والدي الحبيب


لن أبدأ رسالتي بمطالب أو رغبات ، لكني أود أن أمرر أمام يديك شريطا من الذكريات المتلاحقة التي كلما مرت في مخيلة ولدك سرت فيه رعشة خفية في جسده الناحل .

سأمرر بعضها أمامك حتى تشاركه أفكاره وما يدور في هواجسه المترفة....

أتذكر دوما يوم مجيئك إلينا -أنا وأمي- كل أسبوع ، كان دوما يومي الإثنين والثلاثاء حسب القسمة ، أتذكر كم أكره مجيء هذا اليوم ...
بمجرد وصولي إلى البيت تسرع بنعتي ب"الدلوع" لما وصلك من أسماع أخواني وأمهم بأنني دلوع ، تتعمد تكرارها أمامي بأسلوب يشع سخرية وألما بالنسبة إلى.

أتذكر ياوالدي يوم مجيئك وكان الأكل كما تشتهيه سمكا كالعادة ، وأنا بطبعي لا آكله ، قالتلي أمي : كل ياوليدي والله طعمه حلو فرددت عليها : ما أبي والله ، أتتذكر ماذا حدث ؟؟؟أتتذكر ماذا هوى على وجهي ؟؟
اعتقد أنك تتذكر ، لأن صوت الضرب مازال في أذناي ، أسمعه كلما تذكرت ذلك اليوم ...


أتتذكر يا والدي كم مرة حرمتني أمي من لعبة أشتريها يوم تفوقي ، لعبة كبقية من هم في مثل سني ، حتى لا أنعت من قبلك ب"الدلوع" كنت أطنك ستكون سندي في حياتي هذه ، كنت اظن ..... بأمانه : لم تكن ...


كنت كعادتي كل سنة ، آخذ شهادتي وأخفيها من ناظريك ، كأني فعلت جريمة ، وما ذلك إلا خوفا من أن تعاير بها أخواني فيزدادوا في كرهي والكيد لي ..


افتقدتك كثيرا يا أبي ، افتقدت وجودك في حياتي ، سندا وعونا ... افتقدت معنى الأبوة في حياتي ، فصرت أكره تلك الكلمة ، لأنني لم أتذوقها يوما ... وكيف أعرف طعمها إذا؟؟

افتقدت حضورك لمدرستي ،، كنت أتمنى أن تسأل عني أساتذتي ، أمني نفسي يوما بعد يوم بقدومك ، كنت حينما أتسلم ورقة "مجلس الآباء " أطويها بكل أسى ، بينما يسارع زملائي في تمزيقها حتى لا يعلم أبوه بالإجتماع ...


أتذكر يوم ختمي للقرآن وكنت قد حصلت على المركز الأول ، كنت أتمنى أن أجدك من بين الحضور ، وترى ابنك وهو يتسلم الشهادة والإجازة ، كنت أتمنى أن أكون كأترابي يلاعبون آباءهم ، لن هذا لم يحدث قط...

ستقول لي : أعمالي...مشاريعي...شركاتي.... سأجيبك : لم أكن بحاجة إلا أي من ذلك أبدا ، فقط كنت بحاجة إلى حنانك وعطفك وسؤالك ...


لكنني سأودعك ... وأنا لا أحمل في صدري بغضا عليك ، ولا كرها ولا حقدا ، لا لشيء إلا لأنك حبيب أمي رحمها الله ، وهي قبل وفاتها أوصتني بك خيرا ....

أحبك ، وإن لم تسمعها مني قبلا ، إن لم أسمعها منك أبدا .... أحبك ، ويكفي دليلا على حبك لي أن قد أحسنت اختيار اسمي ، وسميتني باسم خير البرية

إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقص
لدى النبي ولا حبلي بمنصرم

فإن لي ذمة منه بتسميتي
محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم

أصغر أبنائك
واحبهم إلى صدرك
وأكثرهم حبا لك
ولد الغالية
فلذة كبدك
الساعي إلى رضاك
"ابنك"