مقام الإحسان
لقول الحبيب عليه الصلاة والسلام ): أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك
الاحسان جاء ذكره في القران في مواضع كثيرة فقال تعالى
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
وقال تعالى
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً )
وقال تعالى
(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )

والاحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك.

تفسير الاحسان
1-أن تعبد الله كأنك تراه .
يشير الي أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة , وهو استحضار قربه وأنه بين يديه كأنه يراه وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم , ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها واتمامها واكمالها
وقد اوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة
بهذه الوصية عن أبى ذر –رضي الله عنه – قال (( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كاني أراه فان لم أكن أراه فانه يراني ))
وروى عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال:
اعبد الله كأنك تراه ))
2-فان لم تكن تراه فانه يراك.
قيل انه تعليل للأول , فانك العبد اذا أمر بمراقبة الله تعالى في العبادة واستحضار قربه من عبده حتى كأن العبد يراه فانه قد يشق ذلك عليه فيستعين على ذلك بايمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره ولا يخفى عليه شئ من أمره , فاذا تحقق هذا المفام سهل عليه الانتقال الى المقام الثاني , وهو دوام التحقيق بالبصيرة الى قرب الله من عبده ومعيته حيى كأنه يراه , وقيل بل هو اشارة الي أن من شق عليه أن يعبد الله تعالى كانه يراه فليعبد الله على أن الله يراهو ويطلع عليه, فليستحي من نظره اليه.

كما قال بعض العارفين: اتق الله أن يكون أهون الناظرين اليك
وقال بعضهم : خف الله على قدر قدرته عليك , واستحى من الله على قدر قربه منك
وقال بعض العارفين من السلف : من عمل الله على مشاهدة الله فهو عارف , ومن عمل على مشاهدة الله اياه فهو مخلص, فيه اشارة الي المقامين اللذين تقدم ذكرهما :
أ‌-مقام الاخلاص .
وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله اياه واطلاعه وقربه منه ,فاذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى
ب‌-مقام المشاهدة.
وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه, وهو أن يتنور باليمان وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان.


ويتفاوت أهل هذه المقامات فيه بحسب قوة نفوذ البصائر وقد فسر طائفة من العلماء المثل الأعلى المذكور في قوله تعالى (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) بهذا المعنى
ومثل قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ )
والمراد مثل نوره في قلب المؤمن , كذا قال أبي بن كعب وغيره من السلف الصالح

وقال تعالي
(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الزيادة بالنظر الى وجه الله تعالى في الجنة
فكان جزاء ذلك النظر الى وجه الله عيانا في الاخرة .

وعكس هذا ما اخبر الله تعالى به عن جزاء الله الكفار في الآخرة (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ )
وجعل ذلك جزاء لحالهم في الدنيا , وهو تراكم الران على قلوبهم حتى حجبت عن معرفته ومراقبته في الدنيا فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة.