
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق العفاسي
شاب لبناني في العقد الثالث. درس الطب في جامعة «مودينا» التي تعدّ واحدة من أهم الجامعات الإيطالية، ثم انتقل الى باريس لاستكمال تخصصه ليعود إلى ايطاليا، حيث صار رئيساً لأحد أقسام جراحة القلب في مركز «فيلا ماريا شيشي» الذي يعتبر واحداً من أكبر مراكز القلب في أوروبا، ويجري أكثر من خمسة آلاف عملية قلب في السنة في عشر غرف عمليات.
استقبل طوني خيرالله «الراي» على باب المستشفى. فوجئنا بعمره. يظنّ من يسمع عنه ان الامر يتصل برجل كبير في السنّ، وسرعان ما يتبين انه لم يتخطّ السابعة والثلاثين، والانجاز الطبي الذي حققه دليل متابعة وموهبة ونبوغ.
استقبلنا وكان خارجاً من عملية جراحية: «كلامي لا قيمة له إذا لم تروا المرضى، هم سيحدثونكم أكثر مني عما عاشوه». لكننا اقنعناه بأنّنا نريد أن نستمع إليه أولاً. وصل الى لبنان بعد أقل من شهر على اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في فبراير العام 2005، بعد قرار اتخذه بالعيش والعمل في وطنه. كثر قالوا له يومها انه مغامر، فأجابهم إنّ الناس لن يتوقفوا عن الذهاب الى الطبيب وإجراء عمليات، وأصرّ على البقاء: «أريد أن أخدم اللبنانيين لا أن أمضي عمري في الخارج».
عمل في مستشفى بجنوب شرق بيروت، ثم انتقل الى «مستشفى سان جورج» في عجلتون (كسروان) في العام 2008. هناك، أقنع الإدارة بافتتاح مركز للقلب فكانت متعاونة جداً، وامنت له رعاية من شركة أدوية تمكنت من الحصول على دعم من جهات أوروبية لانشاء مركز القلب الجديد.
قبل نحو ثلاثة أشهر، وبعدما تأكد من كفاءة الفريق الطبي الذي اجرى أكثر من 300 عملية خلال العامين الفائتين، قرر القيام بعملية تغيير صمام في القلب وفق تقنية جديدة.
فوائد هذا الامر انه يعفي المريض من تشوهات جراحة القلب المفتوح، التي تتجلى في جرح بوسط الصدر، من الرقبة الى البطن، بطول قد يزيد على خمسة وعشرين سنتيمتراً. كما يعفيه من تكسير عظام الرئتين والأوجاع والنزف وإمكان الاصابة بالتهابات، ويتيح له شفاء سريعاً في غضون ثلاثة ايام او اقل.
والنتيجة، كما اكد خيرالله، وكما جعلنا نرى بأم العين، هي نفسها التي يحصل عليها المريض اذا اجرى جراحة عادية، علماً ان هذه التقنية هي الأولى من نوعها في لبنان والشرق الأوسط.
قبل مدة، قام فريق خيرالله بأربع عمليات استبدال صمامات وترميمها بالتعاون مع فريق أوروبي. وفي الاسبوع الماضي قام بنفسه بأربع عمليات مطبقاً التقنية الجديدة: يحدث ثقباً لا يزيد على خمسة سنتيمترات إلى جهة اليمين، وقد يصل الى ثلاثة سنتيمترات احياناً.
إدارة «مستشفى سان جورج» قدمت المعدات المتطورة والمكلفة في مغامرة من مديرها باتريك طبشوري الذي آمن بخيرالله وشرع له أبواب المستشفى وأعطاه صلاحيات افتتاح قسم متخصص بجراحة القلب، وحرية التنقل بين الدول لاكتساب مزيد من الخبرة.
كلفة العملية تزيد قليلاً على الجراحة العادية، وتراوح بحسب وضع المريض بين تسعة الاف و11 ألف دولار. اما اجراؤها فلا يتطلب اكثر من ثلاث ساعات. وقد بدأت التقنية الجديدة تجتذب غير اللبنانيين، فلدى الطبيب الآن مريضة من قبرص، ويتوقع اجتذاب مرضى من الدول العربية.
اكد خيرالله أن العملية أكثر سهولة من تلك التقليدية، لأنّ الأخيرة كانت تستلزم فتح الصدر وشقّ عظامه بمنشار ثم استعمال ملزمة تفتح الصدر وتبقيه مفتوحاً، فضلاً عن رفع القلب من مكانه وتحويل الدم الى قلب اصطناعي مجاور. أما التقنية الجديدة فتبقي القلب مكانه بدل رفعه، ما يقلل من اخطار التاثيرات الجانبية التي يمكن أن يتعرض لها المريض.
وشدد على أن لا مشكلات مع المؤسسات الضامنة أو شركات التأمين، كما لا مشكلة في استقبال المرضى المحدودي الدخل، فواحدة من العمليات الأربع الأخيرة كانت لمريض يستفيد من الضمان الاختياري.
الهدف، بحسب الطبيب وإدارة المستشفى، ليس الربح المالي ولا الشهرة، بل الخدمة العامة والرغبة في إعلاء شأن لبنان بين الدول المحيطة به: «نريد أن نعيد الى لبنان مكانته كمستشفى للشرق الأوسط والعالم العربي».
وبعد جولة معه على المرضى ومعاينة للثقوب الصغيرة الى يمين الصدور، ذكرنا خيرالله بأنّ العملية لا تنفع من يحتاج الى تغيير اكثر من شريان، فهي تصلح فقط لتغيير شريان واحد، والاطباء يحتاجون الى كثير من الدراسات قبل تطوير هذه التقنية.
خيرالله طبيب متواضع لا يهوى تكبير الأمور: «تعلمت هذه التقنية في الخارج، واواظب على حضور المؤتمرات والسفر شهراً الى ايطاليا كل سنة لأبقى على اطلاع على كل جديد. ما زال أمامنا الكثير، وما نريده أن نجعل صحة اللبنانيين وغير اللبنانيين افضل، ونتطلع الى عمليات أكثر تعقيداً».
تركنا وعاد الى غرفة العمليات حيث ينتظره مريض آخر، فعدنا الى بيروت لنكتب عن شاب لبناني موهوب رجع الى وطنه رغم كل الازمات، واراد استثمار نبوغه الطبي هنا… وليس في الخارج على غرار كثيرين.