-
مشرفة ملتقى ذوي الإحتياجات الخاصة
أوراق العمل
تجربة مسرحية بصرية
لمخرجة كفيفة
قراءة في تجربتي الشخصية
روان بركات
تقديم
كفيفة ... وتدرسين المسرح؟؟!!
هل درست المسرح لتقدمي أدوار المرأة الكفيفة ؟؟
لن تستطيعي إخراج مشهدية بصرية ....
افترضات مسبقة وضعها المجتمع من حولي طوال مسيرتي الأكاديمية والمهنية، وكفتاة ذات إعاقة بصرية كان يتوجب علي أن استسلم لافتراضات المجتمع المسبقة، ربما كان علي أن اصبح مدرسة تاريخ أومترجمة فورية، ولكني كالعادة كنت أخيب آمالهم، واكسر حواجز خوفهم وافتراضاتهم المسبقة والمطلقة، والتي يضعها المجتمع بسبب تخاذله عن تقديم ما يسهل علي الحياة والاندماج في المجتمع بشكل طبيعي وسهل، إذ لم تكن الإعاقة البصرية هي مشكلتي فهي جزء من التنوع البشري، فبعضهم بعيون خضراء والآخر سوداء أو عسلية والبعض الاخر وأنا منهم بعيون لا تبصر، لكن مشكلتي الحقيقية هي في عدم قبول المجتمع لهذا التنوع وتقديم ما يترتب على المجتمع من تسهيلات بيئية ومجتمعية بموجب حقي الذي اقرته الاتفاقيات الدولية.
خشبة المسرح هي مساحتي التي كانت مفتوحة بشكل مطلق على قبولي باعاقتي،
ودون حواجز أو عوائق، ربما كان الوصول لهذه الخشبة محفوفاً بالتحديات والاحباطات أحياناً، ولكن بمجرد وقوفي على خشبة المسرح أشعر أن المسرح أصبح عالمي ودنياي، إذ أجد نفسي فيه الأكثر ابصاراً في هذا الكون.
ببساطة لا استطيع أن اصنف تجربتي بأنها تحد لإعاقتي، فأنا منسجمة ومتعايشة مع إعاقتي، ولكني افترض بأن تجربتي هي تجربة تحدي للمنظومة المجتمعية والصورة النمطية عن الأشخاص ذوي الإعاقة.
المرحلة الأولى: اكتشاف ألوان المسرح
منذ ولدت كفيفية، كنت اسمع بأن هناك في الحياة ما يسمى باللون، ولأن الصورة المجتمعية النمطية للشخص ذي الاعاقة البصرية تحرمه من اكتشاف معاني الكلمات وأشكالها ووصفها واحياناً ملمسها او رائحتها، فقد كان بفترض أن استلسم لهذه الصورة والجلوس بسكون سامحة للألوان بأن تتحرك من حولي دون الدخول إلى عالمها واكتشافها، ولأني كنت محظوظة بأسرة نفضت عني غبار الخوف واطلقتني وحفزتني للمشاركة في مجموعة من النشاطات الاجتماعية تعيد تشكيل وتعريف الأشياء من حولي، لذا فقد شاركت في العام 1997 في برلمان أطفال الأردن الذي ينظمة اتحاد المرأة الأردنية، وربما تكون إعاقتي كانت بوابة دخولي للبرلمان، ورغم صغر سني في ذلك الوقت فقد أدركت ان دخولي لهذا البرلمان هو فرصة علي استغلالها، لذا فقد جاءت مشاركة برلمان أطفال الأردن ضمن الوفد الأردني المشارك في مؤتمر الأطفال العرب في العام 1998، وهذا المؤتمر الذي ينظمه سنوياً المركز الوطني للثقافة والفنون/ مؤسسة الملك الحسين بن طلال – مركز الفنون الأدائية/ مؤسسة نور الحسين سابقاً- و يشارك به الأطفال من كافة الدول العربية، إذ يركز هذا المؤتمر على تفعيل دور المشاركين واتاحة الفرصة أمامهم لتنمية قدراتهم واستثمار طاقاتهم في خدمة المجتمع من خلال برنامج من الورش في مجالات الرسم والموسيقى والدراما والرقص والرحلات والأنشطة المختلفة. ولم اتوقف عن المشاركة بحضور فعاليات الدورات التي تليها للمؤتمر وذلك من خلال مشاركتي ضمن فريق الصحفي الصغير في مجلة حاتم، وهي مجلة أردنية للأطفال، ومن خلال هذه المشاركات توطدت علاقتي ومعرفتي بالسيدة لينا التل مديرة المركز الوطني للثقافة والفنون، وشجعتني على المشاركة في مدرسة المسرح الصيفية التي يقيمها المركز للأطفال في العام 1999، إذ كان عمري حينها 13 عاماً فقط لا غير.
في الحصة الأولى من مدرسة المسرح، بدأت بالتمثيل والارتجال في حين أن اقراني من الأطفال قد اصابهم الخجل والرهبة من أداء اي مشهد مسرحي، وكان البداية باشراف الأستاذ أشرف العوضي، والذي كان يعي تماماً وجود شخص ذو إعاقة بصرية ضمن تلاميذ مجموعته، لذا فقد كان يحاول تكييف الألعاب والتمارين المسرحية التي يعتمد بعضها على البصر، إما بإسناد دور مناسب لي أو تغيير بعض قواعد اللعب بما يتناسب مع قدراتي، وهذه ميزة وجود معلم دراما يعي تماماً قدرات طلابه وطاقاتهم وظروفهم، إذ أن المعلم هو احد عناصر الدراما مع الأطفال ذوي الإعاقة والتي تستند علي
ها العملية بشكل أساسي، وفي ورقته البحثية المشاركة في مؤتمر " واجب المجتمع نحو الطفل ذي الإعاقة، يتحدث " محمد النابلسي" عن دور المعلم وصفاته كعنصر من عناصر برنامج تدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة بواسطة المسرح، إذ يقول:
والمعلم هنا هو إما أخصائي التربية الخاصة، أو معلم الدراما، وهو من أهم العناصر في البرنامج، لدوره في تحريك وإدارة العمليات الدرامية، وإخراجها على شكل منتج مسرحي سواء داخل الغرفة الصفية أو على خشبة المسرح، ولابد من مجموعة من الشروط الواجب توفرها لديه:
1- أن يكون قد اشترك في دورة تدريبية متخصصة في الدراما.
2- لديه مخيلة واسعة ليستطيع توظيف اللعبة الدرامية لرفع قدرات الطلاب المحدودة، واستثمار قدراتهم العالية وتوظيفها درامياً.
3- القدرة على اتخاذ القرارات الحكيمة والصائبة في اللعبة الدرامية التي تسهم في تعزيز ثقة الطالب في نفسه خلال التدريبات أو العرض المسرحي.
4- أن يكون على دراية بحالات الطلاب المشاركين معه وطبيعة الإعاقات لديه وماهية المشكلات المصاحبة للإعاقة.
5- القدرة على بناء جسور الود والثقة بينه وبين الطلاب المشاركين، فأحياناً يعتمد ادائهم عن رغبتهم في إرضاء معلمهم وكسب وده.
6- أن يكون محفزاً وقادراً على تأدية الحركة المسرحية وليس جامداً متصلباً ليكون مثالاً لطلابه الذين يعتمدون غالباً على الأمثلة الحية والمباشرة.
وقد ضرب الأستاذ " أشرف العوضي" نموذجاً مثالياً لمعلم الدراما مع الأشخاص ذوي الإعاقة، خلال المدرسة الصيفية للمسرح، والتي خرجت بمجموعة من المشاهد الممسرحية التي تم تأليفها وإعدادها نتيجة اشتغالنا على الأداء والارتجال إذ تناولت موضوع "وضع المياه في الأردن في العام 2XXX"، مشاركتي جاءت في مشهدين من اصل اربعة مشاهد، وقد كنت العب أدوراً رئيسية في المشهدين الذين امثل فيهما، وكنت اصر دائما على عدم مساعدتي أو مسك يدي للصعود إلى خشبة المسرح، شعرت أنني اعرف طريقي تماماً لخشبة المسرح، وتعرفت في وقتها لأول مرة على لون المسرح، وعرفت معنى كلمة لون... إذ كان لون المسرح بالنسبة لي زاهياً ومشرقاً، ثم توالت مشاركتي مع الدورات والورش المسرحية التي يعقدها المركز، وشاركت في عملين مسرحيين للمركز:
- مسرحية " STARS" في العام 2000 من إخراج لينا التل.
- مسرحية " الفيل يا ملك الزمان" تأليف سعد الله ونوس وإخراج لينا التل في العام 2001.
ولأنني اؤمن بأن السعادة عدوى حميدة يتوجب نقلها لغيرك، فقد شاركت في النادي الصيفي الذي يقيمه الملتقى الثقافي للمكفوفين للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية، وادرب الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية على الدراما والمسرح، ولم يتجاوز عمري 16 عاماً، وتكمن أهمية هذه الخطوة في نقل التجربة وتعميمها، وتقديم نموذج يحفز الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية على العمل وتقديم ذواتهم، ورغم أنني فتاة ذات إعاقة بصرية، لكن هذه التجربة من أكثر التجارب التي جعلتني أكثر التصاقاً ومعرفةً بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وقد كنت المدربة الأصغر بين كافة المدربين في ذلك النادي، إذ ان عمري لم يتجاوز السادسة عشرة، ورغم ذلك فقد كانت الدراما اختيارية للمشاركين في النادي، ولكن انضم لي 20 طالب من اصل 22 طالب مشاركين في النادي.
عندما اتناول التحديات التي واجهتني تلك الفترة، اتساءل عن عدم وجود تحديات كلاسيكية التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية عندما يتحدثون عن تجاربهم، قد يكون هناك من اعترض أو حاول عرقلتي لكن اصراري وايماني بنفسي وبما اقوم دفعني لعدم الالتفات لهذه الأمور، ولكن ما واجهني من تحديات هو ما كفلته فيما بعد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
1- كان التحدي بالنسبة لطالبة بعمر الثالثة عشرة هو التنظيم بين الدارسة في المدرسة والدراسة في المركز ، جعلت من الأمر يبدو تحدياً صعباً، خاصةً مع عدم توفر التقنيات اللازمة لتعلم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لذا فقد كان من الضروري وجود من يقرأ الكتب لي ويساعدني في كتابة فروضي المدرسية، وقد كان بفترض توفير المعينات والوسائل التعليمية المناسبة التي تساعدني في دراستي وعدم توفرها كان عائقاً واضحاً بالنسبة لي.
2- المسألة الثانية هي صعوبة الوصول، فعدم توفر طريقة ملائمة يستطيع الشخص ذو الإعاقة البصرية استعمالها للوصول إلى غايته أعاقني جداً، فقد كنت اضطر للخروج بباص المدرسة والتوجه إلى المركز ، والانتظار ما يقارب الثلاث أو الاربع ساعات حتى يحين موعد الجلسات التدريبية.
المرحلة الثانية : سأراه....
ضمن فعاليات عمّان عاصمة للثقافة العربية في العام 2002، قررت مدرستي مدرسة الاتحاد المشاركة في فعاليات هذه التظاهرة الهامة في الأردن، لذا فقد قامت بتكليف المخرج العراقي عبد الجبار حسن، وهو مدرس الدراما في المدرسة، بأن يقوم بإخراج مسرحية تشارك في الفعاليات، وتكون المسرحية خارج اطار المسرح المدرسي، وعرضت علي الفكرة والنص، كان عمري لم يتجاوز السادسة عشرة، ويأتي اختلاف التجربة لأنها من نوع المينودراما، دراما الممثل الواحد، وعرضها سيكون خارج اطار المدرسة أو المركز الوطني للفنون كما اعتدت.
"سأراه" هو عنوان النص المسرحي، عندما قرأته شقيقتي لي، كان يلح علي سؤال واحد كيف سأحفظ كل هذا النص، الذي يدور حول امراءة اربعينية تعاني من وحدتها، بعدما قدمت كل ما لديها لحبيبها للوصول إلى أعلى المناصب وهجرها بعد وصوله إلى غايته، الصعوبة في هذا الدور تكمن بالتجربة الانسانية للشخصية والتي لم اعرفها في ذلك الوقت، لم اعرفها على المستوى العاطفي ولا على المستوى الاجتماعي، لذا فقد بدأت البحث والسبر في أغوار الشخصية، من ناحية الشكل الذي يصعب علي أن أقرره لوحدي، ومن ناحية الصوت وطريقة الحديث والمشاعر التي تحملها شخصية بتلك الظروف والتجربة العاطفية.
والتدريبات المسرحية كانت في قاعة مسرحية باردة شتاءً حارة صيفاً، غير مجهزة ابداً إلا بمستوى اسمنتي ليكون هو خشبة العرض، وخلال التدريبات وقعت عن خشبة العرض، والمخرج في لحظتها قلق على العرض المسرحي وإمكانية استمراره في حالة تعرضي لأي مكروه، وهو ما يجعلني أخوض تجربة مختلفة عن تجربة المركز الوطني للثقافة والفنون، وآلية الاستعداد للأعمال المسرحية فيها والتي كانت تأخذ طباعاً ودياً، أما في هذا العمل أنا والمخرج بمواجهة واحدة، وبخبرتي المسرحيةالمتواضعة كان علي الانصياع تماماً لاوامره وتعليماته التي كانت تجعل من الأمر أكثر صعوبة ولكنه أكثر تحدياً.
لم اكن تلك الفتاة الخارقة في ذلك الوقت، فقد كنت انهار واحاول الانسحاب، معللةً ذلك بالدراسة تارة وباعاقتي تارة أخرى، كنت انسانة اضعف وحسب، ولكن أمي – رحمها الله- كانت ترى تماماً ضرورة استكمال هذه التجربة، ومن ثم تقييمها واختيار ما هو المناسب لي، حفزتني امي وشجعتني أسرتي باستمرار لاتمام الأمر ... وهكذا كان.
جاء موعد العرض، ولم يمنحنا مركز الحسين الثقافي يوماً لعمل بروفا عامة قبل العرض، نظراً لازدحام برنامج المركز بفعاليات عمّان عاصمة للثقافة العربية، والعرض الأول كان للصحافيين، كنت اتوقع فيه التشجيع الذي كنت الاقيه في عروض المركز الوطني للثقافة والفنون، وقلقي الأكبر كان لوجود كتل ديكور كبيرة على المسرح، بالإضافة إلى الشموع، ووقوع أي شمعة كان سيؤدي إلى كارثة حقيقية، ولم اقم بعمل بروفا حقيقية على هذا المسرح وبوجود كل هذه الظروف، أما العرض الثاني وهو عرض الجمهور كان مكتملاً ومشجعاً تماماً فتح لي أبواب كبيرة للمستقبل.
ما كان محبطاً في هذه التجربة هو تناول الصحافة والإعلام لهذا العرض، الذي غفل عن نقده فنياً، وتعامل معه كعرض خاص تؤديه فناة كفيفية، ورغم أن الشخصية التي قمت بأدائها، لاتحمل أي اشارة بأنها كفيفية أو مبصرة، وافترض الجميع بأن الشخصية هي سيدة كفيفة، وسألت نفسي لماذا يفترض بي دائما أن اقوم بأدوار يحكم عليها بأنها ذات إعاقة بصرية، اكتشفت حينها صورة نمطية جديدة عن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.. تحديداً عن الممثل ذي الإعاقة البصرية، واستطيع القول أن نجاح مسرحية " سأراه" فنياً وجماهيرياً، ساعدني على تقديم نموذج حقيقي لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال المسرح.
المرحلة الثالثة: الجامعة ...
مذ كنت في الصف الثامن الأساسي، قد أخذت قراري بدراسة المسرح، فتجربتي في المركز الوطني للثقافة والفنون كانت تجربة محفزة ورئيسية وموجهة بالنسبة لي، وهذه أهمية أن يشارك الأطفال ذوي الإعاقة بشكل عام في الأنشطة المختلفة التي تصقل شخصيته وتوجهه لاختيار مستقبله، فتفاعله مع المجتمع المحلي، والخبرات المختلفة يفتح له الباب ليقرر ما عليه فعله.
انهيت دراستي الثانوية، وجاءت نتيجتي ناجحة وموفقة وتسمح لي للالتحاق بالجامعة وبتخصصات يعتبرها البعض أجدى من تخصص الفنون المسرحية، كانت ردود الفعل متابينة وغريبة جداً وغير متوقعة، فخالي مثلا وهو ذو إعاقة بصرية قال لي أن المسرح ليس تخصصاً لأمثالنا، وأحد رؤساء الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة البصرية استهجن تماماً دراستي للمسرح، وسحب كل ثقته في قدراتي التي كان دائما يمدحها، كان جوابي واضحاً ومحدداً وثابتاً، قد لااملك الخيار بدراسة الطب او الهندسة، لكني بالتاكيد أملك الخيار بدراسة المسرح وسأدرسه.
جاء اختبار لجنة القبول لطلبة المسرح في الجامعة الأردنية، تقدمت بملف صحفي ومنجز ي المسرحي المتواضع، ورسالة توصية بقبولي طالبة في قسم المسرح من السيدة لينا التل التي كانت عضو مجلس أمناء كلية الفنون والتصميم، التي شاركت في وضع منهاج الدراما في الكلية، وفي اختبار لجنة القبول شعرت أن أعضاء اللجنة يواجهون حالةّ خاصةّ لم يعرفوها من قبل ولم يتعاملوا معها من قبل، لذا فقد قمت بادارة المقابلة وقدمت مشهداً مسرحياً، وسألت وتحدثت أكثر مما سألوا، كان واضحاً اصراري على الالتحاق في الجامعة، طرح أحدهم علي سؤال: إن لم يتم قبولي ماذا ستفعلين؟ اجابتي كانت بأنني قد لا اقبل هذا العام ولكني ساقدم العام القادم والذي يليه حتى يتم قبولي.
سار ت الفترة الأولى بانسيابية وسهولة كون المواد في الفصل الأول كانت نظرية، ومواد التمثيل كانت تقوم بتدريسها الأستاذة مجد مدانات، وقد كانت تعمل على تكييف المواد والتمارين المسرحية لاستطيع القيام بها على حد سواء مع زملائي، وعلي هنا ان اوضح بأن تكييف التمارين المسرحية لا يعني تقليل سويتها او الفائدة او الجدوى منها، وما كان علي القيام كان يتوجب علي القيام به كبقية زملائي، حتى ان الأستاذة مجد مدانات طلبت من الجميع رسم الشخصية كما نراها، كانت مهمة صعبة وطغت علي مخاوفي الانسانية بأنني لو رسمت قد يسخر مني البعض، لم اجرب الرسم من قبل، رفضت القيام بالتمرين، اصرت الأستاذة مدانات بشدة، وفي ذلك اليوم كنت قد قررت الانسحاب من الجامعة، ولكن التمرين كان ضرورياً فقد كان علي القيام بهذه التجربة لترجمة ما يسكن في رأسي حول الشخصية، لاكسر اي حاجز بيني وبين الشخصية المسرحية، حتى لو كان محدوداً أو سطحياً. منذ ذلك الوقت أخذت اطور أدوات رؤيتي للشخصية المسرحية.
ثم جاءت مواد الإخراج، التي لم تكن في حسباني، فقد دخلت الجامعة لأكون ممثلة، فالإخراج مادة بصرية تماماً، وجاءت مادة الإخراج 1 نظرية، والإخراج 2 كانت تجربة إخراج جماعي، تعلمت منها الكثير، والإخراج 3 كانت مشروعاً فردياً اتممته بنجاح بمساعدة بسيطة من الأصدقاء والأسرة.
إن حياتي الجامعية لم تكن وردية أو مثالية فقد تعرضت للعديد من الاحباطات، والافتراضات النمطية، قالي لي مرة أحد مدرسي الكلية، وهو حاصل على درجة الدكتوراة في النقد المسرحي، بأني كنت وسيلة لجمع المال في المركز الوطني للثقافة والفنون، وصورتي كانت هي المفتاح السري لاستقطاب الجهات الداعمة والمانحة،
هذا المدرس تحديداّ كان كثيراّ ما يسعى لاحباطي وليس مؤمناً بقدرتي على الانجاز واتمام دراستي بالشكل المطلوب.
وقد كان هذا المدرس هو المحرك الرئيسي في محاولة الكلية لاحباط مشروع تخرجي، وتحويله من الإخراج إلى التمثيل أو التأليف، وهو ما اشعرني بالتمييز السلبي، والاستهانة بقدراتي التي علي اختبارها ضمن اطار الجامعة قبل الخروج إلى الحياة العملية، فإن فشل العمل فبيد المدرسين وضع علامة متدنية للمشروع، عندها سأعرف بأنني لا استطيع الإخراج، ولن اكرر التجربة، وبإصراري تمت الموافقة على قبول مشروع تخرجي في الإخراج، حينها استطعت ترجمة ان وجودي في الجامعة كان فرضاً جديداً لصورة مجتمعية جديدة عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وترسيخ هذه الصورة الايجابية الجديدة.
قمت بتأليف نص مشروع التخرج" الصعود إلى الابتذال"، وهو نص مسرحي يدور حول تحديات ممثلة مسرحية تحاول النجاح في عملها المسرحي، دون اللجوء إلى الابتذال فيما تقدمه من أعمال مسرحية أو درامية، يقوم العمل على خمسة ممثلين، تم رسم حركتهم من خلال كتابتي للنص، فكانت حركتهم تجري ضمن مستويات، تختم في عمق المسرح وهي نقطة النهاية في الخط الدرامي للمسرحية وهي قمة الابتذال، ومن خصوصية عملي كمخرجة ذات إعاقة بصرية، ضرورة وجود مساعد مخرج يستطيع الاشراف على تنفيذ المشهد البصري الذي أحمله في مخيلتي، وقد كان عملي هو عمل الافتتاح ضمن عروض المسرح الجامعي.
تجربة الجامعة كانت تمثل بالنسبة لي نموذجاً مصغراً لما سأواجهه بعد تخرجي من تحديات وافتراضات مسبقة وصورة نمطية يحملها المجتمع من حولي عن الأشخاص ذوي الإعاقة، ورغم هذه المواجهات والاحباطات كان هناك في المقابل فرصة لي بالتعرف على أنشطة وفعاليات والمشاركة فيها، والانطلاق إلى الحياة العملية بتجربة أكاديمية مصقولة ضمن خطوط لتجربة مهنية متماسكة، وهو ما ساعدني للالتحاق بمشروع " الفنون في متناول الجميع" وهو مشروع تقدمه الهيئة التنفيذية لمدينة صديقة للأطفال/أمانة عمان الكبرى في 15 موقع بشكل مجاني للأطفال حتى تتاح لهم فرصة تعلم خمسة أنواع من الفنون وهي (دراما، موسيقى وغناء، فن الرسم، الدبكة، وصناعة الدمى) وتقام هذه الورش الفنية بشكل مستمر في نهاية كل أسبوع، وأخذت ادرب في ثلاثة مواقع على الدراما لأطفال لم تكن لديهم أي إعاقة، إذ كان تحدياً جديداً بالنسبة لي وللأطفال، وهو ما سمح لي بالعمل للمشاركة كمدربة دراما أيضا في مخيم للاطفال أتاح لي فرصة تدريب 400 طفل على الدراما.
المرحلة الرابعة: رنين..
في طفولتي كنت أحتاج إلى الاطلاع على معارف جديدة وقصص جديدة دون الانتظار من توفر الوقت لإحدى شقيقاتي لتقرأ لي قصة أو كتاباً ما، وهو الأمر الذي دفعني لأفكر في ضرورة وجود مكتبة مسموعة مذ كنت في الصف العاشر، خاصة مع عدم وجود قصص للأطفال بلغة بريل في الأردن، ظل الحلم يسكنني خلال فترة الجامعة لانشاء مكتبة مسموعة، ومن خلال الجامعة استطعت انشاء نموذج لمكتبة مسموعة مكونة من 13 قصة، كان بجهد تطوعي من الممثلين بأصواتهم: الفنان غنام غنام ، والفنانة أسمى مصطفى، والفنانة لينا التل والفنان دواد جلاجل والفنان مهند نوافلة وسوسن ونو ر الديسي والفنانة يسرى العوضي والأستاذة مجد مدانات، ولم يرى هذا المشروع النور نظراً لعدم وجود جهة داعمة، بالإضافة لعدم حصولنا على حقوق الملكية الفكرية للقصص.
وفي العام 2009، تقدمت للمشاركة في جائزة الملك عبد الله الثاني للانجاز والابداع الشبابي، وهي جائزة تهتم بالشباب والشابات المبدعين والمبادرين ومن يعمل في مجتمعاتهم على مكافحة البطالة والفقر أو تطوير التعليم أو مشاريع تعمل على تنمية وتطوير المجتمع المحلي، وتمت تسمية مشروع المكتبة المسموعة ضمن المشاريع المرشحة لنيل الجائزة، ورغم أن الجائز تمنح للمراكز الأربعة الأولى، فقد تم منح الجائزة المالية للعشرة المرشحين ضمن مكرمة ملكية سامية من جلالة الملك عبد الله الثاني، والجائزة هي عبارة عن خمسين ألف دولار أمريكي تمنح على مدى عامين، لتطوير مشروع المكتبة المسموعة .
ومشروع رنين هو المشروع الذي يعمل على توفير قصص مسموعة للاطفال ما بين سن 5 الى 16 سنة باللغة العربية الفصحى، بحيث تعمل على تطوير مهارة الاستماع وتقوية اللغة العربية لدى الاطفال، وتوفير مكتبة قصص سمعية للاطفال المكفوفين والاطفال بشكل عام. إذ يعمل هذا المشروع في مرحلته الأولى على انتاج ثلاث أقراص، يحتوي كل قرص على عشر قصص مسجلة واطلاق موقع الكتروني خاص بالمشروع واذاعة القصص عبر المحطات الاذاعية بهدف ايصال هذه القصص الى ما يقارب 10 الاف طفل، إذ يعتمد مشروع رنين على شراكات عديدة من أجل استفادة أكبر عدد ممكن من الاطفال والمعلمين والاهل، الذين يطمح المشروع بالوصول لهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
فرسالة المشروع هي توفير المحتوى القصصي المكتوب بوسائل مسموعة وبأسلوب تفاعلي وشيق وتشجيع الكتاب العرب على زيادة الانتاج القصصي للأطفال وعلى تقديمه بوسائل عصرية وهادفة في آن واحد.، وذلك بهدف تحقيق رؤية المشروع بانشاء أكبر مكتبة صوتية قصصية باللغة العربية الفصحى.
ومشروع رنين يسعى لتحقيق الأهداف التالية:
- انتاج مواد صوتية قصصية بأسلوب شيق وهادف ومناسب للفئات العمرية المستهدفة.
- زيادة قدرة الطفل العربي على التخيل والتفكر والإبداع.
- تنمية مهارات الكتابة والاستماع والإلقاء والتمثيل والتقديم لدى الطفل العربي بهدف تعزيز المناهج المدرسي.
- توفير الفرصة بالقراءة للأطفال المكفوفين كأي طفل أخر.
- اقامة ورشات فنون مسرحية ، كتابة قصة قصيرة لتنمية المواهب لدي الأطفال.
تهدف رنين إلى انتاج مادة صوتية قصصية باللغة العربية الفصحى وتتناول هذه القصص قضايا اخلاقية واجتماعية وتربوية دون التطرق لقضايا سياسية أو دينية. الشكل الأساسي هو تقديم هذه المادة على شكل قرص مدمج يمكن تشغيله على مشغل الأقراص المدمجة المتنقل أو في السيارة أو في المنزل، يحتوي القرص الواحد على مجموعة من القصص يترواح عددها 10 – 12 قصة (تناسبا مع عدد حلقات الموسم الإذاعي في حال تم بثها إذاعيا). ويتم عرض المادة الصوتية من الوسائل التالية:
o حلقات إذاعية .
o ورشات تدريبية للمعلمين
o ورشات فنية للاطفال
o سيتم وضع بعض القصص على الموقع الالكتروني الخاص ب رنين .
وما تم تحقيقه حتى الآن من منجزات في هذا المشروع هو :
1. قدم المشروع 150 نسخة سي دي لمدرسة عبدالله بن مكتوم وهي مدرسة المكفوفين الوحيدة في عمان.
2. تدريب ما يقارب 350 طفل ضمن الورش التفاعلية إذ أن كل ورشة تقوم على الاستماع للقصة والنقاش حولها، وتقديم مشاهد منها والرسم فيها.
3. تقديم ورشات للدراما والرسم في عمّان وعجلون والزرقاء.
4. بدء بث الحلقات الإذاعية على إذاعة مزاج اف ام كل اسبوع ويتم تقديم قصة واحدة اسبوعياً.
5. تم اطلاق الموقع الالكتروني www.raneenmedia.org
إن هذا المشروع فتح لي الباب لتعميم ثقافة مسرحية لدى الأطفال واستخدامه كوسيلة تربوية وتعليمية، وهو ما يجعلنا نقف عند ضرورة ايجاد استراتيجيات جديدة لاستخدام المسرح للتعامل مع الأطفال بشكل عام والأطفال ذوي الإعاقة بشكل خاص، وترجمة قضاياهم بطريقة أكثر تفاعلية وجدوى، لقد كان هذا المشروع هو ترجمة حقيقية لما تلقيته من علوم وفنون مسرحية خلال دراستي الجامعية، فقد كان هاجس اسثمار شهادتي الجامعية وخبرتي المسرحية، وايجاد طريقة لتعميم كت تعلمته وتلقيته من خبرات.
المراحل القادمة
إن تجربة رنين قدمت لي خيارات جديدة للتعامل مع المسرح، سواء كممثلة او كمخرجة، ربما كان يتوجب علي الانتظار قليلاً بعد تخرجي من الجامعة عام 2008، قبل خوض تجربة الإخراج، ببساطة لأنني اؤمن بأن الأطفال والتعامل مع الأطفال سواء ذوي الإعاقة او غيرهم ينضج التجربة الانسانية، ويفتح الآفاق الجديدة للتعامل مع عناصر ومعطيات العملية المسرحية.
رنين سيستمر، بإذن الله تعالى، وسنفتح الشراكات الجديدة مع المؤسسات الأردنية والعربية، وسأمرر المسرح والدراما في كل منتج جديد لمشروع رنين، حتى يصبح المسرح طقساً يومياً في حياة الأطفال، يلعبونه في دراستهم وقراءتهم للقصص، وحتى عندما يتعاملون فيما بينهم.
أما المسرح فالآن تجري الاستعدادات لإخراج عمل مسرحي يدور حول الهجرة غير الشرعية بعنوان " موت أو موت" وهو عن نص كتبته وفزت به في مسابقة للكتاب المسرحيين الشباب والذي نظمه المركز الثقافي البريطاني ومسرح الرويال كورت في لندن، بهدف تسليط الضوء على الأقلام المسرحية الشابة وتشجيعها، وقد فزت في هذه المسابقة وحصلت على دورة تدريبية متخصصة لكتابة المسرح، وهذا العمل المسرحي الآن نضجت رؤيته البصرية في ذهني والذي سأقوم بإخراجه خلال الفترة القادمة والتي لن تتجاوز نهاية العام 2010.
o وأحاول الآن تعميم تجربتي للأسباب التالية:
1. فتح آفاق جديدة للأطفال ذوي الإعاقة البصرية خاصةً، وذوي الإعاقات عموماً للمشاركة في جملة من الأنشطة الفنية والثقافية والمجتمعية، وذلك لاتاحة الفرصة لهم لاكتشاف قدراتهم وتوفير فرص حقيقية لهم للتفاعل مع المجتمع المحلي.
2. محاولة تعميم فكرة دور عرض مسرحية صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة، وسهلة التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة عموماً سواءً كممثل أو متفرج.
3. التعامل معي كفنانة مسرحية، او مخرجة مسرحية دون الاشارة لإعاقتي فانا لم اسمع يوماً أحدهم يقول المخرج المسرحي السمين مثلا علان، او المخرجة المسرحية البيضاء أو السوداء فلانة.
4. فتح أقسام للدراما وادخاله كمنهاج في مراكز التدريب والتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة، واستخدامه كوسيلة تربوية، ولتكن مخرجات مشروع رنين نموذجاً.
في الختام...
يظل المسرح عالماً مطلقاً مفتوحاً ومتعدد التأويلات، يحق لكل انسان أن يشارك فيه ممثلاً مخرجاً أو متفرجاً طالما اتحنا له الفرصة وتوفرت لديه الرغبة وصقلها بالمعرفة والعلم.
في ظل سياسات الباب المفتوح التي يروجون لها في كل مكان ...
أرجوكم أن تبقوا باب المسرح مشرعاً مفتوحاً للجميع ....
إنها مهتمتنا جميعاً....
كمؤسسات تعمل في مجال الإعاقة .....
أشخاص ذوي إعاقة ......
مؤسسات مسرحية وثقافية.........
إنه حق .... فلا يساوم عليه ولا يفاوض على منحه وليس خياراً بمنحه او منعه....
المسرح لنا .. ولكم .....
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى