المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير عن أهل النار



wow_
28-05-2012, 10:44 PM
أهــــل النـــــار



قد سبق قول ابن مسعود أنه لا يترك في النار سوى الأربعة وليس فيهم خير وأخذه من قوله تعالى "قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين" المدثر
وفي الصحيحين عن حارثة بن وهب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" والعتل قال مجاهد وعكرمة هو القوي وقال أبو رزين هو الصحيح وقال عطاء بن يسار عن وهب الذماري قال تبكي السماء والأرض من رجل أتم الله خلقه وأرحب جوفه وأعطاه معظما من الدنيا ثم يكون ظلوما غشوما للناس فذلك العتل الزنيم وقال ابراهيم النخعي العتل الفاجر والزنيم اللئيم في أخلاق الناس
وروى شهر بن حوشب عن عبدالرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال "لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم" فقال رجل من المسلمين ما الجواظ الجعظري والعتل الزنيم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الجواظ الذي جمع ومنع وأما الجعظري فالفظ الغليظ قال الله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" آل عمران


وأما العتل الزنيم فشديد الخلق رحيب الجوف مصحح أكول شروب واجد للطعام ظلوم للأنام" وروى معاوية بن صالح عن كثير بن الحارث عن القاسم مولى معاوية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العتل الزنيم قال "هو الفاحش اللئيم"
وقال معاوية وحدثني عياض بن عبدالله الفهري عن موسى بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك خرجه كله ابن أبي حاتم وأما المستكبر فهو الذي يتعاطى الكبر على الناس والتعاظم عليهم وقد قال الله تعالى "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" الزمر وقد ذكرنا فيما سبق حديث "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يساقون إلى سجن في النار يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يغشاهم الذل من كل مكان" فإن عقوبة التكبر الهوان والذل كما قال الله تعالى "فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق" الأحقاف وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما عذبته بناري" يعني ألقيته في جهنم
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله عز وجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع عليها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقا" وفي رواية خرجها ابن أبي حتم "فقالت النار مالي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون والأشراف وأصحاب الأموال" وخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "افتخرت الجنة والنار فقالت النار يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف وقالت الجنة أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين" ذكر الحديث بمعنى ما تقدم وسبب هذا أن الله عز وجل حف الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات كما قال تعالى "فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" النازعات
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات" وخرجه مسلم ولفظه حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وخرجه أيضا من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعد لأهلها قال ارجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فانظر إلى ما اعددت لأهلها قال فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه فقال وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد قال فاذهب إلى النار فانظر إلى ما أعددت لأهلها فإذا هي يركب بعضها بعضا فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فخفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع إليها فقال وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها" فتبين بهذا أن صحة الجسد وقوته وكثرة المال والتنعم بشهوات الدنيا والتكبر والتعاظم على الخلق وهي صفات أهل النار التي ذكرت في حديث حارثة بن وهب هي جماع الطغيان والبغي كما قال تعالى "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" العلق والطغيان وإيثار الحياة الدنيا وشهواتها من موجبات النار كما قال تعالى "فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى" النازعات وأما الضعيف في البدن والاستضعاف في الدنيا من قلة المال والسلطان مع الإيمان فهو جماع كل خير ولهذا يقال من العصمة أن لا تجد فهذه صفة أهل الجنة التي ذكرت في حديث حارثة وقد روي نحو حديث حارثة من وجوه متعددة وفي بعضها زيادات خرج له الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "ألا أنبئكم بأهل الجنة" قالوا بلى يا رسول الله قال "الضعفاء المغلوبون ألا أنبئكم بأهل النار" قالوا بلى يا رسول الله قال "كل شديد جعظري هم الذين لا يألمون رؤوسهم"
ومن حديث سراقة بن مالك بن جعشم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له "يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار" قال بلى يا رسول الله قال "أما أهل النار فكل جعظري جواظ مستكبر وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون" ومن حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "أهل النار كل جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون" ومن حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "ألا أخبركم بأهل الجنة وأهل النار أما أهل الجنة فكل ضعيف متضعف أشعث ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره وأما أهل النار فكل جعظري جواظ جماع مناع ذي تبع" وقد سبق تفسير الجعظري بالفظ الغليظ الجافي وخرج الطبراني من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "ألا أخبركم بصفة أهل الجنة" قلنا بلى يا رسول الله قال "كل ضعيف متضاعف ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره ألا انبئكم بأهل النار" قلنا بلى يا رسول الله قال "كل جظ جعظر مستكبر" قال فسألته ما الجظ قال "الضخم" وما الجعظر قال "العظيم في نفسه" وروى عثمان بن أبي العاتكة عن أبي جعفر الحنفي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "ألا أنبئكم بأهل النار" قالوا بلى قال "كل سمين ليس طيب الريح" وروى سليم بن عامر عن فرات البهراني عن أبي عامر الأشعري أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل النار فقال "لقد سألت عن عظيم كل شديد قعبري" فقال وما القعبري يا رسول الله قال "الشديد على العشيرة الشديد على الأهل الشديد على الصاحب" قال فمن أهل الجنة يا رسول الله فقال "سبحان الله لقد سألت عن عظيم كل ضعيف مزهد" وفي المعنى أحاديث أخر
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته "وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف متعفف ذو عيال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يسمي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخل والكذب والشنظير الفاحش ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل الجنة ثلاثة أصناف أحدهما ذو السلطان المقسط المتصدق وهو من كان له سلطان على الناس فسار في سلطانه بالعدل ثم ارتقى درجة الفضل والثاني الرحيم الرقيق القلب الذي لا يخص برحمته قرابته بل يرحم المسلمين عموما فتبين أن القسمين أهل الفضل والإحسان والثالث العفيف المتعفف ذو العيال وهو من يحتاج إلى ما عند الناس فيتعفف عنهم وهذا أحد نوعي الجود أعني العفة عما في أيدي الناس لا سيما مع الحاجة وقد وصف الله في كتابه أهل الجنة ببذل الندى وكف الأذى ولو كان الأذى بحق فقال "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران فهذا حال معاملتهم للخلق ثم وصف قيامهم بحق الحق فقال "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" آل عمران فوصفهم الله عند الذنوب بالاستغفار وعدم الإصرار وهو حقيقة التوبة النصوح وقريب من هذه الآية قوله تعالى "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة" البلد والعقبة قد فسرها ابن عباس بالنار وفسرها ابن عمر بعقبة في النار كما تقدم فأخبر سبحانه أن اقتحامها وهو قطعها ومجاوزتها يحصل بالإحسان إلى الخلق إما بعتق الرقبة وإما بالإطعام في المجاعة والمطعم إما يتيم من ذوي القربى أو مسكين قد لصق بالتراب فلم يبق له شيء ولا بد مع هذا الإحسان أن يكون من أهل الإيمان والآمر لغيره بالعدل والإحسان وهو التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة وأخبر سبحانه أن هذه الأوصاف أوصاف أصحاب الميمنة
وأما أهل النار فقد قسمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث خمسة أصناف الصنف الأول الضعيف الذي لا زبر له ويعنى بالزبر القوة والحرص على ما ينتفع به صاحبه في الآخرة من التقوى والعمل الصالح وخرج العقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعا "إن الله يبغض المؤمن الذي لا زبر له" قال بعض رواة الحديث يعني الشدة في الحق ولما حدث مطرف بن عبدالله بحديث عياض بن حمار هذا وبلغ قوله "الضعيف الذي لا زبر له" فقيل له أو يكون هذا قال نعم والله لقد أدركتهم في الجاهلية وإن الرجل ليرعى على الحي ماله إلا وليدتهم يطؤها وقال ابن شوذب يقال إن عامة أهل النار كل ضعيف لا زبر له الذين هم فيكم اليوم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا خرجه عبدالله بن الإمام أحمد في الزهد وهذا القسم شر أقسام الناس ونفوسهم ساقطة لأنهم ليس لهم همم في طلب الدنيا ولا الآخرة وإنما همة أحدهم شهوة بطنه وفرجه كيف اتفق له وهو تبع للناس خادم لهم أو طواف عليهم سائل لهم والصنف الثاني الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه أي يعني لا يقدر على خيانة ولو كانت حقيرة يسيرة إلا بادر إليها واغتنمها ويدخل في ذلك التطفيف في المكيال والميزان وكذلك الخيانة في الأمانات القليلة كالودائع وأموال اليتامى وغير ذلك وهو خصلة من خصال النفاق وربما يدخل الخيانة من خان الله ورسوله في ارتكاب المحارم سرا مع إظهار اجتنابها قال بعض السلف كنا نتحدث أن صاحب النار من لا تمنعه خشية الله من شيء خفي له الصنف الثالث المخادع الذي دأبه صباحا ومساء مخادعة الناس على أهليهم وأموالهم والخداع من أوصاف المنافقين كما وصفهم الله تعالى بذلك والخداع معناه إظهار الخير واضمار الشر لقصد التوصل إلى أموال الناس وأهاليهم والانتفاع بذلك وهو من جملة المكر والحيل المحرمة
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "من غشنا فليس منا" والمكر والخداع في النار الصنف الرابع الكذب والبخل ولم يحفظ الراوي ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا حفظا جيدا والكذب والبخل خصلتان وفي مسند الامام أحمد في هذا الحديث الكذب أو البخل بالشك وقد قيل إنه عدهما واحدا كذا قاله مطر الوراق وهو أحد رواة هذا الحديث والكذب والبخل كلاهما ينشأ عن الشح كما جاء ذلك في الأحاديث والشح هو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة وينشأ عنه البخل وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع من إخراجه في وجوهه التي أمر بها فالمخادع الذي سبق ذكره هو الشحيح وهذا الصنف هو البخيل فالشحيح أخذ المال بغير حقه والبخيل منعه من حقه كذلك روى تفسير الشح والبخل عن ابن مسعود وطاووس وغيرهما من السلف وفي الأثر إن الشطان قال مهما غلبني ابن آدم فلن يغلبني بثلاث يأخذ المال من غير حله أو ينفقه في غير وجهه أو يمنعه من حقه وينشأ عن الشح أيضا الكذب والمخادعة والتحيل على ما لا يستحقه الإنسان بالطرق الباطلة المحرمة وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار" وفي المسند عن عبدالله بن عمرو قال سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما عمل أهل النار قال "الكذب إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار" الصنف الخامس الشنظير وقد فسر بالسيء الخلق والفحاش هو الفاحش المتفحش وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه" وفي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله يبغض الفاحش البذيء" والبذيء الذي يجري لسانه بالسفه ونحوه من لغو الكلام وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "بحسب امرئ من الشر أن يكون فاحشا بذيئا بخيلا جبانا" فالفاحش هو الذي يفحش في منطقه ويستقبل الرجال بقبيح الكلام من السب ونحوه ويأتي في كلامه بالسخف وما يفحش ذكره .
فصل في ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين خرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير متسلط وذو ثروة من مال يمنع حق الله في ماله وفقير فخور" وخرج الترمذي أوله وقال حديث حسن فهؤلاء الأصناف الثلاثة من أهل النار وضد الأصناف الثلاثة من أهل الجنة المذكورين في حديث عياض بن حمار فإن السلطان المسلط ضد العادل المحسن والغني الذي يمنع حق الله ضد الرحيم الرقيق القلب بذي القربى وكل مسلم والفقير الفخور ضد المتعفف الصابر على شدة الفقر وضره وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي الظلم والبخل والكبر والثلاثة ترجع إلى الظلم لأن الملك يظلم الناس بيده والبخيل يظلم الفقراء بمنع حقوقهم الواجبة والفقير الفخور يظلم الناس بفخره عليهم بقوله وأذاه لهم بلسانه وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل ذكر فيه المقاتل والقارئ والمتصدق الذين يراؤون بأعمالهم وقال "أولئك أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة يا أبا هريرة" وقد يجمع بين هذا الحديث والذي قبله بأن هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم النار وأولئك الثلاثة أول من يدخل النار وتسعير النار أخص من دخولها فإن تسعيرها يقتضي تلهبها وايقادها وهذا قدر زائد على مجرد الدخول وإنما زاد عذاب أهل الرياء على سائر العصاة لأن الرياء هو الشرك الأصغر والذنوب المتعلقة بالشرك أعظم من المتعلقة بغيره وقد ورد أن فسقة القراء يبدأ بهم قبل المشركين فروى عبدالملك بن ابراهيم الجدي حدثنا عبدالله بن عبدالعزيز العمري عن أبي طوالة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "الزبانية أسرع إلى فسقة القراء منهم إلى عبدة الأوثان فيقولون يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان فيقال لهم ليس من علم كمن لا يعلم" خرجه الطبراني وأبو نعيم وقال غريب من حديث أبي طوالة تفرد به عنه العمري انتهى والعمري هذا هو أبو عبدالرحمن الزاهد رحمه الله وقد ذكرنا في الباب الخامس والعشرين أحاديث متعددة في خروج عنق من النار يوم القيامة تتكلم وأنها تلتقط من صفوف الخلق المشركين والمتكبرين وأصحاب التصاوير وفي رواية ومن قتل نفسا بغير نفس فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام وروي عن ابن عباس وغيره من السلف أن ذلك يكون قبل نشر الدواوين ونصب الموازين وجاء في حديث مرفوع "أن ذلك يكون قبل حساب سائر الناس" والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .