المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسباب التخلف العلمي و التقني في العالم الأسلامي



المهلك
26-02-2012, 10:35 PM
أسباب التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر
ترجع أسباب التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر – كما سبق وأن أسلفنا – إلى نفس الأسباب التي أدت إلى تخلف المسلمين عامة في هذه الأيام. والتي تتلخص في إضعاف الخلافة حتى تم إسقاطها في مطلع هذا القرن (1343هـ/1924م)، ومن ثم تمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات متفاوتة في المساحة، وتعداد السكان، وفي طبيعة الأرض وتنوع مصادر الحياة، واقتسام تلك الدويلات بين الكتلتين الغربية والشرقية، وإخضاعها لنفوذهما المباشر وغير المباشر، والتخطيط الشيطاني الدؤوب لإخراجها من دائرة الإسلام إلى دوائر العلمانية الكافرة، وذلك تحت ستار من دعاوى التقدم والتطور ومسايرة العصر، أدت إلى تقمصها أنماطًا مختلفة من الحكم، والفكر، والسياسة، والاقتصاد، والتعليم، والإدارة، والاجتماع، تأرجحت بين أقصى درجات الرأسمالية المستغلة، وأقصى درجات الشيوعية المذلة. كما تعرض بعضها للعديد من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة التي أنهكت قواها، ودمرت اقتصادها، وحطمت معنوياتها، وتركتها كيانات متنافرة، وإقليميات متناحرة، ومذهبيات متصارعة، وعصبيات متطاحنة فوق أرض متشابكة الحدود والمصالح، متعارضة النظم والفلسفات، ووسط عالم يتكتل على هيئة تجمعات كبيرة وحدّت نظمها الاقتصادية وسياساتها الخارجية، وخططها العسكرية، وتبادل المعلومات والخبرات في مختلف المجالات، فحققت بذلك ما وفر لها أسباب التسلط على الدول الصغيرة، ومكّنها من فرض سيطرتها وبسط نفوذها وهيمنتها على أجزاء مختلفة من الأرض.
وعلى ذك فيمكن إيجاز الأسباب المباشرة للتخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر فيما يلي:
أولاً: الأسباب المادية لتخلف مسلمي اليوم علميًّا وتقنيًّا:
(1) تمزق العالم الإسلامي المعاصر إلى أكثر من خمسين دولة ، بالإضافة إلى أقليات منتشرة في كل دولة من الدول غير الإسلامية، تفوق أعدادها مئات الملايين في بعض هذه الدول، واحتلال أجزاء عديدة من أراضي المسلمين مما أدى إلى تشتيت المقومات المادية والروحية والطاقات البشرية للمسلمين؛ في وقت أخذ العالم فيه الاتجاه إلى التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولم يعد فيه وجود مستقل، أو إمكانية لمستقبلٍ لأية تجمعات بشرية يقل تعدادها عن مائة إلى مائة وخمسين مليون نسمة.
(2) تفشي الأمية بين المسلمين البالغين في هذا العصر:
تفشت الأمية بين المسلمين البالغين (أكبر من 15 سنة) في هذا العصر بصورة مزعجة تتراوح نسبتها بين 50% و 80% (بمتوسط حوالي 58%)، بينما تقل نسبة الأمية عن 2% في دول الشمال، ولا تتعدى هذه النسبة 45% في المتوسط في دول العالم الثالث بصفة عامة. وهذا يعني بوضوح أن أعلى نسبة للأمية بين البالغين في العالم في الدول الإسلامية المعاصرة، على الرغم من أن القرآن الكريم نزلت أولى آياته آمرًا بالقراءة والكتابة، وتعظيمًا لأدواتهما: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)[العلق:1- 3]. وأن القرآن الكريم يعظّم العلم والعلماء: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ)[الزمر:9]، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة:11].
وعلى الرغم من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفدي الأسير من أسرى بدر بتعليمه عشرًا من المسلمين القراءة والكتابة، وعلى الرغم من أن المسلمين أقاموا أجهزة تربوية كاملة منذ بعثة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، حتى لم يكد يطلع القرن الهجري الثاني إلا وكان ذلك الجهاز التربوي الإسلامي قد انتشر في جميع أجزاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف (والممتدة من بخارى وسمرقند شرقًا إلى الأندلس غربًا)، ابتداءً من الكتاتيب، إلى المدارس، إلى المساجد، إلى حلقات العلم ودوره، وبيوت الحكمة، والجامعات، من مثل: الزيتونة، والقرويين، والأزهر الشريف، هي أول نماذج للجامعات عرفتها البشرية.
ولقد بلغ من الاهتمام بالتربية والتعليم في الإسلام أن المسلمين كانوا يوقفون الضياع والعقارات لصرف ريعها على أهل العلم وطلابه، وكانوا يعتبرون ذلك من الأعمال التعبدية، وهكذا أدير الأزهر الشريف لقرابة الألف سنة من أوقاف المسلمين.
وعلى الرغم من هذا التاريخ الإسلامي المجيد في محاربة الجهل والقضاء على الأمية بنوعيها، أمية القراءة والكتابة، وأمية العقيدة، فإننا نجد أحفاد المسلمين العظام يتراجعون عن دورهم القيادي في الحياة، هداة مهتدين، ويتوارون عن مسؤولياتهم الكبيرة في حمل آخر الرسالات السماوية وأتمها وأكملها إلى البشرية كافة، ويتهاوون في ظلمات الجهل، وإهمال التعلم، حتى يصل متوسط نسبة الأمية بينهم إلى هذا الحد المخيف المفزع.
(7) عدم وجود الحوافز المادية والمعنوية الكافية للمشتغلين بالبحث العلمي والتقني في مختلف دول العالم الإسلامي المعاصر، مما صرف الناس عن هذه التخصصات، وأدى إلى هجرة كثير من العلميين لمراكزهم، واتجاههم إلى النشاطات المالية والإدارية، وذلك لأن الحياة العلمية تحتاج إلى الكثير من المجاهدة والصبر والنزاهة والموضوعية، وليس كل الناس قادرين على ذلك، فإذا لم يولَ الناسُ ما يستحقون من التكريم انصرفوا عن العلم.

ومن المؤسف حقًّا أن الكثير من الحوافز التي خصصت للعلماء والتقنيين في عالمنا الإسلامي المعاصر قد شابها كثير من عدم الموضوعية ونقص الحيدة بما خرج بها عن غاياتها الصحيحة.
(8) عدم توفر وسائل البحث العلمي والتقني من الأجهزة والمواد والمعدات والقوى الفنية المساندة، والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر، مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من العلماء والفنيين إلى خارج حدود العالم الإسلامي، وهذا في حد ذاته يمثل استنزافًا لأهم طاقات المسلمين ولأعظم إمكاناتهم، وذلك لأن غياب العناصر البشرية المثقفة والمدربة تدريبًا علميًّا وتقنيًّا عاليًّا، والقادرة على تحقيق عمليات التنمية الشاملة لمجتمعاتها المتخلفة، في عملية من النزف المستمر بالهجرة إلى الدول الغنية ابتداءً، أو بالامتناع عن العودة إلى أرض الوطن بعد قضاء فترة الدراسة أو التدريب بالخارج، يشكل إهدارًا للكفاءات العقلية النادرة، وللخبرات العلمية العالية، ولأصحاب المهارات الدقيقة الذين أنفقت المجتمعات النامية على المراحل الأولى من تعليمهم وتدريبهم من ميزانياتها المنضغطة، ثم فقدتهم في وقت هي أحوج ما تكون لعطائهم