الفصل الثاني

( موقف النقاد حول قضية السرقات وأهم الدراسات المنهجية في السرقات الأدبية)


أهم الدراسات المنهجية للسرقات

يذهب بعض الباحثين الى أن دراسات السرقات دراسة منهجية لم تظهر إلا عندما ظهر أبو تمام ويميل محمد مندور إلى هذا الرأي استنادا لأمرين :

أولا : قيام خصومة عنيفة حول أبي تمام , والثابت لدينا أن مسألة السرقات قد اتخذت سلاحا قويا للتجريح حتى الفت كتب عدة لاحراج السرقات .
ثانيا : أن مؤيدي أبي تمام , وأصحابه عندما قالوا أن شاعرهم اخترع مذهبا جديدا وأصلح إماما فيه , لم يجد خصوم هذا المذهب سبيلا إلى رد ذلك الادعاء . خيرا من أن يبحثوا للشاعر عن سرقاته ليدلوا على أنه لم يجدد شيتا إنما اخذ من غيره وأفرط . ( 1)

ويرى الدكتور مصطفى هدارة إن هذا الرأي صحيحا فالدراسة المنهجية قد ظهرت قبل وجود الحركة النقدية حول أبي تمام . فأول كتاب ألف في السرقات هو كتاب (( سرقات الكميت من القران وغيره ).(2)
. وتبعه ابن السكيت توف 240هـ .فألف كتاب ( سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه ) وبعد ذلك ألف الزبير بن بكار عبد الله القرشي ( توفي سنة 256 هـ ( إغارة كثير على الشعراء ) (3) .
.
وكل هذه الكتب تدل على أنها قامت على دراسة منهجيه , وكانت هذه الحركة قبيل الحركة النقدية التي واكبت أبي تمام

ومادمنا بصدد الحديث عن مناهج النقاد , فقد يكون من المفيد للبحث العلمي إن نتناول هذه المناهج بحسب نوع الكتب التي تتصدى للحديث عن السرقات – وان كنا في الوقت ذاته لن نهمل التتابع التاريخي في تأليف هذه الكتب..
ويمكننا أن نقسم هذه المؤلفات التي تعرضت للسرقات الأقسام التالية : (4)
1- كتب الطبقات والتراجم
2- كتب الأدب
3- كتب البلاغة
4- كتب إعجاز القران
5- كتب السرقات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
1- مرجع سابق - مشكلة السرقات ص 75
2- لابي محمد عبد الله بن يحيى المعروف بابن كناسة المتوفي سنة 207 ه
2- مرجع سابق - السرقات الأدبية - بدوي طبانه ص
4- مرجع سابق – مشكلة السرقات ص 75





المبحث الأول
أولا : كتب الطبقات والتراجم :
من البديهي أن لانجد دراسة منهجية للسرقات في كتب التراجم والطبقات وبالتحديد طبقات الشعراء لأنها لاتختص بالحديث في مثل هذه المشكلات النقدية وإنما يعرض فيها الحديث عن السرقات عند الكلام على اتجاهات الشعراء في معانيهم ولعل كتاب طبقات الشعراء لمحمد سلام الجمحي هو أول كتب النقد التي وصلتنا ,

وقد عرض للسرقات بصورة عابرة في حديثة عن الشعراء وفي الوقت نفسه هناك نظرات له في موضوع السرقات يمكن حصرها فيما يلي :
أولا : ابن سلام(1) يقر أن هناك سرقات حدثت في العصر الجاهلي بقوله ( كان قراد بن حنش من شعراء غطفان وكان جيد الشعر وقليله وكانت شعراء غطفان تغير على شعره وتدعيه ) (2) ويؤكد ذلك بأبيات سرقها زهير بن أبي سلمى من هذا الشاعر
ثانيا : فطن ابن سلام إلى فكرة الاقتباس والتضمين , فهو يروي عن خلف انه سمع أهل البادية من بني سعد يروون بيت النابغة للزبرقان بن بدر :
تعدو الذئاب على من لاكلاب له وتتقي مربض المستنفر الحامي(3)
فسأل أن سلام أيضا عن البيت : ( هو للنابغة أظن الزبرقان استزاده في شعره كالمثل حين جاء موضعه , ولامجتلبا له . وقد تفعل ذلك العرب ليريدون به السرقة ) (4)
فطن ابن سلام أيضا إلى اختلاف الرواية يؤدي أحيانا إلى فكرةالسرقات . فبنو عامر تروي بيتا للنابغة الجعدي في حين أن بعض الرواة ينسبونه إلى أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي . وبعض الرواة ينسبون أبيات لأمية بين أبي الصلت في حين أن بعضهم الأخر يرونها للنابغة الجعدي .(5)
رابعا : تنبه ابن سلام إلى فكرة المعنى الذي تداول حتى استفاض وصار كالمشترك فهو يقول أن امرئ القيس ( سبق العرب إلى أشياء ابتدعها استحسنها العرب واتبعته فيها الشعراء منه استيقاف صحبه , والبكاء في الديار , ورقة النسيب وثرب الأخذ , وشبه النساء بالضباء والبيض , والخيل بالعقبان والعص وقيد الآوابد ...) (6)
هذه هي نظرات ابن سلام في موضوع السرقات وهي نظرات ستؤثر فيمن أتى بعده من النقاد كما سنرى .
الشعر والشعراء لابن قتيبة
والكتاب الذي وصل إلينا بعد كتاب ابن سلام هو كتاب ابن قتيبه (الشعر والشعراء ) ويعد من كتب الطبقات أيضا لايعتمد السرقات بالدراسة والبحث ولكنه يعرض لها في أكثر من موضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
1- ابن سلام الجمحي
2- مرجع سابق - طبقات الشعراء 147-
3- ديوانه
4- مرجع سابق - طبقات الشعرء 17
5- المرجع السابق 27.
6- المرجع السابق 16.





ويمكن حصر نظراته في السرقات فيما يلي :

ردد مقاله ابن سلام فيما يتعلق بفكرة المعنى الذي تتداول حتى استفاض وصار كالمشترك . ولكنه وسع من معنى هذه الفكرة بعدد أن حدد طريقتها وواضح منهجها , (1). وردد أيضا ماقاله ابن سلام عن امرئ القيس , وأورد كثيرا من الامثله ليؤكد كيف أن الشعراء اتبعوه واخذو ا منه . وهو يكاد يحصر الآخذين منه في الجاهليين والإسلاميين فحسب ..(2) .
2- تنبه ابن قتيبه (3) إلى السرقات الخفية , فهو حين يعرض لأخذ الشعراء معنى بيت امرئ القيس :
له أيطلا ظبي وساقا نعامة . (4)
يقول عن المعذل ( وكان أشدهم إخفاء لسرقه )
3- وتنبه أيضا إلى أن زيادة الأخذ على المعنى المأخوذ يتيح له فضل الزيادة فهو يقول ( وكان الناس يستجيدون للأعشى قوله :
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
حتى قال أبو نواس :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
فسلخة وزاد فيه معنى آخر اجتمع له به الحسن في صدره وعجزه فللأعشى فضيلة السبق عليه ولأبي نواس فض الزيادة فيه . (5)
4- أكد ابن قتيبة مافطن إليه ابن سلام من أن اختلاف الرواية قد يؤدي إلى فكرة السرقة فهو يذكر أبياتا لأبي كبير الهذلي ويقول عن الرواة ينسبونها لتأبط شرا ((6))
ويذكر أيضا أن الرواة ينسبون إلى أبي الطمحان القيني أبياتا للقيط ابن زراره (7 )

5- يتضح من السرقات التي أوردناها ابن قتيبه انه كان منتبها إلى قسمين منها لأنه كان يجمع أمثلتها الموحدة .وان كان لايشير إلى القسم الذي تتبعه هذه الأمثلة .فابن قتيبه يشير إلى سرقة الألفاظ كقول امرئ القيس
فلأيا بلأي ماحملنا غلامنا على ظهر محبوك السراة محنب
وقول زهير :
فلأيا بلاى ماحملنا غلامنا على ظهر محبوك ظماء مفاصلة ( 8)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
1- مرجع سابق الشعر والشعراء 14 – 18
2- المرجع السابق 53 – 55
3- ابن قتيبه
4- ديوانه ص
5- مرجع سابق - الشعر والشعرا 134
6- المرجع السابق - 421
7- المرجع السابق - 54
8- المرجع السابق - 447



وهو أيضا يشير إلى سرقة المعاني فهو يقول إن زهير والنابغة أخذا معنى بيت أوس بن حجر :
لعمرك إنا والاخاليف هؤلاء لفي حتبة أظفارها لم تقلم
فقال زهير :
لذى أسد شاكي مقذف له لبد أظفاره لم تقلم
وقال النابغة :
وبنو قعين لامحالة أنهم آتوك غير مقلمي الأظفار (1)
6- تنبه ابن قتيبه إلى أن الإتباع والأخذ يكونان في الطريقة والنهج أيضا دون اللفظ والمعنى , فهو يقول عن مسلم بن الوليد ( وهو أول من ألطف في المعاني ورقق القول , وعليه يعول الطائي (2)
ولعل الجدير بالذكر إن ابن قتيبة لم يستخدم لفظ السرقة في الإسلاميين ومن قبلهم وانه لم يجاري معاصريه في هذا الاستعمال الذي أكثروا منه نقد المحدثين . ولابد أن في صده عن هذا الاصطلاح من حكمة ولعله يرى مايراه القاضي الجرجاني أن ذلك عند القدماء أدنى إلى التوارد منه إلى الإغارة والسلب , أو لعله لايرى لنفسه بت الحكم على شاعر بالسرقة كما فعل القاضي بعده (3 ).
وهذه هي نظرات ابن كتيبة في موضوع السرقات وهي أوسع دائرة من نظرات ابن سلام وإن كانت لاتزال بعيدة عن أن تكون منهجا محددة.
المبحث الثاني
كتب الأدب

وهذه الكتب عامها وخاصها لن تجد فيها دراسة منهجية منظمة لمشكلة السرقات . لأنه لم يكن من شأنها أن تقوم بذلك ولكننا سنجد فيها نظرات عامة تفيد في تتبع مناهج النقاد الذين تعرضوا لمشكلة السرقات نفسها بالدرس والتحليل:
ومن أوائل هذه الكتب

أخبار أبو تمام :
مؤلفة أبي بكر محمد يحيى الصولي ( سنة 335) وأهمية هذا الباحث في تاريخ الأدب والنقد تدعونا إلى الاهتمام بنظراته في مشكلة السرقات كما تفرقت في كتابه ويمكن حصر هذه النظرات وتأليفها في النقاط التالية :
1- يرى الصولي أن الشاعر إذا اخذ معنى ولفظا وزاد عليه ووشحه ببديعه وتمم معناه كان أحق به
2- إذا تعاور الشاعر أن معنى ولفظا أوجمعا هما يجعل السبق لأقدمهما سنا ,وينسب الأخذ إلى المتأخر لأن الأكثر كذا يقع ز وإن كانا في عصر الحق أشبهما كلاما ,فإن أشكل ذك تركوه لهما .
3- يفرق الصولي في السرقات التي ذكرها بين ثلاثة أنواع : سرقة لفظ ,,سرقة معنى ,,,سرقة اللفظ ولامعنى .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
1- مرجع سابق الشعروالشعراء- 101
2- المرجع السابق - 528
3- تاريخ النقد الأدبي – احسان عباس – ط1- دار الأمانه ومؤسسة الرسالة – بيروت – 1971 م- ص 177
4- مرجع سابق - مشكلة السرقات - 78

4- وكما يحبذ الصولي زيادة الأخذ على المأخوذ منه يعترض عليه إذا أورد المعنى المأخوذ في بيتين مع وجود أصله في بيت واحد كبيت النابغة الذي زاد معناه ابن جبله , ولكنه جعله في بيتين
ونلاحظ أن كلام الصولي هو صدى للكتب التي تكلمت عن هذا الموضوع ..

المبحث الثالث
ثالثا: الكتب العامة في النقد والبلاغة :
ليست هذه الكتب كسابقتها بعيده عن أن يكون لها منهج معين في دراسة السرقات بل على العكس من ذلك فإننا نتوقع أن تعنى جميعا بدارسة السرقات ويكون لها اتجاه في درسها ..فهذه الكتب تبحث في أمور عامه من النقد والبلاغة وتحاول
استيفاء مافيهما من مشكلات وأبرزها بطبيعة الحال مشكلة السرقات .
1- البديع لابن المعتز ( 296هـ):

ولعل من أوائل الكتب التي وصلت إلينا ,كتاب البديع لابن المعتز وهو من كتب البلاغة الخاصة . ولما كانت مشكلة السرقات لاتزال من مسائل النقد ومشكلاته – في عصر ابن المعتز – ولم تصر بعد إلى البلاغة , ولهذا م يتناولها بدراسته كجزء من علم البديع . ومع ذلك فقد فطن ابن المعتز إلى أن السرقة قد تكون لون من الوان البديع , وذلك حين قرر في كتابه أن أبا تمام سرق قوله :
جلا ظلمات الظلم عن وجه أمه أضاءها من كوكب الحق آفله
من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( الظلم ظلمات ) ولعل هذه الإشارة الأولى لهذا اللون من السرقات الذي شاعر أمره في العصور التأخره . (1)

2- عيار الشعر لابن طباطبا العلوي ( سنة 322 هـ)
ويعتبر هذا الكتاب من أوائل الكتب النقدية التي وصلتنا وصاحبه هو أبو الحسن محمد بن احمد بن طباطبا العلوي
من نقاد القرن الثالث وأوائل الرابع . وقد تعرض في كتابه للسرقات فالتمس العذر للمحدثين (لأنهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظ فصيح , وحيلة لطيفة ,وخلابة ساحرة ) ولهذا السبب أباح للشاعر الاقتداء بأشعار الأقدمين ولكن ( ليس الاقتداء بالمسيء , وإنما الاقتداء بالمحسن )(2) .
ولايبيح ابن طباطبا السرقة على إطلاقها ,أو تصنع المهارة في إخفائها بل ينبغي على الشاعر ألا يغير ( يغير على معاني الشعر فيودعها شعره , ويخرجها في أوزان مخالفة لأوزان الأشعار التي يتناول منها مايتناول , ويتوهم أن تغييره للألفاظ والأوزان مما يستر سرقته أو يوجب له فضيلة ) (3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
1- مرجع سابق - مشكلة السرقات ص 80
2- عيار الشعر ص 12
3- المرجع السابق –ص 3

__________________