المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقربر عن تعارف الامم



>>سكوتك ذبحني <<
16-05-2012, 09:43 PM
مرررررراحب ... هذا تقرير اتمنى الاستفادة:(35): ..

لقد شاء الله بحكمته أن يكون الناس رغم وحدة الخالق. ووحدة الخلق أمماً وشعوباً مختلفة. فالوحدة الإنسانية تقوم على الاختلاف والتنوّع، وليس على التماثل والتطابق؛ ذلك أن الاختلاف آية من آيات عظمة الله، ومظهر من مظاهر روعة إبداعه في الخلق.
يقول القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، وبالتالي فإن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية. فهو اختلاف في إطار الأسرة الإنسانية الواحدة؛ يحتم احترام الآخر كما هو، وعلى الصورة التي خلقه الله عليها.
إذا كان احترام الآخر كما هو لوناً ولساناً (أي إثنياً وثقافياً) يشكل قاعدة ثابتة من قواعد السلوك الديني في الإسلام. فإن احترامه كما هو عقيدة وإيماناً هو إقرار بمبدأ تعدد الشرائع السماوية، واحترام لمبدأ حرية الاختيار، والتزام بقاعدة عدم الإكراه في الدين.فالقرآن الكريم يقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة: 148]، وفي إشارة واضحة إلى تعدد التوجهات يقول أيضاً: { وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } [البقرة: 145]، {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 67]، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28].


معنى ذلك. أنه مع اختلاف الألسن والألوان. كان من طبيعة رحمة الله تعدد الشرائع والمناهج، فالدين واحد، والشرائعة متعددة، وهو ما أكد عليه القرآن الكريم بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].
فالاختلاف الثقافي والعرفي والديني والمذهبي باق حتى قيام الساعة. والحكم فيه يومئذ لله، والتعامل مع بقائه لا يكون بإلغائه ولا بتجاهله، بل بالتعرّف إليه وتقبّله واحترامه كسنّة دائمة من سنن الكون.
ومن أبرز صفات السماحة الإسلامية أن المفكر أو المجتهد المخطئ لا يؤثم على خطئه، بل يؤجر على اجتهاده. حتى اذا أصاب يؤجر ثانية لإصابته الحق.
إن الاعتقاد بأن جماعة ما؛ في إطار الدين الواحد والإيمان الواحد؛ هي وحدها التي تفهم النص الديني فهماً صحيحاً. وبالتالي فإن هذه الجماعة هي وحدها المؤتمنة على الدين، وكل من هو خارج الالتزام بمفهومها وبها. هو خارج عن الدين. هذا الاعتقاد. يتناقض في الجوهر وفي الأساس مع مبدأ الاجتهاد الذي وضع له الإسلام قواعد وأسساً علمية ومنهجية واضحة، كما يتناقض مع الموروث الفكري الديني كمعطى ثقافي واجتهادي، والذي يشكل ثروة فكرية لسلسلة غنية من التجارب الإنسانية في الفهم الإنساني للنصّ الإلهي المقدس.
يرسي الإسلام قواعد لعلاقة الإنسان بنفسه. ولعلاقته بأخيه الإنسان (سواء أكان مؤمناً أو غير مؤمن) ولعلاقته بمجتمعه. ولعلاقته بربه. هذه القواعد الكلية تشمل قضايا وأموراً حياتية تتغير بتغير الأزمان والمجتمعات.
ولذلك فإن الحكمة الإلهية قضت بصياغة النصوص الدينية بحيث تترك المجال مفتوحاً أمام الفكر الإنساني لفهمها وهضمها ولاستنباط الأحكام منها وفقاً للمستجدات والمتغيرات التي تواكب حركة التطور الإنساني.
وهكذا لا يتناقض التمايز مع الوحدة الإنسانية. فالعلاقة التكاملية بين الوحدة والاختلاف تبرز من خلال المبادئ الثلاثة التالية التي قال بها القرآن الكريم : المبدأ الأول هو التداول: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران: 140]، إذ لو كان الناس كلهم شعباً واحداً أو إثنية واحدة أو على عقيدة واحدة وفكر واحد. لما كانت هناك حاجة للتداول.
ولأنهم مختلفين. ولأن الله شاء أن يكونوا مختلفين. كان لا بد من التداول. والتداول يعني تواصل الإنسانية واستمرارها بما هو مناقض لمقولة نهاية التاريخ. فالتداول حياة. والنهاية موات.
المبدأ الثاني هو التدافع: { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } [البقرة: 251]، فالتدافع – وليس التحارب ولا التصادم – هو تنافس ارتقائي وتطويري للمجتمعات الإنسانية المختلفة؛ ذلك أن المجتمعات هي كالمياه. إذا ركدت أسنت. وإذا تحركت وتدافعت أمواجها. تعانقت مع حركة الضوء والريح؛ مما يوفر لها عناصر الحياة والانتعاش والنمو والتقدم.
فمن دون الاحتكاك الفكري والتلاقح الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس المختلفين والمتنوعي الثقافات. يفقد الذهن عطشه إلى المعرفة التي هي عود الثقاب الذي يلهبه.
* تربطون بين التدافع وعدم الفساد في الأرض..؟
- نعم، فالاختلاف بين الناس وما يشكل الاختلاف من تدافع هو أحد أهم مستلزمات عدم فساد الأرض.
المبدأ الثالث هو التغاير: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }[الأنعام: 38]. {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ } [الرعد: 30] .
فالتغاير والاختلاف هو القاعدة. وهي قاعدة عصية على التجاوز. تشكل الثابت الدائم في المجتمعات الإنسانية منذ بدء الخلق وحتى نهاية الزمن.
ولذلك أرسى الله قاعدة التعارف المكملة لقاعدة الاختلاف والتغاير، والقاعدتان معاً تشكلان الأساس الذي تقوم عليه الأخوّة الإنسانية التي لا سلام ولا استقرار من دونها.
لقد جاء الإسلام بالتعارف بين الجماعات البشرية، ولم يقل بالتسامح. وكان نيتشه على حق عندما اعتبر “التسامح إهانة للآخر” لما يتضمنه من فوقية المتسامِح تجاه المتسامَح معه.
إن علاقة الإسلام بالرسالات السماوية التوحيدية؛ أي تلك التي تؤمن بالله الواحد الأحد ليست علاقة تسامحية، ولكنها علاقة إيمانية؛ والمشترك الإيماني هنا هو الإيمان بوحدانية الله رب العالمين، وبرسله وأنبيائه جميعاً. وبما جاءوا به من عند الله وبوحي منه.
ففي القرآن الكريم نصّ واضح بذلك: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
* أي أن ثمة فرقا بين علاقة الإيمان وعلاقة التسامح؟
- بالطبع.. وشتان بين العلاقة القائمة على الإيمان. وتلك القائمة على التسامح. فالعلاقة الأولى نديّة تقوم على الاعتراف بالحق واحترام الاختلاف. بينما الثانية فوقية، تقوم على إنكار الحق والاستعلاء على المختلَف معه.
الآية الثانية التي أقتطفها من القرآن الكريم تخصّ أهل الكتاب من مسيحيين ويهود. وتقول الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } [آل عمران: 64].
فالدعوة إلى كلمة سواء هي دعوة إلى البحث عن الجوامع القيمية والأخلاقية المشتركة التي تقوم عليها العلاقات بين المؤمنين بإله واحد. أما تعدّد وسائل تعبيراتهم عن هذا الإيمان وممارستهم له. فإن الله يحكم بيننا يوم القيامة فيما نحن فيه مختلفون. وذلك على قاعدة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].
أما الآية الثالثة فهو الدعوة إلى معالجة الاختلافات والتباينات بالتي هي أحسن، وتقول الآية الكريمة: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
والدعوة إلى التعامل حتى مع العدو بالتي هي أحسن تناقض اللجوء إلى الظلم والاعتداء، فالدعوة الإلهية إلى الدفع بالتي هي أحسن ليست مقتصرة على العلاقات بين المسلمين خاصة أو المؤمنين عامة، بل إنها تتسع لتشمل العلاقات بين الناس جميعاً.
*يرد سؤال هنا عن الموقف من التعصب المذهبي والديني؟
- إن من شأن التعصب للدين أو للمذهب أو للجماعة أن يقيم جُزُراً من التنوع المتباعدة والجاهلة للآخر، وبالتالي المتشككة فيه والمستنفرة دائماً لمواجهته. وهذا تنوع خارج إطار الوحدة، بل رافض لها. أما التعارف فإنه على العكس من ذلك يقيم وحدة في إطار التنوع تتعرف على الآخر وتعترف به. وتبادله الاحترام والثقة والمحبة. وهذه وحدة في إطار التنوع. في العلاقات الإنسانية سلبيتان لا تصنعان إيجابية: “وحدة تعسفية مفروضة بالقوة تطمس التنوع (كما كان الأمر في الاتحاد السوفياتي السابق). وتعددية مطلقة ومتفلتة تدير ظهرها للآخر المختلف، وتأبى الاعتراف بالآخر أو حتى بالتآلف معه” (كما هو الأمر اليوم في البلقان وفي مناطق أخرى من العالم).
إن الدعوة إلى التعارف الذي يقوم على المعرفة؛ أحد أسمى دعوات الله للإنسان، والأساس الذي تقوم عليه أخوة إنسانية تغتني بالاختلاف وتحترمه وتجعل منه قاعدة للتعاون والتوافق والمحبة.
* من المعروف أن الإسلام هوة عامل وحدة الأمة ولذلك فإن ضرب الإسلام هو المدخل إلى تفتيت الأمة وتمزيقها.. كيف يمكننا فهم هذه المقولة؟
- في الأساس يرسم الإسلام خطين واضحين بين المسلمين وغير المسلمين. وبين أهل الكتاب المشركين. هناك تشريعات إسلامية خاصة بالمسلمين. وهناك تشريعات تحدد علاقة المسلمين وتعاملهم مع أهل الكتاب. وهناك تشريعات من نوع ثالث تتناول الكفار والمشركين.. وبالنسبة إلى أهل الكتاب، لا بد من إبراز إن الإسلام عقيدة سابقة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، بدأ مع إبراهيم واستمر مع موسى وعيسى بمحمد (صلوات الله عليهم جميعاً). وأن الدين واحد والتشريعات مختلفة.
يقول أبو حنيفة: إن رسل الله لم يكونوا على أديان مختلفة، ولم يكن رسول منهم يأمر قومه بترك دين الرسول الذي كان قبله لأن دينهم كان واحداً. وكان كل رسول يدعو إلى شريعة نفسه وينهى عن شريعة الرسول الذي قبله لأن شرائعهم مختلفة. وهذا يفسر قول الله تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [النحل: 93]. إن الدين لم يبدل ولم يحول ولم يغير. والشرائع قد غيَّرت وبدلت لأنه رب شيء قد كان حلالاً لأناس قد حرمه الله عزَّ وجلَّ على آخرين.
وفي ضوء ذلك رأى أبو حنيفة أن الدين واحد، وهو التوحيد، والشرائع مختلفة. فإن اتفق آخرون مع المسلمين في الأصل فإن اختلافات الشرائع الجزئية أمر طبيعي، وعلى الفقيه أن يفهم هذا المعنى الوحدوي للإسلام المستوعب الذي يريد جمع الناس، وتوحيد المجتمع في الداخل من مبدأ الاعتراف باختلاف الشرائع، أي إمكان وجود شريعة اجتماعية أخرى غير الشريعة الإسلامية لفئات اجتماعية تعيش مع المسلمين في مجتمع واحد.
ثم لا يصح إسلام من ينكر رسالة موسى وعيسى عليهما السلام وبأن رسالتيهما الدينيتين وحي من الله.
وكذلك فإن التشريع الإسلامي المتعلق باليهود وبالنصارى لم يصدر مرة واحدة. شأنه شأن كل سور القرآن الكريم وآياته. نزل التشريع على فترات وكان لنزوله أسباب (أسباب النزول) تتعلق بحوادث معينة.
وفي المرحلة المكية تجدر الإشارة إلى أن الإسلام كان ودوداً مع النصارى ومع اليهود. ذلك أنه في تلك المرحلة كان المجتمع المكي يتألف من أهل الكتاب وكفار وكان من الطبيعي أن يكون النبي مع أهل الكتاب ضد الكفار لأسباب إيمانية وليس لأسباب تكتيكية كما ادعى بعض المستشرقين عن سوء نية. وبالتالي كان خطابه أقرب إليهم وإلى معتقداتهم.
وفي المرحلة المدنية (بدءاً من عام 622م) اتخذ التشريع الإسلامي طابع بناء الدولة عل قاعدة وحدة الأمة، هنا بدأ التباين بين المسلمين واليهود، فالذين تنكروا للمسيح الذي ظهر بينهم ومنهم، لم يؤمنوا بمحمد الذي ظهر بين العرب ومنهم. تزامن هذا التباين مع سلسلة من الحملات العسكرية التي قام بها مشركو مكة ضد الإسلام في المدينة لمنع قيام دولته، ولكي يتجنب الرسول صلى الله عليه وسلم مواجهة على جبهتين، جبهة المشركين القادمين من الخارج ـ من خارج المدينة ـ وجبهة اليهود داخل المجتمع الإسلامي ـ داخل المدينة ـ عمد إلى عقد معاهدات مع اليهود لتحييدهم. هذه المعاهدات أرست قاعدة العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب، وتطورت بعد ذلك وفقاً لتطور الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين.
وبعد ذلكم نكث اليهود العهد مع المسلمين. أولاً في معركة بدر حيث أقاموا علاقات سرية مع كفار قريش. ثم في معركة أحد (سنة 625م) فقد تحرك اليهود ضد المسلمين عندما شعروا أن المسلمين على قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة. وردَّ المسلمون بعد هزيمتهم في أحد بالسيطرة على المواقع اليهودية تدريجياً إلى أن انتهى الأمر بالاستيلاء على واحة خيبر معقل اليهود.
وتبع هذه التطورات إبرام عقود وإجراء مصالحات تحمل في مجموعها اسم عقود الذمة، هذه العقود ممهورة بحديث شهير للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “من آذى ذمياً فقد آذاني”، وبحديث شهير آخر يقول فيه: “ألا من ظلم معاهداً أو كلَّفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة” وهذا إلزام لكل مسلم، وهو حق لكل مؤمن من أهل الكتاب على كل مسلم.
وقد أرسى الإسلام قاعدتين للتمييز هما: التمييز الديني، والتمييز المكاني. ويتعلق التمييز الديني أولاً بالمسلمين وغير المسلمين. ويتعلق ثانياً باليهود والنصارى وببقية المجموعات غير الإسلامية.
أما التمييز المكاني فيتعلق بالمناطق التي تخضع لأحكام التشريع الإسلامي، وهي “دار الإسلام”، وتلك التي تخضع لحكم أعداء الإسلام (أي دار الحرب على الإسلام).
في دار الإسلام يحتفظ اليهود كما يحتفظ النصارى بعقيدتهم ويتمتعون بحماية الدولة الإسلامية لهم ولمعابدهم ولتشريعاتهم الدينية الخاصة، هذا التمييز يعني وضع اليهود والنصارى في ذمة المسلمين..
وهنا لا بد من التوقف أمام نقطة على درجة كبيرة من الأهمية وهي التمييز بين الذمة والمعاهدة. فالمعاهدة أو العقد محكوم بزمان ومكان محددين.
أما الذمة فهي عقد أبدي دائم مبرم دون تحديد زمني لمفعوله، وعند موت الموقعين تنتقل موجبات العقد إلى الأبناء “وهذا العقد ليس معاهدة بالمعنى الصحيح ولكنه رابطة لا تنعقد بين دولتين، بل بين دولة من جهة ورؤساء مجموعة شعبية من الكتابيين من جهة أخرى. وهذه الرابطة تنشئ واجبات ليس فقط تجاه الدولة الإسلامية ولكن تجاه كل مسلم على حدة وكل ذمي أو كتابي، من هنا يتضح أن لها مفعول القانون لأنه عندما يخالفها الذمي يتحمل وحده نتيجة المخالفة وليس طائفته كلها”
إن أسوأ ما يمكن أن يصل إليه سوء العلاقة بين غير المسلم والحكم الإسلامي هو الخيانة أو التمرد.
في الحالة الأولى: أي الخيانة والتجسس لمصلحة العدو، فإن حكم الإسلام في الذمي الخائن هو الحكم نفسه في المسلم الخائن، أي القتل (العقوبة غير محددة في القرآن الكريم، ولكن قياساً على سنة النبي صلى الله عليه وسلم) إن فعل الخيانة من غير المسلم يعتبر خروجاً على عهد الذمة، وفعل الخيانة من المسلم يعتبر خروجاً عن الإسلام.
وفي الحالة الثانية: أي التمرد، فإن حكم الإسلام في تمرد غير المسلم هو أن التمرد لا ينهي عقد الذمة، بل إنه جريمة بحق الدولة يعاقب عليها الذمي بمثل ما يعاقب عليها المسلم. أي أن التمرد يعتبر احتجاجاً على حالة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وليس عدواناً ضد المجموعة الإسلامية.
وإن تطبيق مبدأ حرية المعتقد الذي اعتمد منذ بداية الدعوة يبدو شديد الفعالية في هذا المجال لأنه يمنع كل أنواع الإكراه لا سيما التحول إلى الإسلام تحت ضغط العنف والقوة.
وقد أجمع الفقهاء على أن من واجب القابض على زمام السلطة أن يقوم بفرض الجزية على أتباع الديانات السماوية المنزلة من غير المسلمين. وهؤلاء يحصلون بالمقابل على حماية المسلمين لأنفسهم وأموالهم. وقد تبوأ أهل الكتاب في الدولة الإسلامية مراكز قيادية أساسية في السلطة باستثناء القضاء (لأن القضاء في الدولة الإسلامية قضاء شرعي لا يمكن أن يتولاه من لا يؤمن به). وباستثناء الرئاسة الأولى أو الخلافة (لأن الخليفة والرئيس هو إمام المسلمين، ولا يمكن أن يؤم المسلمين من لا يؤمن بالإسلام). ولعل من أكثر ما يشد الانتباه هو أنه حتى خلال الحروب الصليبية لم يكن أمين المال عند صلاح الدين الأيوبي مسلماً، بل كان من أهل الكتاب.
ومن الوجهة العرقية. ففي الأساس هناك قاعدة إسلامية ثابتة تقوم عليها الوحدة الإسلامية. تتمثَّل هذه القاعدة في قوله تعالى في سورة الحجرات، الآية 10 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } . ومن شأن التأكيد على هذه القاعدة الشرعية لتساوي المؤمنين ضمن وحدة الإسلام الدينية والاجتماعية، صهر أشد الشعوب اختلافاً في العرق واللون في أمة واحدة. ولقد كان هذا التوكيد من العوامل الرئيسة التي ضمنت اتساع الإمبراطورية الإسلامية اتساعاً عجيباً، وصانت قوتها والتحامها على مر القرون. ولما ضعف روح التكامل الخلقي في الإسلام كان الفوز للنزاع الشعوبي وكان فوزاً على حساب سلطان الإسلام. فتجزأت الدولة وتم النصر لأعداء الإسلام.
ولا غرو فإن انحطاط السلطة الزمنية في الدول التي نشأت عن دولة الإسلام، وما حدث من صولات التوسع والاستعمار الأوروبي أنعش شعور التكافل الإسلامي، فتجلت جميع مناحي التجديد التي ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر في الشرق الأدنى والأوسط بروح إسلامية. إلا أن الاستعمار استطاع تحت مظلة مبدأ القومية الذي أعلنته فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر وأد هذا التجديد، حتى أنه ليبدو اليوم مجرد أثر بعد عين.
فالإسلام يتوافر على الجامع التوحيدي المشترك بين كل الإثنيات الإسلامية والطوائف غير الإسلامية. ذلك أن الإسلام مبني على رفض العنصرية بدليل قوله تعالى في سورة الحجرات، الآية 13: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
والإسلام مبني على المساواة بين الشعوب المتنوعة وفي ذلك يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى” وهذا ينقض فكرة شعب الله المختار وهي أكثر أفكار التعصب والتميز العنصري حقداً وكراهية لبقية الشعوب الإنسانية. وعبر الإسلام حدود العروبة إلى أرض حضارات جديدة، وأصبح العرب بعض الإسلام، بعد أن كان الإسلام بعض العرب. وانتشرت العربية مع الإسلام والقرآن، وكان العرب أول من حمل أمانة الإسلام إيماناً ونشراً وجهاداً.والقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين على رسول عربي في أم القرى العربية ودار الهجرة وما حولهما. ومن هنا كان الرباط الوثيق والمقدس بين العروبة والإسلام والقرآن.
واختيار الزمان والمكان والرسول واللسان أمور تتعلق في الإسلام بإرادة الله، لا بإرادة البشر، والإسلام كما هو كرامة وتكريم فهو مسؤولية وعطاء. والانتساب إلى أمة الإسلام تحكمه ثلاثة أركان تجمعها الآية الكريمة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ …} [آل عمران: 110] والكرامة في الإسلام بالتقوى، والتقوى عقيدة وعمل.

المراجـــــــــــــــــــــع .....
التسامح في الاسلام : نبيل نعمه الجابري/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
تعارف الامم في الاسلام : الدكتور محمد السماك / مؤسسة الدعوة الاسلامية الصحفية