الفصل الثالث
(( أنواع السرقات الأدبية ))
أنواع السرقات الأدبية :
كما وسبق وأن ذكرنا بأن من العلماء من ألف كتبا في سرقات عند شاعر معين، وهناك من ألف في أنواع السرقات الأدبية على العموم، وضربوا لها أمثلة من أشعار مختلفة، وإن كنا لا نستطيع إيراد كل الأنواع عند كل العلماء، وهذا لن يتحقق مهما أوتينا من قوة، وخصصنا أنواع السرقات عند الحاتمي، ابن رشيق القيرواني، عبد القاهر الجرجاني، ابن الأثير، والخطيب القزويني، وما تبعه من الشراح لكتابه الشهير الإيضاح.
وبعد النظر في هذه الأنواع وجدنا أن هناك أنواعا مشتركة بين العلماء السابقين، وأسماءها مختلفة، وعلى هذا لا نذكر الأنواع عند كل عالم بل سنذكر كل نوع وما سماه كل عالم من اسم، لأن بعض الأنواع وإن تعددت فهي واحدة، وإن اختلفت التسميات من عالم إلى آخر، وحتى لا نقع في التكرار سندرج هذه الأنواع تحت أربع أقسام، ثلاثة من تقسيم بعض الدارسين المحدثين،
وهي 1- سرقات أسلوبية،2- سرقات لفظية،3- سرقات معنوية ، وقسم رابع من عندنا وهو4- المواردة والمساعدة،
لأننا رأينا بأن هناك نوع رابع لا ينتمي لا للسرقات المعنوية ولا اللفظية ولا الأسلوبية، وهو ما سميناه بالمواردة والمساعدة حتى يكون شاملا للأنواع المنطوية عليها، وإن كنا نجد من المتقدمين من يجعل السرقات على نوعين فقط مثلما فعل القزويني عنما قسم السرقات إلى نوعين ظاهرة وغير ظاهرة (1)، ونفصل هذه الأقسام الأربعة كما يلي :
المبحث الأول
أولا - سرقات معنوية:
بدأنا بالسرقات المعنوية لأن السرقات الأدبية في جانب المعنى هي الأكثر تناولا عند النقاد المتقدمين، وأكثرها شيوعا عند السارقين، لأن أخذ الألفاظ والمعاني معا هي الأسهل اكتشافا، لكن أخذ المعنى وطمس معالمه، يصعب من عملية الاكتشاف بل حتى أن السارق يعمد لإخفاء مسروقه، فكذلك السارق الأدبي يعمد لإخفاء مسروقه بأخذ المعنى فقط، وتغييره، حتى لا يكشف أمره، وأنواع السرقات المعنوية أكثر من السرقات اللفظية والأسلوبية، وهي أخطر أنواع السرقات عموما.
وأبو هلال العسكري عندما يتكلم عن حسن الأخذ، وتناول المعاني يقول: "ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممّن تقدمهم والصّبّ على قوالب من سبقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حلّتها الأولى، ويزيدوها في حسن تأليفها، وجودة تراكيبها، وكمال حليتها، ومعرضها فإذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممّن سبق إليها" ، ويقول أيضا :"وقد أطبق المتقدّمون، والمتأخّرون على تداول المعاني بينهم فليس على أحد فيه عيب إلاّ إذا أخذه بلفظه كلّه أو أخذه فأفسده، وقصر فيه عمن تقدمه، وربّما أخذ الشّاعر القول المشهور ولم يبال"(2) ، فالمبرّد(285هـ) أيضا لا يرى عيبا في أن يؤخذ المعنى، ويزاد عليه بتعبير أحسن مما كان عليه ، وعبد القاهر الجرجاني يرفض هذا لأنّ أخذ المعنى لا يمكن أن نكسوه لفظا من عندنا، ويبقى قائما بذاته إلاّ إذا غيرنا لفظا بمرادفه، وهذا ما نلمسه من قوله: "وممّا إذا تفكر فيه العاقل أطال التّعجب (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1- مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر
2- مرجع سابق - الصناعتين 217
3- مرجع سابق - دلائل الاعجاز - ص
من أمر النّاس، ومن شدّة غفلتهم قول العلماء حيث ذكروا السّرقة، والأخذ أنّ من أخذ معنى عاريا فكساه لفظا من عنده كان أحقّ به"، وهو كلام مشهور مبتذل" ، "لأنّه لا يتصور أنّ يكون صورة المعنى في أحد الكلامين، أو البيتين مثل صورته في الأخذ لبيت، اللّهم أن يعمد عامد إلى البيت فيضع مكان كل لفظة منه لفظة في معناها، ولا يعرض لنظمه،وتأليفه" (1) . فمثل أن يقول في بيت الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنــت الطّاعم الكاسي (2)
[فيقول]:
دع المفاخر ولا تذهب لمطلبها واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس
هذا إن كان باللغة العربية مترادفات، غير أن الكثير من العلماء يؤكدون بأن لكل كلمة دلالتها، ولا يمكن لكلمة أخرى حتى وإن كانت مرادفة لها أن تشغل الحيز الدلالي لكلمة أخرى بشكل كلي، فلكل كلمة مقامها ودلالتها.
وأنواع السرقات المعنوية
هي: الاختلاس، الإلمام، النظر والملاحظة، الاهتدام، المجدود، كشف المعنى، الإغارة، الالتقاط والتلفيق عند ابن رشيق القيرواني والحاتمي (3)
، والمسخ،السلخ، عند ابن الأثير،(4)
وجعلها القزويني على نوعين الإغارة والمسخ، والإلمام والسلخ،(5)
قصد القزويني بهذا التقسيم أي هناك سرقات على مستوى المعنى ظاهرة سهلة الكشف، وأخرى غير ظاهرة صعبة الكشف، ومن هذا التقسيم الأخير نقسم السرقات المعنوية على قسمين هما :
السرقات المعنوية الظاهرة: وهي سرقات سهلة الكشف، ويمكن الوقوف على أمرها، ومصدرها، بيسر وسهولة، هذا طبعا لمن يمتلك رصيدا لا بأس به من المرجعيات الثقافية، والفكرية والأدبية.، وهي "إن كان مع تغيير لنظمه،وكان المأخوذ بعضه سمّي إغارة، ومسخا" . (6)
وهو على ثلاث أضرب :
- عندما يكون الثاني أبلغ من الأوّل.
- وقد يكون أدوّن منه.
- وقد يكون مثله أو مساويا له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - دلائل الإعجاز - ص
2- ديوانه - ص
3- مرجع سابق -العمد - ص 282 الى 291
4- مرجع سابق - المثل السائر - ص
5- الإيضاح- ص
6-المرجع السابق- ص
وهذا القول والتفصيل لا يخرج عن ما قاله عبد القاهر الجرجاني حيث يقول :"وإن كان ممّا ينتهي إليه المتكلّم بنظر، وتدبر،ويناله بطلب، واجتهاد 1، وبهذا الشّرط يكون إمكانه، فهو الذي يجوز أن يدعي فيه الاختصاص، والسّبق، والتّقدّم، والأولية، وأن يجعل فيه سلف، وخلف، ومفيد، ومستفيد، وأن يقضي بين القائلين فيه بالتّفاضل، والتّباين، وأن أحدهما فيه أكمل من الآخر، وأنّ الثّاني زاد على الأوّل أو نقص عنه، وترقى إلى غاية أبعد من غايته، أو انحطّ إلى منزلة هي دون منزلته" .2
الإغارة : "أن يضع الشّاعر بيتا، ويخترع معنى مليحا فيتناوله من هو أعظم منه ذكرا، وأبعد صوتا فيروى له دون قائله . 3
كما فعل الفرزدق بجميل[بن معمر]، وقد سمعه ينشد:4
ترى النّاس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا للنّاس أوقفوا (5)
فقال [الفرزدق]: متى كان الملك في بني غدرة ؟، إنّما هو في مضر، وأنا شاعرها، فغلب الفرزدق على البيت، ولم يتركه جميل، ولا أسقطه من شعره" ، فالإغارة والسلب وجهان لعملة واحدة، غير أن الإغارة هي أخذ من غير أن يتنازل صاحبه عن مأخوذه، والسلب هو أخذ مع تنازل صاحب المأخوذ عنه، وسنأتي على ذكر السلب.
المسخ " أمّا المسخ: فهو قلب الصّورة الحسنة إلى صورة قبيحة، والقسمة تقتضي أن يقرن إليه ضدّه، وهو قلب
الصّورة القبيحة إلى صورة حسنة .(6)
فالأوّل كقول أبي تمّام:
فتى لا يرى أنّ الفريضة مقتل ولكن يرى أن ّالعيوب مقاتل
وقول أبي الطّيّب المتنبّي :
يرى أنّ ما بان منك لضارب بأقتل ممّا بان منك لعائب (7)
فهو وإن لم يشوّه المعنى فقد شوّه الصّورة.
أما قلب الصّورة القبيحة إلى صورة حسنة، فهذا لا يسمّى سرقة بل يسمّى إصلاحا، وتهذيبا، فمن ذلك قول أبي الطّيّب المتنبّي:
لو كان ما تعطيهم من قبل أن تعطيهم لم يعرفوا التّأميلا(8)
وقول ابن نباتة السّعدي:
لم يبق جودك لي شيئا أومله تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - دلائل الاعجاز- ص
2- المرجع السابق - ص
3- مرجع سابق - العمده 284
4- المرجع السابق 282
5- ديوانه - ص
6- مرجع سابق -المثل السائر- ص
7-ديوانه - ص
8- ديوانه - ص
فالصّورة عند ابن نباتة أحسن وأجمل إذ أن جود ممدوح ابن نباتة السّعدي هو الّذي قضى على الأمل فكلّ ما يطلب موجود من غير أمل منه، أما جود ممدوح المتنبّي هو دافع الأمل بل به وجد ليطلب أكثر.
وإن كان المأخوذ المعنى وحده سمّي إلماما، وسلخا، وهو ثلاثة أقسام كذلك [أبلغ، أقصر، مساو] أوّلها،
كقول البحتري:
قصد حياء أن تراك بأوجه أتى الذّنب عاصيها قليم مطيعها
وقول أبي الطّيّب المتنبّي:
وجرم جره سفهاء قوم وحلّ بغير جارمه العذاب
فإنّ أبا الطيـّب أحـسن سبـكا,,
الإلمام : وهو ضرب من النّظر والملاحظة، وهو مثل قول أبي الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذة
وقول أبي الطّيّب المتنبّي : أأحبه وأحبّ الملامة فيه .
وضع ابن رشيق القيرواني الإلمام ضرب من النظر والملاحظة، وهو نوع أيضا من السرقات المعنوية، وجعلنا الإلمام في باب السرقات المعنوية الظاهرة، وجعلنا النظر والملاحظة في باب السرقات المعنوية غير الظاهرة بسبب أن الإلمام ظاهر أمره ويمكن الكشف عن جانب السرقة فيه ببساطة، لكن النظر والملاحظة عكس ذلك. (1)
السرقات المعنوية غير الظاهرة : وهي صعبة في كشفها، فالسارق يعمد لإخفائها بشكل جيد محكم، ولا يقف عليها إلا الحصيف من الناس، قال فيها القزويني : ((وأمّا غير الظّاهر فهو على عدّة أضرب، أولا- فمنه أن يتشابه معنى الأوّل، ومعنى الثّاني،)) كقول أبي العلاء المعرّي في مرثية (2)
وما كلفة البدر المنير قديمة ولكنّها في وجهه أثر اللطم
وقول القيسراني:
وأهوى الّذي أهوى له البدر ساجدا ألست ترى في وجهه أثر التّرب .
ثانيا- "ومنه النّقل، وهو أن ينقل معنى الأوّل إلى غير محلّه".
ثالثا-" ومنه أن يكون المعنى الثّاني أشمل من معنى الأوّل".
رابعا-" ومنه القلب، وهو أن يكون معنى الثّاني نقيض معنى الأوّل يسمّى ذلك لقلب المعنى إلى نقيضه".
خامسا-" ومنه أن يؤخذ بعض المعنى، ويضاف إليه زيادة حسنة".
سادسا- "ومنها ما أخرجه حقّ التّصرف من قليل الأخذ، و الإتباع إلى حيّز الاختراع، والابتداع، وكلّما كان أشدّ خفاء كان أقرب إلى القبول" . (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - السرقات الأدبية - - مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر
2- مرجع سابق - الايضاح127
3- المرجع السابق : 379
السلخ: "أما السّلخ فإنّه ينقسم إلى اثني عشر ضربا، وهذا تقسيم أوجبته القسمة، وإذا تأملته أنّه لم يبق شيء خارج عنه.
- فالأوّل : أن يؤخذ المعنى، ويستخرج منه ما يشبهه، ولا يكون هو إيّاه، وهذا من أدقّ السّرقات مذهبا، وأحسنها صورة، ولا يأتي إلاّ قليلا، فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة [الطّرماح بن حكيم الطّائي : (1)
لقد زادني حبّا لنفسي أنّني بغيض إلى كلّ امرئ غير طائل
أخذ المتنبّي هذا المعنى، واستخرج منه معنى آخر غيره إلاّ أنّه شبيه به فقال :
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص فهي الشّهادة لي بأنّي فاضـل ( 2)
] فذمّ النّاقص إيّاه كبغض الّذي هو غير طائل ذلك الرّجل [الطّرماح]، وشهادة ذمّ النّاقص إيّاه بفضله كتحسين بغض الّذي هو غير طائل نفس ذلك الرّجل عنده [أي عند الطّرماح] .
الضّرب الثّاني: أن يؤخذ المعنى مجردا من اللفظ، وذلك مما يصعب جدا، ولا يكاد يأتي إلاّ قليلا .
الضّرب الثّالث: وهو أخذ المعنى، ويسير من اللفظ، وذلك من أقبح السّرقات، وأظهرها شناعة على السّارق.
الضّرب الرّابع: وهو أن يؤخذ المعنى فيعكس، وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حدّ السّرقة.
الضّرب الخامس: أن يؤخذ بعض المعنى".
الضّرب السّادس: وهو أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر".
الضّرب السّابع: وهو أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى.
الضّرب الثّامن: وهو أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا، وذلك أحسن من السّرقات لما فيه من الدّلالة على بسطة النّاظم في القول، وسعه باعه في البلاغة"
الضّرب التّاسع: وهو أن يكون المعنى عاما فيجعل خاصّا، أو خاصّا فيجعل عاما.
الضّرب العاشر: وهو زيادة البيان مع المساواة في المعنى، وذلك بأن يؤخذ المعنى فيضرب له مثال يوضحه
الضّرب الحادي عشر : وهو اتّحاد الطريق، واختلاف المقصد، ومثاله أن يسلك الشّاعران طريقا واحدة فتخرج بهما إلى موردين أو روضتين، و هناك يتبين فضـل أحـدهما على الآخر" –( 3 )
النّظر والملاحظة: قال أبو علي الحاتمي:" وهذه ضروب من الإشارة إلى المعنى، وإخفاء السّرّ
فمثل قول المهلهل :
انتضوا معجس القسي وابرقـ ـا كما توعد الفحول الفحولا
نظر إليه زهير بقوله :
يطعنهم ما ارتموا حتّى إذا طعنوا ضارب حتّى إذا ما ضاربوا اعتنقا
وأبو ذؤيب بقوله :
ضروب لهامات الرجال بسيفه إذا حنّ نبع بينهم وشريح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - المثل السائر- ص
2- ديوانه - ص
3- مرجع سابق - المثل السائر- ص
فالنظر والملاحظة هو أخذ بعض المعنى، والإلمام الذي مر معنا هو أخذ جل المعنى، فالنظر والملاحظة هنا هو بمثابة تركيز نظرك على أمر ما فتأخذ عنه الكثير من الملامح والأوصاف.
كشف المعنى:"وإبرازه بزيادة منه تزيده نصاعة وبراعة" . العمدة( 1)
نحو قول امرئ القيس :
نمش بأعراف الجياد أكفنا إذا نحن قمنا عن شواء مضهب (2)
وقال عبدة بن الطبيب:
ثمت قمنا إلى جرد مسوّمة أعرافهن لأيدينا مناديل
فكشف المعنى،وأبرزه" ، وكشف المعنى هو أخذ المعنى بزيادة حسنة عليه، وإظهاره في صورة أحسن مما كان عليه.
الالتقاط والتّلفيق :"وهي ترقيع الألفاظ، وتلفيقها، واجتذاب الكلام من أبيات حتّى ينظم بيتا" ( 3)
مثل قول يزيد بن طثرية:
إذا ما رآني مقبلا غضّ طرفه كأنّ شعاع الشّمس دوني يقابله
فأوّله من قول جميل [بن معمر]:
إذا ما رأوني طالعا من ثنية يقولون : من هذا ؟ وقد عرفوني
ووسطه من قول جرير:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وعجزه من قول عنترة الطّائي :
إذا أبصرتني أعرضت عني كأنّ الشّمس من حولي تدور (.4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق – العمدة
2- ديوانه – ص
3-المرجع السابق -ص
4- المرجع السابق - ص
الالتقاط والتلفيق : هو أن يكون في البيت أكثر من معنى واحد، من معاني أخرى سبقت معناك. العمدة (1(
الاختلاس : "فهو كقول أبي نواس:
ملك تصور في القلوب مثاله فكأنّه لم يخل منه مكان
اختلسه من قول كثير [عزّة]:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما تمثل لي ليلى بكلّ سبيل" .
الاختلاس : هنا بمثابة اختلاس النظر في أمر ما، فتأخذ بعضا مما اختلست النظر فيه. العمدة 2
الاهتدام :"وهو افتعال من الهدم فكأنه هدم البيت من الشّعر تشبيها بهدم البيت من البناء" " العمدة 3
نحو قول النّجاشي :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمت فيها يد الحدثان
فأخذ كثير [عزة] القسم الأوّل، واهتدم باقي البيت فجاء المعنى في غير لفظ فقال:
ورجل رمى فيها الزّمان فشلت" .
المجدود : "وأمّا المجدود من الشّعر فنحو قول عنترة العبسي: 4
وكما علمت شمائلي وتكرمي
رزق جدّة واشتهارا على قول امرئ القيس:
وشمائلي ما قد علمت وما نبحت كلابك طارقا مثلي"
المبحث الثاني
ثانيا - سرقات لفظية:
يقصد بالسرقات اللفظية أخذ بيت أو أكثر أو ما دونه بلفظه ودون تغيير وصرفه للنفس، على أن الآخذ هو القائل، وليس عن طريق التضمين، والذي هو إدراج بيت من الشعر أو ما دونه أو أكثر منه في الشعر على أنه هو قائله، لكن من الشعر المشهور، والذي لا يمكن إدعاؤه للنفس وإن لم يكن مشهورا وجب التنبيه عليه كما قال العلماء المتقدمون، والسرقات اللفظية من هذا الشكل الأول وليس الثاني، سماه العلماء بعدة أسماء، فسماه الحاتمي اصطرافا واجتلابا، وسماه ابن الأثير نسخا، ووضعه القزويني في السرقات أو الأخذ الظاهر إن لم يغير فيه، وابن رشيق سماه الغصب إن أخذ تحت التهديد بالقوة من صاحبه وتهديده بهجائه مثلا، ويسميه محمد مفتاح بالتطابق، وهذه بعض الشواهد لهذا النوع من السرقات وتفصيل بيانه: 5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق- العمدة
2- المرجع السابق ص
3-المرجع السابق- ص
4-المرجع السابق –ص
5- مرجع سابق – السرقات الأدبية - - مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر
سمى ابن الأثير السرقات اللفظية بالنسخ وجعله على ضربين وقال فيه :" فإنه لا يكون إلاّ في أخذ المعنى، واللفظ جميعا، أو في أخذ المعنى، وأكثر اللفظ لأنّه مأخوذ من نسخ الكتاب، وعلى ذلك فإنّه ضربان :
الضّرب الأوّل : ويسمّى وقوع الحافر على الحافر
كقول الفرزدق:
أتعدل أحسابا لئاما حماتها بأحسابنا إني إلى الله راجع
وكقول جرير :
أتعدل أحسابا لكراما حماتها بأحسابكم إني إلى الله راجع"
وقوع الحافر على الحافر هو من باب المواردة، وهذا المثال الذي ضربه ابن الاثير ضربه
ابن رشيق في باب المواردة، وهو ما سنذكره في حينه.
الضّرب الثّاني :" من النّسخ، وهو أن يؤخذ فيه المعنى، وأكثر اللفظ كقول بعض المتقدّ مين يمدح معبدا صاحب الغناء:
أجاد طويس والشّريحي بعده وما قصبات السّبق إلاّ لمعبد
ثمّ قال أبو تمّام:
محاسن أصناف المغنين جمّة وما قصبات السّبق إلاّ لمعبد" (1) المثل السائر
وسمى ابن الرشيق هذا النوع من السرقات بالاصطراف وجعله على نوعين :
اجتلاب وانتحال وقال فيه :" الاصطراف : أن يعجب الشّاعر ببيت من الشّعر، فيصرفه إلى نفسه، فإن صرفه إليه على جهة المثل فهو اجتلاب، واستلحاق،
وإن ادّعاه جملة فهو انتحال، ولا يقال منتحل إلاّ لمن ادّعى شعرا لغيره، وهو يقول الشّعر، وأما إن كان لا يقول الشّعر فهو مدّع غير منتحل" . (2) العمدة
- فالاصطراف الذي هو اجتلاب واستلحاق :
"كما قال زياد الأعجم :
ولو لم يكن في كفّه غير نفسه لجاد بها فليتّق الله ســائله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - المثل السائرص
2- مرجع سابق – العمدة- ص
3- المرجع السابق – ص
__________________