الانتماء ليس مجرد دعوى دون مضمون، وليس مجرد حلوى يتحلى بها السُّمَّار في المجالس، وليس مجرد شعار يمنح صاحبه شهادة مصدقة بانتمائه دون أن تبرهن أقواله وأفعاله على صدق ما يدعي. إنما هو انبعاث نفسي داخلي دافعه الحب وإرادة الخير، وثمرته علاقة إيجابية وتفاعل بناء, تنتفي معه المنفعة بمفهوم الربح والخسارة ورأس سنامه عطاء بلا حدود قد يصل إلى حد التضحية.

والانتماء على أضرب شتى، منها ما هو فطري غريزي مركوز في كل نفس، ومنها ما هو واجب حتم، ومنها ما هو دون ذلك. وما بين الواجب وغيره تتعدد أنواع الانتماء بتعدد ألوان الطيف.

فأعلى صور الانتماء وأسماها هي الانتماء لهذه الشريعة امتثالاً لتعاليمها والتزاماً بأحكامها وتطبيقاً لأوامرها ونواهيها، ثم الاعتزاز بذلك، والتفاعل مع قضاياها، والسعي في تحقيق المصالح التي تأمر بها ودفع المضار التي تنهى عنها، وكل بحسب حاله ووسعه وطاقته.

وهذا هو الانتماء الفطري، لأنه لا يكون إلا لملة التوحيد ودين الإسلام، كما قال النبي: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، لكن لا يكفي لتحقيقه وجود كلمة (مسلم) في بطاقة الهوية أو شهادة الميلاد، بل هو انتماء يفرض على أصحابه واجبات كثيرة لتحقيقه، منها أن يتعلموا ما يحتاجونه في عباداتهم ومعاملاتهم وأن يطبقوا ذلك على أنفسهم وأهليهم ومن يلونهم، وأن يكونوا قدوات حسنة تدعو الآخرين بفعلها وسمتها، كما يوجب عليهم الذب عنه وإزالة غبار التشويه عن صورته الجميلة، وبهذا الوضوح في مفهوم الانتماء للدين، ينكشف زيف دعوى الذين يزعمون - في الظاهر- الانتماء للدين، بينما تبرهن كلماتهم وفلتات جوارحهم عكس ذلك، والألسنة مغاريف القلوب.

إن الانتماء للوطن أمر لا يكفي لتحقيقه معرفة جغرافية الوطن على الخريطة، أو معرفة عدد سكانه، أو حفظ ألوان العلم، ولا يكفي فيه مجرد الحصول على بطاقة الهوية أو جواز السفر، كما أن العيش على أرض الوطن لا يعني الانتماء إليه بالضرورة، لأن كثيراً من المغتربين خارج أوطانهم لديهم من الانتماء ما يكون أضعاف ما لدى بعض المواطنين المقيمين.

إن الانتماء للوطن ينبعث من صميم الوجدان بدلالات ومعانٍ عميقة تثير الإحساس بحب الوطن والرغبة في الدفاع عنه والتضحية من أجله و(من قتل دون أرضه فهو شهيد)، كما يقتضي أن نربي الأبناء على حب الوطن والتمسك بالهوية الوطنية، لا كما يدعو البعض إلى أنسنة الهوية والتخلي عن الهويات القومية والوطنية!!. وغير خاف أنه من أبجديات الانتماء للوطن، أن نتعرف على تاريخه، وأن نسهم في نموه وازدهاره مع الحرص على أمنه واستقراره، والأخذ على يد مزعزعي الأمن ومروجي الفتنة.

ومما يعين على تحقيق الانتماء للوطن، أن يتعزز انتماء الفرد لأسرته وجماعته، لأن الانتماء للمحيط الصغير والدائرة الضيقة سينعكس على الانتماء للوطن الكبير، ما لم ينقلب إلى عصبية مقيتة وقبلية مدمرة - وسأتحدث عن ذلك في المقال الثاني من هذه الثلاثية- وما لم يبلغ درجة التعصب ورفع لواء الولاء والبراء على أساس عرقي قبلي. قال النبي: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".

إن الانتماء للدين والانتماء للوطن يتكاملان ولا يتعارضان ويتعاضدان ولا يتنافران، فحفظ الدين أولى الواجبات وأهم المهام، كما أن إصلاح الديار والدفاع عنها، أمر جزمت به الشريعة، قال تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}، فالقتال لحماية الديار هو من الجهاد في سبيل الله بنص هذه الآية، وقال جل وعلا: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، فالله تعالى في هذه الآية جعل الإخراج من الديار قرين قتل النفس، بل إنّ العلاقة بين المسلمين وغيرِهم مرتبطة بهذين الأمرين: الدّينِ والوطن، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إن الله يحب المقسطين* إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}. فهما محور تحديد هذه العلاقة سلباً أم إيجاباً.

الانتماء للدين يعد من أهم دعائم الانتماء للوطن، لأنه يحث على طاعة ولاة الأمر، ويحترم التعايش، ويأمر بالألفة والاجتماع والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق.

وبدون هذه الأصول الكبار فإن التدين سيتحول إلى أداة للفرقة ومعول هدم للوحدة الوطنية، لاسيما إذا انتشرت الحزبية وبات الانتماء للحزب مقدماً على الانتماء للدين أو للوطن. ويزداد الأمر سوءاً إذا فشا التعصب والغلظة في الدعوة، مما ينفر البعض من التدين ويجعلهم لقمة سائغة لأصحاب الدعوات المستوردة والمناهج الدخيلة الأمر الذي يضعف الوحدة الوطنية ويهددها.

فالدين هو من أقوى عوامل بناء اللحمة الوطنية، والنبي أسقط ما كان بين الأوس والخزرج من العداوة، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، كل ذلك لرص الصفوف وتمتين لحمة المجتمع في الدولة، لذا فإن من الإمارات على صدق الانتماء للدين أن ندعو إلى التماسك الداخلي واللحمة الوطنية وأن نمد اليد للمخالفين في الوطن لئلا ينقلبوا خنجراً مسموماً يضعف الوطن ويهدد كيانه، والأمثلة من حولنا كثيرة.












موظوع اخر وهو الأفضل

الوطن تاريخ المرء وجذوره وأسلافه ، مخزونه الثقافي وكل ما يمت إليه بصلة ، الانتماء للوطن هو الانتماء لمكونات الإنسان الحقيقية و شعور لا يأتي فجأة وإنما يأتي من خلال الارتباط النفسي والروحي بتراب الوطن ، إن وطن الإنسان هو أهله وعمره وبيته ومشاعره وفرحه وحزنه ونبض قلبه انه كل مكونات حياته فمن منا لا ينتمي لكل هذا .


تطبيق شعور الانتماء على ارض الواقع يتطلب منا الكثير، فهو ليس مجرد كلام وشعارات وإنما التزام بالثوابت الوطنية ومشاركة فاعلة في دفع مسيرة التطور والتقدم بما يحقق مصلحة الوطن ، والفرد هو أهم عنصر من عناصر الوطن فهو يشكل حلقة من حلقات مجتمعه ابتداء بالأسرة مرورا بالعشيرة والمجتمع انتهاء بالدولة التي ينظم أمور أفرادها دستور ومجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم علاقاتهم ببعضهم البعض وبالدولة التي يعيشون في كنفها .


إن الوطنية قيمة راسخة في نفس كل إنسان نشأ في بيئة نقية طاهرة يترجمها من خلال مجموعة من السلوكيات المنضبطة مع مصلحة وطنه التي لا يعلوا عليها أية مصلحة أو ولاء أو محبة لا لمنهج ولا لحزب ولا لفكر مستورد ولا لعشيرة أو أقارب فهي بذلك تحتاج إلى تضحيات جسام .


والقارئ لتاريخ الأمم يجد أن الكثير قد ضحى بحياته لأجل وطنه ودفاعا عن أرضه ، فالوطنية ليست مجرد كلمة تمر على الأسماع أو شعار للأشخاص الذين يجعلونها رمزا للوصول إلى مآرب شخصية أو مفتاح لأبواب السياسة للمتنفعين الذين يكثر ظهورهم في المناسبات الوطنية والاجتماعية ويتغنون بها بأفصح الكلمات والمعاني .


الوطنية شعور عظيم في النفس وتطبيق على ارض الواقع بسلوكيات مستمدة من صدق هذا الشعور وبعيدا عن التصنع والنفاق ، وكل منا قادر على ترجمته على ارض الواقع بأفعاله التي تصب في مصلحة وطنه بمصداقية عالية .


تبدأ الوطنية والانتماء من اصغر لبنة فيه وهو الأسرة فرب الأسرة يطبق مفهوم الوطنية بالالتزام بواجباته نحو أسرته من خلال تربية أبنائه التربية الصالحة التي تقدم للمجتمع أبناء صالحين متعلمين منتجين يقدمون لوطنهم وينتمون له وان يحرص رب الأسرة على الكسب الحلال الطيب ليعلم أبناؤه البذل والعطاء ونقاء المصدر ، وألام مدرسة إن أعددتها أعددت شعبيا طيب الاعراق والتقصير بهذه الواجبات يعد من باب نقص الوطنية .


إن الوطن هو بيتك الكبير كما هو بيتك الذي تعيش فيه مع أسرتك ، فما لا ترضاه لأسرتك لا ترضاه لوطنك فمتى قصرت بواجبات وظيفتك فتأكد من صحة وطنيتك ، وإذا حصلت على ما لا تستحق فتأكد من صدق وطنيتك ومتى خنت وطنك وتأمرت عليه للحصول على بعض المكاسب الدنيوية فتأكد انك بعيد عن الوطنية ، وان مارست الفساد وساهمت بوقوعه فراجع وطنيتك وان تخاذلت بالقيام بواجباتك تجاه وطنك فعليك أن تعلم أن وطنيتك ناقصه .


إن ابسط الأفعال والسلوكيات التي نمارسها يوميا قد يقاس عليها مقدار وطنيتنا وانتماؤنا له ، فالالتزام بالقوانين والأنظمة يحمل معنى الوطنية ، والحفاظ على المال العام هو تطبيق لمعنى الوطنية والابتعاد عن كل فعل أو عمل أو قول فيه ضرر للوطن هو باب من أبواب الوطنية الصادقة و التصدي للأخطار التي قد تهدد امن المجتمع وسلامته يعد انتماء ووطنية و محاربة الفساد والمحسوبية يعد خصلة من خصال الوطنية الصالحة و الالتزام بالحقوق والواجبات هو التزام بمعنى الوطنية والانتماء .


إن التغني بالوطنية يكون بالأفعال لا بالأقوال فالوطن ليس بحاجة لكثرة الأقوال والقصائد والعزل بقدر ما هو بحاجة للتضحيات والأعمال التي تسهم في تدفع عجلة التطور والتقدم ، فالأعمال دائما أعلى صوتا من الأقوال ، فليس التشدق بالوطنية وكثرة التواجد بالمناسبات الوطنية والاجتماعية مقياسا للوطنية إذا خلا من التطبيق السليم لمفهوم الوطنية على ارض الواقع ، فلنعمل جميعا على أن نكون من أهل الوطنية والانتماء بأفعالنا قبل أقوالنا فالوطن غالي ونفيس .


إن ضعف الوطنية والانتماء أو انعدامها مرض خطير فتاك يهدد المجتمع والوطن و علاجه الوحيد بالرجوع إلى المبادئ والمكونات والمخزون الثقافي والاجتماعي الذي استمده آباؤنا وأجدادنا من ارتباطهم الروحي والنفسي بوطنهم الذي عاشوا وماتوا فيه ودفنوا تحت ترابه .