السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن المتأمل في واقع الكثير من أبنائنا عند تخرجهم من المرحلة الثانوية ليلحظ علامات الاستفهام والحيرة والتردد بادية على وجوههم فهو لا يدري إلى أين سيذهب ولا إلى أين سينتهي به المطاف ، جامعات متعددة وتخصصات متنوعة وخيارات كثيرة زادته حيرة إلى حيرته فلا لوحات ترشده ولا إرشاد يوجهه ولا معايير تعينه فيقع في الفجوة الكبيرة م بين مدرسته التي ودعته بلا توجيه وبين جامعته التي تفترض فيه القدرة على الاختيار ...
وقد أشارت إحدى الدراسات أن اثنين من كل خمسة من طلابنا الجامعيين يغيرون تخصصاتهم في السنة الأولى مما يدل على عدم قدرة الطالب في تحديد التخصص الأنسب له وذلك لقلة الوعي لديه وغياب المعلومة عنه وندرة المرشدين له .
يجب علينا عند اختيار التخصص الأنسب لنا أن نراعي ثلاثة أمور رئيسة :
( الرغبة ) و ( الفرصة ) و ( القدرة )
وسأتناولها بشيء من التفصيل
المحور الأول : الرغبـــة
اسأل نفسك ( ماذا أريد أن أكون بعد عشر سنوات من الآن ..؟ ) وتأمل في إجابتك وعش تلك اللحظات الجميلة ثم اسأل نفسك ما التخصصات التي أحبها وأرغب الالتحاق بها ؟ اكتب ثلاث تخصصات مرتبة بحسب أهميتها لك مثلاً :
طب بشري ــ هندسة بترولية ــ حاسب آلي
ويجب التنبيه إلى ما يقع فيه الكثير من الطلاب والطالبات عند تحديد رغباتهم فالكثير منهم يبني رغبته بناءً على رغبة والديه أو تمشياً مع صحبته وأصدقائه أو بناءً على سمعة التخصص ونظرة المجتمع له
كثيرا ما أسأل الطلاب لماذا اخترت الهندسة ؟ فيقول لأني أرغب أن أكون مهندساً فأسأله ما الهندسة ؟ وما أقسامها ؟ وماذ تدرس ؟ وما طبيعة درستها ؟ وما مستقبلها ؟ فيقول لا والله لا أدري ...! إذن بناءً على ماذا أحببتها ورغبة فيها ؟
كثيرا ما ينخدع الإنسان بالشكل الخارجي مثلا لأكلة معينة ويرى بعض الناس يأكلها ويحبها فإذا ما أشترها وبدأ في أكلها تجده يضعها جانباً ولا يستسيغ طعمها فخسر وقته وماله والسبب أنه انخدع بشكلها أو بحديث البعض عنها ولم يسأل عن مكوناتها وطريقة إعدادها ما أكثر من دخل الطب لأن المجتمع يحب ذلك وليس لأنه يحب الطب وما أكثر من درس الهندسة ليقال مهندس فخسر جهده وأتعب نفسه لإرضاء غيره.
يجب عليك أخي الطالب أن تبني رغبتك في تخصص ما بعد أن تكتمل لك الصورة عن هذا التخصص لابد أن تعرف ماذا يدرس ؟ وكيف ستدرس ؟ وما مستقبله ؟ وما أنظمته ومتطلباته ؟ ابحث عن معلومات عنه في مواقع الجامعات وعند المرشدين الأكاديميين ، حاول أن تسأل الطلاب الذين سبقوك خاصة من هم في المستويات الأخيرة من الدراسة،
( اسألهم عن طبيعة الدراسة ومستقبلها ) لا عن رأيهم فيها أو في درجة صعوبتها وسهولته فما هو جيد لهم قد يكون سيئا لك وما هو صعب عليهم قد يكون سهلا عليك ،
اسأل كذلك المتخرجين من التخصص نفسه اسأل ما الوظائف التي يؤهلني لها هذا التخصص ؟ ( اسأل ثم اسأل واتعب في جمع المعلومات فهذا مستقبلك ) لكي تكتمل الصورة في ذهنك ومن خلالها تحدد رغبتك في التخصص الذي تريد أن تلتحق به، بعد أن تقوم بما سبق يمكنك أن تحدد رغبتك الحقيقية والتي بنيت من خلال معلومات متوفرة ومصادر متعددة.
أما المحور الثاني وهو ( القدرة )
فبعد أن حددت تخصصين أو أكثر تشعر بميول لهما
يجب أن تعلم أخي الطالب أن كل مخلوق ميسر لما خلق له وأنك إنسان متفرد ومستقل
لك من القدرات ما ليست لغيرك وأن لدى غيرك من الإمكانات ما ليست لديك وأن ما يناسب غيرك ليس بالضرورة يناسبك لذا ينبغي عليك أن تعرف إمكاناتك وقدراتك ثم تعرف متطلبات التخصص الذي تريد اختياره مثلاً :
هل أنت تجيد الفهم أكثر أم الحفظ ؟ وهل التخصص الذي تريده يتطلب الحفظ أم الفهم ؟ ما المواد التي تميزت وتفوقت فيها في المرحلة الثانوية ؟ ما المواد التي تجد نفسك مرتاح ومستمتعاً في تعلمها وقراءتها ؟ هل أنت تحب التفصيل والترتيب والتدقيق ؟ أم تحب الإجمال والاستدلال والبرهان ؟
فمثل هذه التساؤلات تكشف لك عن استعداداتك وقدراتك عند اختيارك للتخصص الذي تريد فمثلاً :
أنا لدي ملكة الحفظ جيدة وأحب التفاصيل والتنظيم والترتيب والحساب
فهل أختار تخصص الصيدلة أم التسويق مثلاً ؟
قبل أن تحدد التخصص الذي ترغب يجب أن تعرف متطلباته أولاً فالصيدلة تعتمد على الحفظ والتنظيم والمعادلات والاختصارات فهي الأقرب لقدراتك واستعداداتك بينما التسويق لا يتطلب ذلك وقد لا تناسبك طريقته
وخلاصة القول في المحور الثاني أن تتعرف على قدراتك وإمكاناتك وتتعرف على متطلبات التخصص الذي تود اختياره وكلما توافقت قدراتك مع متطلبات التخصص كلما كانت نسبة تكيفك في التخصص أعلى واستمتاعك في التعلم أكثر وقدرة على التفوق فيه أيسر .
المحور الثالث : ( الفرصة )
جميل جدا إذن انتهينا من المحورين الأول والثاني فأولاً حددنا التخصصات بناءً على الرغبات ثم حاولنا معرفة مدى القدرة على الدراسة في أحد هذه التخصصات وبعد ذلك ننتقل للمحور الثالث وهو الفرصة
وهذا يعني أن عند اختيار التخصص يجب أن نختار ما نرغب فيه وما نقدر عليه ( كما ذكرنا سابقا ) وأن نختار كذلك ما توجد له فرص وظيفية في سوق العمل فليس من المعقول أن أحب مثلا قسم التأريخ وأعرف أن لدي القدرة للتفوق فيه ثم بعد ذلك أتخرج منه ولا أجد عملا يقبل شهادتي والسبب أن الوظائف لهذا القسم متعذرة أو ضئيلة.
لذا يجب أن أختار ما أحبه أنا وما أستطيع التفوق فيه وما توجد له فرص في سوق العمل فقد أثبتت دراسة أمريكية أن عام 2006 م أن 80 % من العاملين يعملون في وظائف لا تمت بصلة لتخصصاتهم الجامعية وذلك بسبب سوء اختيار التخصص المناسب لكل فرد منهم .
ومن الأساليب المجدية أن تسأل الطلاب الذين تخرجوا عن مدى فرصهم وتوفر الوظائف المناسبة لهم والمتوافقة لما درسوا .
أخي الطالب أختي الطالبة:
هذا المقال قدَّم لك شمعة تضيء بها طريقك نحو مستقبلك ويرشدك الطريق ويقدم لك رأي مجتهد ويشير عليك بما ينفعك
أخي الطالب أختي الطالبة ( مستقبلك مسؤوليتك أنت وحدك )
أسأل الله لك في الدنيا النجاح وفي الآخرة الفلاح
منقول للأحبة