علي واقع آخر هو الأحلام؟!
نجيب محفوظ : هذا يحتاج إلي دراسة؟!
مجدي سعد: هل هناك مشروع كتابة يمكن أن يتم خارج الأحلام؟
نجيب محفوظ : لا.. الذي يطرد الأحلام الآن يطرد الكتابة..
يوسف القعيد: ما الفارق بين أحلام اليقظة والنوم؟!
نجيب محفوظ : أحلام اليقظة خاضعة للإرادة.
جمال الغيطاني: وهل تواتيك أحلام اليقظة وأنت تجلس إلي نفسك في فترة النهار؟!
نجيب محفوظ : ساعات !
جمال الغيطاني : وهل تدوٌنها؟
نجيب محفوظ : لا..
جمال الغيطاني: لماذا؟ يمكن اعتبارها مشروع الكتابة القادم.
نجيب محفوظ : حينما تأتي في شكل حلم الليل تعطيني طمأنينة أن لها علاقة بروحي وتاريخي، إنما أحلام النهار لست متأكدا منها؟
جمال الغيطاني: ألست الشخص نفسه؟!
نجيب محفوظ : لا !
يوسف القعيد: هل تعتبرها هروبا من الواقع؟!
نجيب محفوظ : وهوٌ فيه واقع ؟!
جمال الغيطاني: حياتك الآن في مرحلة الأحلام.. هل تعتبر الأحلام هي الخلاصة؟!
نجيب محفوظ : كتبت أحلاما كثيرة.
أكثر من ثلاثمائة حلم.
جمال الغيطاني: ربنا يخليك لنا يا أستاذ نجيب.

--------------------------------------------------------------------------------

أحلام فترة النقاهة :

أحلام فترة النقاهة"هو العمل الجديد الذي طلع به صاحب جائزة نوبل للآداب الروائي المصري نجيب محفوظ الذي ما زال يثير الدهشة بالقدرة على اقتناص المفارقة والتقاط ما يثير روح التحفز في قارئه، خاصة ما يتعلق بالموقف من السلطة.
وقد ضمن محفوظ أحلامه في مؤلفه الجديد مفاهيم العدالة الاجتماعية وثنائية الشعب والسلطة التي طبعت رواياته الرمزية في نهاية الخمسينات من أمثال "أولاد حارتنا" واللص والكلاب" وغيرهما.
والحلم رقم 100 في العمل الجديد هو أشبه بصرخة حين يتواطأ الجميع على الشعب, ويتحدث محفوظ فيه عن محكمة موضع الاتهام فيه نفر من الزعماء, لكن القاضي يقرر أن يصدر حكم الإعدام في حقه هو الذي حضر الجلسة لمعرفة المسؤول عما حاق بالشعب, ولم تجد صرخاته جدوى.

146 حلما :
ورغم أن الحلم الكابوس ينتهي فإن الأسئلة التي تؤرق نجيب محفوظ باقية بوعيه بأن للسلطة منطقها ولا تهتم بإعدام بريء جاء متفرجا على المحاكمة وليس طرفا فيها.

وكان الروائي المصري قد تعرض عام 1994 لمحاولة اغتيال على يد شخص لم يقرأ له, وأثر الحادث على قدرته على الكتابة وعلاقته بمتابعة أمور الحياة إلا عبر أصدقاء.

غير أن الحادث دفعه من جهة أخرى لكتابة هذه اللوحات التي يضمنها نظرته للحياة ولكثيرين ممن أثروا فيه ورحلوا مثل المطرب الملحن زكريا أحمد الذي يراه في الحلم "جالسا على أريكة محتضنا عوده ويغني وحوله الأسرة نساء وأطفالا وبينهما رجل معلق من قدميه على مبعدة طست مليئة بمية النار, وكان الجميع يتابعون الغناء دون أدنى التفات للرجل المعذب", ويترك التعليق للقارئ.

وتنشر "أحلام فترة النقاهة" مسلسلة في مجلة "نصف الدنيا" المصرية مصحوبة برسوم للفنان التشكيلي المصري محمد حجي ومقدما لها بقلم الكاتبة المصرية سناء البيسي. وجمع الكتاب 146 لوحة تقع في 118 صفحة في لغة جمعت بين الصفاء والإيجاز الشديد
حلام النقاهة الأولى (1 ـ 50): ‏
تبدو الأحلام من رقم (1 ـ 50) غير منقطعة الصلة بأحلام نجيب محفوظ في مجموعته القصصية السابقة، فيها يركز على كوابيس الواقع وقضاياه الاجتماعية (الجهل) والاقتصادية والفلسفية أكثر من القضايا الأخرى. يرصد فيها انقلاب العالم إلى سرك كبير وتحول الإنسان في عالم الألاعيب السياسية، البهلوانية، إلى مهرج في ذلك السيرك. حيث لا سيادة للعقل ولامكان للمنطق، يعزو محفوظ ذلك إلى الواقع الراهن في العالم العربي وخارجه. واقع مأساوي يعيش فيه الملايين من المهرجين وأصحاب الأقنعة، والأشخاص غير الأسوياء الذين يحبون الإتيان بكل ماهو غريب وشاذ. وبما أن الحصار أصبح يمتد في كل مكان ويطارد الإنسان حتى داخل جدران بيته، فإن الهروب من ذلك السيرك بات أمرا مستحيلا. في الحلم رقم (1) يجسد محفوظ معاناة ذوي الدخل المحدود في بعض المجتمعات العربية التي يحكمها التفاوت الطبقي، واحساس الحالم بالقهر والخديعة، وبأنه كان ضحية غدر شائن، أو خديعة قاسية، أو قدر معاكس، عندما يسلب ماله أو حريته أو كبرياؤه. ففي ظل الغلاء وارتفاع أسعار السلع أصاب الجوع أعداداً كبيرة من الجماهير، في الوقت عينه يشير إلى الخراب الذي حل في داخل نسيج تلك المجتمعات، في إشارة واضحة لموجات الفساد واللصوصية داخله. ..بمهارة واقتدار ينسج محفوظ في الحلم رقم(5) تلك الرؤية الضبابية للسيرك الكبير الذي تعيش فيه تلك المجموعات. ‏
إزاء الواقع المليء بالمتناقضات والصور القاتمة وحالة السلبية واللامبالاة وروح الهزيمة والعجز التي تسيطر على أعداد كبيرة من المواطنين في المجتمعات العربية. يرصد محفوظ في الحلم (21) ويكشف عن السلبيات التي تفر زها تلك الحالة، إذ تختفي الروح التعاونية بين البشر ويغدو كل شخص منكفئا على ذاته وتعم في ظل السياق الاجتماعي المفكك الفوضى والشعور بالقهر والهزيمة، وتنتشر الجريمة، إضافة لشعور الكثير من البشر بالذل والخجل من أنفسهم لعدم استطاعتهم فعل شيئ إزاء ذلك الواقع المخزي. ‏
بشفافية بالغة يعبر محفوظ في الحلم الذي يحمل رقم (12) عن افتقاد المواطن للأمن والأمان في كثير من المجتمعات العربية، الأمر الذي يؤدي لازدياد مخاوفه من احتمال نشوب حرب،أو من مطاردة النظم والقوى الأمنية له، فتفتك به الضغوط العصبية، وتسكنه الأوهام والهموم المعلنة والخفية، والقوى الحقيقية والخيالية. كونه مهدداً دائما. يستطرد محفوظ «بأن لا يكفي لهذا المواطن من أن يكون مسالما أو بعيد الصلة عن أية ممارسات خطيرة اجتماعية وسياسية حتى يكون بمنأى عن الخطر وفي الحماية، ولا يكفي انزواؤه داخل منزله أيضا، لان هناك دائما سببا خفيا يتم من اجله إرهاب المواطن وترويعه عن طريق إلصاق تهم مجهولة به، للقبض والقضاء عليه.. لابد من الإشارة هنا إلى أن هذا الحلم يتلاقى ويتقاطع مع الحلم الخامس، والحلم الثاني عشر في مجموعة محفوظ (رأيت فيما يرى النائم) . ‏
أحلام المرحلة الثانية: (51 ـ 146) ‏
يركز محفوظ فيها على كوابيس الواقع السياسية والعسكرية أكثر من قضايا الواقع الأخرى. لاسيما على الأحداث السياسية والعسكرية التي تشغل العالم العربي والإسلامي، كالحروب والأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والحملة الأمريكية على أفغانستان، والحرب على العراق. وسيطرة قانون الغاب، وغياب الشرعية الدولية وانتشار بعض المظاهر الواقعية السوداوية والفظاظة والغلظة الإنسانية في العصر الحديث، ومطلع الألفية الثالثة التي أفرزت الفساد و الجرائم الوحشية والممارسات الدموية والأفعال الإجرامية المنظمة والمهندسة والأحداث القاسية ووقوع الملايين في أرجاء العالم العربي والبلاد المستضعفة المغلوبة على أمرها في قبضة القلق والاضطراب والفزع. هنا يبرز واضحا شعور الفرد بهزيمته وحملها في قلبه، متوقعا الغدر و الموت في أي لحظة، من خلال تنفيذ حكم الإعدام به من دون تهمة واضحة. ينتقد محفوظ في الحلم رقم (100) الأحوال المجتمعية التي يشيع فيها الظلم والانتهاك والرمي بالباطل، فيقول الراوي موضحا بأنه من الممكن أن ينا ل الإعدام أي مواطن حتى ولو كان خارج القضية وفي مقاعد المشاهدين ويصور محفوظ مشهد النطق بحكم الإعدام عليه في قاعة المحكمة، وصراخه القوي الذي لم يعبأ به أحد. «هذه محكمة وهذه منصة يجلس عليها قاضٍ واحد، وهذا موضع الاتهام يقف فيه نفر من الزعماء، وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقاً لمعرفة المسؤول عما حاق بنا. ولكني أحبطت عندما دار الحديث بين القاضي والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضي في جلسته استعداداً لإعلان الحكم باللغة العربية، فاستدرت للأمام، ولكن القاضي أشار إليّ أنا، ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبهاً إياه بأنني خارج القضية، وأني جئت بمحض اختياري لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخي»! ‏
حلم 20
خرجنا باحثين عن مكان طيب نمضى فيه بعض الوقت، ونظرنا الى الهلال ثم تبادلنا النظر.. ورأيت على ضوء المصباح رجلاً عملاقاً لم تر العين مثله ارسل عموداً لا مثيل لطوله نحو الهلال حتى بلغ طرفه. وراح بحركة ماهرة يفرد طيات نوره حتى استوى بدراً وسمعنا اصوات تهليل فهللنا معها وقلت انه لم يحدث مثل هذا من قبل فصدقت على قولى، وانساب النور على الكون رفعنى على سطح الماء فهتفت »ليلة قمرية« فقلت »القارب يدعوننا« وركبنا ونحن فى غاية السرور وغنى الملاح رايداك والنبى رايداك، واسكرنا الفرح فاقترحت ان نسبح حول القارب وخلعنا ملابسنا ووثبنا الى الماء وسبحنا ونحن فى غاية الامتنان ولكن القمر تراجع فجأة الى الهلال واختفى الهلال.. انزعجنا انزعاجاً لم نعرف مثله من قبل، ولكننى شعرت بأنه يجب مراجعة الموقف بما يتطلبه من جدية فقلت ونحن غارقان فى الظلام »لنسبح نحو القارب« فقالت »واذا ضللنا الطريق« فقلت »نستطيع ان نسبح حتى الشاطئ« فقالت »سنكون عاريين على الشاطئ« فقلت: فليؤجل التفكير فى ذلك
حلم 35
فى بيت العباسية ونحن نأوى الى أسرتنا أيقظنى صوت ابن أخى وهو يصيح حريق فى السقف، ونهضت فزعاً وجاء ابن اخى بالسلم الخشبى وأقمناه فى الصالة وصعد كل واحد منا على جانب حاملاً ما استطاع حمله من الماء وأخذ يرشه على النار السارية بين الأركان، واقتحمت حجرة أختى، وأيقظتها من نومها العميق ومن عجب انها قامت متكاسلة ومتشاكية من أننا لا نتركها ابداً تنعم بالنوم. وعلى أى حال ساعدتنا بملء الأوعية بالماء حتى سيطرنا على النار واخمدناها وبدأنا نحقق فى الأمر ولكن رجال المطافئ حضروا على أثر استدعاء الجيران لهم وتأكدوا من خمول النار وفتحوا الشرفات وتفقدوا الأثاث الموجود بها وانتهى الحريق بعد ان أفحمنا فزعاً، وعندما جلسنا نستعيد بعض هدوئنا دق جرس التليفون ويلاحظ هنا تداخل الزمان والمكان اذ ان بيت العباسية لم يكن به تليفون وهكذا اصبحنا فى مسكن اخر مع اناس اخرين دق جرس التليفون وكان المتحدث صاحب العمارة التى استأجرنا بها شقة فى الاسكندرية ودعانا الرجل الى الاسكندرية دون ابطاء وانه شبت النار داخل الشقة وطمأننا انه استدعى المطافئ فاخمدوا النار ولكن حضورنا ضرورى بطبيعة الحال. وفى الحال ارتدينا ملابسنا انا وزوجتى واسرعنا الى محطة الباص الصحراوى وكنا فى غاية الكدر والانزعاج حتى أننا اقترحت على زوجتى اخلاء الشقة وتسليمها لصاحبها خاصة وأنها تعرضت الى محاولة سرقة قبل ذلك ولكنها قالت لى انتظر حتى نرى ماذا ضاع منا وماذا بقى
حلم 36
جمعنا بهو ما. ثمة وجوه أراها لأول مرة ووجوه اعرفها جيداً من الزملاء. وكنا ننتظر اعلان نتيجة يانصيب. واعلنت النتيجة وكنت الرابح وكانت الجائزة فيلا حديثة. وحصل زياط وتعليقات وتوهان. ولم تستطع وجوه كثيرة ان تخفى كمدها وقال لى كثيرون انه فوز ولكنه خازوق من اين لك المال لتأثيثها وتوفير الخدم اللازمين لها واستهلاكات الماء والكهرباء وخدمة حوض السباحة والتكييف الخ؟
الحق ان الحلم مازال حلماً وها أنا أتفقد الفيلا كل يوم تقريباً وأرجع بالخيبة والحسرات واستغل اناس قلة خبرتى وأقنعونى ببيعها واشتروها بثمن فرحت به ساعات حتى تبين لى اننى خدعت وسرقت.
وحدث فى ذلك الوقت ان خلت وظيفة مدير عام وكثر التزاحم حولها والمرشحون وبطاقات ذوى النفوذ وقابلت الوزير وقلت له اننى لا وسيط لى سواه ولكنه قال لى لم تستطع ان تحافظ على مالك الخاص فكيف أأتمنك على المال العام.
وصرت نادرة ومثالاً فطلبت ضم المدة الباقية لى فى