أوراق الخريف ... بقلم / سيد مصطفى
أوراق الخريف
في نهاية فصل الخريف الذي لا يحبه أبدا ، لأنه يأذن دائما بالرحيل ، ولأنه يكره الرحيل ، ويكره النهايات ، ويكره الغروب ، ويكره الليل المخيف الموحش ....ـ
ولو استطاع لأوقف الزمن ، و جعل الفصول الأربعة فصلا واحدا وهو :
فصل الربيع فقط المزهر الذي يأذن دائما للحياة بالعودة من جديد ، ولو استطاع لجعل النهار دون الليل فقط ، وجعل الشمس دون القمر فقط ! ، هو هكذا شأنه غريب ....ـ
وسط حديقته جلس هذا الكهل المسن الذي بلغ من الكبر عتيا ولم يشتعل رأسه شيبا !ـ
وتأمل تلك الأوراق التي تتساقط من أصولها بائسة حزينة ، مودعة موطنها الغالي ، الذي ولدت ونشأت وترعرعت فيه ، تذروها الرياح غير الآمنة ، والتي تأتي بغتة على حين غرة ، وبعدد تلك الأوراق كانت دموعه تنهمر شفقة وحزنا وخوفا ، وجاءت من خلفه تلك الريح الآثمة ، تلملم هذه الأوراق بقسوة وبسرعة ومتعجلة رحيلها ، قائلة :
هيا ارحلي أيتها الأوراق البالية ، ارحلي إلى غير رجعة ، وإلى غير وجهة ، وإلى الأبد لن تكوني هنا مرة أخرى !ـ
كل ذلك تم في غياب قرص الشمس الأحمر الوضاء الذي طالما أحبه ، خلف لون أزرق داكن يميل إلى السواد منه إلى الزرقة من السحب والغيوم المخيفة والمرعبة والقاسية ، والمنذرة بكوارث لا يعلم مداها إلا مرسلها عز وجل ....،
وتذكر ذكر الريح في القرآن الكريم والتي لم تذكر إلا للعقوبة فقط
وشعر بأن السماء كادت أن تنطبق على الأرض ، وقبلها تنطبق على صدره حتى تختلف أضلاعه ، وتسارعت أنفاسه ، وزادت سرعة دقات قلبه لدرجة مخيفة تعدت سرعة سيارة طائشة خائفة من الشرطة و مخالفة للرادار ، وشعر بل تيقن أن قيامته ستقوم بعد ثوان معدودة ، وهو لم يعد العدة لها – واحسرتاه -
، وشاهد شريط حياته بكل ما فيه ، وأنه سيودع تلك الدنيا كما ودعتها تلك الأوراق المسكينة ، ولن يكون معه أحد ، لأن الأوراق كانت كذلك ، أيعقل أن أكون كورقة خريفية سقطت وذرتها الرياح في هذا الفضاء الكوني اللامحدود ، وأكون نسيا منسيا ؟
وكيف أكون نسيا منسيا ؟
ليتني أكون نسيا منسيا ، ولا أقف أمام ربي حياء وخجلا منه عز وجل ......ـ
وتخيل نفسه ورقة وحيدة وسط هذه الأوراق ، وسبح في فضاء غريب عليه ، لم يكن يوما يتصوره أبدا ، ورأى وشاهد العجب العجاب ، وشاهد حقيقة نفسه المخيفة ...ـ
وصفصفت عليه حديقته ، التي كانت بالأمس أُنس وصفاء وغَنّاء ، ومتفتحة ومشرقة وباسقة الأشجار ، وباتت قاعا صفصفا
وغاب عن سمعه صوت البلابل والعصافير البريئة ، الكل في حال سكون وانتظار .....ـ
وامتلأ سمعه فقط بصفير الريح .......ـ
ولم يخرجه من تلك الحال البئيسة سوى .........ـ
نداء الحق
الله أكبر الله اكبر
وتبعه شروق للشمس من جديد ، ليخبره أن هناك دائما أمل ......ـ
وصوت أحد أحفاده يدعوه لتناول الطعام
فهدأت نفسه ، وسكنت روحه ، وعادت بعض أبعاضه إليه إلى حين ....ـ
بقلم
سيد مصطفى
27-11-2010م
