لمحبين الخير للغير ..

أن ، ولن ، وكي ، ولام التعليل ,
أدوات نصب ... نصبَ بها العرب كلامهم ..
فكانت تدل على فصاحتهم .. بلغة سليمة .. خالية من اللحن والخطأ ..

ثم جاء من بعدهم .. خلف أضاعوا كل جميل في اللغة .. وكل فصيح في تراكيبها .. وكثر لحنهم ... ولغطهم ...

لكنهم لم يتوقفوا عند ضياع لغتهم ... وضعف فصاحتهم .. بل استطاعوا .. أن يخترعوا الكثير من أدوات النصب الحديثة ... وأصبغوها صبغة النصب .. ظاهرة وباطنة !!

* حاكم بلد عربي غني .. في كل يوم يعد المواطنين بتحسين معيشتهم .. وتسهيل خدماتهم ... فإذا نام المواطنون .. جاء في اليوم الثاني ليعيد نفس الموال ونفس الوعود ... وبعد أن ينسى المواطنون تحسين مستوى معيشتهم .. يبدأ الحاكم في تقتير مستوى معيشتهم دون أن يشعروا .. فيحسبون أنه التحسين الذي وعدوا به !!
وجهلوا .. أن التحسين فقط .. لمن يستحق تحسين الأوضاع .. ولو كان بملايين !!

* عندما يقرر مسؤول كبير ... زيارة منطقة ما .. تبدأ فيها أقوى حركات النصب الحديثة .. فتزين الشوارع بالأشجار .. وتزين الأرصفة .. وتزهو أنوارها .. وتستوي حفرياتها ... وتزال مطباتها ... وتعلق لوحات الحب والترحيب .. ويتغنى طائر السعد .. بتلك الزيارة الميمونة !!

* عندما يتفقد .. وزير .. عمله بعد سبات عميق .. يأتي ليجد الوكلاء ونوابهم ومديري العموم .. يبتسمون له ..مظهرين بشاشة كثيرا ما حجبت في وجه المراجع المسكين ..
ويظهرون له مثالية .. لم نعهدها .. ويقدمون له تقاريرهم التي تم إعدادها على الورق فقط .. قبل الزيارة بليلة أو ليلتين ...
ثم يرددون " كل شيء على ما يرام . طال عمرك "

* يجرون .. " بشوتهم " في كل وزارة ... يولولون .. ويصيحون .. يطلبون النجدة والمعونة .. يتظاهرون بالظلم .. ويتمسكنون .. ويقبلون أنف هذا .. ويمترطون لحية هذا ... ويحملون .. ارتالا من الأوراق .. ذات الأرقام والتقسيمات ... أحدهم له طلب اغتصاب أرض ... والآخر قد تحاكم مع جاره على نصف متر ... وثالث يريد من يسدد عنه قرض البنك العقاري .. ورابع يشتكي ابن أخيه اليتيم .. بحجة أن اليتيم قد أكل ماله !!! ..

* حسناوات .. بعيون في طرفها حور ... ينتظرنه عند أجهزة الصرافة الالية .. يمتطين " ليموزين " سيارة أجرة .. يقفن بجانبه .. تحادثه إحداهن بصوت كأنه من مزامير الفن ... بهمس رقيق .. وأسلوب جذاب .. تصف له حالتهن .. وتقطع السبل بهن .. وبأبيهن ... فقد تعطلت سيارتهم .. وكلفت ما كلفت .. ولم يعد لديهم مبلغا من المال ... وتطلب منك بكل حنان أن تساعدهم ... لتمتد يدك لجيبك .. وعينك في عينها .. لتسحب كل ما في ذلك الجيب ... وتعطيها .. ولسان حالك يقول : " لعيونك " .. ليكررها من بعدك العشرات !!

* يأتيك .. متبسما ضاحكا .. تظهر عليه علامات الثراء ..والرفاهية .. يسلم عليك .. ويكثر التحايا والسؤال عن الأحوال ... ثم يدخل في الموضوع بأسلوب أدبي منمق .. وكلمات رفيعة المستوى .. يشرح لك كذبة تصدقها قبل أن يقولها .. وتفغر فاك ... وأنت تمد له يد العون .. بكل ما في الجيب .. !!

* في العمل .. يتقرب الموظفون زلفا .. للمدير .. ويمدحونه بكل ما لذ وطاب من صفات حميدة ... حتى لو لم تكن فيه .. ويبتسمون له ابتسامة صفراء ... يشعرونه .. أنه المسؤول الأول ... الذي أجاد التعامل معهم بفن .. يأتي أحدهم ليقول صباح الخير يا مديرنا الكريم .. هذا نور الصباح .. والا نورك !!
ويأتي آخر .. ليقول .. كم أشعر بالراحة عندما أراك !!
ويأتي ثالث ليقول : قراراتك جميعها صائبة .. لا يوجد لديك خطأ حتى لو جرت علينا !!
وبعد أن يخرجوا من المكان .. يلعنون الطيب في ساسه !!

* الطالب المتميز المتفوق - في الكلية - جميع الطلاب أصدقاؤه .. وجميع الطلاب يقدرونه .. وجميعهم يمدحونه ... وجميعهم يسايرونه ...
ما أجمل تلخيصك للمقرر ... ما شاء الله على ترتيبك وتنظيمك ... أنت متابع جيد للدكتور ... أنت بصدق طالب علم ... التفوق جعل من أجلك ... لن نبلغ مبلغك فأنت في القمة ...
وفي ليلة الاختبار يكثر الاتصال به .. يريدون الملخصات .. يريدون التقارير .. يريدون التوضيح والشرح المفصل ..
وبعد الاختبار بساعة .. يمرون ... دون أن يلقوا السلام !!

* يحمل حقائبه .. يوزع ابتساماته ... ويطلق أعلى الألقاب على من يواجه ... ثم يبدأ في بث سمومه ... ودس نصبه واحتياله ... بدعوى أنه وكيل لصاحب السمو ... يعقد صفقات من خيال .. ويقيم مشاريع من نصب واحتيال .. يفتح مؤسسات ... ويوقع شيكات ... وفي النهاية تكتشف أنك مع نصاب برتبة محترف ..

* تستغرب زيارته ... وتستغرب - بعد انقطاع - كثرة اتصالاته .. .. وبعد يوم أو يومين .. يطلب منك أن تكفله .. لشراء سيارة بالتقسيط ... يقنعك .. بكل الطرق .. وقد يحرجك بواسطة من قريب .. أو صديق عزيز ... وبعد أن يحصل على المبلغ .. يطلق ساقيه للريح ... وعندما تطالبه بالسداد ... يتهرب وكأنه لا يعرفك ....

( تكثر أدوات النصب الحديثة .. ولعلكم قد واجهتم أكثر مما جاء في المقال )

وللجميع تقديري