اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sad tears مشاهدة المشاركة
ابغي خطة التقرير البحثي عن ابوقاسم الشابي
بســـم الله الرحمـــن الرحيـــــم


وزارة التربية والتعليم
منطقة أبوظبي التعليمية
مدرسة..................................
مادة اللغة العربية






تـقـريـر بـحـثـي بـعـنـوان

شـاعــــر الـحـب و الـحـيــــاة
أبـو القاســـم الشابـــــي












تحت إشراف :
أ.


الـمـقدمـــة

لم يكن الشابي ومضة في حياة الشعر العربي وإنما كان بحياته القصيرة الطويلة نقطة تحول في الشعر العربي فقد كان من كبار المجددين الذين رؤوا في الشعر العربي القديم تراثا يجب احترامه وليس منهجا يجب اتخاذه. فكان رأيه هذا سببا في نفور الناس منه لأنهم لم يفهموه لأنه سبق عصره أم اليوم فنحن فهمناه فاستوعبنا أراؤه.

لقد كان الشابي بشعره يقف في مصاف كبار جنود وسياسيي العالم الثالث (المستعمر) فقد كان محاربا لا هوادة فيها ضد الاستعمار، وأخذ على عاتقه محاربة الرجعية و الجهل وظلام التخلف. كما أنه لم يظهر نجمه إلا بعد موته لأن بعد موته بفترة بسيطة اشتعل العالم بنيران الحرب العالمية الثانية، وتلتها ثورات التحرير في الوطن العربي، فكاد العالم أن ينسى الشابي إلى أن نشر زميله وأخوه آثاره وبعض النقاد كذلك.

لهذه الأسباب وغيرها رأينا أن نقدم تقرير نعرض فيه نبذة عن مولده وثقافته وصفاته الخلقية وأخلاقه الرفيعة وشعر هذا (الشاعر البلسم) بلسم الشعوب المستعمرة بالجهل والمكبلة بالرجعية، ثم نتحدث حول الإطار الاجتماعي الذي عاش فيه، ونختم ذلك بذكر أثره بعد وفاته على المستوى الثقافي.


مـولـده ونشأتـه

ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الثالث من شهر صفر سنة 1327هـ الموافق للرابع والعشرين من شباط عام 1909م ، وذلك في بلدة توزر في تونس.

أبو القاسم الشابي هو إبن محمد الشابي الذي ولد عام 1296هـ ( 1879 م) ، وفي سنة 1319هـ ( 1901 م) ذهب إلى مصر وهو في الثانية والعشرين من عمره ليتلقى العلم في الجامع الأزهر في القاهرة. ومكث محمد الشابي في مصر سبع سنوات عاد بعدها إلى تونس يحمل إجازة الأزهر. ويبدو أن الشيخ محمد الشابي قد تزوج أثر عودته من مصر ثم رزق ابنه البكر أبا القاسم الشابي وتولى القضاء في نفس عام ولادته ، قضى الشيخ محمد الشابي حياته المسلكية في القضاء ، ويبدو أن الشابي الكبير رغب في العودة الى توزر ، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلا بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول – سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348هـ. كان الشيخ محمد الشابي رجلا صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي ومن المعروف أن للشابي أخوان هما محمد الأمين وعبدالحميد.

تلقى الشابي تعليمه الأول في المدارس القرآنية وكان ذكيا قوي الحافظة فقد حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، بعد ذلك أرسله والده لجامع الزيتونة وحصل على شهادة التطويع 1927 وهو في سن الثامنة عشرة، ولم يكتف أبوه بذلك فأدخله كلية الحقوق وتخرج منها سنة 1930 .

وكانت نقطة التحول في حياة شاعرنا موت حبيبته وهي مازلت شابة، ثم تبعه بعد ذلك الموت واختطف أبوه، فتسبب هذين الحادثين في اعتلال صحته وأصيب بانتفاخ في القلب فأدى ذلك لموته وهو صغير السن في عام 1934 بمدينة تونس، ونقل جثمانه لمسقط رأسه قرية الشابة.


ثـقـافـتـــه

نشير في هذا المحور لشيء من ثقافته، نشأ في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس لدراسة الحقوق أن ينضم للنادي الأدبي ، وأخذت مواهبه الأدبية تبرز و تعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاضرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي باتت بالفشل لأن طائر الموت أختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.

و شخصية الشابي التي وجدت الرومانسية الملاذ الوحيد له ليعبر عن ما في نفسه فقد كان الطابع المميز لشبان عصره وهو سر الذيوع. وقد كان مؤمنا بقضيته السياسة وكان من الذين حاربوا الاستعمار، وأبرز عاطفته الصادقة في عدة مواضع.


عناصر شخصيته

خلق شخصية الشابي العجيبة أربعة عوامل واضحة المعالم في حياته وأحواله النفسية ثم في اتجاهه الفكري وفي شعره :
1. مرضه ، وعن مرضه نشأ تشاؤمه وسويداؤه وشدة انفعاله حينا بعد حين .
2. حالته المادية ، وعنها نشأ ضغط أعباء الحياة وتكاليفها عليه فحرمه كثيرا من الحرية التي كان يجب أن يتمتع بها .
3. مطالعته ، وهي التي طبعت نفسه وشعره بعناصر الخيال والانفلات والنقمة ثم أدخلت على شعره شيئا من الجدة والطرافة .
4. حال بلده تونس ، في البؤس الاجتماعي والتخلف الثقافي والضعف السياسي؛ مما خلفه الاستعمار الفرنسي .

ولقد أضيفت هذه العوامل إلى عبقرية أصيلة وشاعرية فياضة فإذا نحن أمام شخصية فذة ولكنها هائمة مضطربة ؛ وعاجزة لكنها متمردة طموح . وكان أبو القاسم الشابي ضعيف البنية نحيف الجسم مديد القامة ؛ ثم زاده المرض في أبان النمو الطبيعي نحولا وضعفا.


ميزاته الأخلاقية

أجمع الذين عرفوا الشابي عن قرب وتعايشوا معه أن له صفات أخلاقية تميزه عن غيره من الشعراء والأدباء الذين عاصرهم . فكانت علاقة الشابي بأصدقائه طيبة . فكان يحافظ على الصداقة الحميمة التي كانت تربط بيت الشابي ببعض الأسر والعائلات التونسية ، إذ كان يتردد على الشيخ المختار بن محمود في بيته فيتحدثان في شتى فنون الأدب وشؤون الفكر والثقافة العربية والإسلامية .لقد شعر المختار بن محمود بنبوغ أبي القاسم الشابي . فكلاهما لقى في صديقه ضالته . فكانا يتجولان معا في الحدائق والمنتزهات . وإذا ما غادر أبو القاسم الشابي العاصمة ليتحول إلى مسقط رأسه كانت الرسائل تقرب بينهما . وكان أبو القاسم الشابي حريصا على أن تكون علاقته بالمجتمع متسمة بطابع الاقتداء بوالده الذي ترك له طيب الأثر لدى بعض العائلات ، والصدى المحمود عند بعض الأصدقاء والمعارف . ونكاد نجزم أن الشابي كان محل تقدير وإعجاب من طرف أساتذته وشيوخ العلم .



أما علاقة الشابي بأغلب أدباء وشعراء عصره فهي علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والود والتقدير والإخلاص. فعندما تقرأ بعض الرسائل التي تبادلها الشابي مع أصدقائه تنبع من نفوس طيبة وصداقة متينة مبنية على حب الأدب والثقافة العربية الإسلامية ، وعلى العمل على رفع مكانة الأدب والأديب التونسي وجعله يساير بعض الأدباء في الأقطار العربية التي أصبحت لها طقوس أدبية .

ولقد عرف عنه أنه خجول لا يتكلم كثيرا ، يهتم بالمحيط الاجتماعي والسياسي والأدبي ، ويتفاعل معه . يهتم بالمطالعة ويقرأ الصحف والمجلات والكتب ، يراسل أصدقاءه ومعارفه فلم تنقطع صلته بأصدقاء الدراسة عندما أنهى تعليمه العالي واستقر بمسقط رأسه في توزر أو في غيرها وأنه شغوف باللغة العربية وحريص على حضور المحاضرات والمسامرات الأدبية .

يعتذر بلبقاة عند تخلفه لموعد ما ، وعرفت فيه مكارم الأخلاق في أسمى معانيها وأجلى مظاهرها ، فهو ذو حلم وكرم وتسامح عن الزلات التي تصدر عن أصدقائه أو أقرب الناس إليه . مخلص لأصدقائه محب لبلاده. متفان في الإخلاص لأسرته نسى آلامه ومرض عندما مرضت زوجته . وكان سروره عظيما حينما شفيت من مرضها . بعيد عن الرياء والتنافس المذموم . لم يكن معجبا بنفسه ولم يفتخر يوما لأصدقائه بأعماله الأدبية . يعتز بنفسه لكنه يخجل من المدح والإطراء.


الـشــابـي الإنـســان

عاش أبو القاسم الشابي بين بني قومه 25 عاما ، ولكن حياته الأدبية والاجتماعية لم تشمل ولو عقدا واحدا من الزمن . ففي السنوات القليلة التي عمرها في دنيا الفكر والأدب كان عملاقا رغم صغر سنه وقد استطاع أن يربط علاقة طيبة ومتينة مع جميع الأوساط الاجتماعية والأدبية .وأصبح الشابي في أعوام قليلة محط أنظار جميع الذين عرفوه عن قرب فالتحموا به التحام الروح بالجسد وعرفوا عنه كل كبيرة وصغيرة وأبهرهم نبوغه المبكر .

وعندما ألقى محاضرة " الخيال الشعري عند العرب " في فاتح بنوفمبر 1929 ، وتصدر لها حسين الجزيري ومحي الدين القليبي وهما من أقدر العناصر الصحافية المعروفة بمتانة الأقلام في نوعها . كما إنهما من العناصر الوطنية البارزة في الحزب الدستوري التونسي فكان لنقد هذين الرجلين طابع سياسي أكثر منه أدبي لأنه فاقد للهجة الاعتدال ومائل إلى التجريح والتهكم والاستخفاف والتشهير .

فلم يقع رد فعل من طرف أبي القاسم الشابي على الذين تهجموا عليه ونقدوه نقدا لاذعا ورموه بالكفر والإلحاد. ولم يتعرض لهم في قصائده بالهجاء المر مثل ما يصنع بعض الشعراء . ولكنه سار في الطريق الذي رسمه لنفسه ولم يعبأ بأصحاب الحزب الدستوري ولم يتعرض لهم في شعره إلا سنة 1933 ، عندما كتب قصيدة " نشيد الجبار " . إذ يقول في هذا القصيد :

و أقول للجمع الذين تشجموا *** هدمي و ودوا لو يخر بنائي
ورأيتموني طائرا مترنمــا *** فوق الزوابع،في الفضاء النائي
فأرموا على ظلي الحجارة،واختفوا *** فوق الرياح الهوج الأنواء
وهناك في أمن البيوت تطارحوا *** غث الحديث ، وميت الآراء
وترنموا ما شئتم بشتائمي *** وتجاهروا – ما شئتم – بعدائي
أما أنا فأجيئكم من فوقكم *** والشمس والشفق الجميل أزائي :
من جاش بالوحي المقدس قلبـه *** لم يحتفل بحجارة الفلتـاء

من هذه الأبيات نشعر بأن أبا القاسم الشابي كان في عداء مستمر مع رجال الحزب الحر الدستوري وقد ناصبهم العداء مثل ما ناصبوه لكنه لم ينزل في هجائه بالشتم والتجريح مثل ما صنعوا به.


آثـــاره

إن الآثار الأدبية التي خلفها الشابي – بالإضافة إلى عمره القصير – آثار كثيرة جياد ، وقد قسمناها إلى قسمين رئيسين :
1. آثاره المطبوعة :
• الخيال الشعري عند العرب .
• أغاني الحياة ( ديوانه ) " ديوان أبي القاسم الشابي ".
• قصائد نشرت في الجرائد والمجلات وفي كتب الدراسات ، قبل موته وبعد موته .
• مقالات ومحاضرات ويوميات ( مذكرات ) نشرت في الجرائد والمجلات وفي كتب الدراسات ، قبل موته وبعده .
• بعض رسائله.
• بعض مذكراته .

2. أثاره التي لا تزال مخطوطة :
• جميل بثينة ( قصة ) .
• قصص أخرى .
• المقبرة ( رواية ).
• صفحات دامية ( قصة ).
• السكير ( مسرحية ).
• مقالات ومحاضرات ورسائل ويوميات .


تناقض الشابي في نقد الشعر


لا بد في هذا النطاق من عدد من الملاحظات :
رأينا الشابي في كتابه " الخيال الشعري عند العرب " يحمل معولا على خيال العرب وعلى الغزل العربي وعلى وصف الطبيعة عند العرب ، غير أن الشابي يرجع حينما ينظم هو الشعر إلى تراثنا من الشعر العربي فيسلخ منه ، والشابي يقول في ص 75 من كتابه ، " إن الشاعر العربي لايرى في المرأة إلا أنهما منبع الإثم ومستقر الرذيلة الخائنة ، وهو يستشهد على ذلك بقول المتنبي :

ومن خبر الغواني فالغواني *** ضياء في بواطنه ظلام

ثم أن الشابي ينظم قصيدته " الجمال المنشود " فيقول :

ما الذي خلف سحرها الحالم السكرا***ن في ذلك القرار البعيد ؟
أنفوس جميلة كطيور الـ***ـغاب تشدو بساجر التغريد ؟
أم ظلام كأنه قطع الليل ***وهول يشيب قلب الوليد
وخضم يموج بالإثم والنكـ***ـر والشر والضلال البعيد!

من هنا نرى أن المتنبي كان أرحم بالمرأة ، وكان أعقل في النظر إليها من الشابي !


خـصـائـص شعره الفنـيــــة


نظم الشابي أشعاره في مدى ثماني سنوات أو عشر سنين في الأكثر. مما يلفت النظر أن الشابي ظهر فجأة كشاعر تام النضج كما يقول الحليوي أو على شيء كبير من النضج على الأصح وخصوصاً إذا قيس بأنداده المعاصرين حتى أولئك الذين كانوا أكبر منه سناً.

والشابي شاعر وجداني ، خالص ، وهو على صغر سنه شاعر مكثر مجيد ، ولقد أجمع الدارسون على أن الشابي قد طبع شعره على غرار المذهب الرومانسي. نشر مصطفى ربج سلسلة مقالات في مجلة الأسبوع التونسية عنوانها " الرومانتيكية والشابي " ثم جمعها في كتاب اسماه " شاعران" ولقد رأي مصطفى رجب الخصائص الرومانتيكية تبرز عند الشابي في :

اللفظ –الأسلوب – القالب – الدعوة إلى الطبيعة – الإستماع الى النفس – توسيع دائرة الشعر – ابتكار المواضيع –تأثر العالم الداخلي بالعالم الخارجي – النزعة الانسانية.

جرى الشابي في شعره على أسلوبين : أسلوب فخم متين النسج جاء به في طوره الأول في الأكثر وخص به قصائده في الحكمة والرثاء والفخر ، ثم أسلوب لين سلس جاء به في القصائد التي طواها على أغراضه الوجدانية والخيالية. وكان من الطبيعي أن تضم قصائده التي على الأسلوب الأول ألفاظاً جزلة وألفاظاً غريبة وأن تكون متخيرة تدل على إحاطة بالقاموس العربي إلى حد كبير. والشابي كأمثاله من الناقمين على عمود الشعر العربي ، وعلى الحياة العربية الأصلية ، أراد أن يتجنب الألفاظ الإسلامية ذات النفحه العربية الملامح ليتبدل بها ألفاظاً وثنية الأصل عامية الاستعمال ، وخصوصاً في طوره المتأخر.

وتراكيب الشابي كألفاظة تجري مجريين: مجرى أساليب العرب ومجرى آخر كثير التحرر والانفلات من أساليب العرب يجب أن يكون التركيب صحيحاً متيناً. ونعني بالتركيب الصحيح أن تجري الجملة على أساليب العرب في الترتيب ووجوب التقديم والتأخير أو جوازهما وفي الاضمار وما إلى ذلك.

الشابي خيالي التفكير خيالي التعبير يبحث عن مثل أعلى من صنع هذا الخيال فلا يجده في العالم الذي يعيش فيه فينقلب شاكياً باكياً ثم تصطبغ آراؤه وتعابيره بالأسى والحزن والكآبة والوجوم. وقد لاحظ زين العابدين السنوسي يوم كان عمر الشابي خمسة عشر عاماً أن الشابي قد امتلك ناصية الخيال ورغم أنه سكت عن الخيال عند الشابي بعد ثلاثين عام وذلك في كتابة " أبو القاسم الشابي " لكنه يخبرنا أن التصور عند الشابي قد كان صادقاً حقيقاً لمن عاشرهم وسكنوا نفسه وانطبعوا في روحه وهي أشباح لأناس حقيقين لا خياليين فما كان أبوه رمزاً خيالياً ولا كانت عشيرة صباه بجنة شاعر أو حلم كاذب.

أغراض الشابي محدودة في نطاقها فهي تدور في الوجدانيات وما يتبعها من التأمل في الحياة ، وكان الشابي منذ طوره الأول قد قال إنه عازف عن الفنون المألوفة التقليدية مكتف بما يعبرّ فيه عن شعوره ، فإذا أغراضه الدائرة في ديوانه هي التأمل في الحياة الطبيعية ( الغابة ، العصفور ، الزنبقة ، الخريف ، المساء ) وفي الحياة الاجتماعية ( السياسية والوطنية والحياة الأدبية ) وفي الحياة الماورائية ( الله ، الموت ) ثم الموضوعات الوجدانيات ( رثاء أبيه ، المجد ) والموضوعات النفسانيات ( الكآبة ، الأمومة والطفولة ) ، ثم الغزل والحب.


الشابي بين شعراء عصره وعلاقته الاجتماعية والأدبية


لقد تطورت علاقة الباحثين والأدباء والشعراء تطورا ملحوظا بأبي القاسم الشابي منذ أن التحق بعالم الخلود سنة 1934 م ، وتكاثرت الدراسات والمراثي وتنوعت ، واعتنت بآثاره شعرا ونثرا اعتناء علميا مركزا وترجمت أشعاره إلى لغات أجنبية متعددة .والمعروف أن الموت يكلل جبين العظماء من رجالات الأدب والمسرح والمجتمع. فلقد أحدثت وفاته ضجة في دنيا الفكر بتونس ومصر. وانعكست هذه الفاجعة على أقلام الكتاب فهبوا يدرسون ويبحثون عن شاب نابغ لم يطل مقامه بينهم. فما أحراها لو ظهرت في حياته القصيرة ! لكن النبوغ لا يعترف به المجتمع بشكل سهل متسامح لأنه نابع من الصراع الذي كان دائرا بين واقع بائس وبين مطامح التغيير.

وقد أدرك الشابي ذلك فقال :

الناس لا ينصفون الحي بينهم *** حتى إذا ما توارى بينهم ندموا



وكثيرا ما يتبادر إلى الذهن سؤال : ما هي منزلة الشابي بين شعراء عصره ؟ وما هي علاقته بهم ؟ ، ومن هؤلاء الشعراء ؟ ولماذا طغى شعره على انتاجهم الشعري ؟

إن الشعراء الذين عاصرهم الشابي كثيرون ، فقد بلغ عددهم 26 شاعرا . لكن العديد من المهتمين بالنقد الشعري والمهتمين بالحياة الأدبية كانوا يقولون في العشرينات أن أبرز شعراء تلك الفترة إنما هما اثنان لا غير : الشاذلي خزندار ومصطفى آغة ، إذ كانا متزعمين الحركة الشعرية التونسية وعملا في المجلات السياسية . وكان شعرهما ذا تأثير كبير في المثقفين التونسيين عامة والسياسين خاصة .

فقد كان الشعر عندهم صحافي تلك الفترة ، قد انحدر إلى الدرك الأسفل من الخيال ، واقتصر على ألعاب لفظية لا يحذقها إلا من برع في اللغة العربية الفصحى ، واطلع على آداب العرب . ثم جاء الشابي فجعل الشعر في المرتبة السامية الأولى لعامل الخيال الخلاق ، وعنوان الطموحات الاجتماعية ، وهزة مكهربة تتنفسها الذات الإنسانية الودية في أخص خصائصها ، وتعبير متقد عن كيان تونسي وعربي جديد يصبو إلى امتشاق السماء ، ونشر اللغة العربية وإشاعتها في الشوارع والمحافل والمقاهي والمدارس والحياة اليومية عامة .

والمأساة التي عاشها أبو القاسم الشابي بمرارة هي الغربة في أسمى معانيها. فلقد طاح هذا الطائر الغريب المترنم حسب تعبيره بين جماعة من المتأدبين ومن أنصاف المثقفين ومن المطلعين على الأدب القديم اطلاعا سطحيا ، فاجتمعوا عليه بالثلب والتجريح والتهمة واستهدفوه بالشتيمة بالسر والجهر ، وتعللوا بأن شعره غامض لا يفهم ، ورمزي مستورد، وقد كان أغلب هؤلاء المتأدبين يناصبونه العداء لتنغيص عيشه حتى يمسك عن الشعر .



الـشابي بعـد وفـاتــه

قد أحس الوسط الثقافي يومئذ بأن الشعر العربي نكب في عبقرية فذة وفي رائد من رواد الشعر العربي الحديث فبكوه مر البكاء وأصبح ديوان الشعر العربي يزخر بالمراثي الخالدة التي تمجد عبقرية الشابي الشاعر الناثر.

وهكذا ما أنفك اهتمام الأدباء والشعراء بأدب الشابي بعد وفاته يزداد يوما بعد يوم. فمن اليوم الثالث من وفاة أبي القاسم الشابي أي يوم 11 / 10 / 1934أقامت الشبيبة المدرسية لقاء ترحميا سعى لإقامته الأستاذ الطيب العنابي وقد أشرف على هذا اللقاء الدكتور الصادق المقدم. وفي هذا اللقاء التأبيني ألقيت الكلمات والدراسات والقصائد عن الشابي وكانت جل الكلمات والخواطر مشحونة بالعواطف الصادقة والآلام لفقدان شاعر عبقري خطفته يد المنون وهو في ريعان الشباب. وقد جمع الأستاذ العنابي جل ما قيل في ذلك اللقاء ونشر في كتاب صغير.

وفي سنة 1936 أحيا الأدباء الذكرى الثانية لوفاة الشابي وانفرد عدد من شهر ديسمبر لمجلة الأفكار بعض ما قيل في هذا اللقاء الأدبي التذكاري. ومن ذلك الحين أصبح الأدباء والشعراء يقيمون الحفلات التذكارية تنشد فيها الأشعار، وتقدم الدراسات عن أدب الشابي. ومن أبرز المجلات الأدبية والصحف التي اعتنت بالشابي ، مجلة العالم الأدبي والأفكار والثريا وجريدة الأسبوع ومجلة الندوة إذ قامت هذه الدوريات بنشر أعداد خاصة عن الشابي ساهم فيها الكتاب والشعراء بتلك الفترة .

أما وزارة الشؤون الثقافية فقد نظمة ثلاثينية الشابي وذلك في الستينات ، أما في السبعينات فقد نظمت ذكرى الأربعين عاما على وفاته، وكان لهذين اللقائين صدى كبير في الحياة الفكرية والدبية لما امتازت به تلك اللقاءات من شمولية في البحث والعدد الوافر من المشاركين سواء من تونس أو الأقطار العربية، بالإضافة إلى الشعراء الذين خلدوا الشابي بأشعارهم ، وبذلك دخل الشابي جل أدونة شعراء العرب .وما كتبنا هذا إلا تحية إكبار وتقدير للشابي ولكل الشعراء العرب الذين تفاعلوا مع شعر الشابي وآمنوا بعبقريته على امتداد نصف قرن .


الـخـاتـمـــة

قدمنا في هذا التقرير نبذة قصيرة عن سيرة شخصية للشابي وأدبية لشعره وقد استخلصنا منها ثلاث نقاط وهي:

1. أوضحنا نظرة الشابي للشعر العربي القديم بأنه تراث يجب احترامه، وأنه يجب أن يبدأ مرحلة جديدة من الشعر الذي يشخص الجمادات فيعمق في وصفها.
2. رأينا أن وطنية الشابي نابعة من الظروف التي دعت كل شخص التعلق بها جراء الاستعمار، فصدق تعبيره عنها.
3. عاطفة الشابي صادقة فهو ذا حس مرهف فقد تأثر بموت حبيبته وأبوه، وأدى ذلك لموته ، وتأثر كثيرا بالطبيعة وفتن بها وبعلاقاته الطيبة بأصدقائه من الأوساط الأدبية
أتمنى أن أكون قد بينت حياة أحد كبار المجددين في الشعر الذي وهب حياته وشعره لدينه ووطنه وحبه.

وفي رأيي في شخصية أبو القاسم الشابي:

أرى بأنه يعجبني، لأن أشعاره تدخل في السياسة , وأيضا يعايش الأمة آلامها , واتصف في شعره بالرومانسية من خلال الطبيعة التي فتن بها وعشقه لمحبوبته , واعتقاده بالعبودية إلى حد قد ذكر له في أشعاره عبوديته لله والخوف من الموت فذلك ينفي ما وصفوه به من إلحاد وكفر من رجال السياسة ، و كان يمدح في المرأة وليس مقصده الغزل ولكن جعلها مثالية ، مما فسره البعض بأنه انتقد الشعر العربي القديم وهو بنفسه من يستقي منه وهو غايته أن يبين الفرق في المنزلة التي يجب أن تتبوأها المرأة.


المصــادر

الشابي : الكاتب : محمد السقانجي، الشركة التونسية للتوزيع – تونس ، ديسمبر 1986 م – ربيع الثاني 1407 هـ .

الشابي شاعر الحب والحياة : الكاتب : للدكتور عمر فروخ ، دار العلم للملايين – بيروت .

ط§ظ„ط±ط¦ظٹط³ظٹط© - طھط¹ظ„ظ… ظ„ط£ط¬ظ„ ط§ظ„ط¥ظ…ط§ط±ط§طھ

http://alshaby.8m.com