ويروى هذا لأخت يزيد بن طثرية، واستلحق البيت الأخير أبو تمام فهو في شعره .

البيت في قصيدة أبي تمـّام قالها في مدح المعتصم بالله قال في مطلعها:

أجل أيعاد الرّبع الّذي حف أهله لقد أدركت فيك النّوى ما تحاوله .

- أمّا الاصطراف الذي هو بمثابة انتحال كقول جرير:

إنّ الّذين غذوا بلبك غـادروا وشلا بعينيك لا يزال معينا
غيّضن من عبراتهن وقلنّ لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا

فإنّ الرّواة مجمعون على أنّ البيتين للمعلوط السّعدي انتحلهما جرير، وانتحل أيضا قول طفيل الغنوي :
ولما التقى الحيّان ألقيت العصى ومات الهوى لما أصيب مقاتله" (1) العمدة

أما الخطيب القزويني فأدرج هذا النوع ضمن السرقات أو الأخذ الظاهر، وقال فيها :أمّا الظّاهر فهو أن يؤخذ المعنى كلّه إمّا مع اللفظ أو بعضه، وإمّا وحده ، فإن كان المأخوذ كلّه من غير تغيير لنظمه فهو مذموم مردود لأنّه سرقة محضة، ويسمّى نسخا،وانتحالا.
وقد روي للأمير اليربوعي:
فتى يشتري حسن الثّناء بماله إذا السّنة الشّهباء أعوزها القطر
ولأبي نواس:
فتى يشتري حسن الثّناء بماله ويعلم أنّ الدّائـــرات تدور
وفي هذا المعنى ما كان التّغيير فيه بإبدال كلمة أو أكثر بما يراد فيها ، كقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:
وما النّاس بالنّاس الّذين عهدتهم ولا الدّار بالدّار الّتي كنت تعلم
وقول الفرزدق:
وما النّاس بالنّاس الّذين تعهدتهم ولا الدّار بالدّار الّتي كنت تعرف (2)

وابن رشيق القيرواني ذكر نوعا يصب في هذا الوادي وهو الغصب، وهو أخذ بيت أو أكثر عن طريق الغصب بالتهديد والوعيد بالهجاء مثلا وقال فيه: "وأما الغصب فمثل صنيعه بالشّمردل اليربوعي، وقد أنشد في محفل :
فما بين من لم يعط سمعا وطاعة وبـين تميم غير حزّ الحلاقم
فقال الفرزدق : والله لتدعنّه أو لتدعنّ عرضك، فقال [اليربوعي]: خذه لا بارك الله لك فيه (.3)






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ

1- مرجع سابق – العمدة
2- مرجع سابق – المثل السائر
3- مرجع سابق – الايضاح – ص - ورد ذكر القصة ص


المبحث الثالث :
ثالثا - سرقات أسلوبية:
السرقات الأسلوبية لا يقصد بها سرقات اللفظ والمعنى، وإنما سرقات تتم على مستوى الأسلوب، وبالتحديد بناء الأبيات، وإن كنا نستبق الأحداث ونقول بأن هذا النوع لم يتناول بالشكل الكافي عند النقاد المتقدمين، فلقد ركزوا على سرقات المعاني، والألفاظ، وبالشكل الكبير على النوع الأول أكثر، ولا نكاد نجد أكثر من ابن رشيق القيرواني(1) تكلم عن نوعين للسرقات من حيث الأسلوب، وإن لم يسمها بهذا الاسم، وإنما ذكرهما في جملة أنواع السرقات التي تكلم عنها، وسار على طريق ما ذكر الحاتمي، وذكر أنواعا أخرى، على ما غفل عليها الحاتمي، ومما يندرج ضمن السرقات الأسلوبية نجد ثلاثة أنواع ( 2)
العكس:
والاسم دال على معناه أي أن يأخذ الشاعر بيتا أو ما دونه أو أكثر، ويقلب معناه، ويمكن أن يقول البعض هذا سرقات للمعاني، ونقول بأن السرقة ها هنا في الأسلوب أغلب، لأن الشاعر يبني على نفس الأسلوب المسروق منه، ونقدم هذا المثال حتى تتضح الرؤى:
كقول ابن قيس، ويروي لأبي حفص البصري:
ذهب الزّمان برهط حسان الأولى كانت مناقبــهم حديث الغابر
وبقيت في خلق يحلذ ضـيوفهم منهم بمـــنزلة اللئيم الغادر
سود الوجوه لئيمة أحسابــهم فطس الأنوف من الطّراز الآخر
فالبيت الأخير هو عكس بيت حسان بن ثابت رضي الله عنه :
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل (3)

ومما يلاحظ في هذا البيت هو أن الشاعر عكس كل الألفاظ في البيت المأخوذ منه، ولكن حافظ على نفس الأسلوب في البيت المأخوذ منه، وهو ما يعزز الأمر بأن ما كان على شاكلة هذا المثال هو سرقة أسلوبية، وهذا النوع إلى جانب التحاذي، التطابق، التفاعل، التداخل، سماه محمد مفتاح بالقلب، ومحمد مفتاح يضع هذه المفاهيم كمفاهيم ذات وظائف جمالية وإيديولوجية، ولم يعطها صبغة السرقات الأدبية .

الموازنة:
الموازنة هو أن يأخذ الشاعر وزنا واحدا مع شاعر آخر في بيته، ليس من باب الوزن الشعري، ولكن من باب البناء الواحد من حيث الأسلوب، لا من حيث الألفاظ والمعاني، وهذا المثال سيزيح الغموض، ويبسط الفكرة، وهو مثل قول كثير[ عزة] :
تقول مرضنا فما عدتنا وكيف يعود مريض مريضا

وزان في القسم الآخر قول نابغة بني تغلب:

بخلنا لبخلك قد تعلمين وكيف يعيب بخيل بخيلا

فمن الشطر الأخير في كلا البيتين يتضح جليا أن أسلوبهما وبناؤهما واحد، وإن اختلفا في الألفاظ والمعاني.

وقول أبي الطّيّب [المتنبّي]:

وإنّي عنك بعد غــــــد لغـاد وقلبي عن فنائك غير غاد
محبك حيثما اتّجهت ركابي وضيفك كـنت في البلاد .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق – العمدة ص245
2- مرجع سابق – السرقات الأدبية - - مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر
3- مرجع سابق – الوساطة 299
4- المرجع السابق - 299ص

وما يمكن قوله في هذا الباب هو أننا ذكرنا ثلاثة أنواع فقط في السرقات من حيث الأسلوب، ويمكن أن يكون هناك أكثر مما ذكرنا، وما أوردناه هو ما وجدنا في أقسام السرقات عند، القزويني، وابن رشبق، وابن الأثير، والحاتمي، ويمكن أن يكون هناك أنواع تصب في هذا الجانب عند غيرهم .( 1 )

المبحث الرابع

رابعا – المواردة والمساعدة:

قصدنا بالمواردة والمساعدة، وهو ما استدركناه على أقسام السرقة في اللفظ والمعنى والأسلوب، فمن الشعراء من تنزل أفكارهم متساوية في المعنى، أو حتى اللفظ والمعنى معا، عن طريق المواردة أي توارد الأفكار، أو عن طريق مساعدة بعضهم بعضا بيت أو بيتين، وفي هذا وذاك لا سرقة لأن في الأولى تنتفي السرقة بتوارد الأفكار، وفي الثانية هناك مساعدة والشاعر يتنازل عن بيته أو أبياته إلى صاحبه، وهذا يدخل باب الهبة وليس السرقة، بنوعيها المحمودة والمذمومة، وهنا نذكر أربعة أنواع هي : المواردة، الإجازة، التمليط، المرافدة، وتفصيلها كالتالي:


المــــواردة :

وهي أن تأتي الأفكار والأبيات متوافقة في معانيها، وحتى ألفاظها ومعانيها معا، دون أن يكون الثاني قد اطلع على ما قاله الأول، وهذا الأمر يتم عن طريق توارد الأفكار، وتكلم عنها ابن رشيق القيرواني فقال فيها : " وأمّا المواردة فقد ادّعاها قوم في بيت امرئ القيس،وطرفة،ولا أظنّ هذا ممّا يصّح " .(1)
والمقصود هنا بيت امرئ القيس حين قال في معلقته:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وبيت طرفة بن العبد في معلقته عندما قال:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم يقولون لا تهلك أسى وتجلّد (2)

.
الإجازة :

وهو أن يقول شاعر بيتا أو شطرا، ويجيز للآخر تملكه، وضمه بالإضافة لما قال، والإجازة قال فيها ابن رشيق ما نصه: " الإجازة فإنّها بناء الشّاعر بيتا أو قسما يزيده عما قبله، وربّما أجاز بيتا أو قسما بأبيات كثيرة، فأمّا ما أجيز فيه قسيم بقسيم فقول بعضهم لأبي العتاهية: أجز(3)

برد الماء وطـابا
فقال :
حبّذا الماء شرابا "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - العمدة - ص
2- ورد ذكر الابيات ص
3- - مرجع سابق – السرقات الأدبية - مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر



"وأمّا ما أجيز فيه بيت فقول حسان بن ثابت وقد أرق ذات ليلة فقال :

متاريك إذ ناب الأمور إذا اعتزلت أخذنا الفروع واجتنبنا أصولها

وأجبل [أي انقطع عن الكلام]، فقالت ابنته : يا أبت ألاّ أجيز عنك، فقال :

أو عندك ذلك ؟، قالت : بلى، قال : فافعلي : فقالت :

مقاويل للمعروف خرس عن الخنا كرام يعافون العشيرة سولها

ثم أضاف حسان بن ثابت رضيّ الله عنه بيتا وأضافت ابنته بيتا بعده" .

والإجازة في هذا الموضع مشتقة المعنى من الإجازة في السّقي يقال :أجاز فلانا إذا سقى له أو سقاه .( 1 )


التّمليط :
وهو أن يقول شاعر بيتا ثم يقول الآخر بيتا آخر، أو يقول هذا شطر وهذا شطر، إلى أن تتم القصيدة، من باب التساجل والتباري مثلا، وعرف ابن رشيق التمليط بقوله:" وهو أن يتساجل الشّاعران فيضع هذا قسيما، وهذا قسيما لينظر أيّهما ينقطع قبل صاحبه، وفي الحكاية أن امرأ القيس قال للتّوأم اليشكري: إن كنت شاعرا كما تقول فملّط أنصاف ما أقول فأجزها، قال: نعم، قال امرؤ القيس: (2

قال امرؤ القيس
:
أحار ترى بريقا هبّ وهناً

فقال التّوأم :

كنار المجوس تستعر استعارا.

فقال امرؤ القيس :

أرقت له ونام أبو شريح

فقال التّوأم :

إذا ما قلت قد هدأ استطارا

ولا يزالان هكذا، يضع هذا قسيما، وهذا قسيما إلى آخر الأبيات" (1)


1- مرجع سابق – السرقات الأدبية - - مقال للدكتور عبد الحليم ريوقي - مجلة دراسات أدبية العدد الخامس فيفري -2010 - من مجلة دراسات أدبية - مركز البصيرة للدراسات والبحوث بالجزائر
2- مرجع سابق : العمدة في محاسن الشعر وآدابه - ابن رشيق القيرواني- ص 276



"واشتقاق التّمليط من أحد الشّيئين، أوّلهما أن يكون من الملاطين، وهما جانبا السّنام في مرد الكتفين، قال جرير:
ظللن حوالي خدر أسماء وانتحى بأسماء موّار الملاط أروح
فكأنّ كلّ قسيم ملاط، أي جانب من البيت، وهما عند ابن السّكيت العضدان، والآخر وهو الأجود، أن يكون اشتقاقه من الملاط، وهو الطّين يدخل في البناء يملط به والحائط ملطا، أي يدخل بين اللبن حيث يصير شيئا واحدا" ، فيكون طينا والآخر لبنة لصنع قصيدة على شاكلة جدار.)) ايضا من المرجع السابق (1)

المرافدة :

المرافدة تدخل في باب المساعدة عندما يعجز شاعر آخر لسبب أو آخر، فيعينه شاعر آخر بما يفك عقدة لسانه أو تفكيره، ويصبح ما أعانه به ملكا له، والمرافدة طرقها ابن رشيق ومثل لها وقال فيها: "وأمّا المرافدة : فأن يعين الشّاعر صاحبه بأبيات يهبها له كما قال جرير لذي الرمّة: أنشدني ما قلت لهشام المرئي فأنشده قصيدته :


بنت عيناك عن طلل بحزوى محته الريح وامتنح القطارا
فقال [جرير] :ألا أعينك ؟

قال: بلى بأبي وأمي،

قال: قل له
:
يعدّ النّاسبون إلى تميــم بيوت المجد أربــعة كبارا
يعدون الرباب وآل سـعد وعمرا ثم حــنظلة الخيارا

ويهلك بينها المرئي لـغوا كما ألغيت في الدّية الحوارا (2)







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

1- نقد الشعر في القرن الرابع – د قاسم مومني – دار الثقافة للطباعة والنشر – القاهرة – 1995 – ص78
2-مرجع سابق - العمدة ص235

__________________