مـقـدمـة

إن في كل عصر بعض المنارات من الرجال و نساء يضرب بهم المثل في الأدبو الشعر و العمل الاجتماعي و وصل ببعض النساء أن يرحل إليها أفذاذ و فحول الشعراء والعلماء لينهلوا من علمها و من شعرها و من أدبها و من أسلوب حياتها ووسائل عملهاالاجتماعي في خدمة المجتمع و ازدهاره .
و من نقدها ووصل بهن كذلك أن تجيزالعلماء و الشعراء و الأدباء و النقاد و كان من بين هؤلاء النسوة واحدة يرجع نسبهاإلي رسول الله صلي الله عليه و سلم و هي :
سكينة بنت الحسين بن علي رضي اللهعنها .















الموضــوع
أولا : نسبهاوولادتها
هي آمنة بنـت الحســين بـن علـي بـن أبي طالب , ولـدت في سنة 47 هـ، وسـميت باسـم جـدتـها أم النبـي ، ثـم لقـبتها أمـها الـرباب بنت امرئ العتيى بنعدي بن أوس بن جابر تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهم: بسـكينة ، وقـداستقبل الـبيت الهــاشمـي قبـلهـا مـولـد أخيهـا الشقيق ( عبد الله بن الحسين ) الذي استشهد مع أبيه رضي الله عنه. فقد عاشت السيدة سكينة فاجعة كربلاء فأصيبتبأبيها وبأخويها علي وعبد الله ، وعمومتها وزوجها وبني عمومتها وأصحاب أبيها رضوانالله عليهم أجمعين ، وقد أثرت فيها مصيبة أخيها الرضيع تأثيراً عظمياً حتى أنها لمتستطع أن تقوم لتوديع الحسين ولحظ ذلك سيد الشهداء فوقف يكلمها مصبراً
وهو يقول :
سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقيقلبي بدمعة حسرة ما كان مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذيتأتينه يا خيرة النسوانِ
{عمر رضا كحالة ، إعلام النساء في عالمي العرب والإسلام ، الجزءالثاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، شارع سوريا .} المرجع
ثانيا : صفاتها وحياتها
نبيلة شـــاعرةكريمة مــن أجمــل النســاء وأطيبــهن نفســــا. كانت سيدة نســاء عصــرها ،تجالــس الأجــلة مـن قريــش ، وتجمـع إليـها الشــعراء فيجـلسون بحـيث تراهــم ولا يــرونها ، وتســمع كلامــهم فتفــاضل بينــهم وتنــاقشهم وتجــيزهم. دخــلتعلــى هشـام الخلــيفة وسـألـته عمـامـته ومــطرفه ومــنطقـته ، فــأعــطاهـا ذلك. وقــال أحـد معاصـريها: أتيـتها و إذا ببــابها جــرير والفــرزدق وجــميل و كثـير، فأمرت لكل واحد بألف درهم.
ثالثا: زواج سكينة :
إن أخبار زواج سكينة بنت الحسين فيها من التناقض والاضطراب والتناقض الشيءالعجيب ، مما لا يُقبل لامرأة بسيطة ، فكيف هذا مع بنت رسول الله صلى الله عليهوسلم، حتى اشتهر عنها من قبل بعض المؤرخين أنها امرأة مزواج، إذ تزوجت ثماني مرات،وفي هذا مبالغة عجيبة غريبة ، وقد اتفق الشيعة وبعض أهل السنة على أنها تزوجت اثنينفقط هما : ابن عمها الحسن، وقيل هو عبد الله بن الإمام الحسن – رضي الله عنه، ومصعببن الزبير، وعذرهم في عدم قبول تلك الروايات، أنها تجمع الرجل وجده في زواجها،وتذكر أناسا ، لا يمكن أن يكونوا على مسرح الأحداث فترة حياة سكينة، حيث كانوا فيعداد الأموات.
ويرى الباحث هنا أن ما كتب من تاريخ في العصر الأموي، فيهالكثير من تزييف الحقائق والظلم لكثير ممن عاشوا في تلك الفترة من الزمن. وليس هذافي حق آل النبي فحسب ، بل وفي حق الأمويين أنفسهم ، ففي حين نجد بعض المؤرخين يصفونفاطمة بنت عبد الملك زوج عمر بن عبد العزيز بالتقوى والدين والورع، نجد أبا الفرجالأصفهاني صاحب كتاب الأغاني يورد أخبارا في تعرضها لعمر بن أبي ربيعة ، وسماع شعرهفي الغزل الصريح .
{عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ،سكينة بنت الحسين ، ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان.}المرجع
رابعا: سكينة شاعرة
لم نجد من شعرها إلاّأبياتا قليلة قالتها ترثي أباها الحسين رضي الله عنه ، ولقلة شعرها شكك بعضالباحثين في كونها شاعرة وناقدة، تسمع للشعراء وتنقدهم ، وفي أمالي الزجّاج عدّةأبيات قالتها سكينة ترثي أباها الحسين رضي الله عنه :
لا تعـذليه فـهمّقـاطعٌ طُـرقُـه * فعينه بـدمــوع ذُرَّفٍ غدقة
إنّ الحسين غـداة الطفيـرشقه * ريب المنون فما أن يُخطىء الحدقة
بـكفّ شــرّ عبـاد الله كلّهـم * نـسل البغايا وجيش المرّق الفسقة
يا اُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكـم * غـداًوجلُّكـم بـالسيف قد صفقه
الويـل حلّ بكـم إلاّ بمن لحقـه * صيّـرتمـوهلأرمـاح العِدا درقـة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دمـاً * لا تبكِ ولـداً ولاأهـلاً ولا رفقـة
لكن على ابن رسول الله فانسكبي * قيحاً ودمعاً وفي إثرهماالعلقة
خـامسا : سكينة الأديبة الناقدة
اجتمع بالمدينة راويةجرير وراوية كثير وراوية نصيب وراوية جميل ورواية الأحوص فادعى كل رجل منهم أنصاحبه أشعر ثم تراضوا بسكينة بنت الحسين فأتوها فأخبروها فقالت لصاحب جرير: أليسصاحبك الذي يقول :
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا حسين الزيارة فارجعيبسلام
وأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق قبح الله صاحبك وقبح شعره ، ثم قالتلصاحب كثير: أليس صاحبك الذي يقول:
يقر بعيــني ما يقـر بعينها وأحسن شيءمابه العين قرت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت من الصم لو تمشي بها الصمزلت
صفوحا فما نلقاك إلا بخلية فمن مل منها ذلك الوصل ملت
خليلي هذاربع عزة فاعقلا قلو صيكما ثم ابكيا حيث كلت
س شيء أحب إليهن و لا أقرلأعينهن من النكاح أفيجب صاحبك أن ينكح قبحه الله و قبح شهره.
ثم قالتلراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فان وجدت نعل بأرض مضلة من الأرض يوماً فاعلمي أنهانعلي
خليلي فيها عشتما هل رأيتها قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي
ما أرىلصاحبك هوى إنما يطلب عقله قبح الله صاحبك و قبح شهره.ثم قالت لصاحب نصيب: أليسصاحبك الذي يقول:
أهيم بدعد ما حييت فأن أمت فوا حزني من ذا يهيم بها بعدي

كأنه يتمني لها من يتعشقها بعده قبح الله صاحبك و قبح شهره إلاقال:
من عاشقين لراسلا و تواعدا ليلاً إذا نجم الثريا حلقا
باتابأنعم ليلة و ألذها حتى إذا وضح الصباح تفرقا
قال: نعم. قالت قبحه الله وقبح شعره إلا قال تعانقا.
وخرج كثير في الحج بجمل له يبيعه فمر بسكينة بنتالحسين ومعها عزه وهو لا يعرفها. فقالت سكينة: هذا كثير فسوموه بالجمل فساموهفاستام مائتي درهم. فقالت : ضع عنا. فأبى فدعت له بتمر وزبد، فأكل ، ثم قالت له: ضععنا كذا و كذا لشيء يسير فأبى. فقالوا أكلت يا كثير بأكثر مما نسألك. فقال : ما أنابواضع شيئاً. فقالت سكينة: اكتشفوا عنها و عن عزة فلما رآهما استحيا وانصرف و هويقول: هو لكم هو لكم. و قالت سكينة لكثير حين أنشدها قصيدته التيأولها:
أشتاقك برق آخر الليل واصب تضمنه فرش الجبا فالمسارب
تألقواحمو في وخيم بالربى احم الذرى ذو هيدب متراكب
اذا زعزعته ارزم جانب بلاخلف منه و أومض جانب
وهبت لسعدى ماءه و نباته كما كل ذي ود لمن ودواهب
لتروى به سعدى و يروى صديقها و يغدق أعداد لها و مشارب
أتهب لهاغيثاً عاما جعلك الله والناس فيه أسوة؟ فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلموصفت غيثاً فأحسنته وأمطرته وأنبته وأكحلته ثم وهبته لها: فقالت: فهلا وهبت لهادنانير و دراهم.

سادسا : شخصيتها الاجتماعية
السيدة سكينة، كانت بادية الاعتزاز بنسبها العالي وشرفها الرفيع . وكان خصومها لها ، يقرون لهابهذا الاعتزاز ويرونها أهلا لأن تباهي به من تباهي فتسكته.وفي الأخبار ، أن سكينةشهدت يوما مأتما فيه بنت لعثمان بن عفان فقالت العثمانية: أنا بنت الشهيد . فأنكرالمجلس أن تفخر بأبيها على مسمع من بنت غذي النبوة سيد الشهداء . على حين أمسكت (سكينة) صامتة لا تعلق ، إلى أن أذن المؤذن من المسجد النبوي للصلاة ، فلما بلغقوله : ( أشهد أن محمدا رسول الله ) التفتت سكينة إلى بنت عثمان وسألتها :
هذا أبي أم أبوك ؟
فأجابت العثمانية في تواضع :
لا أفخر عليكمأبدا.
وكانت شجاعة اللسان والجنان :
سمعت أن ابن مطير _ خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم المرواني _ يشتم جدها كرم الله وجهه ، من فوق منبر جدهاعليه الصلاة والسلام ( فكانت تجيء يوم الجمعة لتشهد صلاة الجماعة ، فتقوم بازاءالحارث إذ يصعد المنبر ، فإذا شتم عليا _ كرم الله وجهه _ تصدت له سكينة فشتمه ، ثمأمرت جواريها أن يشتمه ، فلا يملك ابن مطير أن يرد عليها . بل يكتفي بأن يأمرالشرطة بضرب
الجواري . )
{- خير الدين الزركلي ، الأعلام (قاموس وتراجم)، الجزء الثالث ، دار العلم ، بيروتلبنان، 199} المرجع












الخــــــــاتــمـة :

إن النساء اللواتي هنمنارات في المعرفة لم يخلقهن الله لكي نتسلى بسيرتهن و لكن خلقهن الله سبحانه وتعالي لكي يكونوا لنا منارات مضيئة في جوانب الحياء المختلفة فالواجب علينا أننقتدي بهن بالنسبة للرجال و النساء و لاسيما ظهرت في هذا العصر وسائل كثيرة خارجيةو داخلية تهدف علي هدم هذا الصرح العظيم وهي الأم التي أصبحت المحضن الأخير لصناعةالأجيال التي تحمل مسئولية الإسلام و فهمه و العمل به و الدعوة إليهأسأل اللهأن نكون قوماً عمليين منفذين للهدى و النور و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل .
















المــراجـــع :

-1 خير الدين الزركلي ، الأعلام (قاموس وتراجم)، الجزء الثالث ، دار العلم ، بيروتلبنان،199

2-عمر رضا كحالة ، إعلام النساء في عالمي العرب والإسلام ، الجزءالثاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، شارع سوريا .


3-عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ،سكينة بنت الحسين ، ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان.