توجهت النظم الاقتصادية ضمن برامج الإصلاح الاقتصادي والضبط الهيكلي في الدول النامية وحتى بداية الأزمة المالية العالمية نحو التقليل من دور التدخل الحكومي في إدارة العملية الاقتصادية وتحمل أعباء تزايد الإنفاق الحكومي المفضي إلى عجوزات مالية تثقل كاهل السياسة المالية بجانب إفساح المجال للقطاع الخاص لإدارة المنشآت الإنتاجية بفعالية وكفاءة أكبر. وعند إهمال القطاع الخاص الجانب البيئي بهدف تقليص التكاليف، يستفيد ملاك المنشأة من العائد المادي الأعلى في معظم الأحيان، بينما يتضرر المجتمع من التلوث، أي أن المجتمع يتحمل التكاليف الاقتصادية والبيئية والصحية دون الحصول على عائد!

ولكون القطاع الخاص هادفا للربح بطبيعته، يبرز تساؤل عن مدى تحمل القطاع الخاص مسؤوليته تجاه البيئة عن طريق تضمينها مع الاستراتيجيات الإدارية بدءاً بنظم التوريد، ومروراً بطرق الإنتاج وقنوات التسويق والمبيعات، ووصولاً إلى التخلص من مخلفات العملية الإنتاجية، وانتهاء إلى متابعة ما بعد البيع. فمن نافلة القول، إن الخطوة الأولى في سعي القطاع الخاص لتحمل مسؤوليته البيئية تشمل دمج إدارة البيئة في النهج الإداري بهدف زرعها في ثقافة المنشأة.

كما تتنوع الأسباب التي تؤدي بالقطاع الخاص إلى الاهتمام بتضمين مفاهيم حماية البيئة في صلب الدورة الإنتاجية. فنتيجة لتسارع خطوات عولمة الاقتصاد وتطور ثقافة الأعمال، يتزايد دور الشركات عابرة القارات (متعددة الجنسيات) على مستوى الاقتصاد العالمي مع كل ما تحمله ثقافة هذه المنشآت من سياسات وضوابط للاهتمام بالبيئة تشكل انعكاساً للأنظمة التي تحكم عملها في البلدان التي انطلقت منها أو تعمل بها في أحيان كثيرة. وقد أدى تنامي مفهوم التنمية المستدامة بمفهومها العام المشتمل على التنمية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية إضافة إلى تزايد الوعي العالمي لدى المستهلكين وحملة الأسهم بضرورة الاهتمام بالجانب البيئي إلى تركيز منشآت الأعمال على إظهار مساعي حماية البيئة واستخدامها في الترويج لأعمال المنشآت وتحسين صورة الشركات لإظهارها كشريك فاعل في التنمية بمفهومها الشامل.

وعند سعي القطاع الخاص إلى تعظيم المنفعة من إدارة البيئة، يجب التركيز على اتباع استراتيجية احترازية لتفادي الوقوع في تجاوزات بيئية عوضاً عن اتباع سياسة سلبية تقوم على رد الفعل بعد الوقوع في التجاوز، حيث إن تكلفة التخلص من التأثيرات البيئية السلبية تفوق تكلفة التحوط ضد المخاطر البيئية المحتملة. فعلى سبيل المثال، عند اتباع شركات القطاع الخاص الناقلة للنفط عن طريق البحر سياسة بيئية احترازية، قد تكلف العملية إنفاقاً متواضعاً يذهب جله إلى التدريب على طرق السلامة، أجهزة الإنذار المبكر ضد التسربات النفطية، وتقنيات الحفاظ على البيئة، بينما تكلف عملية إزالة التسربات النفطية أموالاً هائلة وخسائر بيئية تضر بالتوازن الحيوي والصحة العامة.

وتتوافر لدى القطاع الخاص أساليب وطرق مختلفة تستخدم لإدارة البيئة متى ما توافرت الرغبة الصادقة أو الرقابة الصارمة على القطاع الخاص، فعند البدء في تطبيق الإدارة البيئية يجب أن "تُحث" منشآت القطاع الخاص على سن سياسات تفتح الطريق أمام تطوير نظم إدارة البيئة، نظم التفتيش والمراقبة البيئية، الإعلام وتبادل المعلومات والخبرات. وفي حالة وجود سياسة لإدارة البيئة، يجب أن تكون متسقة مع باقي سياسات المنشأة التسويقية والإدارية وغير ذلك، معروفة على جميع مستويات المنشأة حتى ولو تمت صياغتها بواسطة الإدارة العليا، متجددة وتواكب التغيرات في أساليب الإنتاج والأنظمة البيئية الوطنية، إضافة إلى إشراك المواطنين المهتمين بالشأن البيئي في تقييم وتغذية السياسة البيئية بالأفكار والمقترحات.

وختاماً، يجب التأكيد على ضرورة وجود أنظمة وتشريعات بيئية وطنية، يتم بموجبها تقييم الوضع البيئي ومدى التزام منشآت القطاعين العام والخاص بالضوابط البيئية بجانب التفتيش الدوري والمفاجئ وفرض عقوبات مالية على المخالفين، إضافة إلى التركيز على عمليات البحث والتطوير لتصميم طرق وأساليب تمكن من التقليل من التكلفة الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية للتلوث.

* نقلاً عن صحيفة الاقتصادية