هذا تقرير ماميتو الله يحفظها

تقديم

عبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) .. شاعر فلسطين الكبير .. وعَلَمٌ من أعلام الأدب المعاصر .. له مكانة بارزة في الأدب العربي ، شعراً ونثراً .. وله دور كبير في مجال النقد الأدبي ، ومجال النقد الاجتماعي ..

كان من فحول الشعراء الذين أنجبتهم فلسطين .. وفي طليعة الأدباء الذين وقفوا مع شعبهم وأمتهم ، ودافعوا عن وطنهم ، والتزموا بقضاياه المصيرية .. وكان له دور فعّال في مقاومة الاستعمار ، ومناصرة الشعوب في كفاحها من أجل حرّيتها ..

نشأته وحياته

ولد عبد الكريم بن سعيد بن علي الكرمي في مدينة طولكرم بفلسطين عام 1909م ، وعاش في أسرة اشتهرت بالعلم والدين والأدب ، فقد نبغ عدد من أفرادها كعلماء وأدباء ، فهو شقيق الأديبين أحمد شاكر الكرمي وحسن الكرمي .. ووالده الشيخ سعيد الكرمي عالم مشهور ، وأحد طلائع رجال النهضة العربية المعاصرة .. كان فقيهاً بالدين واللغة ، وشاعراً وأديباً يجيد الخطابة .. وكان أحد ثمانية تأسّس منهم المجمع العلمي العربي بدمشق ، ونائباً لرئيس المجلس .. وعمل من بعد سنة 1922م قاضياً للقضاة في حكومة " شرق الأردن " ، ثم رئيساً لأول مجمع علمي في الأردن ، وتوفي في طولكرم سنة 1935م .

تلقى عبد الكريم دراسته الابتدائية في مدرسة طولكرم الحكومية .. وفي عام 1918م انتقل إلى دمشق ، وواصل دراسته .. وفي دمشق كان يحضر مجلس والده ، وفيه أهل علم وأدب ، فكان يستفيد كثيراً من مجالس العلم ، ويقرأ الكتب الأدبية النافعة .. وقد أتاحت له مجالس العلم هذه تكوين خبرة اجتماعية وإثراء ثقافته وتكامل شخصيته ..

وفي منتصف عام 1922م غادر والده دمشق إلى عمان حيث أصبح قاضياً للقضاة ورئيس مجلس المعارف ، فانتقل معه ، ودرس سنة واحدة في مدرسة السّلط الثانوية.. ثم غادر عبد الكريم إلى دمشق ليلتحق بمدرسة التجهيز الأولى ( مكتب عنبر ) .. وخلال دراسته في المكتب تعرّف إلى فتاة تدعى ( سلمى ) فأحبّها ونظم فيها قصيدة ، وحين علم أساتذته بذلك كنّوه بأبي سلمى([1]) .

وبعد حصوله على شهادة البكالوريا السورية عام 1927م ، قصد بيت المقدس، وعُيّن معلماً في المدرسة العمرية ، ثم انتقل إلى المدرسة البكرية ، ثم المدرسة الرشيدية .. وانتسب إلى معهد الحقوق في القدس حيث نال منه شهادة المحاماة .

وفي عام 1936م أقالته السّلطات البريطانية من التدريس ، فقد نظم قصيدة نشرتها مجلة الرسالة القاهرية بعنوان ( يا فلسطين ) هاجم فيها السلطات البريطانية لعزمها على إنشاء قصر للمندوب السامي البريطاني على جبل المكبّر الذي زاره الخليفة العادل عمر بن الخطاب .. فاستدعاه مدير التعليم البريطاني ( مستر فرل ) ، وأبلغه قراره بفصله من العمل ..




وبعد أن فقد أبو سلمى وظيفته التعليمية بالقدس ، ضمّه صديقه إبراهيم طوقان إلى دار الإذاعة الفلسطينية ، واستمرّ يعمل في جهازها الإعلامي إلى أن استقال من عمله ..

وفي عام 1943م قصد أبو سلمى مدينة حيفا وافتتح مكتباً زاول فيه مهنة المحاماه ، وبدأ عمله بالدفاع عن المناضلين العرب المتهمين في قضايا الثورة الفلسطينية .. وأصبح في فترة قصيرة محامياً مرموقاً في فلسطين ، وظل يعمل في حقل المحاماة حتى عام 1948م ، حيث اضطر إلى مغادرة حيفا نازحاً إلى دمشق ... وهناك زاول مهنة المحاماة والتدريس ، ثم عمل بوزارة الإعلام السورية .. وأسهم في العديد من المؤتمرات العربية والآسيوية والإفريقية والعالمية .

وفي عام 1980م وافته المنيّة ، ودفن في دمشق

أديبٌ منذ نشأته


كان عبد الكريم منذ صغره يحضر مجلس والده – وفيه أهل علم وأدب – ويستفيد كثيراً من هذا الحضور ، الذي أتاح له تكوين خبرة اجتماعية وثقافية كبيرة... فكان يلقى التشجيع من والده على حفظ الشعر الجيد ... وكثيراً ما كان يطلب منه أن يلقى على مسامع الحضور في المجلس آخر قصيدة حفظها ، ويقوم بتشجيعه على إبراز مواهبه التي بدأت في الظهور في سن مبكرة ، ويكثر من توجيهه إلى حفظ الشعر الجيد ، ليقوى على نظم الشعر ..

ومن الشخصيات التي أثّرت في ثقافة عبد الكريم الأدبية أخوه الناقد الفلسطيني ( أحمد شاكر الكرمي ) فقد تلقى أبو سلمى الدّربة والصّقل الأدبي على يديه ولقي منه التشجيع ، وتعرّف عن طريقه إلى العديد من الكتّاب والأدباء السّوريين والعرب ..

وكان أيضاً دور واضح في التأثير لمدرسة عنبر التي خرّجت عدداً من الشعراء والأدباء .. ففي هذا المعهد لقي أبو سلمى من معلّميه الرعاية والتنشئة الأدبية الصالحة .. وبهذا نرى أن عبد الكريم قد تغذّى بلبان العلم والأدب منذ صغره .. واستطاع أن يكوّن نفسه تكويناً أدبياً وثقافياً جيداً .. وصار وثيق الصلة بالأدب وبالثقافة العربية القديمة والحديثة والمعاصرة . وقد امتدت ثقافته العامة إلى الأدب العالمي عن طريق اللغة الفرنسية التي يتقنها ، والمؤتمرات الأدبية والثقافية والسياسية التي حضرها في كثير من أقطار العالم .. أضف إلى ذلك صلته الوثيقة بالأدباء والشعراء في الوطن العربي وفي أقطار العالم الأخرى .

شعره

أبو سلمى .. شاعر وأديب من جيل الشعراء الرّواد الذين سجّلوا بأمانة وصدق أحداث وطنهم وأمتهم ، وأسهموا بالكلمة الحرّة الجريئة في قضايا تلك الأحداث .. شعره يتّسم بالوضوح ، والمعنى النبيل ، والنغمة الأخاذة ، واللغة المتينة ، ويتوافر فيه الخيال المبتكر .. يحس القارئ لشعره بدفء الكلمة وقوّة التعبير وصدق الانتماء..

نظم شعره في مجالات كثيرة ، وجوانب متعدّدة .. ففيه الشعر الوطني الذي نظمه لفردوسه المفقود بخاصة ، ولوطنه العربي بشكل عام . وفيه الشعر الإنساني والاجتماعي ، والرّثاء والأناشيد ، والحب والغزل ، وغير ذلك من فنون الشعر . وقد نظم قصائد رائعة ، كل واحدة منها كأنها لوحة رسمتها يد فنّان عبقري ...

يقول أبو سلمى عن شعره :

شِـعْـريَ جِسْرٌ يلْتقي iiفوقَه
يَـعْبَقُ شِعْري بِشَذا iiموطني
يا وطني !.. لا تَأْسَ إنّا على
تَـغْـنى الزَّعاماتُ وأشباهها

أهـلي بما يَحْلو وما iiيَشْجُن
لـولاهُ لا يـزكو ولا iiيَحْسُن
عَهْدِكَ ، مهما طالت iiالأزْمن
والخالدان : الشّعْبُ iiوالمََوْطِن

لقد أراد أبو سلمى للشعر أن يكون فنّاً جماهيرياً شعبياً يصوّر كل إحساسات الشعب ومعاناته ، وما يجري حوله من أحداث .. فشعره يكاد يكون سجلاً للنكبة بكل أبعادها .. وهو يفرّق بين الشعر الملتزم بقضية شعبه والشعر المأجور ، ويضع حدّاً فاصلاً بين نوعين من الشعر فيقول : الشّعر كالناس في الكون حرف حرٌّ وحرف ذليل ، وإنّ الشعر الحق هو الشعر الملتزم بقضايا الجماهير وآلامها وآمالها ..

كيف يمشي القلم المأجور في ساحة تجتاحها النار اجتياحا

في صرير القلم الحُرّ صدى ثورة الشعب هتافاً وصداحا

حاربوا الظلم مدى الدهر إلى أن يرفّ الكون طهراً وصلاحا

وإذا المستعمرون انتشروا يملأون الأرض جوراً واجتراحا

حرّروا الدّنيا من استعمارهم شرف الإنسان أن يقضي كفاحا([3])

ثم يخاطب رواد الشعر في العالم العربي فيدعوهم إلى النهوض بمسؤولية الشعر في الذود عن حقوق الإنسان ، وأن يهبطوا من أبراجهم العاجية ويتحملوا مسؤولياتهم بحماية شرف الحرف المضيء وراية الشعر المناضل([4]) :

أيها الحاملون ألوية الشعر تهاوى الستار والتمثيل

إن تشريد شعبنا يخضب الشعر وتدمى حروفه والنّصول

فاهبطوا لا ترابطوا في البروج البيض فالشعر كلّه مسؤول

شرف الحرف أن يذود عن الحق فإن رمتمُ المقال فقولوا

إنه الحرف جلّ أن يشتريه حاكم ظالمٌ وعلجٌ دخيل

هذا هو شاعرنا أبو سلمى .. وهذا رأيه في الشعر والشعراء أما رأي الأدباء في شعره ، فيقول الأستاذ أكرم زعيتر : إلتقينا في دمشق " أكرم زعيتر ، وبدوي الجبل، وعبد الكريم الكرمي " .. وأذكر أن أبا سلمى أهدى لبدوي الجبل (الفلسطينيات) فقرأ بعضها ثم تناول القلم والورق ودبّج :" إن شعرك كالعطر ، أرجُه يثني عليه ، ويهدي إليه . حزن شعرك على فلسطين حزن هادئ وجيع ، إنه حزن الثاكلات ، لا حزن النائحات . جمال شعرك في حزنه ، إنه لا يلطم الصّدور ، ولا يبالغ في الصّراخ ، بل هو حزن هادئ لأنه عميق ، ومحبب لأنه صادق ، وسريع العبور إلى الضمائر لأنه نابع من ضمير . إن جراحك في شعرك هي التي تبكي ، لا مقلتاك ، والمصيبة عندما تكبر في هولها وغمراتها ، تكبر كذلك في سجيتها وشمائلها ، فلا تكون دموعاً مبهرجة ، ولا دعاية مهرّجة . سلمت العبقرية التي ينبع منها شعرك ، ولا أقول سلمت الأحزان التي يعبق منها سحرك "([5]) .

شعره الوطني

تناول أبو سلمى عصبة الأمم التي أقرّت الانتداب البريطاني على فلسطين ، وناقش سياستها المتناقضة ، ومبادئها المزيّفة ، فقال في قصيدة بعنوان " المشرّد"

قم تأمل ترَ الشّعوب iiيجرّون
بـينهم عصبة الأراقم iiتسعى
حرّموا الظلم بينهم واستراحوا
كـل يـوم لـجـنـة فكتابٌ


قـيـوداً مـن الحديد iiالمثلّم
كـلـما غاب أرقمٌ لاح iiأرقم
ولـديـنـا يـحلّلون iiالمحرّم
لا تـرى فيه غير ظلم منظم

ويخلّد أبو سلمى ذكرى استشهاد الشيخ المجاهد في قصيدته المعروفة " بلهب القصيد " .. والتي يقول فيها .

أنشرْ على لهب القصيد شكوى العبيد إلى العبيد

شكوى يردّدها الزّمان غداً إلى الأبد الأبيد

سُحقاً لمن لا يعرفون سوى التعلّل بالوعود

* * *

قوموا اسمعوا من كل ناحية يصيحُ دم الشّهيد

قوموا انظروا القسّام يُشرق نوره فوق الصّرود

يومي إلى الدّنيا ومَنْ فيها بأسرار الخلود

قوموا انظروا فرحان فوق جبينه أثر السّجود

يمشي إلى حبل الشهادة صائماً مشي الأسود

سبعون عاماً في سبيل الله والحقّ التّليد

خجل الشباب من المشيب بل السّنون من العقود

ويصوّر أبو سلمى جرائم الانجليز في فلسطين وما ارتكبوه من مظالم وهم يخمدون الثورة فيقول :

هل تشهدون محاكم التفتيش في العصر الجديد

قوموا انظروا الأهلين بين الوعد ضاعوا والوعيد

ما بين ملقىً في السّجون وبين منفيٍّ شريد

أو بين أرملة تولول أو يتيم أو فقيد

أو بين مجهول يرى عصف المنون من النشيد

قوموا انظروا الوطن الذبيح من الوريد إلى الوريد

تتزاحم الأجيال دامية الخُطى حول اللّحود

وكان أبو سلمى يعشق فلسطين وأرض فلسطين .. وعشقه لهذه الأرض يتضح في التغني بمظاهرها وصفاتها ، وبأشجارها وأعشابها ، وبشمسها وكواكبها ، بنداها وعطورها ، بأزهارها وسواقيها .. وهو إذ يرمز لهذه الأرض بالمرأة فإنما ليعطي صورة التداخل في العشق بين فتاة بلاده في سماتها وملامحها والأرض التي هي رمز العطاء والحُبّ والخِصْب المثمر ..

استمع إليه وهو يقول

كُلّما حاربتُ من أجلكِ ... أحْببتُكِ أكثر

كُلّما دافعتُ عن أرضكِ ...عودُ العمر يخضر

وجناحي يا فلسطين على القمّة يُنشر


ولأبي سلمى قصائد جميلة ومؤثرة قالها في الرثاء .. منها قصيدته في رثاء القائد المغوار محد صالح الحمد المكنى " بأبي خالد " ، الذي استشهد في معركة خاضها ضد الإنجليز بين رام الله ونابلس ، في 18/5/1938 وشيعته فلسطين إلى قرية ( سيلة الظهر ) بمنطقة جنين .. فنظم أبو سلمى هذه القصيدة التي أصبحت نشيداً للثوار الذين قطعوا العهد على الثأر .. وقال فيها

وقـفـتُ أناجي "سيلة الظهر" iiباكيا
أبـو خالد يا "سيلة الظهر" .. iiخالدٌ
يَـمـتُّ إلى "القسّام" بالنورُ والهدى
سـنـثـأر مـا عشنا ويثأر iiبعدنا
فيا دهر لا تغلق على المجد واستمع



وأذلـلـت دمعي بعدما كان iiعاصيا
يُـزَفُّ إلـى الـعـلياء سيفاً يمانيا
ولـمّـا يـزلْ فـينا إماماً iiوهاديا
بـنـونـا بثورات تشيب النّواصيا
ألـوف الـضحايا تقرعُ الباب iiثانيا

الجانب الإنساني والاجتماعي في شعره


أبو سلمى شاعر أديب .. نظم شعره في جوانب متعدّدة .. منها الجانب الإنساني والجانب الاجتماعي ..

ففي الجانب الإنساني نجد في شعر أبي سلمى سمات وملامح إنسانية ، فهو يغنّي لقضية التحرّر العالمي ، ويريد الحرية لوطنه كما يريدها لسائر الشعوب والأوطان .. وقد كان لإسهامه في المؤتمرات الدولية الأدبية منها والسّياسية ، أن فُتحت أمامه آفاق واسعة يطلّ منها على ثورة الإنسان المعاصر ضد الظلم والاستغلال..

ولإبراز الجانب الإنساني في شعر أبي سلمى لابد أن نتتبع مواقف الشاعر من قضايا العلاقات الإنسانية ، وقضايا الحروب العدوانية والعنصرية ، وأن نتلمّس في بعض قصائده الإنسانية شيئاً من عناصر الوطنية ..

ففي قصيدته " رمضان السّمح الكريم "

رمضان السّمح الكريم يد الله على العالمين عذب النمير

كلما أصغت النفوس إليه طهرت من ضلالة وفجور

أنت من علّم المساواة فالناس سواء في بردك المنشور

أنت وحَّدْتهم فلا فرق ما بين يتيم وبين ربّ سرير([12])

وبوعي الإنسان المناضل يرى أبو سلمى في ثورة شعبه على الاستعمار ثورة على الظلم والجهل والفقر من أجل عالم واحد تتوافر فيه الحرية لكافة بني البشر :

وحريّة الفكر نحن الذين رفعنا لواها كما تعلمين

ونحن الذين نثور على الظلم والجهل والفقر في كل حين

ومبدأنا عالمٌ واحدٌ وتخليد حرّية العالمين([13])

وفي الجانب الاجتماعي من شعر أبي سلمى نراه وقد استأثرت قضية تحرير الإنسان الفلسطيني والعربي من الاستغلال والاضطهاد باهتمامه .. فينظم قصيدة بعنوان " الشعب " يتحدّث فيها عن الطبقات الفقيرة المسحوقة ويلقيها في المؤتمر الثالث للعمال العرب الذي عقد في يافا بتاريخ 6 أيلول 1947م ، فيقول([14]) :

يا أيها الشعب iiالمُفدّى
يـتدفق العذبُ iiالزّلال
تـكسوهم حُلَل iiالرّبيع
أنت الذي تهب iiالخلود


قلْ لي بربّك كيف تهدا
فيرتوون وأنت iiتصدى
ويـنكرون عليك iiبُرْدا
فـيـحملون إليك لحدا


ويمدح فيها العمال أصحاب السّواعد السّمراء الذين يكدحون ويعرقون ليعملوا على تطوير الوطن .. ويعتبر كدحهم هذا نضالاً في سبيل الحرية ، وخطوة في سبيل تحرير الوطن من العبودية والاستغلال ، فيقول :

أهـلاً بـعـمـال iiالـبلاد
أنـتـم إذا احْـمرّ iiالحديد
مـن مـثـلـكم عند iiاللّقا
أهـلاً بـعـمـال iiالـبلاد
الـفـجـر خـلف iiركابهم



نـزفّـهـم شـيـباً ومُرْدا
حـمـاتـهـا سهلاً iiونجدا
أعـلـى يـداً وأعزّ iiجندا
يـحـاربـون مـن استبدّا
يهدي الورى والرّكب أهدى

نشاطه وإنتاجه الأدبي


كان أبو سلمى شاعراً مبدعاً وكاتباً بارعاً ، يُحسن التصرف في فنون القول والكتابة ، فكانت له مقالات ماتعة ، ودراسات رائعة .. وقد انتشرت هذه الآثار القلمية في الصحف أو أُلقيت في المحاضرات والندوات أو المؤتمرات الأدبية .

وكان ناقداً أدبياً له دراسات نقدية محكمة ، وناقداً اجتماعياً عالج عدداً من الموضوعات الاجتماعية بآراء ناضجة ولهجة صادقة .. وكان في نقده الاجتماعي يلتزم بقيم المجتمع ويتجه إلى الإنسان معبّراً في ذلك عن التزامه بقضايا الشعب والوطن ، وهموم الإنسان العربي ..

وكانت له جولات في نقد شعراء فلسطين ، لعلها كانت أولى محاولات النقد الشعري في فلسطين . وكان يرفد إذاعة القدس بروائعه الشعرية ... وعندما تولّى الأستاذ زعيتر تحرير ( مرآة الشرق ) المقدسية سنة 1930م ، رافقه أبو سلمى بتحرير شطرها الأدبي متطوّعاً .

بدأ أبو سلمى بالكتابة في عام 1926م حينما نُشرت له قصيدة في مجلة الميزان الدمشقية ، التي كان يصدرها أخوه أحمد شاكر الكرمي ، وكان أبو سلمى وقتها طالباً في مدرسة التجهيز ( مكتب عنبر ) بدمشق ، وتوالى بعد ذلك نشر قصائده في مجلة الزهراء القاهرية ، وفي مجلة المعرض البيروتية ، ثم في مجلة الرسالة القاهرية .

أما نشاطه في الصحف الفلسطينية فقد بدأ في الثلاثينيات حيث كان يحرّر الصفحة الأدبية في جريدة فلسطين اليافية ، كما كان يكتب في زاوية " أزهار وأشواك" في جريدة الدفاع اليافية ، وكان عضواً في رباطة القلم الفلسطينية .

وفي مرحلة ما بعد النكبة تولّى الإشراف على الصفحة الأدبية في مجلة "المضحك المبكي " بدمشق وكان ذلك في السّتينيات .. كما أسهم بمقالاته وقصائده في المجلات العربية والسورية كمجلة المعرفة السورية ، والهلال المصرية ، والعربي الكويتية ، والمجتمع العلمي العربي بدمشق ، والقبس بدمشق ، ومجلة الثقافة الجزائرية .

وقد صُنّف في سيرة أبي سلمى وأدبه عدد من الدراسات : منها دراسة منهجية متكاملة قام بها الدكتور مصطفى الفار ، درس فيها شعره وأدبه دراسة شاملة متئدة، تمتد من أواخر العشرينات حين كان فتىً يافعاً ، وحتى أصبح في سن الشيخوخة . وقد اهتم في دراسته هذه بدور أبي سلمى في مقاومة الاستعمار ومناصرة الشعوب في كفاحها من أجل حريتها ، وحياتها وكرامتها الإنسانية ..

وقد جمع في دراسته بين المنهج الفني والمنهج التاريخي .. وكان كتابُه أطروحة نال بها درجة ماجستير في الأدب العربي ، بعنوان " الشاعر أبو سلمى أديباً وإنساناً " .

ومن الدراسات التي كُتبت عن أبي سلمى أيضاً : دراسة بعنوان ( أبو سلمى زيتونة فلسطين ) لعلي حسين خلف . ودراسة بعنوان ( أبو سلمى والتجربة الشعرية ) . ونشر المازني وزكي مبارك بعض الدراسات عنه .

وقد قرّرت اللجنة الخاصة بجائزة اللوتس المنبثقة من منظمة الأدباء الأفرو – آسيوية منح أبي سلمى جائزتها لعام 1978م .. كما أُقيم لأبي سلمى مهرجان تكريمي في بغداد ، أقامه الاتحاد العام للأدباء العرب وبالتنسيق مع اتحاد الكتّاب في العراق واتحاد الصحفيين والكتاب الفلسطينيين في يومي 10 و 11 كانون الثاني 1979م .

مؤلّفات أبي سلمى

كان أبو سلمى أديباً كبيراً من جيل الرّواد الذين سجلوا بأمانة وصدق أحداث البلاد قبل النكبة وبعدها ، وأسهموا بالكلمة الحرّة الجريئة في قضايا شعبهم وأمتهم.. فقد عاش هموم شعبه قبل النكبة ، وتجرّع مرارة الغربة ، وواكب النكبة مرحلة بعد مرحلة وسجّل أحداثها بعمق ورويّة .. وكان يصدر عن شعور إنساني صادق ، ووعي عميق بالأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية ..

وقد خلّف للمكتبة العربية مجموعة كتب مطبوعة ، ما بين مجموعة شعرية، وتاريخ لكفاح شعب وسير أشخاص وتراجم ، فضلاً عن مقالات ومحاضرات لو أنها جمعت لتألّف منها عدة كتب ، ومن كتبه :

1- ديوان " المشرّد " – نشر مكتبة أطلس بدمشق ، وقد صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1953م ، والثانية سنة 1963م ، ويضم 37 قصيدة .

2- مجموعة " أغنيات بلادي " – نشر مكتبة أطلس بدمشق ، صدرت سنة 1959م ، وتحتوي على 36 قصيدة .

3- مجموعة " أغاني الأطفال " – نشر وتوزيع مكتبة أطلس بدمشق ، 1964م .

4- مجموعة " من فلسطين ريشتي " نشر وتوزيع دار الآداب ، بيروت ، 1971م .. وتحتوي على ثلاث عشرة قصيدة .

5- ديوان أبي سلمى – نشر وتوزيع دار العودة ، بيروت ، 1978م ، ويحتوي 173 قصيدة .. ويضم مجموعاته الشعرية : المشرد ، وأغنيات بلادي ، ومن فلسطين ريشتي ، وأغاني الأطفال ، كما يشتمل على القصائد التي لم تتضمنها مجموعاته مما كان قد نشر في الصحف .

6- كفاح عرب فلسطين – نشر وتوزيع مكتبة أطلس بدمشق ، 1965م .. وقد أدّى أبو سلمى بكتابه هذا خدمة للقضية الفلسطينية خاصة ، والقضية العربية عامة ، لأنه عالج وبحث قضية بلاده وكفاحها العادل بصدق وإخلاص وجرأة .. فالكتاب دراسة تاريخية لمراحل النضال الفلسطيني ، وفيه تأكيد على رسوخ قدم الشعب وصلابته في كفاحه العادل ضد الظلم والاضطهاد من أجل الحرية .. وفيه توضيح للدور الحقيقي الذي قام به الاستعمار الأنجلو أمريكي في صنع المأساة ، وحقيقة أداته ومخلبه " إسرائيل " التي أقامها في قلب البلاد العربية لتكون قاعدة الاستعمار والعدوان ولتحول بين العرب وتحقيق أهدافهم في الوحدة والحرية([15]) .

7- أحمد شاكر الكرمي – مختارات من آثاره - ، نشر وتوزيع مكتبة أطلس ، 1964م ... وهذا الكتاب عن حياة وآثار الكاتب الناقد أحمد شاكر الكرمي .

8- الشيخ سعيد الكرمي – سيرته العلمية والسياسية – نشر وتوزيع المطبعة التعاونية بدمشق ، 1973م .

9- ثورة فلسطين – مسرحية شعرية – مخطوطة .

قصائد مختارة من شعره

1 جبل النار

جبل النار .. اسم يُطلق على جبال منطقة نابلس ( نابلس – جنين – طولكرم) التي دارت فيها معارك بطولة بين المجاهدين والقوّات البريطانية الغازية .. فمن جبال هذه المنطقة أعلن الشيخ عز الدين القسّام أول ثورة مسلّحة ضد الإنجليز في معركة يعبد عام 1935م ، وأطلق فيها شعاره الخالد : " هذا جهاد .. نصرٌ أو استشهاد " ..

ومن هذه الجبال فجّر الشيخ فرحان السّعدي ثورة فلسطين الكبرى في معركة نور شمس عام 1936م ، وأطلق الرّصاصة الأولى في الثورة .. ووجّه المجاهدون ضربات موجعة لجيش الاحتلال البريطاني ، الذي أطلق على المنطقة اسم ( مثلث الرُّعب ) ..

فحين اشتعلت الثورة ، وقدّم لها أبناء فلسطين أرواحهم ، وامتّد لهيبها فوق سفوح الجبال .. شرع أبو سلمى في تمجيد الثورة والثوار ، فصوّر في أبيات هذه القصيدة المعارك الطاحنة التي كان يخوضها ثوّار فلسطين فوق الجبال ضد القوات البريطانية المجهّزة بالطائرات والأسلحة الثقيلة ، فلا يزيدهم لهب المعارك وضراوتها إلا استبسالاً وصموداً ..

يقول الأستاذ الأديب أكرم زعيتر([16]) : عندما نشبت الثورة الكبرى سنة 1936، أخذ أبو سلمى يرفدها بقصائده الرائعات ، فكانت زاداً للشباب في معتقلاتهم.. ويتابع كلامه فيقول : تسلّلت إلينا – في المعتقل – مجلة ( الرسالة ) القاهرية وفيها قصيدة ( جبل النار ) وكنّا لا نزال في نشوة من أنباء انتصارات الثوار، وإسقاطهم الطائرات البريطانية ، وفيها يحيّي الثائرين ويمجّد جبل النار.

أبيات القصيدة ([17])


جـبـل الـنّـار يا أعزّ iiالجبالِ
تُـنـبـت الـمجدَ فوق iiسفحك
يُفصح الصّخر عن شمائل iiأبنائك
مـا ذكـرنـا حـماك إلاّ iiانتسبنا
* * ii*
أيّـهـا الـثائرون في جبل iiالنار
لـكـم الله يـا حـمـاة iiفلسطين
تـحـمـلون الأرواح فوق أكُفٍّ
ورصـاصـاتكم تمرُّ على iiالأيّام
تَصْرعُ الطائراتِ مثل طيور الجوّ
يـسـمـعُ الجند في صداها iiلُغى
* * ii*
أيّـها الثائرون قولوا ، فإنّ الكـو
والمعوا في غياهب الظلم iiتجلوها
إنّـمـا الـحقّ من بنادقكم iiيسطع
انـظـروا اليوم كيف يلتفت iiالتا
* * ii*
جـبـل النّار زأرة تجعل iiالدّهر
جـبـلَ الـنـار لم تخلّدك iiإلاّ
جـبـل النّار ! إقذف النّار iiحتّ
أنـتَ لا زلـت ، مـعقد iiالآمالِ
فـيـنان وتسقيه من دم iiالأبطال
فـوق الـلّـظـى وعند iiالنّزال
وانـتـشت نخوةً رؤوس الجبال
* * ii*
سـلامـاً يـا زيـنـة iiالأبطال
زحـمـتـم مـصـارع iiالآجال
وَتَـبـيـعـونـها ولكنْ iiغوالي
حُـمـراً مـضـيـئة في اللّيالي
تـهـوي مـا فـوق تلك iiالتّلال
الـمـوتِ فلا يَثْبتون يوم iiالقتال
* * ii*
ن يُـصـغـي إلى لهيب iiالمقال
فـإنّ الـجـهـاد رحب iiالمجال
والـعـدل مـن وراء iiالـعوالي
ريـخ حـتى يرى بريق iiالنّصال
* * ii*
يُـحـيّـي مُـحـطِّـمَ الأغلال
ثـورة فـي سـبـيل الاستقلال
نُـبـصـرَ النّورَ يا أعزّ الجبال