-
مشرف ملتقى الطلبة
أسرة من الطبقة المتوسطة في 11 ديسمبر (كانون الأول) في عام 1911 بحي الجمالية، ذي الطابع التاريخي العريق، والقريب من حي الأزهر والحسين، وكان والده موظفا في إحدى المصالح الحكومية، ثم استقال وعمل بالتجارة. والطريف أن والده «عبد العزيز»، سماه نجيب محفوظ، تيمناً باسم أشهر طبيب ولادة في مصر حينذاك وهو نجيب محفوظ باشا، وقد نشر نجيب محفوظ مؤلفاته الأولى بهذا الاسم المركب «نجيب محفوظ عبد العزيز». شب نجيب محفوظ في أجواء ثورة 1919 وتأثر بمشهد جنازة الزعيم المصري سعد زغلول زعيم حزب الوفد الليبرالي، وتعلم من هذه الاجواء قيمة الوطنية وأثرها في وجدان الجماهير، وقد تبلور هذا في اهتماماته الخاصة بالعدالة الاجتماعية وعلاقتها بالحرية الفردية، وتجسد هذا بالفعل في ثلاثيته الشهيرة «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية»، والتي تؤرخ للفترة ما بين 1917 إلى 1944، ومن خلال جيلين أحدهما قام بثورة يوليو (تموز)، وضحى من أجلها والآخر حصد ثمارها. ومن الصحافي سلامة موسى الذي شجعه وفتح له أبواب «المجلة الجديدة» تعلم محفوظ معنى الاشتراكية والعلم. وعمل محفوظ منذ التحق بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة قسم الفلسفة ـ عام 1930 وحتى تخرجه فيها عام 1934 محرراً شبه ثابت في المجلة. كما نشر له سلامه موسى روايته الأولى «عبث الأقدار»، وكانت نسخها أول ما تقاضاه نجيب محفوظ من أجر على عمل روائي. وعلى الرغم من أن التأثير الأكبر والأهم في حياة نجيب محفوظ الأدبية كان من نصيب توفيق الحكيم، خاصة في فكرة التمسك بالجذور الفرعونية والعودة إليها، إلا أن محفوظ أصر منذ بداية مشواره الأدبي على أن يكون له شكله الفني الخاص ورؤيته المتفردة للواقع والتاريخ، من دون أقنعة رمزية، وهو ما تجسد في الكثير من أعماله التي مزج فيها التاريخ بالفلسفة بقضايا الواقع. وبعد تخرجه في الجامعة عام 1934 عمل نجيب محفوظ موظفاً في إدارة التفتيش بوزارة الأوقاف، وقد أكسبته طبيعة الموظف «البيروقراطي» الصغير قيمة الانضباط والنظام والبعد عن البلبلة. ومن الحارة وإيقاعها الشعبي العفوي تعلم «فن الإصغاء» بعمق إلى ما يدور حوله. توقف محفوظ تماماً عن الكتابة الأدبية طيلة سبع سنوات، وبالتحديد في الفترة من 1952 إلي 1959 وهي الفترة التي واكبت بداية ثورة 23 يوليو. وبعد هذه الفترة عاد إلى الحياة الأدبية بقوة من خلال روايته «أولاد حارتنا»، والتي نشرها مسلسلة في «الأهرام» في الفترة من 21 سبتمبر (ايلول) 1959 إلى 25 ديسمبر 1959 وكانت بمثابة ولادة جديدة لصاحب «الثلاثية»، وقال فيها كلمته بقوة في العلاقة بين الدين والعلم والاشتراكية، وانحاز إلى جانب العلم والعدالة في إطار رؤية صوفية، تستمد جذورها من صميم الواقع. لكن الأزهر اعترض على الرواية وأوقف نشرها في مصر. لكن وبعد 47 عاما من الحظر في مصر، وافق محفوظ على نشر الرواية لكن بشرطين الأول موافقة الأزهر، والثاني ان يقوم شخص قريب من الاخوان المسلمين بكتابة المقدمة. وهو ما تم بالفعل هذا العام، حيث صدرت الرواية عن «دار الشروق» بمقدمة للدكتور محمد كمال أبو المجد الذي يحسبه قطاع كبير من المثقفين المصريين على الاخوان المسلمين. لكن هذه الخطوة أدت الى انتقادات بعض المثقفين والكتاب. والبعض مثل الروائي عزت القمحاوي اعتبره «كأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به الا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للوصاية على الأدب خارجة عن القانون والدستور». وأشار إلى أن موقف محفوظ هو «جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ، يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا تكن هذه السلطة». واتفق المقربون من محفوظ، كالغيطاني والقعيد، على أن «مطالبة محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الإبداع، بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا أن لائحة الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة، إلا بناء على طلب من جهة ما». وبعد «اولاد حارتنا» و«الثلاثية» تدفقت اعمال محفوظ في كل اتجاه وكتب في كل القضايا، وطور طريقة السرد في الرواية العربية، وبناء الرواية على نحو لم يسبقه اليه غيره. اما الاثر الذي تركه في شعبية الرواية العربية فهائل سواء على المستوى العربي او الدولي، ولا ينسى قراء «الاهرام» ان احد الاسباب الاساسية لشراء الصحيفة، كان متابعة روايات محفوظ، التي كانت تنشر مسلسلة على حلقات، فكانت تحول الصحافة الى وسيط أدبي أو ناقل للأدب على المستويات الشعبية. وقد عرف محفوظ بطقوس صارمة في الكتابة: قضاء الصيف في الإسكندرية والشتاء في القاهرة. والانتهاء من العمل في الثانية ظهرا والعودة إلي البيت، ثم تناول الغداء ثم راحة لبعض الوقت، والاستيقاظ في الرابعة والكتابة لمدة ثلاث ساعات، ثم فترة راحة قصيرة وتناول العشاء، ومعاودة الكتابة أو القراءة وحين تدق الثانية عشرة مساء، يكف عن الكتابة مهما كان إلحاح الرؤى والأفكار. ولا يكتب محفوظ أعماله الروائية إلا على مكتبه في البيت، أما سيناريوهات الأفلام فأغلبها كان يكتبها على المقهى. وقد ظل محفوظ طيلة عمله بصحيفة الأهرام الذي انتقل إليها في عام 1957 بناء على رغبة رئيس تحريرها آنذاك محمد حسنين هيكل، ظل يذهب من بيته إلى مقر الصحيفة مشيا على الأقدام قاطعا نحو خمسة كيلومترات يوميا، وفي منتصف المسافة يستريح قليلا فى مقهى «على بابا» المطل على ميدان التحرير، يطالع عناوين الصحف ويتأمل وجوه العابرين، مكتفيا من فنجان القهوة برشفة أو رشفتين، ثم
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى