abdullah ahmed khali
16-01-2012, 01:29 AM
خلق الإنسان وآية خلق المسيح
لقد كان في خلق المسيح ابن مريم إبتلاء وإمتحان للإيمان ليس لأهل الكتاب وحدهم بل لأهل الارض جميعاً والدليل على ذلك نعثر عليه في القرآن ومن خلال قوله تعالى،
قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا. سورة مريم 21 .
فكان المسيح عيسى ابن مريم آية قد شغلت الناس جميعاً وأعجوبة أمتد أثرها على مدى الألفي عام، آية عجز الناس عن تفسيرها او فهمها على حقيقتها الإعجازية فكانت بمثابة التحدي الأكبر لعقولهم وقدراتهم الذكية، وكان هذا إمتحان للبشرية لابد من حدوثه نتيجة قضاء الله وحُكمه وآيته (وكان أمراً مقضيا)، لقد كفر أهل الكتاب برسلهم، وأنكروا الله خالقهم وعبدوا الأصنام وأفسدوا في الأرض وظلموا وتكبروا وقتلوا الأنبياء والمرسلين وكذبوهم، ولكن الله كان أعد لهم إمتحان ليجربهم ويتفحص إيمانهم وحقيقتهم الملتوية والعاصية، وفي ذلك نستشهد بقول العزيز الجبار،
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. سورة العنكبوت 2 .
فكانت آية ولادة المسيح ابن مريم من العذراء البتول تحضيراً لهذا الإمتحان، إمتحان جديد لم يكن قد عهدوه من قبل، وحين بلغ المسيح ربيعه الثالث من العمر اتاه الله التكليف وحمّله رسالة الإنجيل، وعندها قام المسيح بالتعريف على سبب حضوره لهم بكل دقة ووضوح فقال وكما هو منقول عن الآية نفسه، المسيح ابن مريم وعلى لسانه مايلي،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – يوحنا/الإصحاح التاسع:
39فقَالَ يَسُوعُ:«لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ:«أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» 41قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ.
ولكن سُرعان ما أتى رد أهل الكتاب على آية خلق المسيح وهذا الإمتحان العظيم وهذه الدينونة بزعمهم الكاذب بأن الله هو المسيح عيسى ابن مريم، وها هو الكتاب المقدس يخبرنا مرة أُخرى وعلى لسان المسيح مرة أخرى بان مجيئة لهذا الدنيا سيجلب الإنقسام والفرقة ويتسبب في الفتنة وإشعال نار الحروب والقتل في الأرض، وهذا فيه الإبتلاء والإمتحان العظيم لأهل الأرض جميعاً ولكنهم فسروه على غير ذلك لعجزهم وضعف إيمانهم وجهلهم الروحي، فهم لم يستوعبوا آية حضوره ليس نتيجة لقلة ذكائهم بل نتيجة كبرهم وإستعلائهم، وهنا يخبرنا الكتاب المقدس وفي كتاب الإنجيل حسب لوقا نقلاً عن لسان المسيح ما يلي:
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - لوقا/الإصحاح الثاني عشر
49«جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ 50وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ 51أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَّلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. 52لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. 53يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا».
وقال أيضاً في الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - متى/الإصحاح العاشر:
34لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.
فكلام المسيح لم يترك عندهم أي أثر أو حاولوا حتى إستيعابه بل رفضوه تماماً و سرعان ما بدأوا ينغمسون في الشر والشهوات كما تنبأ لهم، وإزدادوا بذلك إبتلاء فوق إبتلاءهم وصنعوا عقيدة للخلاص تتماشى مع عقيدة التأليه وعقيدة البنونة اللتان نسباها للمسيح، فأدّعوا بأن الله هو المسيح ولم يكن قد أتى لُيدينهم ويمتحنهم بل ليخلصهم ويدفع بنفسه على الصليب ليموت ويكون بالكفارة عن خطاياهم، فكان بأن الله أتى بزي إنساني ليُخلصهم نتيجة حبه لهم كما يزعمون ولربما مكافأة لتركهم (أي اليهود وبني إسرائيل) عبادته والجري وراء عبادة آلهة من صنيعهم وآلهة أقوام أُخرى، فعبدوا الأصنام وعبدوا العجل الذهبي وبَعل وعشتروت وغيرهم وتركوا عبادة الله، فهل هم سخيفين لهذه الدرجة حتى يعتقدون بان الله سيترك ملكوته ويحضر بشخص المسيح لينقذهم ويُخلصهم، ولكن وللأسف فإن هذا الإعتقاد السخيف هو أهم العقائد المسيحية فهو يجمع كل من عقيدة تأليه المسيح، بعقيدة الله - الإنسان عن طريق الإيمان بعقيدة ابن الله، مع عقيدة الخلاص عن طريق الصلب والموت والقيامة من أجل تحقيق الخلاص والغفران ودفع أجرة الخطيئة عنهم، فلماذا يريد الله لأن يضحي بنفسه من أجل من كفر به وأنكره وعبد غيره في الماضي وهاهم يختلقون إله آخر في شخص المسيح بدلاً عن الله، فيالغرابة وسذاجة وضبابية فكرهم وما فيه من إساءة كبيرة لذكاء وقدرات العقل البشري والذين هم محسوبين عليه.
ولم يتجرأ على مدى التاريخ أي من الناس والذين إدعوا الربوبية أو الألوهية كفرعون ونمرود على الإدعاء بخلقهم للكون، ولم يكن لأحد أن يدّعيه لنفسه سوى الخالق وحده والذي هو الله سبحانه وخالقه، وبقينا على ذلك حتى أطل علينا النصارى بكفر جديد، وأتى كتابهم المقدس يحمل لنا من أخبارهم ويبشر بعقيدتهم التي صاغوها واعتنقوها، فهم يدّعون بأن المسيح هو خالق كل شيء وخالق كل شيء لابد وأن يكون خالق السموات والأرض وخالق الكون، إذن فهم يقولون بأن الله هو المسيح،
الكتاب المقدس/رسالة يوحنا 1: 1- 3
1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. 4فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، 5وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.
فهم يدّعون وعلانية على أن الله هو المسيح، فالمسيح معروف بكلمة الله، وهم يقولون (وكان الكلمة الله) ويقولون (كل شيء به كان) أي الخالق ويقولون (فيه كانت الحياة) أي المحيي وكل ذلك هي صفات وقُدرات الله العلي القدير، ولكن ذلك لم يكن بالكافي ليشبع فضولهم الأعمى فأضافوا المزيد، وفي ذلك يخبرنا،
الكتاب المقدس/رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي/ الأصحَاحُ الأَوَّلُ
3نَشْكُرُ اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، 4إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، 5مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ، 6الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضًا مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ. 7كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، 8الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ. 9مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ 10لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، 11مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، 12شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، 13الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، 14الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. 15الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ.
فهم يقولون عن المسيح (فإنه فيه خَلق الكل ما في السموات والأرض) ويقولون بأن (الكل به وله قد خلق الذي قبل كل شيء وفيه يقوم الكل) .... !! وهم يعلمون تمام العلم ضعف المسيح وقلة حيلته، فكيف سيكونون قادرين على التوضيح وشرح هذا الدور الإلاهي الذي نسبوه لعيسى وبشروا به لتابعيهم من المضللين، فكان لابد من توثيقه ولذلك كانوا بحاجة لصياغة عقيدة جديدة تدّعي بأن الله له ابن وفيها يتم تحول الله والذي هو المسيح حسب ضلالهم إلى ذات إلهية وذات إنسانية تجمعهما ذات ووحدة واحدة، ويكون المسيح ذو طبيعتين، ولكن بقي ذلك بحاجة لتوضيح أكثر....
وهنا بدأ العمل على التنظير لعقيدة الطبيعتين والتي يحملها الأبن، ومن خلالها أُدخل مفهوم إبن الله ليُصبح في صلب عقيدة اهل الكتاب خاصة بعد أن عملوا جاهدين على تسويق الكتاب على أنه ذو قدسية من خلال إلصاقهم لكلمة "المقدس" كلما تم ذكر كتابهم هذا أو تم الإشارة عليه، ولكنه لن يسلم من دراستنا وسنتعرف على حقيقته المشبوهة وإدعاء قدسيته الكاذبة هذا من خلال الكتاب نفسه والذي سوف ناخذه حجة عليهم ولن ندعي عليهم باطلاً ابدا بل الحجة الصادقة والأحسن مما لديهم.
ويقول الكتاب المقدس/رسالة يوحنا الأولى/الإصحاح 4
7أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. 8وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. 9بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. 10فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. .......................... 14وَنَحْنُ قَدْ نَظَرْنَا وَنَشْهَدُ أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الابْنَ مُخَلِّصًا لِلْعَالَمِ. 15مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ.
يقول القس عطا مخائيل في كتابه ( شهود يهوه ذئاب خاطئة ) في هذا الموضوع :
(( لكن الله برحمته الغنية، أراد أن يعرّفنا على ذاته، فنزل في احشاء مريم العذراء، فحبلت به من الروح القدس، فتجسّد، وصار انساناً، وعاش بيننا، جاع وعطش، بكى وتألم، تحسّس الآمنا، صُلب ومات وقُبر، ثم قام منتصراً من بين الأموات ... فمن هو هذا الشخص العجيب ...؟ )) ص. 54 .
ويكمل في ص. 151 بالقول (( ان الله القدّوس الذي يمقت الخطيئة بشدّة، من رحمته ومن محبته الكثيرة، رأى أننا عاجزون عن دفع الدين الذي علينا بسبب خطايانا، أرسل ابنه وحيده لكي يموت عنّا، ويخلّصنا من المصير المظلم الذي ينتظرنا في جهنم النار، فكل من قبل مخطط الله هذا، اعترف بأن الله قدّوس وعادل ومحب ورحوم، فينال بذلك الحياة الأبدية بالإيمان، وكل من اعترف بناحية واحدة من صفاته يجعله كاذباً وغير أمين، وحاشا لله أن يكون كذلك )) .
ولكننا نرى بأن هذا الرجل والمشهود له بالتقوى "كتابياً" يتناقض مع نفسه في نفس الكتاب الذي خطته يداه، فهو لم ينتهي بعد من القول بأن الله نزل في أحشاء مريم حتى إنتقل للقول بأن الله أرسل ابنه وحيده، فهذه التناقضات تُرشدنا على حجم الضياع والفوضى العقلية التي يعانوا منها، أي بالعربي الخربطة الفكرية .... فهل كان الله بشخص المسيح قد نزل أم أرسل ابنه نيابة عنه ... ؟
يقول الكتاب المقدس/اَلرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ/ الأصحَاحُ الأَوَّلُ
1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ.
فهم يعتقدون بأن الله تكلم معهم بواسطة المسيح والذي هو كلمة الله وروح منه فالمسيح يزعمون على أنه هو كلمة الله المُتجسد الذي أعلن لهم فكر الله وبما أنه هو كلمة الله إذن فلقد تكلم هو بكلام الله وهو الله، أي أن الله كان قد إرتضى لنفسه بأن يترك الأمجاد السماوية ويأتي إليهم ويولد في مذوذ،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – لوقا/الأصحَاحُ الثَّانِي:
4فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، 5لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. 6وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. 7فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ.
إله ورب يولد في مذوذ ( أي زريبة ) البقر وبين الحملان التي تحدثوا عنها في كتابهم حتى يكون هو الله (عيسى- الإله) وهو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم عنهم وهذا فيه تناقض مع ما كان قد اخبرهم به المسيح وهو الدينونة،
فيقول الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - يوحنا/الإصحاح الثالث:
16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.
وللغرابة فإن هذه الآية والتي تزعم بأن مجيء المسيح لم يكن ليدين العالم، تتناقض تماماً مع ما نقل في نفس الإنجيل على لسان المسيح وسبب مجيئه والذي كان ليُدين العالم، اما هذه الآيات المحرفة والتي تنكر مجيئه ليدين العالم كانت تُعبر عن رأي مؤلف هذا الإنجيل (أعلاه في يوحنا/3) لأنهم لم ينسبوها للمسيح كما كان في (في الأسفل في يوحنا/9) والتي كانت قد كتبت في الإنجيل نقلاً عن لسان المسيح وتبدأ بـ (فقال يسوع أي المسيح حسب ما يلقبونه) والتي فيها قال،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – يوحنا/الإصحاح التاسع:
39فَقَالَ يَسُوعُ:«لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ:«أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» 41قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ.
فمن علينا التصديق لما ورد على لسان المسيح (يسوع) أم مؤلف هذا الإنجيل ......
إن هذه الإدعاءات الخرافية الخاطئة تفتقر إلى أدنى مستويات وحدود المنطق وهي تُسيء إلى فهمهم وتُهين ذكاءهم وفطنتهم وتعمل على إدانتهم وتُحقِّر وتُخفّض من مستواهم الفكري والثقافي وتُخضعهم لمفهوم الفقر الروحي وتسلبهم الإيمان والعقيدة وتجردهم من الفكر السليم .
فهم يعتقدون بأن الله أرسل إبنه للعالم لا لكي يهلك العالم بل حتى يُخلِّص به العالم وكل من يؤمن به لا يُدان والذي لا يؤمن به قد دين لأنه لم يؤمن بإسم إبن الله الوحيد، وكان نتيجة جهلهم بأن أصبح النصارى أو (المسيحيون) يعتقدون بأن الصلب قد حصل ولحقه موت وقيامة المسيح وبأن الله قد أبرّهُم بموته على الصليب ولذلك فهانحن نراهم يُبشرون المستضعفين والمحتاجين والفقراء والجهلة بأن قبلوا وآمنوا بعمل المسيح النيابي وصلبه وموته يكونوا قد خلصوا وإن لم يقبلوا هذا العمل النيابي ولم يؤمنوا به فلا بد وانهم هالكون لا محالة وذلك لأن الله كان قد أعد طريق الفداء، وكل من قبل خلاص الله خلص ومن لم يقبله هلك ومن قبله مُخلصاً شخصياً له يصبح هو أيضاً من ابناء الله.
فلقد كان موت المسيح هو من أجلهم وذلك لمحبة الله الشديدة لهم فهم أضحوا متبررين مجاناً بنعمة الفداء التي بيسوع المسيح والنعمة هذه التي أُعطيت لهم هي بالنسبة لهم إحسان لمن لايستحقون الإحسان ..... فإذن هم يعتقدون بأن المسيح كان قد مات بديلاً وكان قد مات فديةً وكان قد مات ليحيا الفجار الأشرار وكان قد مات ضحيةً لأن هذا هو مفهوم الحب الإلاهي للعالم فبذل إبنه الوحيد ( أي بذل نفسه .. ؟ ) لكي لا يهلك كُل من يؤمن به بل لتكون للمؤمنين بموته منهم الحياة الأبدية، فلقد رأى الله حالة الإنسان والذي كان لا حول له ولا قوة، فحزن عليه وبالتالي أرسل الله لهم بنفسه على صورة المسيح وذلك حتى يدفع هو أجرة الخطية عنهم بموته، فهم يعتبرون الله بأنه عادل وقدوس ويعتبرون الإنسان بأنه خاطيء ونجس فلهذا السبب صار الإنسان بحاجة لولي يتولى أمر خلاصه أو لفادٍ حتى يفديه من خطاياه، فنسو قول المسيح عن الدينونة وأصبح بولس اليهودي الفريسي وألد اعداء المسيح وتلاميذه يُبشر بمعتقد الخلاص ويتناقض مع تعاليم المسيح وسبب مجيئه وحتى ما نقل عنه ومازال مكتوب في الكتاب المقدس،
يقول الكتاب المقدس/الرسالة إلى أهل كورنثوس الثانية/الإصحاح الخامس:
18وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ،
19أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. 20إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. 21
لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
فأصبحت خطاياهم مغفورة لهم بعد هذه التضحية العظيمة من الله وموته لأجلهم... أستغفر الله العظيم.
فلو أخذنا إحدى كتابات الرسول بولس مؤسس هذه المعتقدات الدخيلة على رسالة التوحيد التي دعى إليها كل من موسى وعيسى عليهما السلام وتمعنا في قوله الضال لتعرفنا على سبب همجية وتغول الغرب المسيحي الكافر وفهمنا مسلكياتهم الشاذة وكيف وصلوا إلى هذا الحد من الضلال وفيها مايلي:
يقول الكتاب المقدس/العهد الجديد/رسالة بولس لأهل رومية/الإصحاح الخامس:
20وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا.
ومن هنا نتعجب لغرابة هذا المنطق الأعوج وهو كيف لهم بالإيمان بإزدياد النعمة كلما كثُرت الخطيئة وازدادت، وهذا تصريح واضح بحرصهم الشديد على الكفر ونشر الفساد ونشر الفساد في الارض ..
قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ) سورة النساء 44 .
ولنأخذ قول آخر لبولس أيضاً وماذا يقول لهم رسولهم بولس في آية أخرى من الكتاب المقدس :
الكتاب المقدس/العهد الجديد/رسالة بولس لأهل أفسس/الإصحاح الثاني:
6وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 8لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ،
وبالتالي نلاحظ بأن الكتاب المقدس في هذه الآية الكتابية حسب ما يُشيرؤا عليها والأصح هو العدد الكتابي لأنه لايحتوي على آيات الرحمن فيه ولكن المهم الآن هو التعرف على معتقداتهم، فهو يُشير على أن النعمة هي رمز الخلاص، ولكن فإن هذه النعمة في الآية الكتابية والتي سبقتها لا تكون وافرة إلا إن كثرت الخطيئة ولكن فماهو مفهوم الخطيئة هذه .. ؟ ونحصل على الجواب في سفر العبرانيين وعلى لسان بولس مرة أخرى حيث يربط العفو والمغفرة بسفك الدماء وفيها،
يقول الكتاب المقدس/العهد الجديد/الرسالة إلى العبرانيين/الإصحاح التاسع:
22وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!
إذن فهل ثمن المغفرة هي قتل الناس أولاً وسفك دمائهم حيث بهذا العمل تتولد وتحدث الخطيئة ونتيجة هذه الأعمال الإجرامية وإزديادها تتولد النعمة ويتباركوا بها وبالتالي توصلهم إلى الخلاص والمغفرة ... ما أعجبهم .. يروجون للفساد في الأرض وما هذه سوى أعمال شيطانية وهذه هي فعلاً مسلكيات الغرب المسيحي التي تنتهجه ضد العالم الإسلامي عامةً والعالم العربي الإسلامي خاصةً، فهم يروا بأن الديانة المسيحية هي التي تقف وحيدة بين الأديان لكي تقدم الغفران المؤسس على كفّارة المسيح، لأن الكتاب المقدس يقول بأن اُجرة الخطيئة هي الموت وأن النفس التي تُخطيء يجب أن تموت ولذلك فهم يعتقدون بأن حضور ومن ثم موت المسيح على الصليب كان قد دفع به أُجرة الخطية عنهم وليس الموت لمن تسبب في الخطيئة، وأصبح من حق كل من يأتي إليه بعد ذلك مُعترفاً بخطاياه ومؤمن بموته البديل على الصليب بأن تُمنح له الحياة الأبدية ويخلص ويُغسل من خطاياه وذنوبه كلها.
حتى وإن إختلف البعض أو حتى الكثيرين معي بالرأي وقالوا مالنا وهذا الكلام ففيه فتنة وحيرة فالناس ليسوا بحاجة لموضوع كهذا وخاصة المؤمنين منهم وذلك نتيجة إيمانه بخالقه، ومثل هذا كلام لا يُعود علينا بالفائدة، فأقول لهم بأن علينا تقع مسؤولية نشر عقيدة التوحيد من خلال توضيح طبيعة المسيح وتكوينه الخلقي لا من خلال تجاهلها وترك الناس على الكفر والشرك بخالقهم.. وكانت نتيجة هذه المعتقدات الدخيلة على رسالة التوحيد بان سقط أهل الكتاب في امتحان الإيمان و فشلوا في التعريف والتعرف على شخص المسيح وربطوه بالذات الإلاهية وكأن خلق عيسى على الله بالمستحيل، فلماذا لا نتعجب من خلق آدم بدون أب أو أم أو خلق حواء من دون أم فالله يقول بأن خلق الناس هو بالأمر الهين إذا تم مقارنته بخلق السموات،
قال تعالى (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة غافر 57 .
نعم، فلقد كفر أهل الكتاب من النصارى نتيجة قولهم بأن الله هو المسيح (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) ولا يمكن لأحد كان لأن يعتبر وصفنا لهم بالكفر على أنه ذم وتقبيح لأن هذا نستمده من قول الخالق نفسه، فكل من يدّعي على الله كذباً بأن الله هو نفس شخص المسيح فهو كافر، وكل من لم يلتزم بدعوة المسيح لهم بعبادة الله ربه وربهم فهو على الشرك وبالتالي فهو بالمُشرك، وإن لم يعجبه قولنا هذا فيه فعليه بعبادة الله وعدم إشراك المسيح أو أي شيء آخر مع الله أو به أي في ذاته، لأن قولهم بأن الله هو المسيح هو بحد ذاته إشراك لأنهم سيعبدون هذا الإله الجديد والذي نسبوه لأنفُسهم بدلاً من عبادة الله الحق خالقهم وخالق إلَهِهم.
قال الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) سورة المائدة 72 .
ولكن إن فكرة تاليه المسيح التي ابتدعوها لم تكن بالكافية للتعريف بآية خلقه وفشلت في تحقيق الكفاية الروحانية لهم وعجزت لإشباع فضولهم النفسي المملوء بالجهل، وكان ذلك نتيجة ضعف وإنسانية شخص المسيح والتي كانت مشهودة وظاهرة امام أعينهم، فأزداد ذلك من حيرتهم وتخبطهم إلى أن جلبوا فكرة الأبن وربطوها بالله ونسبوها له بإعتقادهم بأن هذا سوف يُمكنهم من الإبقاء على صبغة الألوهية لعيسى ويعمل على تثبيت معتقدهم الجديد هذا، ولكن فعلتهم هذه زادت من تعقيد فهمهم لآية المسيح وكانت سبباً آخر في تعميق كفرهم وشركهم فأزدادوا بُعداً عن الله، حيث وأن فكرة البنونة أي أن الله له ابن كانت شائعة عند اهل الكتاب من قبل ولم يكن النصارى هم أول من إخترعها فلقد كان اليهود من قبلهم يزعمون بأن العُزير هو ابن الله، كما ولم يكونوا لوحدهم اصحاب هذه الفكرة أيضاً فلقد سبقهم عليها من كان قد كفر من قبلهم وفي ذلك كان قوله تعالى،
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ. سورة التوبة 30 .
نحن نعلم بأن النصارى لا يخفون زعمهم الكاذب على أن المسيح هو الله وهو بنفس الوقت ابن الله، وكان بأن حذرهم المسيح وأخبرهم على ان تكون ركائز عقيدتهم مبنية على الأسس المتينة والقاعدة الصلبة لا على الهشاشة والضعف وهزالة البنيان، وأشار إليهم بأن خلاصهم والدخول برحمة الله (آية ورحمة منا) هو عن طريق إتباع إرادة الله والعمل بمشيئته والإتكال عليه وليس على المسيح وإسمه ولذلك حذرهم من عاقبة تربيبيهم وتأليههم له، ولنستشهد بهذا التحذيرات المنقولة على لسان السيد المسيح في كتابهم المقدس وفيه،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل/متى/الإصحاح السابع:
21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!
24«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 26وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!».
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – مرقس/الإصحاح الثالث عشر:
. 19لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. 21حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ.
الكتاب المقدس/الإنجيل – يوحنا/ الإصحاح الثامن:
42فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ أَرْسَلَنِي. 43لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ كَلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي. 44أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ. 45وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. 46مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ 47اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ».
لو كان المسيح هو الله كما يزعمون فما كان ليقول (لم آت من نفسي) ولكنه أكد على وظيفته وهي حمل الرسالة فقال (بل ذاك أرسلني) وعرّف بمن ذاك الذي أرسله ومرسله فقال (خرجت من الله واتيت) وأعطى الله لقب الأب كمرجعية لهم ولم يقتصر لقب الأب على عيسى وحده، فهم لو آمنوا لكان الله أب لهم بدلاً من أنهم إتخذوا إبليس بدلاً عنه أب، ونتيجة قول عيسى لهم الحق أي أنه عبدالله ورسوله فلم يؤمنوا به وذلك لأنهم لا يؤمنون بالله أي فهم كما قال لهم (لأنكم لستم من الله) اي من اتباع الحق وصراطه المستقيم.
وبقوا على ما هم عليه من الضياع والضلال، وباءوا بغضب الله عليهم نتيجة هذه الأكاذيب والتي ابتدعوها فابعدتهم كل البعد عن حقيقة ربهم وخالقهم، فكان بعد كفرهم هذا بأن الله كان قد أعد للناس خطة للخلاص ومن البداية فهو أدرى وأعلم بنفس الإنسان، وكان خطته بأن أرسل محمداً ابن عبدالله عليه الصلاة والسلام ليس للأُميين وحدهم ولكن ليكون شاهداً ورسولاً لله لكافة الناس، وهذا يشمل على الكتابيين الضالين والمغضوب عليهم على حد السواء،
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) سورة الأحزاب 45 .
ارسل الله سبحانه وتعالى رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ليرد على الكتابيين إفكهم وضلالتهم وفجورهم، فالله لا يُريد للناس الكفر ولا يحبه لعباده فأختار هذا الرجل الصادق بحبه وإيمانه لخالقه والأمين على حمل وتبليغ رسالته، من أبناء إبراهيم وأحفاد العرب الإسماعيلين من عرب قيدار، من ذرية من أقاموا العهد مع الله من قبل وعملوا للخضوع والإستسلام التام لمشيئته، ونجحوا في إختبار الإيمان الذي وضعه الله أمامهم، وكانت أخبارهم كان قد قصها العزيز الجبار، فهاهو إبراهيم الحنيف تؤرقه الرؤيا، وكانت الرؤيا تتكرر وفيها إبراهيم يكرر ذبح ولده إسماعيل الحبيب وصادق الوعد، فقال الله تعالى،
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. سورة الصافات 102 .
وحين قام إبراهيم بتبليغ إسماعيل بالرؤيا لم يكن إبراهيم يريد من إسماعيل رأيه الخاص أو الإستفسار عن رؤيته أو طلب السماح له ليأذن له بذبحه بل كان يخبره بأن الوقت حان للإستجابة لمشيئة الله يا إسماعيل ولا مفر من ذلك فإن الرؤية تكررت واصبح الأمر واضح والحكمة من ذلك عند الله وحده وما علينا كمؤمنين سوى الإستجابة لهذه المشيئة والتي لا مجال للتراجع عن تحقيق ما شاء الله واراد منا، فقال له يا إسماعيل الذبح قادم (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) ولكن إستجابة إسماعيل كانت كالصاعقة الإيمانية التي يصعُب على الإنسان العادي إدراكها، قبول بالذبح دون إثم أو سبب أو حجة ولكن تسليم وخضوع وإستجابة لا مثيل لها، فهو يعلم بأنها إرادة الله وأمره فخضع واستجاب بصورة تُبكي الضمائر الحية بحب الله، قمة التفاني والتضحية في العطاء يُرضي به أمر الله ويطيع به أبيه إبراهيم هذا الأب الرحيم وهو يعلم بإيمانه وحبه لله وامتثاله لما يريد الله، وعندما تكررت الرؤيا علم إبراهيم بأن لابد له من توثيق العهد مع الله واستسلم كل من إبراهيم وإسماعيل لهذا الواقع الإيماني المشحون، وفيه قال تعالى:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. سورة الصافات 103 – 107 .
فجعلوا من أنفسهم حكاية إيمانية فريدة وكان أمر الله قد أتى ليتعرف على حقيقة خضوعهم وليُجرب إيمانهم ويضعهم تحت الإختبار، وكان بأن استجابوا بالخضوع لأمره فاقاموا عهداً جديداً مع الله وكان قول الله تعالى في إبراهيم،
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ. سورة الكهف 46 .
وكان قوله تعالى في إسماعيل،
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ. سورة الأنبياء 85 .
ورفعوا قواعد بيت الله الحرام تقرباً لله وتوثيق للعهد الذي قطعوه على أنفسهم،
قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
سورة البقرة 127 .
وكانت دعواهم ورجاءهم وسؤالهم، وكان لهم ما طلبوا،
قال تعالى (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة البقرة 128 .
ومضت الايام والقرون وبقي معنا إبراهيم وإسماعيل وبقي عهد الله وميثاقة، حتى ذلك اليوم من عام الفيل والذي فيه كان ولادة خير داعية ومبشر ونذير، وعاش الصادق الأمين حتى بُلِغ وحُمِّل برسالة الرحمة، وتم الإعلان عن حضور ثورة تصحيحية اتت لتُغير واقع الجهالة والتخلف الذي عاشه العرب القريشيين لتُنذر ام القرى وما حولها ولكافة الناس أجمعين، وأعلن فيها بدء حملة إقرأ على الجاهلين وإعلان لللتجديد والإصلاح وفيها كان،
قول الله تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة الأعراف 158 .
فكان محمد أسمه، اما اسم أبيه فكان هو عبدالله فما الحكمة يا ترى وما الغرابة في ذلك مع أن كلنا عبيد لله ألا أن العجيب هو بأن كان اسمه وبالتحديد هو عبدالله، فلو أردنا التعرف على محمد ونسبه ومن هو أبوه أو كما يُدعى عند العرب أو في القديم فنقول هو محمد ابن عبد الله، إذن فمن خلال قولنا هذا ومجرد فقط ذكر إسمه لا غير نلاحظ بأن أسمه أتى لدحض إفك معين ومحدد كان فيه تعدي على الله من خلال مزاعم باطلة وبالتالي كان أسمه يثبت نسبه لبني الإنسان ويؤكد على عبوديته لله فهو ليس ابن الله بل ابن عبد من عبيد الله فهو محمد ابن عبدالله، ولو أحب البعض لأن يسمونه بمحمد عبدالله نسبة لأبيه مرة أخرى ولكن كما هي التسميات اليوم اي الأخذ بالإسم الأول وحذف ابن من الدلالة والتعريف بالوالد والإكتفاء بإسم الولد يتبعه اسم الوالد فقط أي فلان فلان وليس فلان ابن فلان فيأتيهم الجواب سريعاً على ذلك ألا وأنه أي محمد عبد لله اي فهو محمد وهو عبد لله وما هو بأكثر من ذلك في هذا الخصيص فهو محمد وهو عبد لله وابن عبد من عبيد الله، فمحمد إذن ليس بإله أو هو الله ولا هو ابن الله، وفي أول ركن من أركان الإسلام، وهو الشهادتين فنحن نُقر و نشهد على أن لا إله إلا الله اولاً وعلى أن محمد هو عبده ورسوله (وبالرجوع لأسمه فهو محمد عبدالله)، ونسبه (محمد ابن عبدالله) فيؤكد المسلم بأن لا لغط أو إفك في ذلك أبداً كما كان الحال في زعم اليهود والنصارى على أن المسيح هو الله وبأن العزير والمسيح هم ابناء الله وهو أبيهم، فالمسلم أول ما ينطق به هو دحض أي فكرة للإشراك بالله أو إلصاق بنونة كاذبة له ويشهد المسلم بذلك على نفسه بالتوحيد والعبودية، كما سبقهم محمد نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه من خلال أسمه والذي صاحبه منذ ولادته وحتى قبل تبليغه ونزول الوحي عليه، فكان اسمه مبني على التوحيد والعبودية الخالصه لربه ولم يعرف الشرك ولا الكفر أبدا.
واستجاب الناس له بالقبول وأسلمت أنفسهم الطيبة إلى الله وفيها يُعلن المسلم إيمانه ويُشهد الله ونفسه على ذلك ومنذ تلك اللحظة يبقى على المسلم لان يكون في سلام وإتصال دائماً مع خالقه وبذلك فعليه إذن بالبدء بمرحلة ورحلة التواصل مع الله ويستهلها (برفعه للأذان) فيبدأ بـإعلاء (الله أكبر) وينتهي بالشهادة على وحدانيته (لا إله إلا الله) والنهي عن الشرك فيه أو معه وتتبعها إقامة الصلاة وفي كلاهما التذكير بأن الله أكبر فهو أكبر من اي عمل دنيوي لربما يشغل الإنسان، فهيا إقبل على الصلاة والتواصل مع الله فهو أكبر من عملك وأكبر من أفراحك وأحزانك وأكبر من أحباءك وحياتك وملذاتك وأكبر من أي شيء فلا تنشغل عنه وعن التواصل معه، فعليك بتوثيق العهد من جديد، فالفاتحة هي فاتحة لعهد جديد يكرره المسلم وميثاق يذكر الإنسان به نفسه ففي كل مرة تكون فاتحة لخير جديد، خير يرجوه الإنسان ويسعى للحصول عليه وتحقيقة، وفيها تجديد وإقامة وطاعة لله وحده وفيها (الحمد لله رب العالمين) حمد له هذا الرب العظيم رب السموات والأرض وفي ذلك ثناء على مرتبته وعلو شأنه وعلى ما أتانا من نعمة الإسلام وقبل لنا لأن نكون من عبيده وخلقه، و (رب العالمين) أي أنت وحدك أيها الإله العظيم يا (رب عالم السماء وعالم الأرض) فإن كان رب العمل هو صاحبه ورب البيت هو راعي شؤونه فما قولك برب العالمين،
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) سورة فاطر 41 .
قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة الحج 65 .
وهو (الرحمن الرحيم) فهو الرحمن دلالة على شمولية رحمته المطلقة والجامعة لكل عبيده بدون حدود تفصلهم أو تميزهم عن بعضهم البعض فهو الرحمن والذي شملت رحمته المؤمن والكافر فرزق كلاهما ولم يظلم منهم أحدا، فهو الرحمن والذي اسكن أسمه الكريم على العرش معه فلم ينتقي من أسمائه الحُسنى ليدعوا نفسه وهو على عرشه بها فقال الله تعالى،
الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ. سورة طه 5 .
وهو (الرحمن الرحيم) فهو الرحمن والذي خلقنا وعلمنا القرآن والبيان فشملنا برحمته وبخلقه وعلمه،
فقال (الرحمن. علّم القرآن. خلق الإنسان. علّمه البيان) الرحمن 1 – 4 .
وهو الكريم، كثير الرحمة فهو الرحيم بعباده فقال،
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. سورة فاطر 2 .
وهو(مالك يوم الدين) فنذكر أنفسنا بأنه هو صاحب الحق والملك ليوم الحساب هذا اليوم والذي لابد منه نقف فيه لُنجيب على ما قدمت يدانا ونحصل على نتيجة إمتحان الإيمان إما النجاح وإما السقوط، فنبقى إلى حين لقائه نؤكد على طاعتنا وخضوعنا وحاجتنا له نردد كل يوم قسم الطاعة والولاء (إياك نعبد وإاك نستعين) وفيه تجديد للعهد والإيمان والإعتراف بعبوديتنا الخالصة لله.
إن المؤمنين من المسلمين في صلواتهم إلى الله يقفون خاشعين كل يوم وفي كل ركعة ليُثبّتوا العهد مع الله ويجددوه ويؤكدوا عليه، فهم يصلون ويتواصلون من خلال صلواتهم والتي هي صلة وصلاة وتمكين وتوثيق لما شهدوا به وهو التوحيد فأقاموا صِلاتهم مع الله بصلاتهم له، فكان ميثاق العهد هو القاعدة الاساسية والتي لا تخلوا منها أي صلاة، وكان يتجسد من خلال قراءة هذه السورة العظيمة والتي لا تصح أي صلاة أو تخلوا منها فترانا نُخفض ونحني رؤوسنا حياء من الله وفي طاعة وخشوع وامتنان مصحوب برجاء لا يخلوا من التوسل والذل لنؤدي ولاء الطاعة والقسم من جديد ونقولها بعقل وقلب (إياك نعبد وإياك نستعين) تذكيراً لنا بالغرضِ من خلق الله تعالى لنا والذي فيه إستجابة لقوله تعالى،
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. سورة الذاريات 56 .
ونكرر ذلك في النهار وفي الليل وأطرافه مُقيمين الحجة على أنفسنا فنُذكر أنفسنا بعبوديتنا لله ونؤكد على حاجتنا له فنُبعد عن أنفسنا أي من الشكوك أو الشبهات ونجدد في قولنا هذا العهد والقسم على أن نبقى على التوحيد وفي خضوع وإستسلام وتسليم وسلام مع الله العلي القدير، فإياك نعبد فيها الإستجابة على الغرض من خلقنا وإياك نستعين يا الله ونقوى على انفسنا وضعفنا وغريزتنا وعدونا إبليس فنحن بحاجة لعونك في الرزق والهدى والصحة والنصرة على أنفسنا الآمرة بالسوء.
ونقول ونطلب منه الهدى في قوله (إهدنا الصراط المستقيم) اي إهدنا إلى الطريق الذي أخترته لعبادك وأجعل الهدي من نصيبنا، فبعبادتنا لك (إياك نعبد) نكون على طريق الصراط.
قال تعالى (وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) سورة يس 61 .
و(صراط الدين أنعمت عليهم . غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فنكون ممن أنعم عليهم الله بالهُدى،
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. سورة الملك 22 .
وحتى لا نكون من ضحايا إبليس وشيطنته وتبعنا الضلالة بدلاً من الهُدى، فكان قوله تعالى،
وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. سورة الأنعام 153 .
ونكون مثل الضالين البائسين وفي ذلك كان قوله تعالى،
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ. سورة البقرة 16 .
ويُحذرنا من خلال قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ. سورة النساء 44 .
وحتى لا نكون من المغضوب عليهم وأعداءه المفسدين والذين فيهم كان قوله تعالى،
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ. سورة آل عمران 112 .
وبالتالي نقول ونحتفل بالهداية على صراطه ودينه فيقول الله تعالى،
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. سورة الأنعام 161 .
وقال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء 69 .
ونقول للكفار كما قال الله تعالى لهم في كتابه الكريم،
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. سورة العنكبوت 17 .
فنحن جميعاً نتفكر ولو بصمت ولو للحظات في كثير من الأمور الدنيوية والتي نحتار في تفسيرها ونعجز عن تحليلها وفهمها مع العلم بأننا مؤمنين بالتوحيد لله ومُسلمين بالطاعة والخضوع له وحده، فكوننا مؤمنين لا يقينا من أن تنتابنا لحظات من القلق والخوف وعدم الإطمئنان وهذا الشعور يجب علينا لأن لا نمنعه او نحيطه بالريبة والخجل بل علينا الإعتراف والتصريح به لأنه شعور إنساني صادق فرزته دَور كل من العقل والغريزة فينا وهو شعور وإن إنتصرنا عليه نكون عملنا على إعادة بناء النفس الإنسانية بواقعية وعقلانية تحضر معها السكينة والإطمئنان.
إن الذين لا يؤمنون بالتوحيد والذين يُنكرون وجود الله ويشككون بوجوده يشكلون أكثر من حوالي ثلثي سكان الأرض اليوم والغالبية العُظمى، ومنهم ما يزيد عن المليار والنصف من أتباع المسيحية أصحاب العقيدة الخاطئة والذين يؤمنون بأن الله هو عيسى ابن مريم ويُبشرون بالخلاص بإسمه، فهل إذن علينا بالصمت والحياد أمام هذا التعدي السافر على رب هذا الكون وتحديهم له والكفر به أم يتوجب علينا العمل بما كُلفنا به ألا وهو التبليغ ونصرة خالقنا وإلهنا،
قال تعالى (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف 108.
اليوم وبعد مرور أكثر من الألف وأربعمائة عام على نزول رسالة القرآن لايزال الكثير من المغفلين من المسيحيين يدفعون يائسين بالقول والإدعاء على أن الله هو عيسى ابن مريم وذلك كان فيه قوله تعالى:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة المائدة 17
إذن فمن هو المسيح عيسى ابن مريم بالنسبة لنا ولهم، وما هي حقيقة خلقه وممن ينحدر بإنسانيته وتكوينه الجيني، إن أهل الكتاب من المسيحيين لازالوا في غفلة وحيرة كبيرة نتيجة هذا الخلق الإنساني الغير آدمي والذين عجزوا وفشلوا في فهمه أو التحقق من هويته، فكان نتيجة حدود فهمهم وعلمهم القليل بأن إعتقدوا بأن المسيح هو الله والعياذ بالله، فهم يزعمون على أن الله ترك ملكوت السماء وتجسد في شخص المسيح وفدى نفسه على الصليب ليكون كفّارة يدفع ثمن الخطيئة عنهم وبالتالي يحقق لهم الخلاص، وهذا ما أصبحوا يُشيرون عليه بالابن، ولكن أتى الرد على هذه الإدعاءات الحمقاء في القرآن الكريم وذلك حيث يخبرنا الله تعالى في الآية الكريمة أعلاه بأن قولهم هذا يجعلهم بالكفرة، كما وأوضح الله تعالى على أنه قادر على هلاكه وأمه معاً وهو الذي صنع آيتهم وهو القادر على محوها والقضاء عليها، وهو المالك الوحيد للسماوات والأرض وما فيهن وما بينهما وهو بكل شيء محيط، إذن فلا حاجة له للولد وله ملك كل شيء، كما ولا يوجد من يمكن لأن يمنعه في التصرف بما يملك وما له، ولكن فإن لم يكن المسيح هو الله أو ابنه أو آدمي فمن هو إذن، وهنا يُنهي الله الآية بالتذكير أو للفت نظر المتدبر والقاريء على نقطة مهمة ألا وهي بأن الله قادر على أن يخلق ما يشاء وهو الذي فيه قوله (يخلق ما يشاء) وهذه إشارة واضحة للتفكر بطبيعة خلق عيسى، وأن خلقه لعيسى كان ناتج عن قدرته على خلق شيء آخر وعلى الأرجع والمقصود هو إنسان آخر "غير آدمي" وهذا لا يعني بأن عيسى هو الله إذن وذلك ما إدعوا باطلاً ولا زالوا نتيجة جهلهم وعدم فهمهم لقدرة الله تعالى وحكمته من خلقه، فهاهم لا زالوا يعملون على مقارعة المسلمين وكأنهم على حق وبصيرة وتراهم في العديد من المناسبات ينشطون في إستعمالهم وتفسيرهم الخاطيء لآيات الله في القرآن الكريم وذلك من أجل خدمة كفرهم وعنادهم، وفي المناسبة فهم يطرحون الآية التالية من سورة الأعراف والتي فيها قوله تعالى،
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ. سورة الأعراف 172
ويدّعون بأن هذه الآية الكريمة تُشكل التحد الكبير للمسلمين، فهم يتحدون المسلمين للإجابة على السؤال التالي ألا وهو هل كان عيسى موجود مع الخلق حين أخرجهم الله وأشهدهم على أنفسهم أم لم يكن موجود، وحتماً فهم يجزمون على أن الجواب على هذا السؤال مهما كان سيوقع المسلمين في ورطة كبيرة ولذلك فهم لن يتمكنوا من الإجابة عليه، وبالتالي فهم يقترحون هذه الإحتمالات للإجابة:
الإحتمال الأول: وهو إذا كان جواب المسلمون بأن عيسى كان موجود مع الذرية فهذا برهان على أن القرآن باطل وخطأ أو كما يقولون القرآن يكذب وبالتالي فهو يفتقر للقدسية ووحي السماء، والعياذ بالله فهم بنوا هذا الفهم نتيجة إستشهادهم بقول الله تعالى،
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ. سورة السجدة 8
لأن هذا الخلق من ماء مهين لا ينطبق على عيسى فعيسى لم يكن موجود حين أخرج الله الذرية إذن ولم يكن له حضور بين الآدميين كما هو واضح من الآية الكريمة من سورة السجدة لأنه لم يُخلق من ذرية آدم او كان قد خُلق من سائله المنوي والمذكور (بالماء المهين) ولكن كان قد خُلق بنفخة من روح الله في فرج مريم، ويستدلون أو يستشهدون على ذلك في قوله تعالى،
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ. سورة التحريم 12 .
أما الإحتمال الثاني: وهوإذا قال المسلمون بأن عيسى كان غير موجود فهذا برهان على أن عيسى لا يُمكن لأن يكون سوى الله نفسه وذلك لأن بقولهم هذا يعترفون بأنه ليس بالأدمي وبالتالي فهو إذن كما يدّعي المسيحيين وإلا فما هو إن لم يكن من البشر فهو إما بشر أو إله، وبالتالي فإن المسلمون بقولهم (حسب إعتقادهم) هذا يثبتون ألوهيته عن غير قصد منهم، وكلا الحالتين إذن تضع المسلمين في مأزق حرج حسب ما يدّعون.
ولكن إننا من خلال مادة هذا البحث البسيط سنتمكن من التعرف على الكثير من الحقائق والتي سهى عنها الكثيرين من المسلمين ومسيحيين على حد السواء.
يقول الله تعالى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز،
قُل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة العنكبوت 20.
فلو تمعنا في قراءة هذه الآية الكريمة لتعرفنا من خلالها على ما يحثنا الله تعالى عليه بل ما يأمرنا من التحقق منه ألا وهو معرفة سر حقيقة الخلق والتكوين، وذلك من خلال تحديده أيضاً للمكان فهو لم يقل في السموات أو على أحد الكواكب المجاورة بل قال وبالتحديد على السير تجولوا وانتشروا في نواحي الأرض لأن سر الخلق كُنت قد تركته واستودعته فيها، إذن فما علينا سوى بالبحث والتجوال في الأرض وإكتشافها والتنقيب بها والتعرف على أسرارها وخفاياها وحقيقة الخلق وكيف بدأ، فالله يُخبرنا بهذه الحقائق المادية حتى نتعرف على حقيقة تكويننا الأولي وإلى ما آل عليه من تحسين وتطوير وتعديل حتى وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من الخلق الإنساني والذي هو على درجة كبيرة من الرقي والإتقان والبراعة، ونريد لأن نُشير على قوله تعالى بأنه يُشير على نشأة آخرة أي إلى القيامة من الموت والتي ستأتي بعد ثم من الزمن وهي تُفيد البعد الزمني، فالآية تتحدث عن نشأة آخرة إذن لابد إذن من حدوث نشأة أولى كانت قد سبقت النشأة الأخرة، فإن إستنتجنا حدوث نشأتين إذن ولكن النشأة لا تعني الخلق أو كيف بدأ، لأن النشأة تقوم على قاعدة بناء جاهزة ولبنة البناء تكون موجودة أي مخلوقة ويتم الإنشاء عليها وفيها، فلو بحثنا في الأرض يقول الله بأننا سنستدل على ماهو أبعد من نشأتنا الأولى أو حتى خلقنا بل كيف بدأ من الأصل وهذا يخاطب الله فيه الآدميين، فهو يريدنا لأن نبحث حتى نتعرف ونعثر على هويتنا الإنسانية ولا نكتفي بالإيمان بذلك، فهو الذي قال في أول آياته وبدأها بـ إقرأ،
يقول الحق جل وعلا (إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم) صدق الله العظيم
أي قم بتحصيل المعرفة والعلوم وإجتهد يا ابن آدم وإستيقظ من غفلتك وتعرف على الحقيقة التالية والتي سرعان ما أخبرنا عنها والتي أتت بالتعريف بنفسه ودوره في خلق الإنسان فقال باسم ربك الذي خلق، فانت أيها الآدمي كنت حصيلة خلق بيدي الكريم نفسه، وأكمل فقال خلق الإنسان من علق وكانه يحثنا في أول ما أوحى به على البحث في والغوص في البحث في تركيبتنا قبل الخوض والشروع بالبحث خارجها بل إبقى يا ابن آدم داخل حدود النفس في هذا البحث الأولي التحضيري وأبدأ بالتعرف على نفسك قبل كل شيء، وهذا أتى التأكيد عليه فيما بعد بقوله تعالى،
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. فُصلت 53 .
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. الذاريات 20 – 21 .
فلو نظرنا في داخل أنفسنا أو بحثنا في الأرض أو نظرنا في أعالي السماء وأبعادها لرأينا عظمة إبداع وتفرد الله في الخلق، وتابع الله تعالى بالقول إقرأ مرة أخرى وربك الأكرم والذي لا يقارن له أحد بالعطاء والكرم والذي يرجع الفضل له بتكريم الإنسان وتعليمه، فقال علم الإنسان ما لم يعلم.... وهنا لنتمعن بقوله تعالى ما لم يعلم .. فهل كان الإنسان لا يعي ولا يعلم من قبل... أي هل كان الإنسان موجود دون قدرات ذكية تمكنه من العلم والتعليم قبل حضوره الآدمي .. أم ماذا؟ أما اليوم أصبح ليس له عُذر كما من قبل ولكن الله يقول كلا إن الإنسان ليطغى إذا رآه إستغنى اي يعتبر نفسه بغنى عن الله ... ويذكره بأن لا مفر ولا سبيل سوى الرجوع لله .. ثم إلى ربك الرجعى.
إن الغالبية من الناس تنفي أي وجود إنسي كان قد سبق خلق الله تعالى لآدم، ويشككون بمصداقية أي بحث أو دراسة في هذا المجال ويتسائلون عن أهمية هكذا موضوع ولا أعرف سبب هذا الإنكار والنفي مع أن الدلائل المادية والعلمية المتوفرة لدينا اليوم تؤكد على وجود الإنسان الحجري أو البدائي فلماذا كل هذا الرفض والغير مبرر من قبل بعض علماء الدين وأكثرهم علماً فهل يوجد في القرآن ما يحرمه أو يمنع من البحث فيه أو تجنبه لا بل نرى عكس ذلك تماماً، فإن بحثنا في حقيقة خلقنا البدائية الأولى لتعرفنا من خلالها على حقيقة خلق آدم ومن بعده عيسى ابن مريم وحللنا لغز اللغط وسوء فهم طبيعته وسبب الذي يدور حوله وتأليه بسبب جهل حقيقة مصدره وخلقه اللا أدمية ولكن هل نسينا أول كلمة أُنزلت على رسول الرحمة، فنحن بأمس الحاجة للتعرف على هذا الإبتلاء والذي هو أكبر إمتحان لا زال يواجه البشر لأكثر من 2000 عام فمن الناس من يقول هو الله ومنهم من يقول هو ابن الله ومن الناس من يقول هو بالبشر وآخرين يقولون بشر وإله في نفس الوقت ونحن نقول إنسان ولكن هل هو بالبشر أو الآدمي أم إنسان آخر ونتيجة عدم الإيمان بوجود إنسان آخر غير البشر إختلط الأمر على الجميع ... فبقي المسيح ابن مريم هو أعظم إبتلاء،
فقال الله تعالى (قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)
وقال الله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) سورة المؤمنون 50 .
إن كلمة إقرأ لا تعني القراءة بمعناها المتواضع والبسيط ولكن أتى معها الأمر بالنهوض بهذه الرسالة العظيمة بالدراسة والعلم والمعرفة والبحث، فكان ما قد لحق بإقرأ ألا وهو التعريف بالخالق وما خلق، وبالتحديد والخصوصية ذكر الله خلقه للإنسان، فقال الله تعالى بما معناه، إقرأ باسم ربك الذي خلق أيها الآدمي، فالله خلقك من من علق .... ومن ثم أتى على الحديث على تعليمه بمالم يعلم ... من قبل.
ولذلك فيتوجب علينا فهم ماضينا وتخلفنا وعجزنا وبدائيتنا حتى نفهم طبيعة دورنا وسبب تكريمنا وتفضيلنا وما يتطلب منا حتى نرتقي بإنسانيتنا ونرفع منا حيوانيتنا ونكبح جماح غريزتنا الدموية ونطهر أنفسنا ونزكيها حتى ينعم الله جل وعلى علينا بالعيش الأبدي في مملكته العليا ويتقبلنا في عباده وجنته، كما وهل في القرآن ما ينفي أو يستنكر أو يحرم البحث في الوجود الإنسي أو مراحل خلق الإنسان أو يخبرنا بأن الوجود الإنسي إقتصر على آدم وذريته، والجواب على ذلك وهو كلا.
لقد كانت عملية الإنتقال بالإنسان من حيوان غير ناطق مخلوق من طين داكن نتن ذو رائحة كريهة والإرتقاء به إلى مكانة ومنزلة النفس المطمئنة والتي تحفها الطهارة والطيب أشبه بالإنتقال من الحضيض إلى القمة، فالله يقول سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق فهو يعطينا الدليل المادي والمنظور في البحث في طبيعة هذا الخلق الإنساني والتعرف على بدأ بمراحله الأولية وذلك حتى نقارن ونرى التكريم والتفضيل والذي أنعم علينا الله به وكيف إصطفانا وإختارنا وعمل على تقديمنا على سائر الحيوانات وعلى كثير مما خلق، وهذا تحد حقيقي لمخلوقاته أجمعين وإظهار وبرهان لعظمة قدرته وإبداعه وتجسيد رفيع لعلمه وحكمته والدليل على ذلك حين عرض خلقه الجديد اي آدم على الملائكة وإبليس وامتحنهم وذلك حتى يثبت لهم مدى هذا التحول العظيم الذي طرأ على هذا الإنسان المخلوق والذي تتحكم به وتقوده غريزة حيوانية قاتلة، فالخلق الاولي للإنسان لم يكن له دور اساسي فهو كان موجود ومخلوق حي ولكن ليس له حضور يُذكر، كان عضواً في هذه المملكة الحيوانية أي عالم الدواب، فهو دابة كباقي الدواب لا يفقه ولا يُدرك ولا يصنع المستحيل، متخلف لا ينتمي لأي مجتمع كان، فهو كان عاجز لأن يتطور أو يصنع المجتمعات البشرية ولم يكن يُجيد لغة الكلام أو النطق فهو لا يعقل ويفتقد للبصيرة والفؤاد، وكان منهمك بسفك الدماء والخراب والدمار والفساد فهو لا يُجيد الحضارة بل يجهل معانيها وحتى أشكالها ومظاهرها، فهو في بدائيته كان يفتقر للسمع (والمقصود الإدراك)، أي جهاز الإستقبال وفضل دوره في الإدراك والتمييز للقول وفهمه، وجهاز الأبصار ودوره في الإستدلال والتعرف بالوصف على المجسمات والماديات المحيطة به من مرئية أو محسوسة، أو للأفئدة وكيفية التعامل بواقعية مع الأحداث بالإضافة إلى صنع الخيال وإبتكار الجديد. فيخبرنا الله بهذا التحول العجيب الذي طرأ عليه، من حيوان لا يفقه شيئاً يرتقي إلى درجة من العلم وقدرة على العمل لا ينكرها عليه الله بل ويجزيه على ذلك بقبوله في ملكوته وجنانه ويدخله في عباده، هذا الحيوان المتحول نراه يغوص في الأرض وتحت الماء ويطير بالفضاء ويبني الحضارة والمدنية ويرتقي بالمفاهيم الإنسانية ويعمر الأرض، قصة عجيبة تحكي مسيرة فذة من فقر مفقع إلى غنى باهر، هذا الفقر للطبيعة البشرية بأدنى مظاهرها البدائية إلى غنى للنفس وتطورها وإرتقائها إلى اقصى الحدود، فلقد كان قد عجز الإنسان الأول نتيجة خلقه المتدني عن التقدم والنمو الحضاري فهو لم يتسلح بالذكاء والمعرفة والعلوم والأهم لم يُخلق بيد الله تعالى نفسه وبالتالي فلقد كان قد حكم نفسه المتدنية بغريزتة الحيوانية البائسة وعاش بها كباقي الدواب، فكان عالمه البدائي الحيواني لا يسوده الأمن والإستقرار بل الوحشية وشريعة الغاب والفساد.
وعاش الإنسان ملايين السنين دون أن يكون له وجود يُذكر أو يُحمد عليه وفجأة غاب الإنسان الحيوان عن الوجود لفترة من الزمان قبل أن تم الإعلان عن التجديد من الخالق نفسه، فلقد خلق الله شيئاً عجبا، فالبديل والخليفة قد حضر بثوب جديد وفيه تم إعادة بناء كُلي للبناء القديم، وبّشر الله بحضور المثيل، لحظات من الذهول والعجب والتساؤل إمتلكت الملائكة، فدهشوا حين أخبرهم الله تعالى بأن هذا الصنف الإنساني المتخلف والمخلوق من الطين الصلصال لم يكن مقتصراً على ما خلق من قبل من الإنس (الإنسان الأول) بل فلقد خلق الإنسان البشر (آدم) من نفس هذا الطين ذاته، ولكن حين قدمه للملأ الأعلى احاطه بالبشرى لخلافة الأرض وحُكمها وعرّف عليه بالبشر، فالخلق الجديد أصبح يغطيه الجلد، فهو مغطى بالبشرة على سطح جسده الخارجي على عكس من الإنسان الأول المنقرض والذي كان يغطيه الشعر أو هكذا يعتقد العلماء والباحثين المتخصصين في علوم الأركيولوجي والآثار، كما وأن البشرة هي السطح الجلدي الذي يغطي جسد الإنسان وإحدى المظاهر الجسدية الرئيسية والتي تميز وتفرق البشر عن الكثير من الحيوان.
أحبائي في الله، سنعمل على تقديم الأدلة على ما نذكره هنا عن طريق الإستعانة بالآيات القرآنية بشكل حصري ولن نعتمد الإرتجالية أو العفوية، وفي البداية اريد أن أذكر بقول الله تعالى،
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ. سورة يوسف 3.
وقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.) سورة يوسف 111.
عبدالله أحمد خليل – رسالة الله
لقد كان في خلق المسيح ابن مريم إبتلاء وإمتحان للإيمان ليس لأهل الكتاب وحدهم بل لأهل الارض جميعاً والدليل على ذلك نعثر عليه في القرآن ومن خلال قوله تعالى،
قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا. سورة مريم 21 .
فكان المسيح عيسى ابن مريم آية قد شغلت الناس جميعاً وأعجوبة أمتد أثرها على مدى الألفي عام، آية عجز الناس عن تفسيرها او فهمها على حقيقتها الإعجازية فكانت بمثابة التحدي الأكبر لعقولهم وقدراتهم الذكية، وكان هذا إمتحان للبشرية لابد من حدوثه نتيجة قضاء الله وحُكمه وآيته (وكان أمراً مقضيا)، لقد كفر أهل الكتاب برسلهم، وأنكروا الله خالقهم وعبدوا الأصنام وأفسدوا في الأرض وظلموا وتكبروا وقتلوا الأنبياء والمرسلين وكذبوهم، ولكن الله كان أعد لهم إمتحان ليجربهم ويتفحص إيمانهم وحقيقتهم الملتوية والعاصية، وفي ذلك نستشهد بقول العزيز الجبار،
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. سورة العنكبوت 2 .
فكانت آية ولادة المسيح ابن مريم من العذراء البتول تحضيراً لهذا الإمتحان، إمتحان جديد لم يكن قد عهدوه من قبل، وحين بلغ المسيح ربيعه الثالث من العمر اتاه الله التكليف وحمّله رسالة الإنجيل، وعندها قام المسيح بالتعريف على سبب حضوره لهم بكل دقة ووضوح فقال وكما هو منقول عن الآية نفسه، المسيح ابن مريم وعلى لسانه مايلي،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – يوحنا/الإصحاح التاسع:
39فقَالَ يَسُوعُ:«لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ:«أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» 41قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ.
ولكن سُرعان ما أتى رد أهل الكتاب على آية خلق المسيح وهذا الإمتحان العظيم وهذه الدينونة بزعمهم الكاذب بأن الله هو المسيح عيسى ابن مريم، وها هو الكتاب المقدس يخبرنا مرة أُخرى وعلى لسان المسيح مرة أخرى بان مجيئة لهذا الدنيا سيجلب الإنقسام والفرقة ويتسبب في الفتنة وإشعال نار الحروب والقتل في الأرض، وهذا فيه الإبتلاء والإمتحان العظيم لأهل الأرض جميعاً ولكنهم فسروه على غير ذلك لعجزهم وضعف إيمانهم وجهلهم الروحي، فهم لم يستوعبوا آية حضوره ليس نتيجة لقلة ذكائهم بل نتيجة كبرهم وإستعلائهم، وهنا يخبرنا الكتاب المقدس وفي كتاب الإنجيل حسب لوقا نقلاً عن لسان المسيح ما يلي:
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - لوقا/الإصحاح الثاني عشر
49«جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ 50وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ 51أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَّلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. 52لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. 53يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا».
وقال أيضاً في الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - متى/الإصحاح العاشر:
34لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.
فكلام المسيح لم يترك عندهم أي أثر أو حاولوا حتى إستيعابه بل رفضوه تماماً و سرعان ما بدأوا ينغمسون في الشر والشهوات كما تنبأ لهم، وإزدادوا بذلك إبتلاء فوق إبتلاءهم وصنعوا عقيدة للخلاص تتماشى مع عقيدة التأليه وعقيدة البنونة اللتان نسباها للمسيح، فأدّعوا بأن الله هو المسيح ولم يكن قد أتى لُيدينهم ويمتحنهم بل ليخلصهم ويدفع بنفسه على الصليب ليموت ويكون بالكفارة عن خطاياهم، فكان بأن الله أتى بزي إنساني ليُخلصهم نتيجة حبه لهم كما يزعمون ولربما مكافأة لتركهم (أي اليهود وبني إسرائيل) عبادته والجري وراء عبادة آلهة من صنيعهم وآلهة أقوام أُخرى، فعبدوا الأصنام وعبدوا العجل الذهبي وبَعل وعشتروت وغيرهم وتركوا عبادة الله، فهل هم سخيفين لهذه الدرجة حتى يعتقدون بان الله سيترك ملكوته ويحضر بشخص المسيح لينقذهم ويُخلصهم، ولكن وللأسف فإن هذا الإعتقاد السخيف هو أهم العقائد المسيحية فهو يجمع كل من عقيدة تأليه المسيح، بعقيدة الله - الإنسان عن طريق الإيمان بعقيدة ابن الله، مع عقيدة الخلاص عن طريق الصلب والموت والقيامة من أجل تحقيق الخلاص والغفران ودفع أجرة الخطيئة عنهم، فلماذا يريد الله لأن يضحي بنفسه من أجل من كفر به وأنكره وعبد غيره في الماضي وهاهم يختلقون إله آخر في شخص المسيح بدلاً عن الله، فيالغرابة وسذاجة وضبابية فكرهم وما فيه من إساءة كبيرة لذكاء وقدرات العقل البشري والذين هم محسوبين عليه.
ولم يتجرأ على مدى التاريخ أي من الناس والذين إدعوا الربوبية أو الألوهية كفرعون ونمرود على الإدعاء بخلقهم للكون، ولم يكن لأحد أن يدّعيه لنفسه سوى الخالق وحده والذي هو الله سبحانه وخالقه، وبقينا على ذلك حتى أطل علينا النصارى بكفر جديد، وأتى كتابهم المقدس يحمل لنا من أخبارهم ويبشر بعقيدتهم التي صاغوها واعتنقوها، فهم يدّعون بأن المسيح هو خالق كل شيء وخالق كل شيء لابد وأن يكون خالق السموات والأرض وخالق الكون، إذن فهم يقولون بأن الله هو المسيح،
الكتاب المقدس/رسالة يوحنا 1: 1- 3
1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. 4فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، 5وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.
فهم يدّعون وعلانية على أن الله هو المسيح، فالمسيح معروف بكلمة الله، وهم يقولون (وكان الكلمة الله) ويقولون (كل شيء به كان) أي الخالق ويقولون (فيه كانت الحياة) أي المحيي وكل ذلك هي صفات وقُدرات الله العلي القدير، ولكن ذلك لم يكن بالكافي ليشبع فضولهم الأعمى فأضافوا المزيد، وفي ذلك يخبرنا،
الكتاب المقدس/رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي/ الأصحَاحُ الأَوَّلُ
3نَشْكُرُ اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، 4إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، 5مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ، 6الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضًا مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ. 7كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، 8الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ. 9مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ 10لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، 11مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، 12شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، 13الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، 14الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. 15الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ.
فهم يقولون عن المسيح (فإنه فيه خَلق الكل ما في السموات والأرض) ويقولون بأن (الكل به وله قد خلق الذي قبل كل شيء وفيه يقوم الكل) .... !! وهم يعلمون تمام العلم ضعف المسيح وقلة حيلته، فكيف سيكونون قادرين على التوضيح وشرح هذا الدور الإلاهي الذي نسبوه لعيسى وبشروا به لتابعيهم من المضللين، فكان لابد من توثيقه ولذلك كانوا بحاجة لصياغة عقيدة جديدة تدّعي بأن الله له ابن وفيها يتم تحول الله والذي هو المسيح حسب ضلالهم إلى ذات إلهية وذات إنسانية تجمعهما ذات ووحدة واحدة، ويكون المسيح ذو طبيعتين، ولكن بقي ذلك بحاجة لتوضيح أكثر....
وهنا بدأ العمل على التنظير لعقيدة الطبيعتين والتي يحملها الأبن، ومن خلالها أُدخل مفهوم إبن الله ليُصبح في صلب عقيدة اهل الكتاب خاصة بعد أن عملوا جاهدين على تسويق الكتاب على أنه ذو قدسية من خلال إلصاقهم لكلمة "المقدس" كلما تم ذكر كتابهم هذا أو تم الإشارة عليه، ولكنه لن يسلم من دراستنا وسنتعرف على حقيقته المشبوهة وإدعاء قدسيته الكاذبة هذا من خلال الكتاب نفسه والذي سوف ناخذه حجة عليهم ولن ندعي عليهم باطلاً ابدا بل الحجة الصادقة والأحسن مما لديهم.
ويقول الكتاب المقدس/رسالة يوحنا الأولى/الإصحاح 4
7أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. 8وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. 9بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. 10فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. .......................... 14وَنَحْنُ قَدْ نَظَرْنَا وَنَشْهَدُ أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الابْنَ مُخَلِّصًا لِلْعَالَمِ. 15مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ.
يقول القس عطا مخائيل في كتابه ( شهود يهوه ذئاب خاطئة ) في هذا الموضوع :
(( لكن الله برحمته الغنية، أراد أن يعرّفنا على ذاته، فنزل في احشاء مريم العذراء، فحبلت به من الروح القدس، فتجسّد، وصار انساناً، وعاش بيننا، جاع وعطش، بكى وتألم، تحسّس الآمنا، صُلب ومات وقُبر، ثم قام منتصراً من بين الأموات ... فمن هو هذا الشخص العجيب ...؟ )) ص. 54 .
ويكمل في ص. 151 بالقول (( ان الله القدّوس الذي يمقت الخطيئة بشدّة، من رحمته ومن محبته الكثيرة، رأى أننا عاجزون عن دفع الدين الذي علينا بسبب خطايانا، أرسل ابنه وحيده لكي يموت عنّا، ويخلّصنا من المصير المظلم الذي ينتظرنا في جهنم النار، فكل من قبل مخطط الله هذا، اعترف بأن الله قدّوس وعادل ومحب ورحوم، فينال بذلك الحياة الأبدية بالإيمان، وكل من اعترف بناحية واحدة من صفاته يجعله كاذباً وغير أمين، وحاشا لله أن يكون كذلك )) .
ولكننا نرى بأن هذا الرجل والمشهود له بالتقوى "كتابياً" يتناقض مع نفسه في نفس الكتاب الذي خطته يداه، فهو لم ينتهي بعد من القول بأن الله نزل في أحشاء مريم حتى إنتقل للقول بأن الله أرسل ابنه وحيده، فهذه التناقضات تُرشدنا على حجم الضياع والفوضى العقلية التي يعانوا منها، أي بالعربي الخربطة الفكرية .... فهل كان الله بشخص المسيح قد نزل أم أرسل ابنه نيابة عنه ... ؟
يقول الكتاب المقدس/اَلرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ/ الأصحَاحُ الأَوَّلُ
1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ.
فهم يعتقدون بأن الله تكلم معهم بواسطة المسيح والذي هو كلمة الله وروح منه فالمسيح يزعمون على أنه هو كلمة الله المُتجسد الذي أعلن لهم فكر الله وبما أنه هو كلمة الله إذن فلقد تكلم هو بكلام الله وهو الله، أي أن الله كان قد إرتضى لنفسه بأن يترك الأمجاد السماوية ويأتي إليهم ويولد في مذوذ،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – لوقا/الأصحَاحُ الثَّانِي:
4فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، 5لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. 6وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. 7فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ.
إله ورب يولد في مذوذ ( أي زريبة ) البقر وبين الحملان التي تحدثوا عنها في كتابهم حتى يكون هو الله (عيسى- الإله) وهو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم عنهم وهذا فيه تناقض مع ما كان قد اخبرهم به المسيح وهو الدينونة،
فيقول الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل - يوحنا/الإصحاح الثالث:
16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.
وللغرابة فإن هذه الآية والتي تزعم بأن مجيء المسيح لم يكن ليدين العالم، تتناقض تماماً مع ما نقل في نفس الإنجيل على لسان المسيح وسبب مجيئه والذي كان ليُدين العالم، اما هذه الآيات المحرفة والتي تنكر مجيئه ليدين العالم كانت تُعبر عن رأي مؤلف هذا الإنجيل (أعلاه في يوحنا/3) لأنهم لم ينسبوها للمسيح كما كان في (في الأسفل في يوحنا/9) والتي كانت قد كتبت في الإنجيل نقلاً عن لسان المسيح وتبدأ بـ (فقال يسوع أي المسيح حسب ما يلقبونه) والتي فيها قال،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – يوحنا/الإصحاح التاسع:
39فَقَالَ يَسُوعُ:«لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ:«أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» 41قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ.
فمن علينا التصديق لما ورد على لسان المسيح (يسوع) أم مؤلف هذا الإنجيل ......
إن هذه الإدعاءات الخرافية الخاطئة تفتقر إلى أدنى مستويات وحدود المنطق وهي تُسيء إلى فهمهم وتُهين ذكاءهم وفطنتهم وتعمل على إدانتهم وتُحقِّر وتُخفّض من مستواهم الفكري والثقافي وتُخضعهم لمفهوم الفقر الروحي وتسلبهم الإيمان والعقيدة وتجردهم من الفكر السليم .
فهم يعتقدون بأن الله أرسل إبنه للعالم لا لكي يهلك العالم بل حتى يُخلِّص به العالم وكل من يؤمن به لا يُدان والذي لا يؤمن به قد دين لأنه لم يؤمن بإسم إبن الله الوحيد، وكان نتيجة جهلهم بأن أصبح النصارى أو (المسيحيون) يعتقدون بأن الصلب قد حصل ولحقه موت وقيامة المسيح وبأن الله قد أبرّهُم بموته على الصليب ولذلك فهانحن نراهم يُبشرون المستضعفين والمحتاجين والفقراء والجهلة بأن قبلوا وآمنوا بعمل المسيح النيابي وصلبه وموته يكونوا قد خلصوا وإن لم يقبلوا هذا العمل النيابي ولم يؤمنوا به فلا بد وانهم هالكون لا محالة وذلك لأن الله كان قد أعد طريق الفداء، وكل من قبل خلاص الله خلص ومن لم يقبله هلك ومن قبله مُخلصاً شخصياً له يصبح هو أيضاً من ابناء الله.
فلقد كان موت المسيح هو من أجلهم وذلك لمحبة الله الشديدة لهم فهم أضحوا متبررين مجاناً بنعمة الفداء التي بيسوع المسيح والنعمة هذه التي أُعطيت لهم هي بالنسبة لهم إحسان لمن لايستحقون الإحسان ..... فإذن هم يعتقدون بأن المسيح كان قد مات بديلاً وكان قد مات فديةً وكان قد مات ليحيا الفجار الأشرار وكان قد مات ضحيةً لأن هذا هو مفهوم الحب الإلاهي للعالم فبذل إبنه الوحيد ( أي بذل نفسه .. ؟ ) لكي لا يهلك كُل من يؤمن به بل لتكون للمؤمنين بموته منهم الحياة الأبدية، فلقد رأى الله حالة الإنسان والذي كان لا حول له ولا قوة، فحزن عليه وبالتالي أرسل الله لهم بنفسه على صورة المسيح وذلك حتى يدفع هو أجرة الخطية عنهم بموته، فهم يعتبرون الله بأنه عادل وقدوس ويعتبرون الإنسان بأنه خاطيء ونجس فلهذا السبب صار الإنسان بحاجة لولي يتولى أمر خلاصه أو لفادٍ حتى يفديه من خطاياه، فنسو قول المسيح عن الدينونة وأصبح بولس اليهودي الفريسي وألد اعداء المسيح وتلاميذه يُبشر بمعتقد الخلاص ويتناقض مع تعاليم المسيح وسبب مجيئه وحتى ما نقل عنه ومازال مكتوب في الكتاب المقدس،
يقول الكتاب المقدس/الرسالة إلى أهل كورنثوس الثانية/الإصحاح الخامس:
18وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ،
19أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. 20إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. 21
لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
فأصبحت خطاياهم مغفورة لهم بعد هذه التضحية العظيمة من الله وموته لأجلهم... أستغفر الله العظيم.
فلو أخذنا إحدى كتابات الرسول بولس مؤسس هذه المعتقدات الدخيلة على رسالة التوحيد التي دعى إليها كل من موسى وعيسى عليهما السلام وتمعنا في قوله الضال لتعرفنا على سبب همجية وتغول الغرب المسيحي الكافر وفهمنا مسلكياتهم الشاذة وكيف وصلوا إلى هذا الحد من الضلال وفيها مايلي:
يقول الكتاب المقدس/العهد الجديد/رسالة بولس لأهل رومية/الإصحاح الخامس:
20وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا.
ومن هنا نتعجب لغرابة هذا المنطق الأعوج وهو كيف لهم بالإيمان بإزدياد النعمة كلما كثُرت الخطيئة وازدادت، وهذا تصريح واضح بحرصهم الشديد على الكفر ونشر الفساد ونشر الفساد في الارض ..
قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ) سورة النساء 44 .
ولنأخذ قول آخر لبولس أيضاً وماذا يقول لهم رسولهم بولس في آية أخرى من الكتاب المقدس :
الكتاب المقدس/العهد الجديد/رسالة بولس لأهل أفسس/الإصحاح الثاني:
6وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 8لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ،
وبالتالي نلاحظ بأن الكتاب المقدس في هذه الآية الكتابية حسب ما يُشيرؤا عليها والأصح هو العدد الكتابي لأنه لايحتوي على آيات الرحمن فيه ولكن المهم الآن هو التعرف على معتقداتهم، فهو يُشير على أن النعمة هي رمز الخلاص، ولكن فإن هذه النعمة في الآية الكتابية والتي سبقتها لا تكون وافرة إلا إن كثرت الخطيئة ولكن فماهو مفهوم الخطيئة هذه .. ؟ ونحصل على الجواب في سفر العبرانيين وعلى لسان بولس مرة أخرى حيث يربط العفو والمغفرة بسفك الدماء وفيها،
يقول الكتاب المقدس/العهد الجديد/الرسالة إلى العبرانيين/الإصحاح التاسع:
22وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!
إذن فهل ثمن المغفرة هي قتل الناس أولاً وسفك دمائهم حيث بهذا العمل تتولد وتحدث الخطيئة ونتيجة هذه الأعمال الإجرامية وإزديادها تتولد النعمة ويتباركوا بها وبالتالي توصلهم إلى الخلاص والمغفرة ... ما أعجبهم .. يروجون للفساد في الأرض وما هذه سوى أعمال شيطانية وهذه هي فعلاً مسلكيات الغرب المسيحي التي تنتهجه ضد العالم الإسلامي عامةً والعالم العربي الإسلامي خاصةً، فهم يروا بأن الديانة المسيحية هي التي تقف وحيدة بين الأديان لكي تقدم الغفران المؤسس على كفّارة المسيح، لأن الكتاب المقدس يقول بأن اُجرة الخطيئة هي الموت وأن النفس التي تُخطيء يجب أن تموت ولذلك فهم يعتقدون بأن حضور ومن ثم موت المسيح على الصليب كان قد دفع به أُجرة الخطية عنهم وليس الموت لمن تسبب في الخطيئة، وأصبح من حق كل من يأتي إليه بعد ذلك مُعترفاً بخطاياه ومؤمن بموته البديل على الصليب بأن تُمنح له الحياة الأبدية ويخلص ويُغسل من خطاياه وذنوبه كلها.
حتى وإن إختلف البعض أو حتى الكثيرين معي بالرأي وقالوا مالنا وهذا الكلام ففيه فتنة وحيرة فالناس ليسوا بحاجة لموضوع كهذا وخاصة المؤمنين منهم وذلك نتيجة إيمانه بخالقه، ومثل هذا كلام لا يُعود علينا بالفائدة، فأقول لهم بأن علينا تقع مسؤولية نشر عقيدة التوحيد من خلال توضيح طبيعة المسيح وتكوينه الخلقي لا من خلال تجاهلها وترك الناس على الكفر والشرك بخالقهم.. وكانت نتيجة هذه المعتقدات الدخيلة على رسالة التوحيد بان سقط أهل الكتاب في امتحان الإيمان و فشلوا في التعريف والتعرف على شخص المسيح وربطوه بالذات الإلاهية وكأن خلق عيسى على الله بالمستحيل، فلماذا لا نتعجب من خلق آدم بدون أب أو أم أو خلق حواء من دون أم فالله يقول بأن خلق الناس هو بالأمر الهين إذا تم مقارنته بخلق السموات،
قال تعالى (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة غافر 57 .
نعم، فلقد كفر أهل الكتاب من النصارى نتيجة قولهم بأن الله هو المسيح (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) ولا يمكن لأحد كان لأن يعتبر وصفنا لهم بالكفر على أنه ذم وتقبيح لأن هذا نستمده من قول الخالق نفسه، فكل من يدّعي على الله كذباً بأن الله هو نفس شخص المسيح فهو كافر، وكل من لم يلتزم بدعوة المسيح لهم بعبادة الله ربه وربهم فهو على الشرك وبالتالي فهو بالمُشرك، وإن لم يعجبه قولنا هذا فيه فعليه بعبادة الله وعدم إشراك المسيح أو أي شيء آخر مع الله أو به أي في ذاته، لأن قولهم بأن الله هو المسيح هو بحد ذاته إشراك لأنهم سيعبدون هذا الإله الجديد والذي نسبوه لأنفُسهم بدلاً من عبادة الله الحق خالقهم وخالق إلَهِهم.
قال الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) سورة المائدة 72 .
ولكن إن فكرة تاليه المسيح التي ابتدعوها لم تكن بالكافية للتعريف بآية خلقه وفشلت في تحقيق الكفاية الروحانية لهم وعجزت لإشباع فضولهم النفسي المملوء بالجهل، وكان ذلك نتيجة ضعف وإنسانية شخص المسيح والتي كانت مشهودة وظاهرة امام أعينهم، فأزداد ذلك من حيرتهم وتخبطهم إلى أن جلبوا فكرة الأبن وربطوها بالله ونسبوها له بإعتقادهم بأن هذا سوف يُمكنهم من الإبقاء على صبغة الألوهية لعيسى ويعمل على تثبيت معتقدهم الجديد هذا، ولكن فعلتهم هذه زادت من تعقيد فهمهم لآية المسيح وكانت سبباً آخر في تعميق كفرهم وشركهم فأزدادوا بُعداً عن الله، حيث وأن فكرة البنونة أي أن الله له ابن كانت شائعة عند اهل الكتاب من قبل ولم يكن النصارى هم أول من إخترعها فلقد كان اليهود من قبلهم يزعمون بأن العُزير هو ابن الله، كما ولم يكونوا لوحدهم اصحاب هذه الفكرة أيضاً فلقد سبقهم عليها من كان قد كفر من قبلهم وفي ذلك كان قوله تعالى،
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ. سورة التوبة 30 .
نحن نعلم بأن النصارى لا يخفون زعمهم الكاذب على أن المسيح هو الله وهو بنفس الوقت ابن الله، وكان بأن حذرهم المسيح وأخبرهم على ان تكون ركائز عقيدتهم مبنية على الأسس المتينة والقاعدة الصلبة لا على الهشاشة والضعف وهزالة البنيان، وأشار إليهم بأن خلاصهم والدخول برحمة الله (آية ورحمة منا) هو عن طريق إتباع إرادة الله والعمل بمشيئته والإتكال عليه وليس على المسيح وإسمه ولذلك حذرهم من عاقبة تربيبيهم وتأليههم له، ولنستشهد بهذا التحذيرات المنقولة على لسان السيد المسيح في كتابهم المقدس وفيه،
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل/متى/الإصحاح السابع:
21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!
24«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 26وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!».
الكتاب المقدس/كتاب الإنجيل – مرقس/الإصحاح الثالث عشر:
. 19لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. 21حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ.
الكتاب المقدس/الإنجيل – يوحنا/ الإصحاح الثامن:
42فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ أَرْسَلَنِي. 43لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ كَلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي. 44أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ. 45وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. 46مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ 47اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ».
لو كان المسيح هو الله كما يزعمون فما كان ليقول (لم آت من نفسي) ولكنه أكد على وظيفته وهي حمل الرسالة فقال (بل ذاك أرسلني) وعرّف بمن ذاك الذي أرسله ومرسله فقال (خرجت من الله واتيت) وأعطى الله لقب الأب كمرجعية لهم ولم يقتصر لقب الأب على عيسى وحده، فهم لو آمنوا لكان الله أب لهم بدلاً من أنهم إتخذوا إبليس بدلاً عنه أب، ونتيجة قول عيسى لهم الحق أي أنه عبدالله ورسوله فلم يؤمنوا به وذلك لأنهم لا يؤمنون بالله أي فهم كما قال لهم (لأنكم لستم من الله) اي من اتباع الحق وصراطه المستقيم.
وبقوا على ما هم عليه من الضياع والضلال، وباءوا بغضب الله عليهم نتيجة هذه الأكاذيب والتي ابتدعوها فابعدتهم كل البعد عن حقيقة ربهم وخالقهم، فكان بعد كفرهم هذا بأن الله كان قد أعد للناس خطة للخلاص ومن البداية فهو أدرى وأعلم بنفس الإنسان، وكان خطته بأن أرسل محمداً ابن عبدالله عليه الصلاة والسلام ليس للأُميين وحدهم ولكن ليكون شاهداً ورسولاً لله لكافة الناس، وهذا يشمل على الكتابيين الضالين والمغضوب عليهم على حد السواء،
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) سورة الأحزاب 45 .
ارسل الله سبحانه وتعالى رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ليرد على الكتابيين إفكهم وضلالتهم وفجورهم، فالله لا يُريد للناس الكفر ولا يحبه لعباده فأختار هذا الرجل الصادق بحبه وإيمانه لخالقه والأمين على حمل وتبليغ رسالته، من أبناء إبراهيم وأحفاد العرب الإسماعيلين من عرب قيدار، من ذرية من أقاموا العهد مع الله من قبل وعملوا للخضوع والإستسلام التام لمشيئته، ونجحوا في إختبار الإيمان الذي وضعه الله أمامهم، وكانت أخبارهم كان قد قصها العزيز الجبار، فهاهو إبراهيم الحنيف تؤرقه الرؤيا، وكانت الرؤيا تتكرر وفيها إبراهيم يكرر ذبح ولده إسماعيل الحبيب وصادق الوعد، فقال الله تعالى،
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. سورة الصافات 102 .
وحين قام إبراهيم بتبليغ إسماعيل بالرؤيا لم يكن إبراهيم يريد من إسماعيل رأيه الخاص أو الإستفسار عن رؤيته أو طلب السماح له ليأذن له بذبحه بل كان يخبره بأن الوقت حان للإستجابة لمشيئة الله يا إسماعيل ولا مفر من ذلك فإن الرؤية تكررت واصبح الأمر واضح والحكمة من ذلك عند الله وحده وما علينا كمؤمنين سوى الإستجابة لهذه المشيئة والتي لا مجال للتراجع عن تحقيق ما شاء الله واراد منا، فقال له يا إسماعيل الذبح قادم (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) ولكن إستجابة إسماعيل كانت كالصاعقة الإيمانية التي يصعُب على الإنسان العادي إدراكها، قبول بالذبح دون إثم أو سبب أو حجة ولكن تسليم وخضوع وإستجابة لا مثيل لها، فهو يعلم بأنها إرادة الله وأمره فخضع واستجاب بصورة تُبكي الضمائر الحية بحب الله، قمة التفاني والتضحية في العطاء يُرضي به أمر الله ويطيع به أبيه إبراهيم هذا الأب الرحيم وهو يعلم بإيمانه وحبه لله وامتثاله لما يريد الله، وعندما تكررت الرؤيا علم إبراهيم بأن لابد له من توثيق العهد مع الله واستسلم كل من إبراهيم وإسماعيل لهذا الواقع الإيماني المشحون، وفيه قال تعالى:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. سورة الصافات 103 – 107 .
فجعلوا من أنفسهم حكاية إيمانية فريدة وكان أمر الله قد أتى ليتعرف على حقيقة خضوعهم وليُجرب إيمانهم ويضعهم تحت الإختبار، وكان بأن استجابوا بالخضوع لأمره فاقاموا عهداً جديداً مع الله وكان قول الله تعالى في إبراهيم،
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ. سورة الكهف 46 .
وكان قوله تعالى في إسماعيل،
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ. سورة الأنبياء 85 .
ورفعوا قواعد بيت الله الحرام تقرباً لله وتوثيق للعهد الذي قطعوه على أنفسهم،
قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
سورة البقرة 127 .
وكانت دعواهم ورجاءهم وسؤالهم، وكان لهم ما طلبوا،
قال تعالى (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة البقرة 128 .
ومضت الايام والقرون وبقي معنا إبراهيم وإسماعيل وبقي عهد الله وميثاقة، حتى ذلك اليوم من عام الفيل والذي فيه كان ولادة خير داعية ومبشر ونذير، وعاش الصادق الأمين حتى بُلِغ وحُمِّل برسالة الرحمة، وتم الإعلان عن حضور ثورة تصحيحية اتت لتُغير واقع الجهالة والتخلف الذي عاشه العرب القريشيين لتُنذر ام القرى وما حولها ولكافة الناس أجمعين، وأعلن فيها بدء حملة إقرأ على الجاهلين وإعلان لللتجديد والإصلاح وفيها كان،
قول الله تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة الأعراف 158 .
فكان محمد أسمه، اما اسم أبيه فكان هو عبدالله فما الحكمة يا ترى وما الغرابة في ذلك مع أن كلنا عبيد لله ألا أن العجيب هو بأن كان اسمه وبالتحديد هو عبدالله، فلو أردنا التعرف على محمد ونسبه ومن هو أبوه أو كما يُدعى عند العرب أو في القديم فنقول هو محمد ابن عبد الله، إذن فمن خلال قولنا هذا ومجرد فقط ذكر إسمه لا غير نلاحظ بأن أسمه أتى لدحض إفك معين ومحدد كان فيه تعدي على الله من خلال مزاعم باطلة وبالتالي كان أسمه يثبت نسبه لبني الإنسان ويؤكد على عبوديته لله فهو ليس ابن الله بل ابن عبد من عبيد الله فهو محمد ابن عبدالله، ولو أحب البعض لأن يسمونه بمحمد عبدالله نسبة لأبيه مرة أخرى ولكن كما هي التسميات اليوم اي الأخذ بالإسم الأول وحذف ابن من الدلالة والتعريف بالوالد والإكتفاء بإسم الولد يتبعه اسم الوالد فقط أي فلان فلان وليس فلان ابن فلان فيأتيهم الجواب سريعاً على ذلك ألا وأنه أي محمد عبد لله اي فهو محمد وهو عبد لله وما هو بأكثر من ذلك في هذا الخصيص فهو محمد وهو عبد لله وابن عبد من عبيد الله، فمحمد إذن ليس بإله أو هو الله ولا هو ابن الله، وفي أول ركن من أركان الإسلام، وهو الشهادتين فنحن نُقر و نشهد على أن لا إله إلا الله اولاً وعلى أن محمد هو عبده ورسوله (وبالرجوع لأسمه فهو محمد عبدالله)، ونسبه (محمد ابن عبدالله) فيؤكد المسلم بأن لا لغط أو إفك في ذلك أبداً كما كان الحال في زعم اليهود والنصارى على أن المسيح هو الله وبأن العزير والمسيح هم ابناء الله وهو أبيهم، فالمسلم أول ما ينطق به هو دحض أي فكرة للإشراك بالله أو إلصاق بنونة كاذبة له ويشهد المسلم بذلك على نفسه بالتوحيد والعبودية، كما سبقهم محمد نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه من خلال أسمه والذي صاحبه منذ ولادته وحتى قبل تبليغه ونزول الوحي عليه، فكان اسمه مبني على التوحيد والعبودية الخالصه لربه ولم يعرف الشرك ولا الكفر أبدا.
واستجاب الناس له بالقبول وأسلمت أنفسهم الطيبة إلى الله وفيها يُعلن المسلم إيمانه ويُشهد الله ونفسه على ذلك ومنذ تلك اللحظة يبقى على المسلم لان يكون في سلام وإتصال دائماً مع خالقه وبذلك فعليه إذن بالبدء بمرحلة ورحلة التواصل مع الله ويستهلها (برفعه للأذان) فيبدأ بـإعلاء (الله أكبر) وينتهي بالشهادة على وحدانيته (لا إله إلا الله) والنهي عن الشرك فيه أو معه وتتبعها إقامة الصلاة وفي كلاهما التذكير بأن الله أكبر فهو أكبر من اي عمل دنيوي لربما يشغل الإنسان، فهيا إقبل على الصلاة والتواصل مع الله فهو أكبر من عملك وأكبر من أفراحك وأحزانك وأكبر من أحباءك وحياتك وملذاتك وأكبر من أي شيء فلا تنشغل عنه وعن التواصل معه، فعليك بتوثيق العهد من جديد، فالفاتحة هي فاتحة لعهد جديد يكرره المسلم وميثاق يذكر الإنسان به نفسه ففي كل مرة تكون فاتحة لخير جديد، خير يرجوه الإنسان ويسعى للحصول عليه وتحقيقة، وفيها تجديد وإقامة وطاعة لله وحده وفيها (الحمد لله رب العالمين) حمد له هذا الرب العظيم رب السموات والأرض وفي ذلك ثناء على مرتبته وعلو شأنه وعلى ما أتانا من نعمة الإسلام وقبل لنا لأن نكون من عبيده وخلقه، و (رب العالمين) أي أنت وحدك أيها الإله العظيم يا (رب عالم السماء وعالم الأرض) فإن كان رب العمل هو صاحبه ورب البيت هو راعي شؤونه فما قولك برب العالمين،
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) سورة فاطر 41 .
قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة الحج 65 .
وهو (الرحمن الرحيم) فهو الرحمن دلالة على شمولية رحمته المطلقة والجامعة لكل عبيده بدون حدود تفصلهم أو تميزهم عن بعضهم البعض فهو الرحمن والذي شملت رحمته المؤمن والكافر فرزق كلاهما ولم يظلم منهم أحدا، فهو الرحمن والذي اسكن أسمه الكريم على العرش معه فلم ينتقي من أسمائه الحُسنى ليدعوا نفسه وهو على عرشه بها فقال الله تعالى،
الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ. سورة طه 5 .
وهو (الرحمن الرحيم) فهو الرحمن والذي خلقنا وعلمنا القرآن والبيان فشملنا برحمته وبخلقه وعلمه،
فقال (الرحمن. علّم القرآن. خلق الإنسان. علّمه البيان) الرحمن 1 – 4 .
وهو الكريم، كثير الرحمة فهو الرحيم بعباده فقال،
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. سورة فاطر 2 .
وهو(مالك يوم الدين) فنذكر أنفسنا بأنه هو صاحب الحق والملك ليوم الحساب هذا اليوم والذي لابد منه نقف فيه لُنجيب على ما قدمت يدانا ونحصل على نتيجة إمتحان الإيمان إما النجاح وإما السقوط، فنبقى إلى حين لقائه نؤكد على طاعتنا وخضوعنا وحاجتنا له نردد كل يوم قسم الطاعة والولاء (إياك نعبد وإاك نستعين) وفيه تجديد للعهد والإيمان والإعتراف بعبوديتنا الخالصة لله.
إن المؤمنين من المسلمين في صلواتهم إلى الله يقفون خاشعين كل يوم وفي كل ركعة ليُثبّتوا العهد مع الله ويجددوه ويؤكدوا عليه، فهم يصلون ويتواصلون من خلال صلواتهم والتي هي صلة وصلاة وتمكين وتوثيق لما شهدوا به وهو التوحيد فأقاموا صِلاتهم مع الله بصلاتهم له، فكان ميثاق العهد هو القاعدة الاساسية والتي لا تخلوا منها أي صلاة، وكان يتجسد من خلال قراءة هذه السورة العظيمة والتي لا تصح أي صلاة أو تخلوا منها فترانا نُخفض ونحني رؤوسنا حياء من الله وفي طاعة وخشوع وامتنان مصحوب برجاء لا يخلوا من التوسل والذل لنؤدي ولاء الطاعة والقسم من جديد ونقولها بعقل وقلب (إياك نعبد وإياك نستعين) تذكيراً لنا بالغرضِ من خلق الله تعالى لنا والذي فيه إستجابة لقوله تعالى،
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. سورة الذاريات 56 .
ونكرر ذلك في النهار وفي الليل وأطرافه مُقيمين الحجة على أنفسنا فنُذكر أنفسنا بعبوديتنا لله ونؤكد على حاجتنا له فنُبعد عن أنفسنا أي من الشكوك أو الشبهات ونجدد في قولنا هذا العهد والقسم على أن نبقى على التوحيد وفي خضوع وإستسلام وتسليم وسلام مع الله العلي القدير، فإياك نعبد فيها الإستجابة على الغرض من خلقنا وإياك نستعين يا الله ونقوى على انفسنا وضعفنا وغريزتنا وعدونا إبليس فنحن بحاجة لعونك في الرزق والهدى والصحة والنصرة على أنفسنا الآمرة بالسوء.
ونقول ونطلب منه الهدى في قوله (إهدنا الصراط المستقيم) اي إهدنا إلى الطريق الذي أخترته لعبادك وأجعل الهدي من نصيبنا، فبعبادتنا لك (إياك نعبد) نكون على طريق الصراط.
قال تعالى (وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) سورة يس 61 .
و(صراط الدين أنعمت عليهم . غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فنكون ممن أنعم عليهم الله بالهُدى،
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. سورة الملك 22 .
وحتى لا نكون من ضحايا إبليس وشيطنته وتبعنا الضلالة بدلاً من الهُدى، فكان قوله تعالى،
وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. سورة الأنعام 153 .
ونكون مثل الضالين البائسين وفي ذلك كان قوله تعالى،
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ. سورة البقرة 16 .
ويُحذرنا من خلال قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ. سورة النساء 44 .
وحتى لا نكون من المغضوب عليهم وأعداءه المفسدين والذين فيهم كان قوله تعالى،
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ. سورة آل عمران 112 .
وبالتالي نقول ونحتفل بالهداية على صراطه ودينه فيقول الله تعالى،
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. سورة الأنعام 161 .
وقال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء 69 .
ونقول للكفار كما قال الله تعالى لهم في كتابه الكريم،
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. سورة العنكبوت 17 .
فنحن جميعاً نتفكر ولو بصمت ولو للحظات في كثير من الأمور الدنيوية والتي نحتار في تفسيرها ونعجز عن تحليلها وفهمها مع العلم بأننا مؤمنين بالتوحيد لله ومُسلمين بالطاعة والخضوع له وحده، فكوننا مؤمنين لا يقينا من أن تنتابنا لحظات من القلق والخوف وعدم الإطمئنان وهذا الشعور يجب علينا لأن لا نمنعه او نحيطه بالريبة والخجل بل علينا الإعتراف والتصريح به لأنه شعور إنساني صادق فرزته دَور كل من العقل والغريزة فينا وهو شعور وإن إنتصرنا عليه نكون عملنا على إعادة بناء النفس الإنسانية بواقعية وعقلانية تحضر معها السكينة والإطمئنان.
إن الذين لا يؤمنون بالتوحيد والذين يُنكرون وجود الله ويشككون بوجوده يشكلون أكثر من حوالي ثلثي سكان الأرض اليوم والغالبية العُظمى، ومنهم ما يزيد عن المليار والنصف من أتباع المسيحية أصحاب العقيدة الخاطئة والذين يؤمنون بأن الله هو عيسى ابن مريم ويُبشرون بالخلاص بإسمه، فهل إذن علينا بالصمت والحياد أمام هذا التعدي السافر على رب هذا الكون وتحديهم له والكفر به أم يتوجب علينا العمل بما كُلفنا به ألا وهو التبليغ ونصرة خالقنا وإلهنا،
قال تعالى (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف 108.
اليوم وبعد مرور أكثر من الألف وأربعمائة عام على نزول رسالة القرآن لايزال الكثير من المغفلين من المسيحيين يدفعون يائسين بالقول والإدعاء على أن الله هو عيسى ابن مريم وذلك كان فيه قوله تعالى:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة المائدة 17
إذن فمن هو المسيح عيسى ابن مريم بالنسبة لنا ولهم، وما هي حقيقة خلقه وممن ينحدر بإنسانيته وتكوينه الجيني، إن أهل الكتاب من المسيحيين لازالوا في غفلة وحيرة كبيرة نتيجة هذا الخلق الإنساني الغير آدمي والذين عجزوا وفشلوا في فهمه أو التحقق من هويته، فكان نتيجة حدود فهمهم وعلمهم القليل بأن إعتقدوا بأن المسيح هو الله والعياذ بالله، فهم يزعمون على أن الله ترك ملكوت السماء وتجسد في شخص المسيح وفدى نفسه على الصليب ليكون كفّارة يدفع ثمن الخطيئة عنهم وبالتالي يحقق لهم الخلاص، وهذا ما أصبحوا يُشيرون عليه بالابن، ولكن أتى الرد على هذه الإدعاءات الحمقاء في القرآن الكريم وذلك حيث يخبرنا الله تعالى في الآية الكريمة أعلاه بأن قولهم هذا يجعلهم بالكفرة، كما وأوضح الله تعالى على أنه قادر على هلاكه وأمه معاً وهو الذي صنع آيتهم وهو القادر على محوها والقضاء عليها، وهو المالك الوحيد للسماوات والأرض وما فيهن وما بينهما وهو بكل شيء محيط، إذن فلا حاجة له للولد وله ملك كل شيء، كما ولا يوجد من يمكن لأن يمنعه في التصرف بما يملك وما له، ولكن فإن لم يكن المسيح هو الله أو ابنه أو آدمي فمن هو إذن، وهنا يُنهي الله الآية بالتذكير أو للفت نظر المتدبر والقاريء على نقطة مهمة ألا وهي بأن الله قادر على أن يخلق ما يشاء وهو الذي فيه قوله (يخلق ما يشاء) وهذه إشارة واضحة للتفكر بطبيعة خلق عيسى، وأن خلقه لعيسى كان ناتج عن قدرته على خلق شيء آخر وعلى الأرجع والمقصود هو إنسان آخر "غير آدمي" وهذا لا يعني بأن عيسى هو الله إذن وذلك ما إدعوا باطلاً ولا زالوا نتيجة جهلهم وعدم فهمهم لقدرة الله تعالى وحكمته من خلقه، فهاهم لا زالوا يعملون على مقارعة المسلمين وكأنهم على حق وبصيرة وتراهم في العديد من المناسبات ينشطون في إستعمالهم وتفسيرهم الخاطيء لآيات الله في القرآن الكريم وذلك من أجل خدمة كفرهم وعنادهم، وفي المناسبة فهم يطرحون الآية التالية من سورة الأعراف والتي فيها قوله تعالى،
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ. سورة الأعراف 172
ويدّعون بأن هذه الآية الكريمة تُشكل التحد الكبير للمسلمين، فهم يتحدون المسلمين للإجابة على السؤال التالي ألا وهو هل كان عيسى موجود مع الخلق حين أخرجهم الله وأشهدهم على أنفسهم أم لم يكن موجود، وحتماً فهم يجزمون على أن الجواب على هذا السؤال مهما كان سيوقع المسلمين في ورطة كبيرة ولذلك فهم لن يتمكنوا من الإجابة عليه، وبالتالي فهم يقترحون هذه الإحتمالات للإجابة:
الإحتمال الأول: وهو إذا كان جواب المسلمون بأن عيسى كان موجود مع الذرية فهذا برهان على أن القرآن باطل وخطأ أو كما يقولون القرآن يكذب وبالتالي فهو يفتقر للقدسية ووحي السماء، والعياذ بالله فهم بنوا هذا الفهم نتيجة إستشهادهم بقول الله تعالى،
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ. سورة السجدة 8
لأن هذا الخلق من ماء مهين لا ينطبق على عيسى فعيسى لم يكن موجود حين أخرج الله الذرية إذن ولم يكن له حضور بين الآدميين كما هو واضح من الآية الكريمة من سورة السجدة لأنه لم يُخلق من ذرية آدم او كان قد خُلق من سائله المنوي والمذكور (بالماء المهين) ولكن كان قد خُلق بنفخة من روح الله في فرج مريم، ويستدلون أو يستشهدون على ذلك في قوله تعالى،
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ. سورة التحريم 12 .
أما الإحتمال الثاني: وهوإذا قال المسلمون بأن عيسى كان غير موجود فهذا برهان على أن عيسى لا يُمكن لأن يكون سوى الله نفسه وذلك لأن بقولهم هذا يعترفون بأنه ليس بالأدمي وبالتالي فهو إذن كما يدّعي المسيحيين وإلا فما هو إن لم يكن من البشر فهو إما بشر أو إله، وبالتالي فإن المسلمون بقولهم (حسب إعتقادهم) هذا يثبتون ألوهيته عن غير قصد منهم، وكلا الحالتين إذن تضع المسلمين في مأزق حرج حسب ما يدّعون.
ولكن إننا من خلال مادة هذا البحث البسيط سنتمكن من التعرف على الكثير من الحقائق والتي سهى عنها الكثيرين من المسلمين ومسيحيين على حد السواء.
يقول الله تعالى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز،
قُل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة العنكبوت 20.
فلو تمعنا في قراءة هذه الآية الكريمة لتعرفنا من خلالها على ما يحثنا الله تعالى عليه بل ما يأمرنا من التحقق منه ألا وهو معرفة سر حقيقة الخلق والتكوين، وذلك من خلال تحديده أيضاً للمكان فهو لم يقل في السموات أو على أحد الكواكب المجاورة بل قال وبالتحديد على السير تجولوا وانتشروا في نواحي الأرض لأن سر الخلق كُنت قد تركته واستودعته فيها، إذن فما علينا سوى بالبحث والتجوال في الأرض وإكتشافها والتنقيب بها والتعرف على أسرارها وخفاياها وحقيقة الخلق وكيف بدأ، فالله يُخبرنا بهذه الحقائق المادية حتى نتعرف على حقيقة تكويننا الأولي وإلى ما آل عليه من تحسين وتطوير وتعديل حتى وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من الخلق الإنساني والذي هو على درجة كبيرة من الرقي والإتقان والبراعة، ونريد لأن نُشير على قوله تعالى بأنه يُشير على نشأة آخرة أي إلى القيامة من الموت والتي ستأتي بعد ثم من الزمن وهي تُفيد البعد الزمني، فالآية تتحدث عن نشأة آخرة إذن لابد إذن من حدوث نشأة أولى كانت قد سبقت النشأة الأخرة، فإن إستنتجنا حدوث نشأتين إذن ولكن النشأة لا تعني الخلق أو كيف بدأ، لأن النشأة تقوم على قاعدة بناء جاهزة ولبنة البناء تكون موجودة أي مخلوقة ويتم الإنشاء عليها وفيها، فلو بحثنا في الأرض يقول الله بأننا سنستدل على ماهو أبعد من نشأتنا الأولى أو حتى خلقنا بل كيف بدأ من الأصل وهذا يخاطب الله فيه الآدميين، فهو يريدنا لأن نبحث حتى نتعرف ونعثر على هويتنا الإنسانية ولا نكتفي بالإيمان بذلك، فهو الذي قال في أول آياته وبدأها بـ إقرأ،
يقول الحق جل وعلا (إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم) صدق الله العظيم
أي قم بتحصيل المعرفة والعلوم وإجتهد يا ابن آدم وإستيقظ من غفلتك وتعرف على الحقيقة التالية والتي سرعان ما أخبرنا عنها والتي أتت بالتعريف بنفسه ودوره في خلق الإنسان فقال باسم ربك الذي خلق، فانت أيها الآدمي كنت حصيلة خلق بيدي الكريم نفسه، وأكمل فقال خلق الإنسان من علق وكانه يحثنا في أول ما أوحى به على البحث في والغوص في البحث في تركيبتنا قبل الخوض والشروع بالبحث خارجها بل إبقى يا ابن آدم داخل حدود النفس في هذا البحث الأولي التحضيري وأبدأ بالتعرف على نفسك قبل كل شيء، وهذا أتى التأكيد عليه فيما بعد بقوله تعالى،
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. فُصلت 53 .
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. الذاريات 20 – 21 .
فلو نظرنا في داخل أنفسنا أو بحثنا في الأرض أو نظرنا في أعالي السماء وأبعادها لرأينا عظمة إبداع وتفرد الله في الخلق، وتابع الله تعالى بالقول إقرأ مرة أخرى وربك الأكرم والذي لا يقارن له أحد بالعطاء والكرم والذي يرجع الفضل له بتكريم الإنسان وتعليمه، فقال علم الإنسان ما لم يعلم.... وهنا لنتمعن بقوله تعالى ما لم يعلم .. فهل كان الإنسان لا يعي ولا يعلم من قبل... أي هل كان الإنسان موجود دون قدرات ذكية تمكنه من العلم والتعليم قبل حضوره الآدمي .. أم ماذا؟ أما اليوم أصبح ليس له عُذر كما من قبل ولكن الله يقول كلا إن الإنسان ليطغى إذا رآه إستغنى اي يعتبر نفسه بغنى عن الله ... ويذكره بأن لا مفر ولا سبيل سوى الرجوع لله .. ثم إلى ربك الرجعى.
إن الغالبية من الناس تنفي أي وجود إنسي كان قد سبق خلق الله تعالى لآدم، ويشككون بمصداقية أي بحث أو دراسة في هذا المجال ويتسائلون عن أهمية هكذا موضوع ولا أعرف سبب هذا الإنكار والنفي مع أن الدلائل المادية والعلمية المتوفرة لدينا اليوم تؤكد على وجود الإنسان الحجري أو البدائي فلماذا كل هذا الرفض والغير مبرر من قبل بعض علماء الدين وأكثرهم علماً فهل يوجد في القرآن ما يحرمه أو يمنع من البحث فيه أو تجنبه لا بل نرى عكس ذلك تماماً، فإن بحثنا في حقيقة خلقنا البدائية الأولى لتعرفنا من خلالها على حقيقة خلق آدم ومن بعده عيسى ابن مريم وحللنا لغز اللغط وسوء فهم طبيعته وسبب الذي يدور حوله وتأليه بسبب جهل حقيقة مصدره وخلقه اللا أدمية ولكن هل نسينا أول كلمة أُنزلت على رسول الرحمة، فنحن بأمس الحاجة للتعرف على هذا الإبتلاء والذي هو أكبر إمتحان لا زال يواجه البشر لأكثر من 2000 عام فمن الناس من يقول هو الله ومنهم من يقول هو ابن الله ومن الناس من يقول هو بالبشر وآخرين يقولون بشر وإله في نفس الوقت ونحن نقول إنسان ولكن هل هو بالبشر أو الآدمي أم إنسان آخر ونتيجة عدم الإيمان بوجود إنسان آخر غير البشر إختلط الأمر على الجميع ... فبقي المسيح ابن مريم هو أعظم إبتلاء،
فقال الله تعالى (قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)
وقال الله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) سورة المؤمنون 50 .
إن كلمة إقرأ لا تعني القراءة بمعناها المتواضع والبسيط ولكن أتى معها الأمر بالنهوض بهذه الرسالة العظيمة بالدراسة والعلم والمعرفة والبحث، فكان ما قد لحق بإقرأ ألا وهو التعريف بالخالق وما خلق، وبالتحديد والخصوصية ذكر الله خلقه للإنسان، فقال الله تعالى بما معناه، إقرأ باسم ربك الذي خلق أيها الآدمي، فالله خلقك من من علق .... ومن ثم أتى على الحديث على تعليمه بمالم يعلم ... من قبل.
ولذلك فيتوجب علينا فهم ماضينا وتخلفنا وعجزنا وبدائيتنا حتى نفهم طبيعة دورنا وسبب تكريمنا وتفضيلنا وما يتطلب منا حتى نرتقي بإنسانيتنا ونرفع منا حيوانيتنا ونكبح جماح غريزتنا الدموية ونطهر أنفسنا ونزكيها حتى ينعم الله جل وعلى علينا بالعيش الأبدي في مملكته العليا ويتقبلنا في عباده وجنته، كما وهل في القرآن ما ينفي أو يستنكر أو يحرم البحث في الوجود الإنسي أو مراحل خلق الإنسان أو يخبرنا بأن الوجود الإنسي إقتصر على آدم وذريته، والجواب على ذلك وهو كلا.
لقد كانت عملية الإنتقال بالإنسان من حيوان غير ناطق مخلوق من طين داكن نتن ذو رائحة كريهة والإرتقاء به إلى مكانة ومنزلة النفس المطمئنة والتي تحفها الطهارة والطيب أشبه بالإنتقال من الحضيض إلى القمة، فالله يقول سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق فهو يعطينا الدليل المادي والمنظور في البحث في طبيعة هذا الخلق الإنساني والتعرف على بدأ بمراحله الأولية وذلك حتى نقارن ونرى التكريم والتفضيل والذي أنعم علينا الله به وكيف إصطفانا وإختارنا وعمل على تقديمنا على سائر الحيوانات وعلى كثير مما خلق، وهذا تحد حقيقي لمخلوقاته أجمعين وإظهار وبرهان لعظمة قدرته وإبداعه وتجسيد رفيع لعلمه وحكمته والدليل على ذلك حين عرض خلقه الجديد اي آدم على الملائكة وإبليس وامتحنهم وذلك حتى يثبت لهم مدى هذا التحول العظيم الذي طرأ على هذا الإنسان المخلوق والذي تتحكم به وتقوده غريزة حيوانية قاتلة، فالخلق الاولي للإنسان لم يكن له دور اساسي فهو كان موجود ومخلوق حي ولكن ليس له حضور يُذكر، كان عضواً في هذه المملكة الحيوانية أي عالم الدواب، فهو دابة كباقي الدواب لا يفقه ولا يُدرك ولا يصنع المستحيل، متخلف لا ينتمي لأي مجتمع كان، فهو كان عاجز لأن يتطور أو يصنع المجتمعات البشرية ولم يكن يُجيد لغة الكلام أو النطق فهو لا يعقل ويفتقد للبصيرة والفؤاد، وكان منهمك بسفك الدماء والخراب والدمار والفساد فهو لا يُجيد الحضارة بل يجهل معانيها وحتى أشكالها ومظاهرها، فهو في بدائيته كان يفتقر للسمع (والمقصود الإدراك)، أي جهاز الإستقبال وفضل دوره في الإدراك والتمييز للقول وفهمه، وجهاز الأبصار ودوره في الإستدلال والتعرف بالوصف على المجسمات والماديات المحيطة به من مرئية أو محسوسة، أو للأفئدة وكيفية التعامل بواقعية مع الأحداث بالإضافة إلى صنع الخيال وإبتكار الجديد. فيخبرنا الله بهذا التحول العجيب الذي طرأ عليه، من حيوان لا يفقه شيئاً يرتقي إلى درجة من العلم وقدرة على العمل لا ينكرها عليه الله بل ويجزيه على ذلك بقبوله في ملكوته وجنانه ويدخله في عباده، هذا الحيوان المتحول نراه يغوص في الأرض وتحت الماء ويطير بالفضاء ويبني الحضارة والمدنية ويرتقي بالمفاهيم الإنسانية ويعمر الأرض، قصة عجيبة تحكي مسيرة فذة من فقر مفقع إلى غنى باهر، هذا الفقر للطبيعة البشرية بأدنى مظاهرها البدائية إلى غنى للنفس وتطورها وإرتقائها إلى اقصى الحدود، فلقد كان قد عجز الإنسان الأول نتيجة خلقه المتدني عن التقدم والنمو الحضاري فهو لم يتسلح بالذكاء والمعرفة والعلوم والأهم لم يُخلق بيد الله تعالى نفسه وبالتالي فلقد كان قد حكم نفسه المتدنية بغريزتة الحيوانية البائسة وعاش بها كباقي الدواب، فكان عالمه البدائي الحيواني لا يسوده الأمن والإستقرار بل الوحشية وشريعة الغاب والفساد.
وعاش الإنسان ملايين السنين دون أن يكون له وجود يُذكر أو يُحمد عليه وفجأة غاب الإنسان الحيوان عن الوجود لفترة من الزمان قبل أن تم الإعلان عن التجديد من الخالق نفسه، فلقد خلق الله شيئاً عجبا، فالبديل والخليفة قد حضر بثوب جديد وفيه تم إعادة بناء كُلي للبناء القديم، وبّشر الله بحضور المثيل، لحظات من الذهول والعجب والتساؤل إمتلكت الملائكة، فدهشوا حين أخبرهم الله تعالى بأن هذا الصنف الإنساني المتخلف والمخلوق من الطين الصلصال لم يكن مقتصراً على ما خلق من قبل من الإنس (الإنسان الأول) بل فلقد خلق الإنسان البشر (آدم) من نفس هذا الطين ذاته، ولكن حين قدمه للملأ الأعلى احاطه بالبشرى لخلافة الأرض وحُكمها وعرّف عليه بالبشر، فالخلق الجديد أصبح يغطيه الجلد، فهو مغطى بالبشرة على سطح جسده الخارجي على عكس من الإنسان الأول المنقرض والذي كان يغطيه الشعر أو هكذا يعتقد العلماء والباحثين المتخصصين في علوم الأركيولوجي والآثار، كما وأن البشرة هي السطح الجلدي الذي يغطي جسد الإنسان وإحدى المظاهر الجسدية الرئيسية والتي تميز وتفرق البشر عن الكثير من الحيوان.
أحبائي في الله، سنعمل على تقديم الأدلة على ما نذكره هنا عن طريق الإستعانة بالآيات القرآنية بشكل حصري ولن نعتمد الإرتجالية أو العفوية، وفي البداية اريد أن أذكر بقول الله تعالى،
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ. سورة يوسف 3.
وقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.) سورة يوسف 111.
عبدالله أحمد خليل – رسالة الله