمان والسكينة التى تعيشها فى أسرتها، حيث تعرّضت بعض النساء والفتيات لممارسات انتقامية من ضرب وطرد وتشريد قسري واحياناً لاغتصاب وسرقة لممتلكاتهن واختطاف لإطفالهن، وزاد من تلك المعاناة التدخلات السياسية لبعض الدول الغربية التى كانت تقف إلى جانب الحركات المسلّحة وأحداث اختطاف بعض اطفال دارفور من المنظّمة الفرنسية خير شاهد، وانتشار القوات الأممية كانت له ايضاً سلبيات على الصعيد الاجتماعى، كل ذلك تطلّب تدابير خاصة وجهود مضنية قامت بها فروع الاتحاد العام للمرأة السودانيّة ومعها منظمات المجتمع المدنى وشراكه مع جهود الدولة وستفرد لها حيزاً من خلال هذه الورقة.


وأكدت رجاء حسن أنَّ مفهوم الإرشاد الأسري مفهوم متسع، ويشمل مجالات كثيرة وسلوكيات متنوّعة، فكل فعل يخدش كرامة المرأة يعتبر عنفاً يجب القضاء عليه وتدخل فى هذا الإطار الكثير من الإجراءات التمييزيّة ضد المرأة بدءاً بحرمانها من حق التعليم وتزويجها بغير رغبتها واجبارها على ترك التعليم للزواج أو العمل


وعرجت مستشارة الرئيس السوداني في ورقتها إلى أن قضية مناصرة الإرشاد الأسري، وتعزيز حقوق المرأة وحمايتها والدفاع عنها اعتبرت أجندة مشتركة لكلِّ التنظيمات النسائيّة التي شكلت مسيرة الحركة النسائيّة السودانيّة وقد واصل الاتحاد من حيث انتهت جهود مَن سبقوه، ملفتة إلى بعض الجهود منها انفاذ ومتابعة التوصية الخاصة بإصدار قانون للأحوال الشخصيّة، قاد الاتحاد حملات كثيفة للتوعية القاعدية وعلى المستوى الأعلى فى شكل ندوات ومحاضرات، إنشاء وابتكار أمانة جديدة على المستوى القومى تحت مسمى أمانة التشريعات وحقوق الإنسان..


واختتمت رجاء حسن ورقتها مؤكدة أنه بالرغم من الجهود التي بذلت وتبذل، تبقى ساحة التحدّيات بها من الفجوات التى تحتاج لتواصل السعى بهدف الوصول لمستقبل مشرق تظلّله رايات العدالة والإنسانية، والكرامة للمرأة خاصة في المناطق الريفيّة وذات الظروف الخاصة والمتأثِّرة بالحروب والنزاعات فما زال المشوار طويلاً يحتاج لمزيد من السعي.



http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=290060