ڷسڷآم عڷيـڪـم ۈ آڷرحمــﮧ . .

الغموض في الشعر العربي

هذي معڷۈمـآت آن شآء آڷڷـﮧ تفيدكم . .



رغم أن الشعر واحدا من الإبداعات الأدبية والفنية وليس جميعها، ألا أنه الإبداع الوحيد الذي نال ما نال من النقد بدعوى الغموض وكأن الإبداعات الأخرى كانت من الوضوح واليسر حتى أنها لم تثر أية ضجة.· ورغم أن هناك الكثير من النصوص الفلسفية والصوفية والروائية.. وبعض السيمفونيات الموسيقية، وبعض الأساطير.. والأعمال الفنية والأدبية الأخرى ـ يعتريها جميعا الغموض ـ ألا أننا لم نسقطها من حسابنا كما نسقط القصيدة الشعرية بدعوى الغموض.. ولا يجب بداية، أن أصادر على الآراء بمقولة، أن الغموض سمة النصوص الباقية لا الزائلة"([1]).. أو أن الغموض مطلب جمالي في القصيدة.. ولا أريد أن استعين بالمنطق أو الفلسفة في معالجة قضية الغموض.. وذلك قبل أن نفسر كنه هذا الغموض ومحاولة تقصي بعض أسبابه وتصنيفه بلمسات سريعة. إذ أن القضية ليست باليسر الذي يجعلنا نقول بسهولة: على القارئ أن يستمتع بالقصيدة كما يستمتع بقطعة موسيقية يستمعها فهو لا يستطيع آن يفسرها ولا أن يفهمها ولكنها تلمس عاطفته والشعر هو أقرب الفنون إلى الموسيقى، "لأن كليهما فن زماني".و"ان كل ضروب الفن تصبو إلى الوصول إلى مستوى التعبير الموسيقي"([2]) وبهذا أكون قد حسمت القضية بضربة خاطئة ولكنها مقنعة منطقياً.وفي استطاعتي أيضا ان أقول للقارئ أن هناك الكثير من النظريات العلمية غامضة.. ولكننا لم نسقطها من حسابنا في التقدم العلمي. بل كان غموضها سبباً أساسياً في دفع عجلة العلم إلى الأمام. وتقصي الوسائل والأسباب التي يمكن بها حل هذا الغموض.عموماً تلك أمثلة سريعة، الغرض منها بداية الإبقاء على النص الشعري "المتسم بالغموض" للعودة إليه ثانية وليس طرحه جانباً أو إسقاطه من حسابنا بدعوى غموضه ومن ثم التنكيل بالشاعر بعد ذلك.* إننا بداية مقتنعون جميعا أن اللغة هي أداة الشعر أو بمعنى اشمل "هي الظاهرة الأولى في كل عمل فني يستخدم الكلمة أداة للتعبير"([3]) ولا أريد أن اشرح هنا دور اللغة في بناء الحضارة أو في تقدم البشرية وغيرها. ولكنني أوجز ذلك كله في مقولة هيدجر: "إن اللغة لا تنحصر في كونها وسيلة للفهم، فتعريفها على هذا النحو لا يصل إلى ماهيتها الخاصة، وإنما يورد نتيجة من نتائج هذه الماهية، إذ اللغة ليست آلة يملكها الإنسان إلى جانب كثير غيرها، وإنما هي أولا وعموماً، ما يضمن إمكان الوقوف وسط موجود هو موجود منكشف، فحيث تكون لغة يكون عالم.. وحيث يكون عالم يكون تاريخ، واللغة من هذه الوجهة تضمن للإنسان أن يكون على نحو تاريخي"([4]).ومن هذا نفهم دور اللغة التي يستخدمها الشعر في تفجير إبداعاته ولكن أية لغة تلك التي يستخدمها الشعر؟أهي لغة الحوار..؟ اعتقد أن الحوار وجه واحد من وجوه استعمال اللغة وبذا يكون قاصراً على الكلام. واقصد الحوار هنا الحوار بمعناه الضيق (وليس الحوار مع العالم ومع الأشياء بلغتها التي لا ينفذ إليها ولا يقدر على استلهامها الا الملهمون ومنهم الشعراء).ولكن لغة الشعر لغة أخرى ليست هي لغة الكلام اليومي المستهلك ولكنها لغة الكشف التي تعطي للكلمات غنى جديداً أعمق من الكلام وأكثر بقاء منه.ولذا أحدث الشعر انفجاراً لغوياً فسره غير العارفين (بالغموض) واتجه الكثير من العارفين إلى التصدي لهذا الغموض بالبحث والتحري عن كنهه في علوم (السيموطيقا) علم العلامات (والهرمنيوطيقا) علم التأويل. وفي العلوم الأخرى كعلم الجمال وغيرها.إذن فالصورة الشعرية الجديدة التي اتخذت من اللغة اداتها في التكوين والكشف ـ والتي اتسمت بالخيال لكونها شاعرية وليست مجردة. هي التي فجرت قضية الغموض (وهي خاصية في "التفكير الشعري" وليس في التعبير الشعري).لان الغموض في التعبير الشعري ليس غموضاً ـ ولكنه إبهام ـ إذ ان الإبهام يرتبط أساسا بتركيب الجملة أي انه صفة نحوية أساسا تقوم على التعقيد في التركيب اللغوي ـ ولا علاقة لها بالتفكير الشعري المتسم بالخيال ـ وان فهمنا لتركيب اللغة فهماً جيداً يجعلنا نحل الكثير من إبهام اغلب قصائد الشعر الحديث ـ ونحن نجد في الآونة الأخيرة اتجاهاً جديداً في النقد يتخذ من "البنيوية" منهجاً في تحليل القصائد وهو رغم ما يؤخذ عليه لكونه يعمل داخل النص وليس خارجه إلا أنه ساهم في حل إبهام أو ما يسمى بغموض بعض القصائد. إذ انه يعتمد على القراءة الاستكشافية والاسترجاعية للوصول إلى دلالة النص ـ.* ونحن إذا سلمنا جدلا بالعلاقة الوثقى التي تربط الشعر بالخيال ـ وإذا اتفقنا مع "هربدت ريد" ان الخيال بديل المعرفة ـ فقبل تيسر المعرفة كان الخيال يسد حاجة الإنسان في تساؤله الدائم عن خفايا الأشياء فإننا نكون بذلك قد وصلنا إلى ما كنته "جوهر الشعر" في جعله الخيال حقيقة ملموسة وغير الممكن ممكن في واقعنا المعاش ـ تماماً مثل "الحلم" الذي يكسر فيه الحلم قيود الزمان والمكان ويتراءى مالا يستطيع أن يراه في الحقيقة أو حتى يصدقه ـ ومن هنا كان ارتباط الشعر بالأسطورة من حيث المنشأ فكلاهما قائم على المجاز ـ والمجاز "خرافة أو أسطورة لخصت في عبارة موجزة شديدة الإيجاز ما زالت تحمل أهم خاصية من خاصيات الخرافة وهي لا منطقيتها" ـ ونحن يومياً نتداول الكثير من تلك المجازات رغم لا منقطيتها بشكل عادي سلمنا بمنطقيته.فنحن نقول عين الصواب ـ وكبد الحقيقة ـ وغيرها.ونحن إذا قمنا بعزل كل ما هو خيالي وغير مفهوم وغامض وغير مطابق للواقع من موجودات فإننا لن ننفي القصيدة الحديثة فقط ولكننا سننفي الأدب عامة بوضعه في إطارين: إطار جوهر الطبيعة، وإطار الأساس المادي وهذا الطرح من الخطأ والضيق بمكان.فالشعر كما قلنا لا يستخدم اللفظ المعتاد بدلالته المحدودة في لغتنا اليومية وانه لا يفسر لنا الأشياء من منطلق عقلي (منطقي)، ولكنه قائم على الاكتشاف واستنباط صور التعبير فالشاعر هنا مبدع للكلمات والصور، وليس مطالبا بتفسير ما أبدعه إذ انه يفقد قصيدته خاصيتها الشعرية وهذا عمل ضد "الإبداع".مما سبق يتضح لنا بهذا الطرح البسيط ودون الدخول في متاهات واسعة في نشأة اللغة والفلسفة، وعلاقة اللغة بالأسطورة ورمزية الدلالات اللغوية، وعلم المنطق، وتور الدلالة اللغوية و…. الخ التي من الممكن رغم أهمية الإلمام بها، أن تضيف غموضا على الغموض الذي نحن يصدده، إذ أنها دراسات متخصصة ومتشعبة رغم كونها لها علاقة كبيرة باللغة التي هي أداة الشعر، بل وبالفكر الذي هو جوهر القصيدة.ولكننا نستطيع أن نقول مع القائل، بان الشعر بهذا الطرح ليس نقيضا للبساطة وان البساطة والغموض كلاهما شديد المساس بجوهر الشعر الأصيل، وأنا هنا لا اقصد البساطة بمعنى استخدام اللغة المحدودة؟ إن القصيدة التي لاتعطي وجها واحداُ بل وجوه متعددة لقارئها وسامعيها، والتي تلمس الأفئدة (ولو بلمسة خفيفة) والتي تجعلنا نغوص داخلها مرات ومرات، وفي كل مرة لا تكشف لنا سرها ـ هي من الشعر بحق ـ.وأنني اعترف بقصور النقد هذا القصور الذي ساهم بشكل كبير في الهجوم على القصيدة الحديثة بدعوى (الغموض).فقد ظل الناقد مثل القارئ ينحاز انحيازاً كبيراً إلى ربط القصيدة بمستوى الواقع الاجتماعي أو مستوى الموضوع في حضور هذا الواقع.وظل الناقد لفترة كبيرة يهمل "عنصر الرؤية" في تحليله للقصيدة مركزاً على عنصري الموسيقى والوزن.وظل الناقد أيضا يتخذ من سرعة فهم النص ووضوح دلالته مقياساً لجودة القصيدة.وكذا ظل النقد يتخذ من الصور البلاغية المألوفة قالباً جاهزاً لشرح القصيدة.أي بمعنى اشمل وأوسع انه اتخذ من مقاييس النقد المألوفة للقصيدة القديمة والتي استقرت باستقرار ـ الأوزان والصور من خلال النقد ـ مقاييس جاهزة للتطبيق على القصيدة الحديثة التي تمردت ـ ولذا اتهمت بالغموض وانتبذت جانبا رغم أن ملايين الأشياء الغامضة في حياتنا هي مثار الاهتمام اليومي. مما يعطينا الأمل في فرحة اكتشافها.فلماذا لأتعامل القصيدة الحديثة مثل ما نعامل هذه الأشياء ـ رغم الفارق في التشبيه ـ ولا نطرحها جانباً بدعوى غموضها؟ولماذا لا نحاول الدخول إلى عالم القصيدة ـ وأنا أعني مقولة (عالم القصيدة) بالتحديد ـ بشيء من الجهد كي نسبر غورها؟وتبقى الكثير من الأسئلة التي يمكن الإجابة عليها إذا نحى المتلقي تلك القوالب الجاهزة للنقد وتعامل مع القصيدة الحديثة بذاتها ولذاتها من منطلق النقد الحديث وأحس انه يدخل عالماً جديداً مليئاً بمناطق الكشف والعطاء.


المصادر






([1]) ـ فصول ـ المجلد الرابع العدد الثالث ـ فيض الدلالة في شعر عفيفي مطر ـ فريال جبورة.
([2]) الشعر العربي المعاصر ـ قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ـ دار الفكر العربي ـ عز الدين اسماعيل..
([3]) في معرفة النص ـ منشورات دار الافاق الجديدة ـ بيروت ـ يمني العيد.
([4]) ـ الرمز الشعري عند الصوفية دار الاندلس ـ دار الكندي ـ عاطف جودة نصر.(5) ـ نظرية الأدب ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ رينية ديليك ـ او ستمن وارين.(6) ـ الاتجاهات الجديدة في الشعر المعاصر ـ مؤسسة نوفل ـ عبدالمجيد جوده.