من الذكريات التي مازالت في خاطري ثابتة الخطى ، لاينجلي يوم دون أن أشاهدها ماثلة أمام ناظراي ، هي حادثة " وفاة روحي أمي" ، لازلت أتذكره كأنه حديث البارحة أو أقرب ، كانت ليلة الجمعه ، وكانت ملقاة على فراشها ، وأنا بجوارها على الأرض ، يدي بيديها ، بدأ التعب يتسلل إليها ، وبدأت ألطف الجو قليلا فقلت : ماشاء الله ، ويهج اليوم حلو وايد . فتنظر لي وتبتسم ابتسامة الشفيق ، كانت تشكو كل ليلة من ألم أسفل البطن ، وكان طبيبها ينصحها بتناول 4 حبات من المسكن ، ولكنها تأبى ذلك لانه ينسيها الشعور بالألم ويسلب منها الأجر ، لكنها كانت تأخذ مسكنا من نوع آخر هو "سورة البقرة" فكنت يوميا أضع يمناي على بطنها وأقرأ سورة البقرة ، ولكثرة قراءتي لها أصبحت متقنا وكأنني متخصص في تلك السورة فلم تعد تأخذ مني في قراءتها سوى قرابة الساعة
بدأت اقرا سورة البقرة وبدأ التعب والألم يزداد على تلك المسكينه ، سألتني باجر شو ؟؟ قلتلها يوم الجمعه فديتج ووراي اذان " كانت عادتي أن أذن لصلاة الجمعة في تلك الأيام" فقالت لي : لا لا باجر عندك أمتحان
-فديتج امتحان شو ؟؟ قصدج أذان
-لا لا امتحان
فثلت في نفسي امتحان امتحان الله المستعان شكلها تعبانة ، بدأ الألم يزداد على تلك المسكينه وأحس بشبه غيبوبة بدأت تسري في جسدها ، فقلت في نفسي حتى لا يتأخر الوقت ، فاتصلت بالوالد
-أبوي اشحالك شخبارك ، بس الوالدة تعبانة شوي وابي اخذها المستشفى
-الحين بييك
وصكرت وياه ، تأخر على وايد اتصلت بخالي قلتله وينك ؟؟ قالي انا في ليوا والله ، أمك فيها شي؟ قلتله شوي تعبانه وصكرت وياه
لم اطق الإنتظار فاتصلت بالإسعاف ، وتزامن قدوم السيارة مع قدوم أبي ، ركبت وياها الاسعاف ، لا أدري لم إفكر بأي شي ء سوى "الله لطيف بعباده "
وصلنا لمستشفى زايد العسكري كانت الساعه تقريبا 2 ونص ودخلت امي الطوارئ ، بدأ الطاقم الطبي عمله من أجهزة ومحاليل ، أرادت الممرضة أن تقيس نبضات قلب الوالدة ، والمعروف أنها تستخدم لذلك شيئا أشبه ب"بمشبك " يوضع في السبابة ، الغريب أنها كلما وضعته في سبابتها قامت أمي بخلعه ، اقتربت منها ، قلت امي فديتج والله ما يعور ، بس عشان نطمن عليج ، بتكونين بخير فديتج ، ووضعته في سبابتها ، قامت تنظر إلي نظرة جميلة ، لازلت عيناها في مخيلتي ، ثم عاودت خلع المشبك وتحريك السبابه ، ثم فقدت الوعي ، اتضح لنا في ما بعد أنها كانت " تتشهد"


نقلت إلى العنايه المركزه في الطابق الأول سرير رقم 7 ، ثم هدأت حالتها ، فرجع والدي إلى البيت ، أما أنا فبقيت معها ، اتلذذ بقراءة القران ، اذكر أنني كنت أقرأ سورة الأنبياء ، واحسست براحة عجيبة وطمأنينة تسري في جسدي ..
أذن المؤذن لصلاة فجر الجمعة ، فتوضأت وكررت وضوئي بغية اتقانه ، وذهبت إلى مسجد المستشفى ، وبعتبار المستشفى منطقة عسكرية ، فقد كانت هادئة جدا
صليت ركعتي الفجر ، وبدأ المصلون بالتجمع وقام أحدهم بإقامة الصلاة ، وبما أنني العربي بينهم فقدموني على كراهية مني لأني كنت منهكا ، استفتحت بأم الكتاب ثم قرأت "قل الحمد لله /وسلام على عباده الذين اصطفى/آلله خير أما يشكرون " إلى أن وصلت إلى "أمن يجيب المضطر إذا دعاه/ ويكشف السوء/ ويجعلكم خلفاء الأرض / أإله مع الله ؟؟؟؟؟؟!!!! قليلا ما تذكرون"
على الرغم من أني أحفظ سورة النمل منذ صغري وكثيرا ما كنت أقرأ تلك الآيات ، إلا أنني أحسست أنني أقرؤها لأول مرة ، استشعرت أنني مضطر، ضعيف ، ذليل ، أمام القوي صاحب العزة الغني ،وانهينا الصلاة ...
أحسست بدفعة إيمانيه قوية ، ثم ذهبت إلى العناية المركزة ، ورأيت الطبيب فقلت له بشر طمني عن الحالة ، فقال لي بلهجة جادة : الحالة حرجة ..
احسست من داخلي بغضب شديد ، كنت أريد أن أقول له " أمي بخير بس أنت بعد عيونك عن تحسدها " يبالغون وايد الدكاترة
بدأت أنظر إلى جهاز نبضات القلب ، التنفس ، كل شي لونه أحمر وvery low بدأ الخوف يتملكني ، اتصلت بالوالد وقلت له امي حالتها حرجة ،
بدأ الدكاترة يتجمعون حولها ، لازالت أصوات تلك الصافرات في أذني وأنا أكتب الآن
وصل أبي وكانت خالتي قد سبقته ، وأنا كنت أمام غرفتها ثم خرج الدكتور وقال : البقاء لله
خالتي طاحت في إغماءة ، وبدأ الممرضات بافاقتها ، أما أنا فقد كنت واقفا ولكن كان عندي غياب إدراك ، لم أستوعب أن امي قد توفاها الله ، ثم قلت لوالدي : أبوي مانبي نقصر ويا امي ، اكرام الميت دفنه ، نبي نصلي عليها الجمعه ، وبالفعل قام أبي باتصالاته
لم يكن في المستشفى العسكري ركن لتغسيل الأموات ، فقاموا بنقل الجثه بسيارة إسعاف إلى المغسلة بجوار الطب الوقائي ، كنت مع الجثة في الاسعاف ،
وصلنا إلى المغسلة وادخلوني معهم الغرفه بحيث لا أرى الجثة وهي تغسل ، قرأت عليها سورة الكهف ومريم وطه ، ثم دعونا إلى نظرة الوداع
آآآآآآآآآآآآآآآآه
رأيت وجهها كتلة من النور والبياض ، لا أذكر أن رأيت هذا الوجه في حياتي مطلقا ، بدأت أبكي بهستيريه مطلقة ، واقبل جبهتها ويديها ....................


وصلت الجثة إلى مسجدنا ، وذهبت لاجدد وضوئي فلم استطع الأغتسال للجمعة ، وعلمت بالوفاء أحدى صديقاتها ، فقامت بالاتصال بكل من تعرفهم ، واخبرتهم عن صلاة الجنازة ، وبدأت النساء يتوافدن إلى المسجد ، اذكر أني كنت داخلا إلى المسجد فنادت علي أم حمدان ، وقالتلي تعال احظنك تعال انت وليدي ...



كانت الخطبة أساسا عن الاسراء والمعراج ، لكنها قد تحولت إلى دعاء للميت ، وذكر محاسنه وسجاياه ، وانتهت الصلاة وقدمت الجنازة نحو الصف الأول ، كنت بجوار والدي ووالدي يقدمني للصلاة وأنا أتراجع ، اقوله لا يمكن ، يقولي محمد صلي على امك ، فقلت له : لو هي عايشه مابترضى حد يصلي غيرك ، فتقدم للصلاة ..




احس بتعب من الكتابة لذا أكتفي بهاذا القدر ، وان طالت بنا حياة سيتجد اللقاء
في أمان الرحمن