حب الوطن من الإيمان
المصدر: د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد التاريخ: 21 مايو 2010

اشتهر على ألسنة الناس خبر «حب الوطن من الإيمان»، ويرونه حديثاً مرفوعاً، والمحدثون يأبون ذلك، ويقولون: إنه لا أصل له، أي لا يرويه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن حب الوطن غريزة في المؤمن وغيره، فلا يصح أن يكون دليلاً على الإيمان.

ومع ذلك فإن الإيمان لا يقاطع حب الوطن، بل من شأن المؤمن أن يكون وفياً لوطنه، محباً لأهله، عاملاً في منفعته ومصلحته؛ فهذا المصطفى صلى الله عليه وسلم، يوم أن بشره ورقة بن نوفل، رضي الله تعالى عنه، بالنبوة، وأخبره بما سيجري له من محن وعداوة من قومه، لم ينزعج ويستغرب إلا يوم أن قال له: «يا ليتني فيها جذعاً، أكون حياً حين يخرجك قومك»، فقال: «أومخرجِي هم؟!» لِما لوطنه من كمال المحبة في قلبه، ولَمّا صدقت نبوءة ورقة، وأُخرج المصطفى صلى الله عليه وسلم من بلده الأمين، لم يتمالك أن قال: «والله إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت»، ولولا أن ثبته الله تعالى وطمأنه على عودته إليه فاتحاً مظفراً بقوله سبحانه:{إِن الذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادكَ إِلَى مَعَادٍ} لكان الأسى في قلبه كبيراً، ومع ذلك فقد استمر تحننه إليه، فلما قدم أصيل الخزاعي المدينة وسأله: «يا أصيل، كيف تركت مكة؟» قال: يا رسول الله، حسُن أبطحها، وانتشر سلَمُها، وأعذق ثمارها، وأحجر إذخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويهاً يا أصيل، دع القلوب تقر قرارها» وهكذا كان المهاجرون، رضي الله تعالى عنهم، شديدي التعلق ببلدهم، فكانوا يتحننون إليها كثيراً. تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعِك أبوبكر وبلال، فكان أبوبكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئٍ مصبحٌ في أهله والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليل

وهل أردن يوماً مياه مِجنةٍ وهل يبدونْ لي شامةٌ وطفيل

قال: اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حُماها إلى الجُحفةأ قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، قالت: فكان بُطحان يجري نجلا، تعني: ماءً آجِناً».

فهكذا يكون حب الوطن، وقد قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل ـ أي أصالته ونبله ـ فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه»، لأن ذلك دليل الوفاء، وأصالة الآباء.

هذا إذا كان الوطن ليس له عليك من مِنةٍ إلا أنه أول أرض مس جلدك ترابه، فما بالك إذا كان وطنك قد بذل لك الخير الكثير، والرزق الوفير، والأمن الكبير، وكنت به تعتز وتفاخر، وإليه تنمى وتكاثر؟ فكيف يكون ولاؤك وحبك له؟

لا جرم أن يكون سمعك وبصرك وفؤادك، لا تبخل عليه بنفس ولا مال، ولا أهل ولا عيال.

❊كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

ط§ظ„ط¥ظ…ط§ط±ط§طھ ط§ظ„ظٹظˆظ… - طXط¨ ط§ظ„ظˆط·ظ† ظ…ظ† ط§ظ„ط¥ظٹظ…ط§ظ†