دموع الوداع .................. بقلم / سيد مصطفى
أثناء انهماكي في العمل على الحاسوب لفترة ليست بالقصيرة ، رجعت للخلف من التعب ، وألصقت ظهري على المقعد ، وهذه عادة صحية ، وخلعت نظارتي الطبية الأنيقة بكلتا يدي ، ورفعتها إلى الأعلى ، ونظرت إليها فوجدت بعض الغبار قد علق عليها ، فمددت بعض أنامل يدي اليسرى لتلتقط منديلا من علبة المناديل الورقية ، لكي أمحو هذا الغبار عن رفيقة دربي ، ولكن أناملي عادت صفرا ، فاستبدلت الأنامل بالأصابع كلها ، فكانت النتيجة هي هي ، حاولت مرة أخرى دون جدوى ، فاستعنت بيدي اليمنى كاملة بعد حمل العلبة كلها بيدي اليسرى ونظرت بأمّ عينيّ إلى علبة المناديل فوجدتها فارغة تماما
فهبت واقفة واستقامت على رجليها ، ونظرت إلّي بطرف عينيها و ملوحة بكلتا يدها وقالت
إني حزينة جدا
فرأيت منها عجبا ، وسمعت منها الأعجب
وقفت فاغرة فاها ، منكسة رأسها ، خاوية على عروشها ، ودموعها بدأت تتساقط بغزارة ، وأوراق خريفها تهوي بها الريح إلى غير رجعة ، ونظرت إليّ نظرة حزن وعتاب ولوم واستعطاف ثم
قالت :
أدري أن دوري في الحياة قد انتهى ، ونهايتي ستكون في سلة المهملات القريبة منك ، بعد أن كنت جميلة الجميلات ، وذهبت أنت إلى السوق واشتريتني مع مجموعة من رفاقي في عصبة قوية ، ودفعت المال من أجلي ، وكم أسعدت ناظريك أنا وأخواتي ؟
وكان ترتيبي الأخير ، وكنت أخاف هذه النهاية ، وكلما رحلت أخت من أخواتي أحزن كثيرا ، وأتيقن أن حتفي قد اقترب ، وكنت أدعو الله صباح مساء ألا تخلص ورقياتي حتى لا أودعك ، لقد كنت أسعد بك عندما تبحث عني وتلمس أناملك وريقاتي ، وأشعر بقيمتي عندك لأنك في حاجة إليّ ، وكم شاهدتك سعيدا وحزينا ، ثائرا هادئا ، وسمعت كل أحاديثك ، وكتمت كل أسرارك ، فلم أبح قبل اليوم ببنت شفة
فهل أهون عليك يا سيدي ؟ بعد هذه العشرة والألفة وهذه الفترة من الزمن التي مكثتها بجوارك ، أجفف دموع فرحك وحزنك وما أكثرها ! ، وأجفف وجهك ويديك بعد كل وضوء أو غسل ؟
أهذا هو ردكم للجميل يا بني البشر ؟
أهكذا تكون نهاية كل من يعيش معكم يا بني الإنسان ؟
بكل هذه السهولة تفرط في ؟ هل هذه هي مكافأتي ونهاية خدمتي ؟
وازداد انهمار دموعها كشلالات نيكارجوا وأمطار المنطقة الاستوائية .
وجلست صامتا متأملا أمام هذه العلبة التي عبرت عن دورة الحياة كلها في لحظات
فهل
أتعظ أنا وأنت َ وأنت ِ من هذا الحوار ؟
وهل
نشعر بتلك الكائنات التي تعيش حولنا ومن أجلنا ؟
هذه العلبة وتلك وريقاتها عبارة عن جماد .
فما
بالنا بمن نتعامل معهم من بني الإنسان ، ونفعل فيهم مثلما فعلنا مع هذه العلبة ؟
وقد
يكونوا أقرب الناس إلينا ! ـ
وكم
حدث هذا لآباء وأمهات من أبنائهم الجاحدين ، وربما كنا عليهم من الشاهدين ؟
وكم حدث هذا لعمال مساكين ، وربما كنا عليهم من الشاهدين ؟
وكم حدث ويحدث وسيحدث ذلك على مر السنين ، وربما نكون أنا وأنت على ذلك من الشاهدين ؟
فهل
أنا وأنتَ وأنتِ
نرفع الظلم عن المظلومين ؟
أم
نسد الآذان بالطين والعجين ؟
ونغمض الأعين عن الحق المبين ؟
وتخرس الألسن عن نصرة المغلوبين ؟
اللهم
اجعلنا سببا لرفع الظلم عن المظلومين
وأنطق قولنا بالحق أمام الجبارين
واقبل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهك الكريم
آمين
بقلم
سيد مصطفى المسكين
27-6-2011م