من قول ربيعة ابن مقروم :

لو انها عرضت لأشمط راهب عبد الإله صرورة(1) متبتل (2)


وأما ابن رشيق فيقرر أن بيتي عمرو ذي الطوق :

صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمين

وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لاتصبحينا

وقد أخذها عمرو بن كلثوم فهما قصيدته:

ويقول ابن رشيق أيضا إن بيت امرئ القيس في وصف الجبل

كأن ثبيرا في عرانين وبله كبير أناس في بجاد مزمل (3)

قد أخذه طرفه فنقله إلى صفة عقاب , فقال :

وعجراء دقت بالجناح كأنها مع الصبح شيخ في بجاد مقنع (4)

كما نقله النابغة في صفة النسور فقال :

تراهن خلف القوم خرزا عيونها جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب
ويذكر ابن رشيق أيضا أن عنترة قد اخذ قوله ( وكما علمت شمائلي وتكرمي )(5)
من بيت امرئ القيس :
وشمائلي ماقد علمت وما نبحت كلابك طارقا مثلي
ويعلل جورجي زيدان لفكرة الاجتلاب بقوله عن كثيرا من انه الأشعار تنسب لغير أصحابها اعتباطا لتشابه القافية والوزن والمعنى .
وهذا الرأي يناقضه الدكتور مصطفى هدارة بحجة أن السرقات ظاهرة طبيعية والشعراء الجاهليون ينفونها عن أنفسهم وعن شعرهم كما هو واضح من قول الراجز ولا نفي الحقيقة إلا بعد ثبوتها. بل انه يقال إن من أوائل من ذم السرقات هو طرفة ((6)
وبالرغم من ذلك فنحن نلحظ مبالغة في بعض الروايات وتزيد الرواة في بعض أقوالهم كما إن بعض السرقات في الجاهلية التي ذكرها النقاد لايمكن أن تعد سرقة وسيتم إيضاح ذلك في المباحث القادمة .(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ1- مرجع سابق - الوساطة 195
2- ورد ذكر المادة
3- ديوانه 67
4- ديوانه 65
5- مرجع سابق -العمدة ص 290 وقد ذكر ابن رشيق في كتابه انه من الشعر المجدود وعجزه وإذا صحوت فما اقصر عن ندى ) أيضا انظر كتاب مصطفى هدارة مشكلة السرقات ص 10
6- ورد ذكر البيت الذي قاله طرفة في ص3 (ولا أغير عــلى الأشعار أسرقها عنها غنيـــت وشرّ النّاس من سرقا)
7- مرجع سابق - مشكلة السرقات - ص 10



المبحث الرابع

السرقات في عصر صدر الإسلام

من الطبيعي أن تكون فكرة السرقات في العصر الجاهلي محدودة بالنسبة إلى لما تلاه من العصور لقلة الشعر الجاهلي الذي وصلنا , والروايات المتعلقة به كما إن اعتماد الشعر على الرواية واجتماع الشعراء والرواة في الأسواق جعل السرقة أمر غير خاف على الإطلاق ,
ومن الممكن أن نقول إن شيوع الرواية وتناشد الأشعار في الأسواق ظلا موجودين حتى العصر الأموي . ولكن لما كانت ظروف الشعر في ذلك العصر قد تغير أمرها بعد العصر الجاهلي كان من الطبيعي أن تكون فكرة السرقات أكثر شيوعا مما كانت في الجاهلية تبعا لهذه العوامل الجديدة التي طرأت على الشعر نفسه .

ففي عصر صدر الإسلام أصبحت السرقات أكثر شيوعا مما كانت في العصر الجاهلي وأصبح أمرها يكاد لايكون خافيا على احد من الشعراء أو الرواة فحسان بن ثابت (1).

لا اسرق الشعراء مانطقوا بل لايوافق شعرهم شعري (2)

فهو يوضح أن مايأتي به هي معاني مبتكرة وهذا دليل على تعود بعض الشعراء في عصر حسان على الأقل على سرقة أشعار الآخرين فهي معروفة لديهم ولهذا كان الشعراء يغضبون حين تسرق أشعارهم على نحو ما سيأتي 3)


ومع نفي هذه التهمة لم يسلم حسان من ذكر النقاد لسرقاته فابن وكيع يذكر انه سرق بيته :


ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ماينهنهنا اللقاء (4)

من عنترة إذ يقول :

فإذا سكرت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى وكما علمت شمائلي وتكرمي.(5)


1- حسان بن ثابت الأنصاري شاعر وصحابي من الأنصار، ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة،
الموشح ص
2- مرجع سابق - السرقات الأدبية - بدوي طبانة - ص35
3- مرجع سابق - الحركة النقدية على أيام ابن الرشيق - بشير خلدون - ص 218
4- مرجع سابق - مشكلة السرقات ص 12
5- يقول ابن وكيع في إن عنترة وفي الصحو والسكر صفتيهما وأفرد حسان الإخبار عن حال سكرهم دون صحوهم و فقبض ماهو من تمام المعنى لأنه قد يمكن أن يظن ظان بهم البخل والجبن إذا صحو لأن من شان الخمر تسخية البخيل وتشجيع الجبان مشكلة السرقات ص 12.







ويذكر القاضي الجرجاني أن الحطيئة (1) أخذ بيته الذي يقول فيه :

وماكان بيني لو لقيتك سالما وبين الغنى إلا ليال قلائل(2)

من قول النابغة الذبياني :
وماكان دون الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل . (3)

ويذكر النقاد أن بيت طرفة :
أرى قبر نحام بخيل باله كقبر غوي في البطالة مفسد (4)

أخذه ابن الزبعري فقال :
والعطيات خصاص بينهم وسواء قبر مثر ومقل

ويقول ابن قتيبة أن بيت امرؤ القيس في وصف الفرس :

ويخطو على صم صلاب كأنها حجارة غيل وارسات بطحلب (5)

أخذه النابغة الجعدي(6) فقال :

كأن حواقيه مدبرا خضبن وإن كان لم يخضب
حجارة غيل برضراضة كسين طلاء من الطحلب ..

ونقل النابغة الجعدي بيت أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي بنصه وهو :

تلك المكارم لاقعبان من لبن شيباء بماء فعاد بعد ابوالا

وسرق النابغة الجعدي ايضا :

ومولى جفت عنه الموالي كأنه إلى الناس مطلي به القار أجرب
من قول النابغة :
فلاتتركني بالوعيد كأنني إلى الناس مطلي به القار أجرب
ويذكر الرواة أيضا أن النابغة الجعدي دخل على الحسن بن علي فقال له الحسن : أنشدنا من بعض شعرك فأنشده :
الحمد لله لاشريك له من لم يقلها فنفسه ظلما
فقال له : يا أبا ليلى , ماكنا نروي هذه الأبيات إلا لأمية بن أبي الصلت ! قال : يابن رسول الله : والله إني لأول الناس قالها , وإن السروق من سرق أمية شعره !(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
1-أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي المشهور بـ الياس شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وأسلم الأعلام ص
2- ديوانه - ص
3- مرجع سابق الوساطة 195 و 196
4- ديوانه - ص
5- ديوانه - ص
5- النابغة الجعدي . واسمه حبان بن عبد الله بن قيس ، أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ,,,ويكنى بأبا ليلى ... ص الموشح
6- مرجع سابق - طبقات الشعراء 27
7- مرجع سابق - الشعر والشعراء 54
ويذكر ابن قتيبه ان بيت امرؤ القيس في وصف الفرس
سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا له حجبات مشرفات على الغال (1)
قد اخذه كعب بن زهير فقال :
سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا كان مطان الردف من ظهره قصر
وأخذه النجاشي أيضا فقال :
سليم الشظا عاري الشوى شنج النسا أقب الحشا مستذرع الندفان ( 2)
ويقول أيضا ابن قتيبه أن بيت الحطيئة :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا ( 3)
قد أخذه من قول أبي الأيادي
ترى جارنا أمنا وسطنا يروح بعقد وثيق السبب
إذا ماعقدنا له ذمة شددنا العناج وعقد الكرب ( 4)

المبحث الخامس
السرقات في العصر الأموي :

ومن هذه الأمثلة لسرقات شعراء صدر الإسلام . نجد أن السرقات قد أخذت طريقها في الشعر العربي , وأخذت دائرتها تتسع باتساع دائرة الشعر نفسه وقد كان العصر الأموي حافلا بأنواعها بعد إن اتسع مجال الشعر وكثر التلاحي بين الشخ عراء للعصبيات القبلية والانقسامات السياسية التي حدثت في ذلك العصر . وقد جاءت في ذلك آراء كثيرة بعضها كان مصدره التعصب الكبير خاصة ضد الشعراء المحدثين وبعضهم الآخر مصدره الصدق والتحري للحقائق .. فالمرزبان يروي عن الأصمعي أن أبو حاتم سمعه يقول (( تسعة إعشار شعر الفرزدق(5) سرقة وكان يكابر .. وأما جرير فما علمته سرق إلا نصف بيت , قال : ولا ادري ولعله أوافق شي شيئا . قلت قال هجاء , ولم يخبرنا به )) (6) قال الشيخ أبو عبد الله المرزباني : وهذا تحامل شديد من الأصمعي وتقول على الفرزدق لهجائه بأهله وسنا نشك أن الفرزدق قد أغار على بعض الشعراء في أبيات معروفة , فأما أن نطلق أن تسعة أعشار شعره سرقه فهذا محال وعلى أن جرير قد سرق كثيرا من معاني الفرزدق ..)) (7))


ويروي المرزباني ايضا عن أحمد بن طاهر انه قال ( كان الفرزدق يصلت (8) على الشعراء ينتحل أشعارهم ثم يهجو من ذكر أن شيئا انتحله أو ادعاه لغيره وكان يقول ضوال الإبل وخير السرقة مالم تقطع به اليد ) (9)...

وقد ذكر الرواة كثيرا من الشواهد العملية على ماحكوه عن الفرزدق وكل هذه الشواهد تثبت أن للفرزدق تاريخا حافلا في السرقات الشعرية ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- ديوانه - ص
2- مرجع سابق - الشعر والشعراء 54
3- ديوانه - ص
4-مرجع سابق - الشعر والشعراء 123
5- الفرزدق
6- الموشح ص 167
7- المرجع السابق -الموشح ص 168 )
8- اللسان مادة صلت معني يصلت من اصلت السيف جرده من غمده فهو مصلت - ص
9- مرجع سابق - الموشح 168
.




فأبو يحي الضبي يذكر أن ذو الرمة قال يوما : لقد قلت أبياتا إن لها لعروضا وإن لها لمردا ومعنى بعيدا .فقال الفرزدق ماقلت ؟ قال : قلت
أحين أعاذت بي تميم نساءها وجردت تجريد اليماني من الغمد
ومدت بضبعي الرباب ودارم وجاشت ورامت من ورائي بنو سعد
ومن آل يربوع زها ء كأنه دجى الليل محمود النكاية والورد

فلما انشدها قال له الفرزدق : لا تعود فيها فأنا أحق بها منك . قال : والله لا أعود فيها ولا انشدها أبدا إلا لك .
فهي في قصيدة الفرزدق التي يقول فيها : (1)

وكنا إذا القيسي نب عقوده ضربنا فوق الاثنيين على الكرد .. (2)

وشبيه بهذه القصة ماروي عن الفرزدق انه سمع جميل ابن معمر ينشد قوله :

ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا (3)

فقال الفرزدق : متى كان الملك في بني عذره ؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها .فغلب الفرزدق على البيت ولم يتركه جميلا ولا أسقطه من شعره ! (4)

وكما فعل الفرزدق مع جميل فعل كذلك مع الشمردل اليربوعي إذ كان ينشد في محفل قوله:

فما بين من لم يعط سمعا وطاعة وبين تميم غير حز الحلاقم

فقال الفرزدق : والله لتدعنه أو لتدعن عرضك ! فقال : خذه لابارك الله لك فيه . (5)
فجعله الفرزدق في قصيدته التي يقول في مطلعها :
تحن بزوراء المدينة ناقتي حنين عجول تبتغي البو رائم (( 6 )

وكذلك فعل الفرزدق مع ابن ميادة حين وجد واقفا في الموسم ينشد :

لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدى ظالم وابن ظالم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجود على أقدامنا بالجماجم
قال الراوي وهو أبو عبيده وكان الفرزدق واقفا عليه في جماعة وهو متلثم فلما سمع هذين البيتين أقبل عليه ثم قال / أنت يا ابن أبرد صاحب هذه الصفة ! كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك , فأقبل عليه مه يا أبا فارس فقال : أنا والله أولى بهما منك ثم أقبل على راويته فقال أضممها إليك !.
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدي دارم وابن دارم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجود على أقدامنا بالجماجم
قال : فأطرق ابن مياده فما أجابه بحرف , ومضى الفرزدق فانتحلهما .(7 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ1- مرجع سابق - الموشح 170 – 171
2- ديوانه
3- - الضبع وسط العضد بلحمه اخذت بضبعي وشدت ازري . واشتد بأسي ,,شالت : دافعت ,,العتود من أولاد المعزى هو الجدي إذا رعى وقوي وبلغ السفاد ونب التيس : صوت وصاح عند الهياج والسفاد .. ونب العتود : مثل لمن ظن في نفسه القوة فاستكبر . الاثنيين .. الاذنان ..الكرد العنق ))
3- ديوانه
5- مرجع سابق - السرقات الادبيه لبدوي طبانه ص 49
6- مرجع سابق - الموشح ص 171 – 172
7- مرجع سابق - الموشح 172

ويبدو الفرزدق في هذه الروايات شخصا ذا سطوة ونفوذ يرهبه الجميع ,ويخشون بأسه , وهو لايرى الفخر إلا لنفسه وقبيلته , فكل معنى رائع يلحقه الشعراء بأنفسهم وقبائلهم هو أحق منهم به , وهذه هي الصفة المشتركة في الأبيات السابقة التي اغتصبها من أصحابها فيما يرويه الرواة . على إنهم يذكرون له سرقات من نوع آخر غير ذلك النوع المغتصب من أصحابه .

فأحمد بن أبي طاهر يروي عن حماد ابن إسحاق عن محمد بن سلام عن كردين البصري إن عريفهم هون بن ثعلبة علق بالفرزدق وقال : ياعدو الله سرقتنا قول صاحبنا الأعلم العبدي :

إذا اغبر أفاق السماء وكشفت ستور بيوت الحي حمراء حر جف
وهتكت الأطناب كل ذا فرة لها تامك من عاتقي إلي اعرف

فهذه الأبيات للأعلم كلها أدخلها الفرزدق في قصيدته : (1)
(( عزفت بأعشاش وماكنت تعزف )) (2)
ومع جميل ما سرق منه قال له الفرزدق أذهب فخذها من الرواة قال فخلى سبيله , إشارة إلى ثقة بقوته وسلطته !! (3 )

وقد ظل أصحاب الأعم العبدي يتتبعون سرقات الفرزدق لشعر صاحبهم في كل موطن , فيحدثنا أبو عبيدة إن رجلا من قيس جاء إلى محمد بن رباط فاستعدى على الفرزدق (وقد سلم الفرزدق ثم خرج ) فقال محمد : أدعو الفرزدق , فجاء , فقال الفرزدق ك سل هذا فيم يستعدى علي ؟! فقال غلبني على قصيدة عمي الأعلم قال أشهدكم إني قد رددتها, فقال محمد : نحوها ! على أن هذا لم يحدث بطبيعة الحال .((4).
ويذكر أبو العلاء انه لقي الفرزدق في المربد فقال له : يا أبا فراس أحدثت شيئا ؟ فأنشده :
كم دون مية من مستعمل قذف ومن فلاه بها تستودع العيس
قال أبو عمرو: فقلت سبحان الله و هذا المتلمس ! قال : اكتمها فلضوال الشعر احي إلي من ضوال الإبل ! . (5),,

ويبدو أن الرواة كانوا يتتبعون الفرزدق بعد أن ذاعت سرقاته وشاع أمرها بينهم وهذا هو سبب الروايات الكثيرة التي تكشف عن مواطن سرقاته , والتي تبين أن الفرزدق لم يدع شاعرا معاصرا أو قديما إلا أغار عليه وسرق بيتا أو أكثر منه . ((6 )
وحتى هجاء الفرزدق لجرير (7) بسبب سرقه للأشعار في قوله
كم من أب لي ياجرير كأنه قمر المجرة أو سراج نهار
لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم وأوابدي بتنحل الأشعار
حتى هذا الهجاء يذكر الرواة أن الفرزدق سرقة من الراعي ! (8)
ويرمي جرير الفرزدق بأنه ينتحل شعر اخيه الأخطل بن غالب فيقول له :
ستعلم من يكون أبوه قينا ومن كانت قصائده اجتلابا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

1- مرجع سابق - مشكلة السرقات – د مصطفى - ص17- أيضا نظر الموشح ص 174.
2- الحرجف الريح الشديدة الهبوب او الريح الباردة ورد في اللسان مادة حرجف )) ,,( ذفيرة الذفرة من الابل النجيبة الغليظة الرقبة جاء في اللسان )) (( اعرف : طويل العرف ) (( يزف يعدو ))
3- مرجع سابق - الموشح ص -175-
4-المرجع السابق - 175- ايضا انظر مشكلة السرقات - ص 18.
5- المرجع السابق - 176,, المستعمل اسم للطريق ,, قذف : بعيده (اللسان ,الجمهرة )
6- مرجع سابق – مشكلة السرقات - مصطفى هدارة 19
7- جرير
8- مرجع سابق مشكلة السرقات - ص 20


ولكن الفرزدق يتهم جرير بسرقة شعره فيقول له :

إن استراقك ياجرير قصائدي مثل ادعاك سوى أبيك تنقل (1)
ولم يكن الفرزدق وحده موضع الاتهام من النقاد والرواة في العصر الأموي بل إن اغلب الشعراء المشهورين في عصر بني أمية قد واجهوا تهمة السرقة في أكثر من موطن . فعبد الله بن الزبير نفسه وهو من هو علو مكانة وشرف أرومة لم يتورع عن ارتكاب سرقة فاضحة مشهورة في كتب الأدب والنقد يذكر الرواة أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان فأنشده ..

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حد السيف من أن تضيمه إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل

فقال له معاوية لقد شعرت بعدي يا اباخبيب ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن اوس المزني فأنشد قصيدته التي أولها

لعمرك ما أدري واني لأوجل على أينا تغدو المنية أول

قال معاوية ك ماهذا يا أبا خبيب ؟ قال : هو أخي من الرضاعة وأنا أخوه وأحق بشعره (2)


وكان البعيث يسرق أبيات الفرزدق فحين قال في بني ربيع :

تمنت ربيع أن يجيء صغارها بخير وقد أعيا ربيعا كبارها

اخذه البعيث في بني كليب رهط جرير , ولذا هجاه الفرزدق بقوله :
إذا ماقلت قافية شرودا تنحلها ابن حمراء العجان

يعني البعيث وكان ابن سرية .(( 3))


واكتشف الفرزدق سرقة كثيرا احد أبيات جميل وذلك حين لقيه فقال الفرزدق : يا اباصخر انت انسب العرب حيث تقول :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

فقال له : وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول :

ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أو مانا إلى الناس وقفوا (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- (( السرقات الادبيه بدوي طبانه ص 48 - أيضا انظر العمدة 284 - أيضا انظر- الوساطه 214
2- العمدة 218 انظر أيضا الوساطة 193
3- يذكر عبد القاهر الجرجاني أن البعيث غير بعض الألفاظ فقال أترجو كليب أن يجيء حديثها بخير وقد أعيا كليبا قديما دلائل الإعجاز- ص 361
4- مرجع سابق - الموشح 228


ويبدو أن كثيرا كان مشهور بالسرقات كثيرها حتى أننا نجد انه قد ألق كتابا فيه وحده دون باقي شعراء عصره وهو الكتاب الذي آلفه الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي المتوفي سنة 256 هـ . وقد سماه كتاب إغارة كثير على الشعراء.
ولم يسلم الأخطل على علو مكانته من اتهامه بالسرقة بل إن الرواة يذكرون عنه انه كان يقول (( نحن معاشر الشعراء اسرق من الصاغة ).
ويذكرون إن قوله :

لذا تقبله النعيم كأنما مسحت ترائبه بما مذهب (1)

مأخوذ من قول لبيد بن ربيعة :

من المسبيلن الريظ لذا كأنما تشرب أضاحي جلده لون مذهب ..

أما جرير فكصاحبه الفرزدق , كثير السرقات فيما يذكره الرواة .فهم يقولون انه نقل بيته المعروف :

وإني لعف الفقر مشترك الغنى سريع إذا لم أرض داري احتماليا,,,,,,,,,,(2)

من قول حاتم :

واني لعف الفقر مشترك الغنى وتارك شكل لايوافقه شكل (3 )

ويذكرون أيضا انه انتحل قول طفيل الغنوي :

ولما التقى الحيان ألقيت العصا ومات الهوى لما أصيبت مقاتله

ويبدو إن جرير كان مغرما بانتحال أبيات غيره شان الفرزدق فالقاضي الجرجاني :

يذكر انه نقل بيتا من سويد كراع العكلي وهو:

ومابات قوم ضامنين لنا دما فنوفيها إلا دماء شوافع ..

وتذكر الرواية أن مر بن نجاة التميمي قد نبه عليه بذلك حين أنشد قصيدته وفيها هذا البيت
وكانت احد الأسباب التي أهاجت الشر بينهما (4 )

وهناك أبيات كثيرة متداوية بين جرير والفرزدق , يدعي كل منهما أنها له وأن الآخر سرقها منه , فحين قال الفرزدق :
أتعدل أحسابا لئاما حماتها بأحسابنا إني إلى الله راجع
قال جرير:
أتعدل أحسابا كرما حماتها باحسابكم إني إلى الله راجع ..( 5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1- مرجع سابق كتاب السرقات – مصطفى هدارة – ص22
2- مرجع سابق الوساطة 200
3- المرجع سابق –200
4- المرجع سابق –139
5- مرجع سابق – السرقات الأدبية – بدوي طبانه – 158

ويذكر أبو عبيده أن الفرزدق كان بالمربد فمر به رجل قدم من اليمامة موطن جرير فقال له :
من أين وجهك ! قال : من اليمامة قال فهل علقت من جرير شيئا ؟فأنشده :
هاج الهوى بفؤادك المهتاج
فقال الفرزدق : فانظر بتوضيح باكر الاحداج
فقال : هذه هوى شغف الفؤاد مبرح
فقال الفرزدق ونوى تقاذف غير ذات خلاج
ومازال الرجل ينشده صدرا من قول جرير وينشده الفرزدق عجزا حتى ظن الرجل أن الفرزدق قالها وان جرير سرقها !
وأمثال هذه الرواية كثير يرددها الكثير من الرواة محاولين بذلك عقد صلة بين خاطر كل من الشاعرين حتى لقد قيل أن الفرزدق وجريرا كان ينطقان في بع الأحوال على ضمير واحد ومن الطبيعي أننا نستبعد حدوث هذا الاتفاق
وكقول الفرزدق :
وغر قد وسقت مشمرات طوالع لاتطيق لها جوابا
بكل ثنية وبكل ثغر غرائبهن تنسب انتسابا
بلغن الشمس حين تكون شرقا ومسقط رأسها من حيث غابا
وذلك قال جرير من غير أن يزيد )1)
ومع ذلك كله نرى أن السرقات قد استفحل أمرها في العصر الأموي وأصبحت ظاهرة ( متعارفا عليها ) بين الشعراء والرواة والنقاد. ولاشك أن إلي ساعد على انتشارها ظهور كثرة من الشعراء ينتمون إلى أحزاب السياسة مختلفة يقاتل بعضها بعضا .هذا بالإضافة إلى وجود شعراء النقائض وهؤلاء جميعا بحاجة إلى فيض شعري معد على الدوام لاستخدامه في هذه المعارك الشعرية فكان على الشعراء أن يقرؤوا ويحفظوا كثيرا من أقوال أسلافهم ليطوع لهم القول بعد ذلك على أمثاله وكان عليهم أيضا أن يقرؤوا ويحفظوا كل مايكتبه منافسوهم ليتمكنوا من الرد عليهم . ومن هنا أيضا كان يتسرب بعض شعر منافسيهم إلى شعرهم . (2)

ويؤكد البيتي اطلاع شعراء العصر الأموي على الشعر القديم اطلاع الدارس الواعي بقوله (( دع عنك الخرافة السائدة من أن جرير والفرزدق والأخطل والراعي وذا الرمة أو الرجاز ومن لف لفهم كانوا جماعة من شعراء البادية نزلوا الحضر ببضاعة مزجاة من الشعر القديم اطلاع مقصود وليس فيهم إلا صاحب ثقافة واسع جدا نشأت عن التحصيل الدائب في بيئته كان همها في ذلك العصر تحصيل القديم وتصحيحه وتحقيقه ... وأن الشاعر فيهم ليقص ذلك عن نفسه فالفرزدق يقول
وهب النوابغ لي القصائد إذ مضوا وأبو يزيد وذو القروح وجرول
ويقول صاحب الأغاني يعني بأبي يزيد المخبل السعدي وجرول الحطيئة ) 3



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1- مرجع سابق - السرقات الادبية - بدوي طبانه158
2- ويقال إن جرير والفرزدق كانا ينطقان على ضمير واحد قال ابن الأثير : وهذا عندي مستبعد فإن ظاهر الأمر يدل على خلافه والباطن لايعلمه إلا الله وإلا فإذا رأينا شاعر متقدم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة الحال انه أخذه منه .وهب إن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولة فكيف تتفق الألسنة أيضا في صوغها الألفاظ ؟))
ونرى أن الذي دعا الرواة إلى هذه الفكرة استبعادهم إن يسرق جرير والفرزدق احدهما الآخر وهما متعاصران يتراشقان بالشعر في كل وقت ولكن يبدو أن النقائض التي كانت بينهما هي السبب في وجود هذه الفكرة وهي اتفاق الخواطر بينهما لأن كل منهما قد فهم مذهب الآخر في شعره فهما عميقا حتى إن الرواة قالوا إن الفرزدق انتحل بيتا من شعر جرير وقال : هذا يشبه شعري ! هذا سبب والسبب الآخر إن كلا منهما يقرأ قصيدة الآخر بيتا بيتا ومعنى معنى, ليستطيع أن يكتب نقضه عليها ومن هنا أيضا جاءت فكرة الاتفاق في هذه الأشعار المشتركة بينهما,,(مصطفى هدارة ص 28 )
3- مرجع سابق - مشكلة السرقات ص29