هلا الغلااااا ^^
لقيـــت لج معلومااات ثااااااااانية كثيـــرة يا رب تفيييدج """
دور الأسرة المسلمة في مقاومة الغزو الفكري
من المعروف أن البضاعة الفاسدة لا تجد سوقاً رائجة إلا في بيئة فاسدة مستعدة لاستقبالها ، فاحتضانها ، بل إربائها ، أما في البيئة المحصنة بالقيم فلا مكان للفساد بأي شكل من الأشكال .
والأسرة المسلمة ـ التي أسست علي المنهج الذي رسمه الإسلام ، وحرصت علي تجسيده واقعاً حياً في كل صغيرة وكبيرة من شئون حياتها ـ تعتبر من أقوي جبهات المقاومة للغزو الفكري ، حيث إنها بمثابة الحصن الحصين الذي يصد هجمات المعتدين .
لكن ـ وللأسف الشديد ـ بدأ التصـدع والوهن يدب في أوصال الأسرة المسلمة ، بعدما بعدت عن أحكام الإسلام بفعل الهجوم المركز الذي شنه غزاة الفكر عليها ، وأصبح قيامها بدورها في المقاومة مرهوناً بعودتها إلي صورتها المثلي التي رسمها الإسلام .
وبناء عليه يمكن تلخيص دور الأسرة المسلمة في مقاومة الغزو الفكري الموجه إليها في العناصر التالية :
أولاً : ضرورة تطبيق المنهج الإسلامي في تكوين الأسرة :
فكما هو معروف أن {الوقاية خير من العلاج } وتكوين الأسرة من البداية علي أسس إسلامية يعطيها مناعة ضد ما يراد بها من تغيير ملامحها الإسلامية ، وصبغها بالصبغة الغربية .
ثانياً : الوقوف علي أحوال الأسرة الغربية :
وذلك لمعرفة مقدار التمزق والضياع الذي آلت إليه ، تحرزاً من نفس المصير ، أو الوصول إلي نفس النتيجة في حالة استمرار عقدة التقليد الأعمى لكل ما يصدره الغرب إلينا .
ثالثاً : أن يستشعر الآباء المسئولية تجاه الأبناء :
تلبيةً لمقتضى الفطرة الأبوية ، وامتثالاً لأوامر الله ورسوله e رغبة في الثواب ، ورهبة من العقاب .
واستشعار الآباء بمسئوليتهم عن الأبناء ، تترتب عليه عدة أمور غاية في الأهمية في عملية المقاومة للغزو الفكري للأسرة المسلمة ،من هذه الأمور :
1-أن يؤدي كل واحد من الزوجين دوره وواجبـه : فالرجل يؤدي دوره وواجبه ، والمرأة تؤدي دورها وواجبها ، ويتعاون الطرفان ، ولا ينتقص أي منهما حق الآخر ، ويكون ذلك علي النحو التالي :
"أ-إلي الرجل تكون عيالة الأسرة ورعايتها وحمايتها ، والقيام بما هو عسير شاق من خدمات التمدن ، فيكون تعليمه وتربيته علي النحو الذي يجعله أنفع ما يكون لهذه المقاصد .
ب-وإلي المرأة تكون تربية الأولاد وواجبات البيت ، والعمل علي جعل الحياة المنزلية بحبوحة أمنٍ ودعةٍ وراحة ، فتحلي بأحسن ما يكون من التربية والتعليم لأجل قيامها بهذه الخدمات .
ج-ولاستبقاء نظام الأسرة ووقايته من الفوضى والشتات ، لابد أن يُجعل لأحد من أفراد الأسرة الحكم والأمر علي سائرهم ، في ضمن حدود القانون ، حتى لا تظل الأسرة كقطيع من الغنم بلا راع ، وذلك الفرد الآمر لا يمكن أن يكون من غير صنف الرجال ، لأن عضو الأسرة الذي تكون حالته العقلية والنفسية عرضة للتغير ، مرة بعد أخري ، في أيام المحيض ، وفي زمان الحمل ، لا يصلح أبداً لاستعمال سلطة الحكم والأمر.
د-يجب أن تُقرّر في نظام التمدن التحفظات اللازمة لإدامة هذه القسمة والتنظيم في وظائف أفراد الأسرة ، حتى لا يستطيع السفهاء أن يخلطوا بحماقتهم بين دوائر أعمال الرجل والمرأة ، فيدخلوا الفوضى علي هذا النظام التمدني الصالح "([21])
2-تربية الأبناء تربية إسلامية متكاملة :
لتكون حمايةً لهم من الزلل والوقوع في شباك الغزو الفكري ([22])
3-حماية الأبناء من روافد الغزو الفكري :
ومن تلك الروافد التي يجب علي الأسرة المسلمة أن تحمي الأبناء من خطرها :
أ-المحاضن ، أو المدارس الأجنبية أو التبشيرية : حيث ينبغي التنبه لأخطار تلك المدارس ، ودورها في خدمة الغزو ، ومقاطعتها مقاطعة تامة .
وقد جاء في توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي ، المنعقد في مكة المكرمة ،عام 1397هـ / 1977 م بهذا الخصوص ما يلي :
" يوصي المؤتمر جميع المسلمين في البلاد الإسلامية ، بعدم إرسال أبنائهم وبناتهم إلي المدارس التبشيرية والأجنبية ، مهما كانت المغريات التي تقدمها تلك المدارس ومَنْ ورائها من الهيئات والمؤسسات ، نظراً للنتائج المدمّرة التي تصيب الدارسين في هذه المدارس من ناحية عقيدتهم وولائهم للإسلام والوطن الإسلامي ،واتخاذ أعداء الإسلام لهم جنوداً يحاربون بهم الإسلام من داخل المجتمع الإسلامي ذاته ."([23])
ب-الخادمات والمربيات الأجنبيات غير المسلمات : كما هو كائن من تواجدهن في كثير من أقطار الخليج وغيرها ،فتعمل الأسرة جاهدة علي عدم إتاحة الفرصة لأن يتلقى الطفل أي فكر أو توجيه منهن ، وأوْلي من هذا عدم اجتلابهن أو إحضارهن من الأصل ،واستبدال مربيات مسلمات بهن إذا كان ثمة داع إلي هذا .
ج-وسائل الإعلام المختلفة ـ مقروءة ومسموعة ومرئية ـ: والتي سخرها الغزو الفكري لتنفيذ أغراضه تجاه الأسرة المسلمة .
وليس المراد حرمان الأبناء كلية من هذه الوسائل ، والتي تحتوي علي المفيد النافع كما تحتوي علي الخبيث الضار ، وإن كان المفيد فيها يتضاءل أمام الضار .
ولكن المراد أن تتبع الأسرة المسلمة سياسة الانتقاء الواعي بمعني أن تنتقي المفيد في كل المجالات : الدينية ، والتعليمية ، والسياسية ، والاقتصادية ،و الرياضية 00إلخ ،وتنأى عن البرامج الهدَّامة ، والصحف الإباحية .
4-تقديم البدائل الإسلامية عن روافد الغزو الفكري:
حيث إنه من الصعب حماية الأبناء من كل هذه الروافد إلا بتقديم بدائل إسلامية ذات كفاءة عالية في طبع الحياة الأسرية بالطابع الإسلامي .
5-ملء وقت الفراغ بالنافع المفيد :
كالألعاب الرياضية التي لا تحتوي علي مخالفات للإسلام ، وسماع الأشرطة الإسلامية ، والزيارات العائلية المنضبطة التي توثق الروابط الاجتماعية ، والرحلات الهادفة إلي الأماكن الإسلامية لمعرفة تاريخ الإسلام ،والاطلاع في إحدى المكتبات ، ويُفضّل أن توضع نواة لمكتبة إسلامية في البيت تضم كتباً ميسرة في كافة المجالات ، وأشرطة مسجلة 000إلخ ؛ لأن من لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل .
6-الرقابة والتوجيه :
فمن منطلق الاستشعار بالمسئولية ينطلق الوالد بكليته في مراقبة الولد وملاحظته ، وفي توجيهه وملاحقته ، وفي تعويده وتأديبه ، لأنه إذا غفل عنه فترة ، أو تساهل في ملاحظته مرة ، فإن الولد سيتدرج في الفساد خطوة خطوه ، وفي حال الغفلة الدائمة ، والتساهل المتكرر يصبح الولد من زمرة الأولاد الشاذين ، ومن عداد الشباب المنحرفين ، ومن جنود غزاة الفكر المخلصين .
فانحراف الأبناء ، وتأثير الغزو الفكري فيهم نتيجة طبيعية لانعدام الرقابة والتوجيه من الآباء .
فالرقابة والتوجيه من مسئوليات الآباء ، وينبغي أن تكون الرقابة شاملة لكل صغيرة وكبيرة مثل : حشمة الملبس ، وعفة اللسان ، والتغيب خارج البيت ، ومعرفة الأصدقاء ، وملاحظة التغيرات التي تطرأ علي الأبناء خاصة في سن المراهقة ، ومتابعة الأحوال التعليمية 0000إلخ .
والسلطة الأبوية تقتضي ضبط الأمور ، فلا يوجد شئ في الإسلام يسمّي " الحرية الفوضوية " ، تلك الحرية التي أساء الناس استخدامها ، ففعل كلُّ إنسان ما يحلو له ، حتى ولو كان علي حساب الآخرين .
وما ظهرت انحرافات الأبناء إلا عندما تخلي الآباء عن رقابتهم وتوجيههم .
7-فتح دائرة الحوار بين الآباء والأبناء :
وذلك لمعرفة مشاكلهم أولاً بأول ، والعمل علي حلِّها ، وبالتالي يحدث التقارب بين الآباء والأبناء ، وتتلاشى الفجوة التي تنتج عن إهمال الآباء للأبناء ، وانشغالهم عنهم .
فهل فكرّ الآباء في إعطاء القليل من أوقاتهم لأبنائهم ؟
ليعلم الآباء أنهم إذا ضحوا بقليل من أوقاتهم لأولادهم علي حساب انشغالاتهم الخاصة ، فإن النتيجة التي سيجنونها تكون عظيمة : ألا وهي تكوين رجل سعيد ومتوازن يستطيع أن ينتج داخل المجموعة التي يعيش فيها .
رابعاً : تيسير أمر الزواج :
إن المستقرئ لأحوال الأمم يدرك أن فوضي الغرائز الجسدية هي أساس انهيارها إذ أنها تؤدي إلي ارتكاب كافة المنكرات .
ولقد كان الإسلام حكيماً عندما تعامل مع الغريزة الجسدية في الإنسان بواقعية فأغلق الباب أمام كل ما من شأنه أن يثير تلك الغريزة ، ووضع عقوبات رادعة لكل من تسوّل له نفسه أن يسلك طريق الحرام ، وحث علي الزواج المبكر عند القدرة عليه ، تحصيلاً لفوائده ، ومنها :
"1-ضمان العفة النفسية والجسدية والوقاية من الانزلاق في الشهوات .
2-الاستقرار النفسي والعقلي للشاب مما يدفعه للبناء والإنتاج والعطاء بصورة أثقل .
3-توثيق الروابط الاجتماعية ، وتحصين البيوت والأسر .
4-السعادة في الحياة الزوجية ، حيث يمهد الزواج المبكر فرصة للتفاهم بين الزوجين ومواءمة طباعهما لبعضهما البعض .
5-مجال لمباشرة تربية الأبناء ، وذلك لقرب الأجيال بعضها لبعض ، كما يكون الأب في أوج نشاطه وشبابه وعطائه التربوي لأبنائه " ([24])
إن هذا الذي حث عليه الإسلام منذ ما يزيد علي أربعة عشر قرناً من الزمان ، أخذ علماء الغرب ينادون به في العصر الحديث ، كحل جذري للمشكلة الجنسية التى تنخر في حضارتهم .
يقول الدكتور / فريد يريك كهن : " كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً وكان ذلك حلاً صحيحاً للمشكلة الجنسية ، أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر ، كما أن هناك أشخاصاً لا يتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة ، فالحكومات التي ستنجح في نص قوانين تسهل بها الزواج الباكر ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير ، لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا ."([25])
وتيسير أمر الزواج خطوة فعالة في مقاومة الغزو الفكري الذي يضرب باستمرار علي وتر الشهوات مثيراً للغرائز بكل الوسائل ، مع حرصه علي تأخير سن الزواج ، ووضع العقبات في طريق الحلال ، ومع تسهيل أمر الحرام ، والتهوين من شأن الفاحشة ، وبهذا تكون خطة الغزو للأسرة المسلمة محكمة كالتالي :
إثارة للغرائز + وضع العقبات في طريق الزواج + تهوين من شأن الفاحشة = وقوع في الحرام ، وانقياد للشهوات ، وإعراض عن تكوين الأسرة .
وبالفعل أصبح المجتمع المسلم ـ في كثير من بقاع الأرض ـ يعجّ بأنواع لا حصر لها من العلاقات المحرمة التي يترتب علها انهيار الأسر ، وحرمان الأمة من نسل حلال يدفع بها إلي السؤدد والريادة ، وما ذلك إلاّ لأن طريق الحلال ملئ بالكثير من العقبات .
وتيسير أمر الزواج مسئولية مشتركة بين كل الجهات (الأسرة ، الحكومات ، أجهزة الدعوة ) ، إلا أن القسط الأكبر من المسئولية يقع علي الأسرة التي تعد المخاطب الأول في موضوع الزواج ، ولذلك آثرت إدراج هذه الجزئية ضمن الدور الذي تقوم به الأسرة المسلمة في مقاومة الغزو الفكري الموجه إليها .
ودور الأسرة يتلخص في تيسير المهور وعدم المغالاة فيها ، عند توافر الدين والخلق للشاب ، وكذلك تقديم المساعدة للأبناء ، إذا توفرت القدرة المالية .
ودور الحكومات يتلخص في العمل علي إنشاء " مؤسسة للزواج " في كل بلد ، يكون هدفها مساعدة الأسر علي التكوين .
وتتمثل تلك المساعدة فيما يلي :
1-النهوض ببناء وتشييد المساكن الشعبية وتمليكها أو إجارتها بأجر زهيد ، وجعل الأولوية للذين عقدوا عقد الزواج .
2-إقامة مؤسسات لتصنيع جهاز الزوجية ، وبيعها بأسعار مناسبة .
3-مساهمة المؤسسة بمبلغ من المال للمقبلين علي الزواج ، ويحتاجون إلي عون مالي ،علي أن يسدد المبلغ بعدئذ بدون فوائد .
4-إيجاد صالة أعراس يتم فيها فصل الرجال عن النساء حماية للأخلاق الإسلامية.
5-إعادة وقف الأعراس :"وهو وقف لإعـارة الحلي والزينة في الأعراس والأفراح ، ويستعير الفقراء منه ما يلزمهم في أفراحهم وأعراسهم ، ثم يعيدون ما استعاروه إلي مكانه ، وبهذا يتيسر للفقير أن يبرز يوم عرسه بحلة لائقة ، ولعروسه أن تجلي في حلة رائقة ، حتى يكتمل الشعور بالفرح ، وتنجبر الخواطر المكسورة ."([26])
6-محاولة إيجاد فرصة عمل في حال احتياج الزوج لزيادة دخله عن طريق المؤسسة .
وتتطلب هذه المؤسسة ـ لتكون رسالتها فعالة في علاج مشكلة الزواج ـ ثلاثة أشياء :
1-لجنة مكونة من بعض الغيورين علي الدين والمهتمين بعلاج هذه المشكلة .
2-رصيد لا بأس به من المال .
3-لائحة تنظم العمل في هذه المؤسسة .
أما اللجنة : فيجب أن تقوم بعملها دون أجر ، وتجعل جهدها في ذلك حسبة ، أو علي الأقل لا تأخذ علي ما تقوم به من جهد إلا أجراً زهيداً لا يتعدي ما تتكلفه ـ أحياناً ـ من نفقات .
وأما الرصيد : فيتكون مما يتبرع به الأغنياء ، ويتجمع من سهم الزكاة ، إذ أن هذا الأمر من الأمور التي تدخل في قوله تعالي }0000وفي سبيل الله 000{([27]) وسبيل الله مصرف من مصارف الزكاة الثمانية ، ويضاف إلي هذين الموردين ما سيجود به الذين أصابهم خير من وراء هذه المؤسسة .
وأما اللائحة :فينبغي أن تتضمن من المواد ما ييسر ولا يعسر ، وما يوسع ولا يضيق ، وما يسامح ولا ينافح ، وتتحرى هذه المواد الخطوط الرئيسية الآتية:
أ-أن المؤسسة ليس القصد منها تجارة ولا ربحاً ، وإنما هدفها تيسير الزواج للراغبين ، وحل مشكلة المهور لمن يعجزون عنها كلياً أو جزئياً .
ب-إحصاء هؤلاء العاجزين في قوائم ، وترتيبهم بحسب مدي حاجتهم ، وتقدير المساعدة التي يمكن أن تفي بهذه الحاجة ، ولا شك أن اللجنة القائمة علي المؤسسة أدري بهؤلاء ، وأعرف بمدي حاجتهم ، فمن الطبيعي أن يعرف أفراد كل مجتمع بعضهم بعضاً ، ولا سيما في موارد الرزق .
ج-الحرص علي تحقيق العدالة بين الطالبين لمساعدة المؤسسة ، بحيث لا تكون هناك محاباة لأحد علي أحد ، أو تقديم هذا علي ذاك دون سبب مقبول .
د-تقديم حساب ختامي كل عام للمحكمة العليا أو أية مؤسسة دينية رسمية في المنطقة ، حتى لا يكون هناك مجال لتناول اللجنة القائمة علي المؤسسة بنقد أو تجريح .
هذا المشروع إذا خرج إلي حيز التنفيذ يأتي بخير كثير إن شاء الله .
ولقد طُبِّق بالفعل في دولة الإمــارات العربية المتحــدة ، وكانت النتائج مبهرة .([28])
وأما دور أجهزة الدعوة في تيسير أمر الزواج فيتلخص فيما يلي :
1-التوعية الدائمة بفوائد الزواج المبكر ، وأضرار التأخر في الزواج علي الفرد والمجتمع .
2-تربية معاني الأمانة على الحقوق في المجتمع ، كي يطمئن الناس علي مستقبل بناتهم ، وتطمئن النساء إلي أزواجهن ، حتى تختفي ظاهرة التشدد في غلاء المهور ، بحجة ضمان الحق .
3-بذل الجهد حتى يتحول تيار المجتمع الذي يتفاخر بالمغالاة في المهور إلي الاتجاه المعاكس ،أي إلي التفاخر بتيسير المهور وأثاثات البيوت .
وليس ذلك بالأمر العسير ، إذ أن التقاليد الاجتماعية والأعراف يصنعها أفراد قلائل يتمتعون في نظر الناس بالمكانة العالية ، فلو أن أفراداً من هذه الطبقات عملوا بهذه السنة لقلدهم فيها الناس .([29])
وبعــــد :
فإن قيام كل جهة من هذه الجهات بالدور المنوط بها في تيسير أمر الزواج يحقق مقاومة قوية للغزو الفكري للأسرة المسلمة 00000مقاومة توجد السبيل الذي يفتح طريق الحلال ويسد طريق الحرام ، فمن يسر زواجاً فقد عسر زنا ، ومن عسر زواجاً فقد يسر زنا .
أيضاً فإن هذا النوع من المقاومة يفوّت الفرصة علي غزاة الفكر الذين يركزون علي استخدام الشهوات والغرائز من أجل الوصول إلي تحطيم الأسرة المسلمة ، وبالتالي تحطيم الأمة الإسلامية .
المبحث الثالث
دور الحكومات الإسلامية في مقاومة الغزو الفكري
" إن الحكومات في البلاد الإسلامية يمكنها القيام بدور فعّال في مقاومة الغزو الفكري ، حيث إنها تملك من الوسائل ما لا يملكه غيرها ، وتقدر علي فعل ما لا يفعله سواها من المؤسسات أو الأفراد ، كالأسرة والعلماء وغيرهم ، ومن هنا تنعقد عليها أكبر الآمال في الاضطلاع بالدور الأكبر ."([30])
وحتى يتسنى لتلك الحكومات القيام بدورها لابد أن تحدِّد موقفها من هذا الغزو الفكري المدمّر ، وتحديدها لموقفها " يخضع للبواعث لها علي مباشرة الحكم في هذه المجتمعات ، أتعود هذه البواعث لمصلحة وطنية عليا ؟ أم تعود إلي الاحتفاظ بالسلطة وجاه الحكم والنفوذ ؟
والمصلحة الوطنية العليا يحققها الاستقلال وعدم التبعية لأي اتجاه سوي الاتجاه الذي قام المجتمع علي أساس منه ، وهو اتجاه الإسلام ، فمعني المجتمع الإسلامي هو ذلك المجتمع الذي يتبني المبادئ والقيم الإسلامية في سلوكه وفي سياسته ."([31])
ودور الحكومات الإسلامية في مقاومة الغزو الفكري يتمثل في العناصر التالية :
أولاً : ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية :
إذا كان التنظير مهمّاً ، فالتطبيق أهم ، لأن النصوص وحدها لا تصنع شيئاً ، والمبادئ لا تعيش إلاّ أن تكون سلوكاً .
ولقد حبا الله الأمة الإسلامية بشريعة غرّاء تتصف بالربانية ، وتتسم بالشمول ، وتختص بالتجدد والاستمرار ، وتكفل للأمة عز الدنيا وسعادة الآخرة ، شريطة أن تُصاغ واقعاً حيّاً يحياه المسلمون .
ولقد طبق المسلمون الشريعة الإسلامية قروناً طويلة فسعدوا وعزوا وسادوا ونالوا شرف الدارين ، ولن ينفعنا الاستشفاء من عللنا التي أصابتنا إلاّ بها ، لأن " أفضل أنواع العلاج هو ما جرّبه المريض ، فحسم داءه ، وعجل شفاءه ، والأحمق من الناس هو الذي يدع الدواء المجرب الموفور عنده ليبحث عن دواء جديد عند الأجانب عنه ، بل عند خصومه وألد أعداء دينه وأمته ، مع أن هذا الدواء الذي يلتمسه لا يشفي أصحابه ، ولم يهيئ لهم العافية ، ولم يزدهم إلا خبالا."([32])
حقاً : إن هذا لشئ عجاب :
ومن العجيب والعـجائب جمة قرب السبيل وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهـورها محمول
إن الشريعة الإسلامية لا تؤتي ثمارها المباركة إلاّ إذا خرجت من حيز النظرية إلي حيز التطبيق ، وخير دليل علي ذلك اقتران الإيمان بالعمل في كثير من آيات القرآن الكريم.
هذا إن أراد المسلمون النجاة ، وإلاَّ صدق عليهم قول القائل :
ترجو النجاة ولم تسْلُك مسالكها إن السفينة لا تجري علي اليبس
ويكفي ما تجرعه المسلمون من ويلات ومفاسد بسبب ابتعادهم عن شريعة ربهم ، وتمسكهم بالقوانين الوضعية التي تُهمل المسائل الأخلاقية إهمالاً شبه تام .
فعلي الحكومات الإسلامية أن تتحرّر من التبعية للغرب ، وأن تعود إلي ذاتيتها المتميزة ، وذلك بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل الميادين ، وعلى الأخص ميدان العقوبات الإسلامية التي تكفل تشريعاتها سلامة المجتمع وسلامة الأفراد من شتي الجرائم ، وتردع كل من تسول له نفسه أن يسير في ركاب الغزو الفكري ، أو يكون من جنوده المخلصين .
وقد كانت أولي توصيات المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة ـ والذي عقد في المدينة المنورة عام 1397هـ / 1977م ـ :" مطالبة الحكومات الإسلامية كلها بنبذ القوانين الوضعية ، والعودة إلي الشريعة الإسلامية :}أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{ ([33]) ([34])
وقد جاء في توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي ، بهذا الخصوص أيضاً ما يلي :
" يوصي المؤتمر جميع الدول الإسلامية بضرورة تحكيم شريعة الله في بلادها ، وإقامة حياتها علي أساس من المبادئ والقيم الإسلامية ."([35])
بل " يوصي المؤتمر بأن تكون دراسة الشريعة الإسلامية بكل فروعها هي الدراسة الأساسية في كل كليات الحقوق مع عقد دراسات مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية عند الحاجة ، وعلي أيدي نخبة من المتخصصين ، الذين يجمعون بين الإيمان العميق ، والتخصص الدقيق ، والقدرة علي إبراز ما في الشريعة من شمول وتكامل وسمو وقدرة علي تحقيق مصالح الأمة ، وتلبية حاجات الجماعة ، دون الوقوع في الانحراف ، والنتائج الضارة التي نشأت من تطبيق القوانين الوضعية بشهادة المجتمعات المعاصرة الرأسمالية والشيوعية علي السواء ."([36])
أقول : هذا هو الدور الرئيس الذي يجب أن تقوم به الحكومات الإسلامية إن أرادت مقاومة الغزو الفكري ، الذي ينمو ويثمر في ظل غياب الشريعة الإسلامية عن واقع الحياة .
وفي العناصر التالية ـ إن شاء الله ـ توضيح لمقتضيات تطبيق الشريعة الإسلامية من باب :}000وتعاونوا علي البر والتقوى 0000{ ([37])
ثانياً : دعم الفكر الإسلامي لمواجهة الغزو الفكري :
يقول الإمام محمد عبده :" إن التغالب في هذه الأوقات أصبح معظمه ـ إن لم أقل جميعه ـ تغالب الأفكار والآراء ، فالأمة ذات البسطة في الأفكار ، والمهارة في المعارف هي الأقوى سلطاناً ، والأقوم سيـاسة ، وهي الغالبـة علي ما سواهـا من الأمم ."([38])
وحيث إن الغزو الفكري سلاحه الكلمة ، والرأي ، والشبهة ، والفكرة، 0000إلخ ، فإن أمضى الأسلحة في مقاومته ينبغي أن تكون من نفس الجنس ، مع ملاحظة وضعها في إطار الحق .
وحتى تكون أسلحة المسلمين فعَّالة في مقاومة الغزو الفكري ." لابد من محو هذه الفوضى الفكرية ، وإعادة الرشد إلى حياتنا الثقافية ، وتمكين أولي الألباب من عرض الإسلام ."([39])
"لابد أن تُبث في الفكر الإسلامي روحُُ جديدة هي في الحقيقة ليست ابتداعاً جديداً ، وإنما هو عودة إلي إسلام محمد e ."([40])
ولن يتم ذلك إلا بمساندة الحكومات الإسلامية ، ودعمها للفكر الإسلامي لمواجهة الغزو الفكري أو الفكر المعادي .
"والفكر الإسلامي : هو الفكر الذي يدافع عن مقومات الإسلام ، ويساهم في تدعيمها وتقويتها .
أما الفكر المنحرف أو الفكر المعادي : فهو الذي يهاجمها ، ويعمل علي إضعافها
والفكر الإسلامي له خصائص منها :
1-ارتباطه بالمقومات الأصيلة لهذه الأمة .
2-شمول الفكر الإسلامي : فلا يقتصر علي جانب دون جانب ، بل هو شامل لكل مجال من مجالات الحياة ."([41])
هاتان الخصيصتان الرئيسيتان هما اللتان يتميز بهما الفكر الإسلامي عن الفكر المنحرف ، أو عن الفكر المعادي .
ودور الحكومات الإسلامية في دعم الفكر الإسلامي يتمثل فيما يلي :
1-حماية المفكر المسلم ذاته :
فحماية المفكر المسلم حماية للمنبع الأصيل الذي ينبع منه الفكر الإسلامي ، وكل مجتمع ناهض يضع المفكرين في قمة قياداته ، ودليل صحة المجتمع الإسلامي كدليل صحة أي مجتمع آخر ، وهو أن يأخذ رجال فكره الإسلامي موقعهم الصحيح في قيادة هذه الأمة وإعادة بناء حضارتها ومجدها ، فإذا زحزح هؤلاء عن مكان القيادة فهذا دليل علي إصابة الأمة بمرض يجب أن تعالج منه .
وحماية رجال الفكر الإسلامي تكون بالآتي :
أ-توفير الحرية الكاملة لهم في التزود من مناهل العلم ، وفي التأليف والكتابة ، كالحرية المكفولة لأصحاب الفكر المعادي .
ب-توفير المساعدات للعلماء المسلمين المفكرين ، وترشيح أفضل العناصر لتأهيل أعلي ، وتشجيع المفكر الإسلامي كتشجيع غيره .
ج-التنسيق بين رجال الفكر الإسلامي علي مستوي العالم بصورة تتكامل فيها الأفكار ، وتتبادل فيها وجهات النظر المطروحة لحل مشكلات العالم الإسلامي ، وفي مقابل حماية المفكر المسلم يجب تجريم الفكر المنحرف ، ووضع العقوبات الرادعة ـ بشرط التطبيق ـ لكل من يعربد في عالم الفكر بحجة حرية الرأي والقول .
2-حماية منابع الفكر :
من المعروف أن السلوك البشري في صلاحه أو فساده يتوقف علي نوع الفكر المعتنق " فالإنسان يُقاد بفكره أولاً ، وإن كان لا ينكر أثر غرائزه عليه كذلك بل ،إن هذه الغرائز بالذات يكون إشباعها وتصريفها متوافقاً مع الفكر الذي يحمله الإنسان .
إن سلوك الإنسان في الحياة هو في الحقيقة انعكاس لمفاهيمه وأفكاره ، وليس العكس كما تزعم الفلسفة المادية التي تعتبر الفكرة وليدة المادة والسلوك ، وأن المادة هي صانعتها .
لذلك كان اعتماد الإسلام الأول في عملية تحويل المجتمع من مجتمع جاهلي إلي مجتمع إسلامي يقوم علي إحلال مفاهيمه العقدية عن الكون والإنسان والحياة ، وعلي إذكاء جذوة التفكير والنظر لدي الإنسان ، حتى يتمكن بهما من فهم هذه العقيدة واعتناقها بعمق وأصالة 0000إنه الأسلوب الذي يبدأ بصياغة الفكر وينتهي إلي صياغة الواقع في كل شئونه وأحواله ."([42])
وتعتبر وسيلتا الإعلام والتعليم من أهم المنابع التي يُستقي الفكر من خلالها في هذه الأيام ، فلو تم استخدامها استخداماً صحيحاً بروح إسلامية صحيحة لأدت خدمات جليلة للفكر الإسلامي ، وفي تربية المسلمين .
ودعم الفكر الإسلامي يتطلب من الحكومات الإسلامية ـ والتي تخضع لها أجهزة الإعلام والتعليم ـ حماية تلك المنابع من ذوي الأغراض الخبيثة ومنعها من بث السموم المعاكسة للإسلام ، وفي المقابل يتم توجيهها لخدمة الإسلام ، وذلك بإتاحة الفرصة لمفكري الإسلام للمشاركة فيها ، وبث الفكر الإسلامي الصحيح من خلالها .
وسيزداد هذا الأمر وضوحاً فيما يلي إن شاء الله تعالي .
ثالثاً : أسلمة التعليم :
لقد " أصبح من المقرر عند أساطين التعليم الحديث في الغرب أن كل شعب من شعوب العالم إنما يصوغ نظامه التعليمي وفق نظرية الحياة التي يؤمن بها "([43])
فأية أمة تحرص علي أن تكون ثقافتها وفكرها ونظمها التربوية والتعليمية نابعة من عقائدها وفلسفتها التي توارثتها عبر الأجيال .
فمثلاً تجد " علوم الغرب مصطبغة بعقيدة كاتبيها ونظرتهم إلي الحياة والوجود ، وقل مثل ذلك في العلوم التي تدرس في الديار التي كانت تحكمها الشيوعية ، وإذا نظرت إلي علوم اليونان والرومان وجدتها كذلك .
يقول "سيبرسي نن " معرّفاً التربية كما جاء في دائرة المعارف البريطانية :" هي الجهد الذي يقوم به آباء شعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة علي أساس نظرية الحياة التي يؤمنون بها"([44])
" ومن المآسي التي تحير العقل وتجرح القلب ، أن تظل الأقطار الإسلامية وحدها في فوضي تعليمية ، وغموض والتباس ،بل في تناقض ومصارعة بين العقائد والحقائق التي تؤمن بها ، والغايات والأهداف التي خلقت لأجلها ، والرسالة والدعوة التي تحتضنها ، وبين نظام التربية الذي تطبقـه والنظريات التي تستوردها ، والأساتذة الذين لا يؤمنون بها ، وعلي الأقل لا ينشطون في تدعيمها وتنميتها ، ولا تفكر في التطبيق بين العقيدة التي تتمسك بها ، وبين التعليم الذي تنفق عليه أكبر جزء من إمكانياتها ووسائلها "([45])
وغني عن البيان أن من أمنيات أعداء الإسلام استمرار تلك الفوضى التعليمية ، لأنها خادمة لأغراضهم ، ومن ثم فقد عملوا علي احتواء الوسائل التعليميـة بشكل أو بآخر ، لتكون قناة تُنقل من خلالها أفكارهم إلي عقول أبناء الأمة الإسلامية .
وسداً لتلك الثغرة التي يتسلل منها الغزو الفكري ، يجب علي الحكومات الإسلامية ـ والتي تخضع لها المؤسسات التعليمية ـ أن تخطو خطوات فعَّالة نحو أسلمة التعليم .
وهذا ما أوصي به المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي ، حيث جاء ضمن توصياته ما يلي :" وإن كل نظام تعليمي يحمل في طياته فلسفة معينة من تصور معين ، ولا يمكن فصل أي نظام تعليمي عن فلسفته المصاحبة له ، ومن ثم فإنه لا يجوز أن تتخذ فلسفة أو سياسة تعليمية وتربوية مبنية علي تصور مغاير للتصور الإسلامي ، وهو ما يحدث الآن حين الأخذ بالنظم غير الإسلامية ؛ لأنها في النهاية تصادم التصور الإسلامي وتناقضه ، وفي الوقت ذاته فإن للإسلام تصوراً عاماً شاملاً تنبثق منه فلسفة تعليمية وتربوية قائمة بذاتها ومتميزة عن غيرها .
لذا فإن نظام التعليم الإسلامي يجب أن يقوم علي أساس هذا التصور الخاص المتميز .
أما الوسائل فلا ضير من الاستفادة منها في التجارب البشرية الناجحة ما دامت لا تصادم هذا التصور ولا تناقضه "([46])
والمراد بأسلمة التعليم :" صبغ جميع العلوم التي تدرس في المدارس والجامعات في ديار الإسلام بالإسلام ، بحيث يقوم التعليم في مختلف فروعه علي أصول الإسلام ، وتصطبغ العلوم بروح الإسلام وتوجهـاته ، ثم يكـون الإسلام ضـابطاً وإطاراً للعلوم كلها "([47])
والهدف من التعليم الإسلامي هو " تنشئة الإنسان الصالح الذي يعبد الله حق عبادته ، ويعمر الأرض وفق شريعته ، ويسخرها لخدمة العقيدة وفق منهجه "([48])
ودور الحكومات الإسلامية في أسلمة التعليم ينبغي أن يشمل المحاور الأربعة للعملية التعليمية وهي :{ المؤسسات ـ المعلِّم ـ المتعلم ـ المناهج الدراسية} وتفصيل ذلك فيما يلي :
المحور الأول: المؤسسات :
وأقصد بها : البيئة التعليمية التي تتم فيها العملية التعليمية ، وأسلمتها : أي طبعها بالطابع الإسلامي ([49]) ذلك أن كل مؤسسة تُطبع بالطابع الذي يساعد علي تحقيق المراد منها .
فمثلاً : يُلاحظ في المؤسسات التبشيرية النصرانية " انتشار صور العذراء والسيد المسيح ، وصور القديسين والقديسات ، والصلبان ، ومشاهدات الصلوات ، إلى غير ذلك من أمور كثيرة من شأنها خدمة أهداف السياسة التعليمية "([50])
وكما أن أعداء الإسلام يستغلون البيئة التعليمية لخدمة أهدافهم العدوانية فإن الحكومات الإسلامية ـ بتخطيط وتوجيه المربين المسلمين الغيورين علي إسلامهم ـ تستطيع أن تستغل البيئة التعليمية ـ بكل مواقعها ، لخدمة سياستها التعليمية الإسلامية الربانية التي تؤمن بها ، وذلك علي النحو التالي:
1-عدم السماح بإنشاء أي مدارس تبشيرية أو أجنبية ، تتبني فلسفة تعليمية غير إسلامية ، والعمل بجدية علي إلغاء ما هو قائم من تلك المدارس في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي ، وكذلك الأمر بالنسبة للجامعات الأجنبية المنتشرة في كثير من عواصم العالم الإسلامي .
2-وفي مقابل ذلك يجب العمل علي تشييد المحاضن والمدارس والجامعات بأموال إسلامية دون مشاركة أجنبية منعاً للتدخل الأجنبي في توجيه سياستنا التعليمية ، وهذا الأمر تزداد أهمية تنفيذه في الأماكن الفقيرة التي لا تستطيع ذلك ، لقطع الطريق علي حركات التنصير والاستشراق وغيرها من مصادر الغزو ، والتي تستغل هذه الثغرة .
ولا مانع من أن يساهم أغنياء الأمة مع الحكومات الإسلامية لتعميم المؤسسات التعليمية الإسلامية .
3-"يجب أن تشتمل المؤسسات التعليمية علي مسجد للصلاة مؤثث أثاثاً مناسباً جذاباً ، ومرافق الطهارة المعدة إعداداً جيداً مريحاً ، وبنسبة كافية مشجعة لكل الدارسين علي الطهارة والصلاة ، ولقاءات الخير في المسجد"([51]) مع مراعاة تنظيم جدول الحصص أو المحاضرات لتتفق مع مواقيت الصلاة .
4-أن تكون المؤسسات التعليمية في جملتها مذكرة بالإسلام من حيث تصميم المبني حسب الطراز الإسلامي ، واللوحات المشتملة علي المبادئ الإسلامية 000إلخ .
5-أن تكون الأدوات التعليمية في خدمة السياسة التعليمية الإسلامية ، ولقد سررت كثيراً عندما رأيت في المكتبات أقلاماً ، ومساطر ، وأدوات هندسية، عليها بالرسم والكتابة خطوات الوضوء ، وخطوات الصلاة ، وخطوات الحج ، ومقادير الزكاة 0000إلخ .
وهذا يعتبر مقاومة للفساد المتمثل في الصور العارية ، والكلمات النابية ، والتي تستغل أدوات الرسم والكتابة في نشرها داخل البيئة التعليمية ، وإضافة إلي ذلك يجب وضع عقوبة ، يعاقب بها كل من يصنع أو يروج مثل تلك الأدوات .
6-ضرورة اهتمام الحكومات في البلاد الإسلامية بأمر كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم ، وما يلحق بها أو ينحو نحوها ، مثل جمعيات المحافظة علي القرآن الكريم ، والعناية بها مادياً وأدبياً ومعنوياً ، حتى تخرج الطفل المسلم الحافظ لكتاب الله المنشأ في رحابه منذ نعومة أظفاره ، ولا ريب في أن لتلك الكتاتيب رسالة عظيمة في تحفيظ الأجيال الناشئة كتاب الله ، وتعليمهم اللغة العربية ، وتعويد ألسنتهم عليها من خلال قراءة القرآن الكريم واستظهاره ، بالإضافة إلي تهيئة الأجواء الصالحة لتربيتهم علي الإسلام ومبادئه ، وتشبعهم بفكره وثقافته .([52]) فلا يجد الغزو الفكري إليهم سبيلا.
المحور الثاني : المعلم :
إن المعلم يعتبر أهم محاور العملية التعليمية ، إذ أنه الملقن والموجه والمؤثر ، ولذلك فإن الأولين كانوا يختارون لأولادهم أفضل المعلمين تعليماً وتأديباً، وأحسن المؤدبين إرشاداً وتوجيهاً ، ليقوموا بأداء المهمة علي وجهها الصحيح في تنشئة الولد علي أساس العقيدة والأخلاق وتعاليم الإسلام .
روي الجاحظ([53]) "أن عتبة بن أبي سفيان لمّا دفع ولده إلي المؤدب قال له : " ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك ، فإن أعينهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما استحسنت ، والقبيح عندهم ما استقبحت ."([54])
وفي إطار أسلمة التعليم يجب علي الحكومات الإسلامية أن تهتم بهذا المحور الهام ، وذلك بما يلي :
1-ضرورة إبعاد كل معلم له توجه غير إسلامي ، أو صلة بالفكر المعادي ، أو من يتبع تياراً معادياً كالشيوعية ونحوها عن مراكز التوجيه والتربية والتعليم ، وكذلك غير الملتزمين إسلامياً ، وأن لا يتولي مهمة التربية والتعليم إلا الصالحون الملتـزمون كي يكونوا قدوة صالحة أمام المتعلمين وغيرهم .
2-"إعادة النظر من قبل جهاز التربية والتعليم {في كل دولة إسلامية } في برامج تأهيل المعلمين والمعلمات ، والعمل علي تلافي ما بها من نواحي الضعف والقصور لتصبح أكثر قدرة علي إعداد المعلمين والمعلمات الإعداد التربوي السليم الذي يؤهلهم لتأدية رسالة التربية والتعليم حسب أهداف التربية الإسلامية ."([55])
3-ويشترط في المعلّم ـ الذي يقدم أعظـم مسـاهمة في التعليم الإسلامي المنشود ـ " أن يكون متحلياً بالصفات التاليات :
أ-أن يكون مؤمناً بالقاعدة الإيمانية في الإسلام .
ب-أن يكون متمسكاً بتعاليم الدين الإسلامي حريصاً علي تطبيقها .
ج-أن يكون سوياً نفسياً ( مستقراً نفسياً ، متوازناً عاطفياً ، خالياً من الصراع النفسي والتوترات النفسية الحادة ، خالياً من سائر الأمراض النفسية كالقلق والاضطراب الدائمين ، قادراً علي ضبط نفسه في المواقف المثيرة للانفعال ، قادراً علي الصمود في مواقف التحدي ، متفائلاً واسع الأمل بالنجاح ، واثقاً بنفسه ، ذا إرادة قوية ).
د-أن يكون ذكياً قادراً علي حل المشكلات التي تعترضه ، سديد الرأي ، حكيماً في التصرف يضع الأشياء في مواضعها .
هـ-أن يكون اجتماعياً محبباً يألف ويؤلف .
و-أن يكون صحيح الجسم ، ذا لياقة بدنية ، خالياً من المنفرات .
ز-أن يكون خالياً من العادات السيئة ذات التأثير السئ علي التلاميذ .
ح-أن يكون محباً لمهنة التعليم ، وجدانياً ، مؤمناً بجدوى هذه المهنة ، غيوراً علي بناء الأجيال بناءً سليماً يدفع بالأمة إلي ذروات كمالاتها .
ط-أن يكون متمكناً من مادته التي يقوم بتدريسها ، ومشاركاً في غيرها مشاركة عامة مناسبة .
ى-أن يكون أسوة حسنة لتلاميذه في كل أنواع سلوكه وتصرفاته الفردية والاجتماعية ، لاسيما سلوكه الديني والأخلاقي ."([56])
هؤلاء هم المصلحون الذين وصفهم الشيخ/ أبو الحسن الندوي بأنهم :" يجمعون بين متانة العقيدة والاقتناع بالإسلام كدين خالد أبدي ، وبين الاطلاع الواسع العميق علي العلم الحديث ، هؤلاء الذين يميزون بين القشر واللباب ، والزائف الفِجّ غير الناضج من الآراء والنظريات ، وبين المختمر الناضج الحصين من الآراء والتجارب ، الذين لا تغرّهم الدعاوى العريضة ، والطبول الفارغة ، بل يعتمدون دائماً علي حصيلة الاختبارات وعصير التفكير ، الذين ما زادهم التوسع في الدراسات والتفنن في العلوم ، والاحتكاك بالحضارة الغربية إلا إيماناً بالحقائق الغيبية والتعاليم الإسلامية ، إنهم القليلون في العالم الإسلامي ولكنهم غير مفقودين ، أولئك الذين إذا درسوا هذه العلوم العصرية الحديثة والنظم السائدة كوّنوا في نفوس الشباب ثقة جديدة ، وإيماناً جديداً بصدق نبوة محمد e وخلود الرسالة الإسلامية ، وعبقرية الشريعة السماوية ."([57])
4-التخصص : والتخصص أعني به أمرين اثنين :
الأمر الأول :تخصص في العلم : بحيث لا يقوم بتدريس أي علم إلاّ مَنْ تخصَّص فيه ، تحصيلاً للفائدة المرجوة ، وأخص بالذكر مادة التربية الإسلامية التي لا يُعيّن لها مدرس متخصص " في حين نجد مادة كالتربية الفنية أو الموسيقي لا يدرسها إلا المتخصصون 00000وقد نتج عن ذلك أن مدرس التربية الإسلامية الحالي لا يحسن تلاوة كتاب الله ، ولا يكاد ينطق سورة صحيحة من كتاب الله مما قلل من شأنه ( لأن فاقد الشئ لا يعطيه )". ([58])
الأمر الثاني : التخصص في النوع : أي توزيع المعلمين علي البنين ، والمعلمات علي البنات ، واعتقد أن ذلك أجدى في العملية التعليمية ، حيث إن التقارب يكون أكثر بين أفراد النوع الواحد .
5-أن توفّر للمعلم المسلم صلاحيات وميزات تتناسب وأهمية دوره في إعداد الأجيال الصالحة .
ولذلك أوصي المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي " بأن ينال المعلم حظه الكامل من الرعاية ، وأن تكون للمعلمين ميزات مادية وأدبية تساعدهم علي الاستمرار في تأدية رسالة العلم ."([59])
المحور الثالث : المتعلّم:
وأما ما يتعلق بالمتعلم ـ باعتباره محوراً أساسياً في إطار أسلمة التعليم ـ فإن توجيهات إصلاحه تتمثل فيما يلي :
1-انتهاج سياسة الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية ـ بشكل خاص ـ وذلك ضمن السياسة التي يجب أن تتبعها الحكومات الإسلامية لمنع الاختلاط بين الجنسين بأي وجه من الوجوه في المؤسسات العامة والخاصة، وفي مرحلة التعليم العالي ، وفيما يسبقه من مراحل درءاً للمفاسد التي تترتب علي الاختلاط ، ويحسن أن تجمع المدارس والجامعات الخاصة بالإناث في مكان قريب من العمران ، وبعيد عن المكان الذي تجمع فيه المدارس والجامعات الخاصة بالذكور .
2-إصدار أوامر صريحة وصارمة بضرورة التزام طلبة العلم بالملبس الساتر للعورات ، والاحتشام الكامل .
3-أن يستشعر طلاب العلم مكانة المعلم ، مع وضع عقوبات رادعة لكل طالب يتطاول علي معلمه بأي شكل من الأشكال .
4-" إحياء الأنشطة الاجتماعية الطلابية من رحلات وكشافة وخلافه ، مع توجيهها بما ينمي في نفوس الدارسين الأخلاق الإسلامية ، ويزرع فيما بينهم المودة والمحبة علي أساس من طاعة الله ."([60])
5-"قصر إرسال البعثات إلي الخارج علي التخصصات النادرة بعد مرحلة الليسانس ؛ نظراً لما يتعرض له الشاب المبعوث إلي الخارج من فتنة جارفة في عقيدته وأخلاقه وتقاليده ونظرته إلي حقيقة القيم في حياة الإنسان .
مع ضرورة رعاية المبعوثين في الخارج دينياً وخلقياً ، واختيار المبعوث علي أساس دينه وأخلاقه ، لا علي أساس درجاته العلمية وحدها ، مع العمل الدائب علي إيجاد جميع التخصصات في داخل العالم الإسلامي ، حتى يتم الاستغناء عن الابتعاث إلي الخارج إلا في حالة الضرورة القصوى ."([61])
المحور الرابع : المناهج الدراسية :
المناهج الدراسية هي :" عصارة وخلاصة ما يريد القائمون علي التعليم بناء الأفراد عليه ، وبحسب المادة التي يتلقونها تتأصل فيهم قيم وميول واتجاهات "([62])
وقد جاء في كتاب دراسات في أصول التربية في بيان أهمية المناهج في العمل التعليمي ما نصه :" المناهج هي الترجمة الواقعية لتطبيق الأهداف التعليمية ، وتحويلها من مرحلة الأماني إلي مرحلة التطبيق والتنفيذ ، وهي المجال الحيوي الذي يمكن أن نري فيه هذه الأهداف شخصية ملموسة ، والمنهج ـ أصلاً ـ هو جميع ما تقدمه المدرسة إلي تلاميذها تحقيقاً لرسالتها وأهدافها وفق خطتها في تحقيق الأهداف ."([63])
وهذا ـ بدوره ـ يفسر السر في حرص كافة الأنظمة علي أن تتفق سياستها التعليمية مع ما يختاره كل نظام منها لنفسه ، ووضع المناهج علي النحو المراد إعداد الأجيال عليه ، وإعلان الرفض بشدة لأي سياسة تعليمية تتعارض مع الاتجاه العام للدولة أو النظام .
وحريُُّ بالمجتمعات التي تدين بالإسلام أن تكون مناهج التعليم فيها في خدمة الإسلام ، وتربية الأجيال علي مبادئه ، ولا يتم ذلك إلا بأسلمة هذه المناهج ، وأسلمتها تحتاج إلي أمرين :
الأمر الأول : التخليـــة :
وتكون بما يلي :
1-" عدم تطبيق أي نظام تربوي ، أو نظرية تربوية تؤخذ من نظام التعليم الغربي إلا بعد التأكد من عدم تعارضها مع أهداف التربية الإسلامية ."([64])
2-"تخليص التعليم من الازدواجية والتعدد ([65])، ومخلفات الاحتلال ، من نظريات الغرب ، وآراء المستشرقين ، والمنصرين ، والصليبين ممن جعلوا الحضارة الغربية مثلاً أعلي ، والثقافة الغربية أملاً يسعى الشاب إليه ، ومن الإشادة بعلماء الغرب وعظمائهم في مقابل الحضارة الإسلامية وتعاليمها وعطائها ورجالها وتاريخها ."([66])
3-" تنقية العلوم المختلفة التي تدرس في مراحل التعليم المختلفة مما شابها من نظريات فاسدة ، وأفكار زائفة ، وأحكام جائرة ، وتصورات باطلة 00000كنظرية دارون ، والقول بأزلية المادة ، وتفسير التاريخ تفسيراً مادياً جدلياً ، وكثير من نظريات علم النفس والاجتماع .
وهذا يوجب أن ترفع من الكتب والمؤلفات والمناهج التربوية كل ما يناقض الإسلام ويهدم أصوله ."([67])
4-" رفض العلوم التي ذمها الإسلام كالسحر والتنجيم والكهانة ، والعلوم التي ترمي إلي الفسق والفجور ."([68])
5-"تصفية ما يقدم من علوم إسلامية في المناهج الدراسية من الاجتهادات والآراء والنصوص غير الثابتة المتضمنة لأفكار ومفاهيم مناقضة ومعارضة للحقائق العلمية المكتسبة بالوسائل الإنسانية ، وهي الحقائق التي قال العلم الإنساني فيها كلمته الأخيرة ، وثبتت بالأدلة اليقينية ، ويجب تصفيتها أيضاً من الإسرائيليات والخرافات والاجتهادات المنحرفة في الدين ، ومن كل الآراء التي لا تؤيدها نصوص قوية ، أو اجتهادات مقبولة عند جمهور علماء المسلمين ."([69])
منعاً للتشتت الفكري ، والحيرة العقلية المؤدية إلي قبول كل الآراء مهما كانت مما يفتح ثغرة لقبول الآراء المعادية التي يبثها غزاة الفكر الإسلامي عامة ، والموجه للأسرة المسلمة خاصة .
6-التحذير من الدعوات المشبوهة لترويج العامية واستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية .
الأمر الثاني : التحليــــة:
وتكون بما يلي :
1-تطبيق النظم والنظريات التربوية والتعليمية التي توصل إليها المتخصصون المسلمون ، وأثبتت التجربة نجاحها ، بدلاً من استيراد النظم الغربية .
2-"جعل العقيدة الإسلامية القاعدة التي تقـوم عليها العلـوم في ديـار الإسلام ."([70])
3-العناية الكاملة بالمناهج الإسلامية في مختلف المراحل التعليمية ، وتتمثل تلك العناية في الآتي :
أ-الاهتمام بالتربية الدينية في دور الحضانة ، ذلك أن إهمالها يشكل خللاً في التربية الصحيحة للأطفال المسلمين ، ويغرس في نفوسهم إهمال الدين ، ويوحي لهم بأنه علي هامش حياتهم .
ب-ضرورة تدريس القرآن الكريم (حفظاً وتلاوة وفهماً ) كمادة أساسية في كل المدارس ، باعتبار ذلك اللبنة الأولي لتكوين عقيدة المسلم وأخلاقه وأفكاره وتصوراته .
ج-" الاهتمام عند وضع المناهج الدينية وتأليف كتبها بالعقيدة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة ، ومراعاة اشتمال هذه الكتب علي إبراز آيات الله في مخلوقاته ، ومعجزات رسوله محمـد e وعلي ردّ الشبـهات التي يروجها أعداء الإسلام ."([71])
د-" إضافة درجات مادة التربية الإسلامية إلي المجموع حتى يقبل الطلاب علي دراسة هذه المادة بجدية ."([72])
هـ-أن يقوم بتدريس المواد الدينية مدرسون متخصصون .
و-العناية بتدريس الثقافة الإسلامية في جميع مراحل الدراسة ، والمرحلة الجامعية بصفة خاصة علي مستوي الكليات العملية والنظرية ، حيث أكد الباحثون أن فقدان مناهج الثقافة الإسلامية في جامعاتنا ومعاهدنا وراء ظاهرة الاغتراب الثقافي والانحراف الفكري والتطرف عند شبابنا .
ومناهج الثقافة الإسلامية ـ كي تؤدي دورها ـ ينبغي أن تشتمل علي " ما يواجه حاجات الطلاب ، ويحل مشكلاتهم العلمية والفكرية ، والدينية ، ويجيب عن تساؤلاتهم ، وما يبين عظمة الإسلام وشموله ، وسمو قيمه ومبادئه ونظمه ، وإصلاحه لأحوال البشر في كل زمان ومكان ، وعرض أمجاد التاريخ الإسلامي في شتي المجالات ، وما قامت به الأمة الإسلامية من إنجازات إنسانية ومادية وسياسية وعسكرية وحضارية استحقت بها أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، وبيان فضل النظم الإسلامية علي الأنظمة البشرية الجائرة المنحرفة في القديم والحديث ، سواء كانت نظماً سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، مع العناية بعرض الانحرافات القائمة في الحضارة المعاصرة بشقيها الرأسمالي والشيوعي مع ما يقابلها من نظم قويمة في الإسلام ."([73])
ز-وصل ما بين الدين والحياة ، بمعني أن يبرز منهج التربية الإسلامية مشكلات ومطالب المجتمع ، وأن يفسرها ويلتمس لها الحلول في ضوء تعاليم الإسلام السمحة ، حتي لا يكون الدين في واد ، وواقع الناس في واد آخر .
ح-" ينبغي تقديم العلوم الإسلامية مدعّمة بأدلتها الشرعية المعتمدة عند علماء المسلمين ، وبما لدي الفكر والحس والعلوم المكتسبة بالوسائل الإنسانية التجريبية والاستنباطية من تدعيم لها ."([74])
4-العناية بجميع فروع اللغة العربية ، واعتبارها مادة إجبارية في كل أقطار العالم الإسلامي ، واتخاذ الخطوات الكفيلة بتعريب التعليم في كل المراحل ، وخاصة في البلاد العربية ، ويُعدُّ هذا الأمر خطوة عظيمة الشأن في سبيل جمع الأمة المسلمة من جديد علي لغة القرآن ، لتقوم بديلاً عن لغات أعداء الإسلام التي تحتكر حقول التعليم العلمي في ديار المسلمين ، وتتسرب معها تقاليدهم وأفكارهم المخالفة للإسلام .
وليست هذه دعوة " إلي إهمال إتقان اللغات الحية في العالم المعاصر ، وخاصة ذات المستوي الباهر في علوم المادة ، والتي يُوجب علينا الإسلام أخذها والتفوق فيها .
وإنما ينبغي التفريق بين مأخذين :
-مأخذ الفناء في لغة العدو وعلومه ونظرياته وفلسفاته 0000إلخ .
-ومأخذ الانتقاء النافـع ، الذي يقبل أو يرفض ـ علي بصيرة ـ وفق معايير ثابتة ، وموازين مستنيرة ، وخاصة في الجامعات ذات الكيان الإسلامي البحت ، أو ذات الارتباط الإسلامي الواضح ."([75])
5-" إعادة صياغة العلوم التجريبية صياغة إسلامية تربطها بالعقيدة ، وتعمق الوجدان الديني عند الدارسين ، وتشعرهم بعظمة الخالق وقدرته المعجزة ، بما يحقق قوله تعالي :}0000إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ 0000{ ([76])
ويزيل تلك الفرقة المصطنعة بين الدراســات الشرعيــة عند البعض من ناحية ،والعلوم البحتة من ناحية أخري ، تلك الفُرقة التي سرت إلينا من اتخاذ المناهج اللاإسلامية في تدريس تلك المواد بمعزل عن الدين ."([77])
6-توفير جميع التخصصات العلمية ، حتى لا يكون هناك داع للابتعاث إلي الخارج ، وتغيير الفكر هناك .
7-تصحيح المنحرف من الفكر الموجود في التاريخ الإسلامي ، وفتح عقول الناشئة علي تاريخ المسلمين العلمي ، الذي يحاول الغرب إخفاءه وهدمه ، بحيث ينشأ التلميذ معتزاً بهذا التاريخ الذي يحكي سير العلماء وما قدموه للإنسانية ، وبذلك يعرف طالب العلم هويته ، ويضع رجله علي الطريق الصاعد الذي يُحيي أمته ."([78])
8-" ضرورة إبراز مادة علمية دراسية جديدة باسم " الغزو الفكري " أو ما شاكله من الأسماء ، تشرح دور هذا الغزو وتاريخه ، وظروفه ، ومدي تأثيره في حياة المسلمين المعاصرة : فكرياً وقانونياً وتعليمياً واجتماعياً 0000إلخ .
وتقرر هذه المادة علي مراحل التعليم المختلفة ، كلُُ بقدر ما يناسبه .
ويُقترح إسناد تدريسها إلي مدرسي المواد الدينية في المدارس ، وإلي العناصر الموثوق في اتجاهها الإسلامي من أساتذة الكليات والمعاهد العليا .
ويعتبر تدريس هذه المادة ضرورة دينية وقومية ، حتي تضع الأجيال الجديدة يدها علي مصادر الداء الذي يغشي حياتها ، وتتربي في نفوسها النفرة من كل ما يخالف دينها من العادات والتقاليد والأفكار المستجلبة ، وخاصة إذا أُبرز لهذه الأجيال طرق التآمر والغدر والاحتيال التي اتبعت في جلب هذا الداء لأمتها ، وما صاحبها من استغلال أصعب الظروف الإنسانية ، واستعمال أخس الوسائل ."([79])
9-أن يكون لكل من الفتي والفتاة منهجه العلمي التربوي الخاص ، الذي يمده بالمعلومات التي يستطيع الاستفادة منها في حياته العملية ، وحسب وظيفته الطبيعية التي خلق من أجلها .
وبناء عليه ينبغي أن يكون " تعليم البنات مركّزاً حول الثقافة الإسلامية والعلوم التي تفيدهن في تربية الأطفال ، وإدارة شئون المنزل بنجاح ، بالإضافة إلي العلوم التي تؤهلهن للعمل في المحيط النسوي فقط ."([80])
وفي ضوء ما سبق يطيب لي أن أقرر :أنه إذا أرادت الحكومات الإسلامية مقاومة الغزو الفكري للأمة الإسلامية عامة ، وللأسرة المسلمة خاصة فعليها أن تقوم بأسلمة التعليم في ضوء الاقتراحات السابقة في المحاور الأربعة للعملية التعليمية .
رابعاً : أسلمة الإعلام :
لقد أدرك أعداء الإسلام خطورة وسائل الإعلام ، والدور الذي تلعبه في التشكيل الثقافي ، وإحلال معتقد مكان آخر ، أو زعزعة معتقد ما في نفوس الناس ، أو بذر بذور فكر معين في قلوب الجماهير .
لذلك أحكموا مخططهم الخبيث للسيطرة علي الإعلام العالمي بكل وسائله .
ونتيجة لذلك تردي الإعلام في البلاد الإسلامية إلي هوة سحيقة ، وأصابه الاستنساخ الثقافي الإعلامي في جُلِّ محتواه ، وأصبح يمثل رجع الصدى للدول الإعلامية والثقافية الأقوى التى لا يقف أمامها شئ .
" وبدل أن تمارس وسائل الإعلام في دول العالم الإسلامي رسالتها في التحصين الثقافي ، والوعي الحضاري ، وتقدم النماذج التي تبني الشخصية ، وتحمل الرسالة ، وتثير الاقتداء ، وأدلة التعامل مع الإعلام الغازي ، وتشعر الأمة بالاستفزاز والتحدي الذي يجمّع طاقاتها ، ويبصرها بطريقها ، ويساهم بصمودها ، تحوّلت إلي وسائل هدم تساهم بتكسير أسلحة الأمة ، وإلغاء حدودها الفكرية والثقافية ؛ لتمكن لمرور " الآخر " ، وقد تتجاوز أكثر من ذلك حيث تصبح أداة {للآخر }."([81])
وحتى تصبح وسائل الإعلام أداة للمسلمين أنفسهم لا بد من الاتجاه نحو أسلمة الإعلام .
" وقد يتصور البعض أن الإعلام الإسلامي هو الإعلام الديني ـ بالمفهوم المعاصر ـ وهذا خطأ في التصور ، فالإعلام الإسلامي هو كل مادة إعلامية لا تخالف الإسلام في شئ من معتقداته وتصوراته وأحكامه ، فالفيلم السينمائي أو التمثيلية التليفزيونية ، أو البرنامج الإذاعي أو المقال الصحفي 0000 أو غيرها من وسائل الإعلام إذا قدمت مادة إعلامية مفيدة لا تخالف الإسلام في شئ فهي مادة تصب في الإعلام الإسلامي .
ولا يعتقد البعض أن المقصود بالإعلام الإسلامي هو أن تبقي الإذاعة تذيع تلاوة القرآن منذ افتتاحها وحتى توقفها ، أو تسطر الصحف بالمواعـظ الدينية والأحكام الشرعية ، فهذه الأمور وإن كانت من الإعلام الإسلامي إلا أن الإعلام الإسلامي يقدم مواد إعلامية مختلفة ، لكنها لا تخالف القرآن أو المواعظ الدينيـة أو الأحكـام الشرعية في شئ ."([82])
ولأن المؤسسات الإعلامية تخضع ـ بالدرجة الأولي ـ للحكومات ، فعلي عاتق الحكومات الإسلامية تقع مسئولية أسلمة الإعلام .
و" أسلمة الإعلام " ليست عملية سهلة ـ كما يظن البعض ـ في ظل التحديات الخارجية ، والتبعية الداخلية ، ولذلك فإنها تحتاج إلي اتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة ، حيث " إن النوايا الطيبة لا تصنع وحدها إعلاماً إسلامياً قادراً علي المنافسة ، وإن الاكتفاء بالدعاء علي الأعداء دون الأخذ بالأسباب يعتبر قعوداً وظلماً من الإنسان لنفسه ."([83])
وفي طريق اسلمة الإعلام يكون من الضروري الاهتمام بثلاثة محاور ترتكز عليها العملية الإعلامية وهي " الوسائل ـ الإعلاميون ـ المادة الإعلامية " وتوضيح ذلك كما يلي :
المحور الأول : الوســــائل :
وأقصد بها الوسائل التي تنتقل من خلالها المادة الإعلامية ، من قنوات إذاعية أو تليفزيونية أو صحف أو كتب أو مجلات 0000إلخ .
ودور الحكومات الإسلامية في أسلمة تلك المؤسسات يتمثل فيما يلي :
1-التوسع في إنشاء " وكالات الأنباء الإسلامية " برأسمال إسلامي تخلصاً من التبعية الإعلامية التي يفرضها التمويل الأجنبي ، وإمداد تلك الوكالات بأحدث الأجهزة والمعدات ، وأكفأ الكوادر الإعلامية المخلصة ؛ لتكون قادرة علي منافسة وكالات الأنباء الأجنبية التي يسيطر عليها اليهود أعداء الإنسانية ، والتي يستخدمونها في محاربة الإسلام .
2-تخصيص مواقع إسلامية علي شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت " تحت إشراف فريق متكامل من علماء المسلمين المخلصين الأكفاء في هذا المجال لتحقيق وجود إسلامي فعلي علي هذه الشبكة ، وليس مجرد تسديد خانة .