المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [تقرير جاهز] الدولة العباسية ( مع الطلب )



النجمة الفضية
15-01-2012, 04:44 PM
المقدمة
تمثل الخلافة العباسية منعطفا مهما في التاريخ الإسلامي؛ نظرا لاتساع فترتها الزمنية وحدودها الجغرافية، وما مثلته من نهضة علمية فريدة في التاريخ البشري والأسباب التي أدعت إلى سقوطها
قامت الدولة العباسية على أنقاض الخلافة الأموية، وقد كانت جهود الدعاة العباسيين أحد العوامل الرئيسية في إ إسقاطها، وإقامة صرح الدولة العباسية على أيدي الموالي في خراسان خاصة.
انطلاق الدعوة العباسية من الكوفة وقيامها
اتخذت الدعوة العباسية من الكوفة مركزًا لها بصفة أن أنصار آل البيت فيها كثيرون, ومنها يمكن التوجه نحو خراسان والاتصال فيها بسهولة ويسر
قامت الدولة العباسية نتيجة التخطيط والسرية على أيدي سكان خراسان، سواء كانوا عربًا أم فرسًا أم تُركًا، وشكلٌ طبيعي أن يحصل هؤلاء على مراكز كبيرة ومناصب عالية في الدولة، وكان من جملة هؤلاء أعداد من الفرس ـ مع أنهم أقل من غيرهم ـ ما داموا يشكلون جزءًا من السكان، وبرز منهم فئة، وظن بعضهم أن الدولة أصبحت لهم ما دام منهم كبير القادة وهو أبو مسلم الخراساني، ثم لم يلبث أن حدث نزاع بينهم وبين الخلفاء العباسيين الذين لا يريدون أن يستأثر غيرهم بالسُّلطة سواءٌ أكان عربيًّا أم فارسيًّا أم تركيًّا, وكما تخلصوا من أبي مسلم الخراساني فإنهم قد تخلصوا أيضًا من عبد الله بن علي بن العباس الهاشمي عم الخليفة، وقائد الدولة،
الخلافة العباسية في عهد هارون الرشيد
تُعْتَبَر خلافة هارون الرشيد بداية عصر القوة في الدولة العباسية، ويشمل ذلك العصر خلافة ابنه المأمون، ثم المعتصم بن الرشيد، فالواثق بن المعتصم؛ حيث تميز هذا العهد بقوة السلطة المركزية، وبالتنظيمات الإدارية، والإصلاحات.
كما تميز أيضًا بالفتوحات العظيمة، وارتفاع شأن الخلافة الإسلامية، وصيرورتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وخضوع أقاليم الدولة لسيادتها - ما عدا الأندلس التي تمكن عبد الرحمن الداخل من الوصول إليها، وإقامة خلافة أموية هناك، ولم يستطع العباسيون المساس بجنابها -، وإِن حفل هذا العصر - عصر القوة - بعديد من الثورات التي استطاعت الخلافة القضاء على أكثرها، واستمر بعضها طوال عهد الدولة العباسية، كما جرى فيه صراع داخلي كبير على السلطة بين الأخوين: الأمين والمأمون وليي عهد الرشيد، وجرت بينهما الحرب التي أسفرت عن مقتل الأمين الذي اعتمد على العرب، وانتصار المأمون الذي اعتمد على الفُرس، وتولِّيه الخلافة.

ا لعصر العباسي الأول
مميزات العصر العباسي الأول:
*سيطرة شبه كاملة للفرس على الجهازين العسكري والإداري:
عندما قامت الخلافة العباسية كان للفُرس اليد العليا في قيامها وخاصة الخراسانيين، وقد سنحت الفرصة لهؤلاء للاستئثار بالسلطة وتولي الحكم، وساعد على ذلك شدة ميل العباسيين إلى الفرس، وإيثارهم بالمناصب المدنية والعسكرية، وقد أثار ذلك كراهية العرب بتقريب الفرس إليهم؛ لذا لا نعجب من انصراف العرب عن العباسيين، فقد دَبَّ في نفوسهم دبيبُ الكراهية لهم وللفرس الذي استأثروا بالسلطة دونهم؛ لممالأة العباسيين لهم واعتمادهم على ولائهم، فقامت الفتن والثورات في البلاد الإسلامية.
وكان من أثر ذلك الميل الذي أبداه العباسيون نحو الفرس وتلك الرعاية التي حاطوهم بها، أن أصبح نظام الحكم عند العباسيين مماثلاً لما كان عليه في بلاد الفرس أيام آل ساسان، قال "بالمر" في كتابه "هارون الرشيد": "ولما كان العباسيون يدينون بقيام دولتهم للنفوذ الفارسي، كان طبيعيًّا أن تسيطر الآراء الفارسية؛ ولهذا نجد وزيرًا من أصل فارسي على رأس الحكومة، كما نجد أيضًا أن الخلافة تدار بنفس النظام الذي كانت تدار به إمبراطورية آل ساسان".
كما اتخذ الخلفاء الموالي من الخراسانيين حرسًا لهم لاعتمادهم على ولائهم وإخلاصهم، واستبد هؤلاء الخلفاء بالسلطة، وتسلطوا على أرواح الرعية كما كان يفعل ملوك آل ساسان من قبل، وظهرت الأزياء الفارسية في البلاط العباسي.
وطبيعي أن يميل العباسيون إلى الفرس، الذين ساعدوهم على تأسيس دولتهم، وقاموا في وجه أعدائهم الأمويين، وإن مثل هذا الميل إلى الفرس، وتلك الكراهة التي أضمرها العباسيون للأمويين لتتمثل في تلك الخطب التي ألقاها داود بن علي وأبو جعفر المنصور وغيرهما، يشيدون فيها بمآثر الفرس، وما بذلوه من جهود في سبيل قيام الدولة العباسية.

*الوزارة:
عندما انتقلت الخلافة إلى العباسيين، اتخذوا نظم الحكم عن الفرس ومنها الوزارة، وكان أول وزير للعباسيين أبا سلمة الخلال، لكن معالمها لم تتحدد في عهده؛ ولأن الدعوة العباسية قد قامت على أيدي الفرس وبمساعدتهم فمن الطبيعي أن يكون وزراء العصر العباسي الأول من الأعاجم مثل: البرامكة وبني سهل، وعلى أيدي هؤلاء اكتسبت الوزرة شكلها النهائي في أواخر العصر العباسي الأول، وكان الوزير في أيام العباسيين:
ـ ساعد الخليفة الأيمن.
ـ نائبًا عنه في حكم البلاد.
ـ يعين الولاة.
ـ يشرف على الضرائب.
ـ يجمع في شخصه السلطتين: المدنية والحربية.
ـ صاحب المشورة التي يسترشد بها الخليفة.
وكان الوزراء في العصر العباسي الأول يتجنبون تسمية أنفسهم باسم "وزير"، على الرغم من قيامهم بأعمال الوزارة ومهامهم، فإليهم يرجع الفضل في ضبط أمور الدولة، ونشر لواء الأمن والعدل بين الرعية، ومَرَدُّ ذلك إلى تخوف الوزراء من الخلفاء بعد أن لقي البعض منهم حتفه على أيديهم, ولكن هذا لم يمنع الوزراء من الإقبال على اكتساب الألقاب المنسوبة إلى الدولة، مثل:
عماد الدولة، وعز الدولة، وركن الدولة.
وكانت الوزارة أيام العباسيين ضعيفة أمام قوة الخلافة، قوية كلما ضعفت الخلافة؛ لذا تطرق الفساد إلى منصب الوزارة في عهد الخليفة المقتدر 295- 320هـ/ 908- 932م لاتباعه سياسة خرقاء في تعيين وزرائه وعزلهم، حتى تقلَّد الوزارة في عهده اثنا عشر وزيرًا، عُزِل بعضُهم أكثر من مرة، وكان لضعف الوزراء في ذلك العصر وازدياد نفوذ القواد أن ضاعت هيبة الوزارة فلم يبق للوزراء شيء من النفوذ؛ فاقتصرت وظيفتهم على الحضور إلى دار الخلافة في أيام المواكب مُرتَدِين السواد متقلدين السيوف والمناطق وغيرها من شعارات الوزارة، وأصبح تعيين الوزراء وعزلهم بيد أمير الأمراء الذي هيمن على شئون الخلافة والوزارة والدولة جميعًا, وبخاصة في عصر البويهيين والسلاجقة.
الحركة العلمية
شهد عصر القوة العباسي نهضة علمية بالغة القوة والتنوع، ويتحدث الأستاذ "نيكلسون" عن النهضة الثقافية في العصر العباسي قائلاً: "وكان لانبساط رقعة الدولة العباسية ووفرة ثروتها، ورواج تجارتها أثر كبير في إنشاء نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل، حتى لقد بدا أن الناس جميعًا من الخليفة إلى أقل الأفراد شأنًا غدوا فجأة طلابًا للعلم، أو على الأقل أنصارًا للأدب. وفي عهد الدولة العباسية كان الناس يجوبون ثلاث قارات سعيًا إلى موارد العلم والعرفان؛ ليعودوا إلى بلادهم كالنحل يحملون الشهد إلى جموع التلاميذ المتلهفين, ثم يصنِّفون بفضل ما بذلوه من جهد متصل هذه المصنفات التي هي أشبه شيء بدوائر للمعارف، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم الحديثة إلينا بصورة لم تكن متوقعةً من قبل".

*اشتغال الموالي بالعلم:
مما يسترعي نظر الباحث في تاريخ الثقافة الإسلامية أن السواد الأعظم من الذين اشتغلوا بالعلم كانوا من الموالي، وخاصة الفرس، وكانت اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم بين المسلمين إلى أن أزال المغول الخلافة العباسية من بغداد في القرن السابع الهجري.

*

تقسيم العلوم:
لقد ميز كُتَّابُ المسلمين بين العلوم التي تتصل بالقرآن الكريم وبين العلوم التي أخذها العرب عن غيرهم من الأمم، ويُطلَق على الأولى: العلوم النقلية أو الشرعية، وعلى الثانية: العلوم العقلية أو الحكمية، ويطلق عليها أحيانًا علوم العجم، أو العلوم القديمة. وتشمل العلوم النقلية: علم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الحديث، والفقه، وعلم الكلام، والنحو واللغة، والبيان، والأدب. وتشمل العلوم العقلية: الفلسفة، والهندسة، وعلم النجوم، والموسيقى، والطب، والكيمياء، والتاريخ، والجغرافيا.
وفي العصر العباسي الأول اشتغل الناس بالعلوم الدينية، وظهر المتكلمون, وتكلم الناس في مسألة خلق القرآن، وتدخل الخليفة المأمون في ذلك؛ فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته، ولهذا عاب الناس عليه تدخله في الأمور الدينية، كما عابوا عليه تفضيله علي بن أبي طالب على سائر الخلفاء الراشدين، وذهب البعض إلى أن المأمون أراد بعقد هذه المجالس إزالة الخلاف بين المتناظرين في المسائل الدينية، وتثبيت عقائد من زاغوا عن الدين، وبذلك تتفق كلمة الأمة في المسائل الدينية التي كانت مصدر ضعفهم، وكان "المأمون" يميل إلى الأخذ بمذهب المعتزلة؛ لأنه أكثر انفلاتًا من الشرع، وأكثر اعتمادًا على العقل في الأمور التي لا يصل إليها، فقرَّب أتباع هذا المذهب إليه؛ ومن ثَمَّ أصبحوا ذوي نفوذ كبير في قصر الخلافة.
أ- العلوم النقلية:
1ـ علم القراءات:
ومن العلوم التي اشتغل بها العباسيون علم القراءات، ويعتبر المرحلة الأولى لتفسير القرآن. وقد وجدت سبعة طرق في القراءات، تمثل كل طريقة منها مدرسة معترف بها ترجع قراءتها إلى إمام ترتبط باسمه، ويرجع أغلب الاختلافات في القراءات إلى رجال موثوق بهم ممن عاشوا في القرن الأول كابن عباس، وعائشة، وعثمان صاحب القراءة وابنه أبان، وإلى قُرَّاء معترف بهم كعبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وهؤلاء قد أثنى عليهم التابعون وغيرهم.
ومن أشهر أصحاب القراءات في العصر العباسي الأول يحيى بن الحارث الذماري المتوفى سنة 145هـ/ 763م، وحمزة بن حبيب الزيات المتوفى سنة 156هـ/ 773م، وأبو عبد الرحمن المقرئ المتوفى سنة 213هـ/ 829م، وخلف بن هشام البزار المتوفى سنة 229هـ/844م.
2ـ التفسير:
اتجه المفسرون في تفسير القرآن اتجاهين: يعرف أولهما باسم التفسير بالمأثور: وهو ما أُثِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة رضوان الله عليهم، ويعرف ثانيهم باسم التفسير بالرأي: وهو ما كان يعتمد على العقل أكثر من اعتماده على النقل، ومن أشهر مفسري هذا النوع المعتزلة والباطنية.
على أن النوع الأول من التفسير وهو التفسير بالمأثور، قد اتسع على مر الزمن بما أدخل عليه من آراء أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام، والذين كانت لهم آراء أخذوها عن التوراة والإنجيل مثل: كعب الأحبار اليهودي، وعبد الله بن سلام، وابن جريج، ولقد كان إسلام هؤلاء فوق التهمة والكذب, ورفعوا إلى درجة أهل العلم الموثوق بهم.
أمَّا الطريقة المنظمة في تفسير القرآن فإنها لم تحدث إلا في العصر العباسي، فقد روى "ابن النديم" في "الفهرست": "أن عمر بن بكير كان من أصحاب الفرَّاء صاحب كتاب (معاني القرآن) المتوفى سنة 207هـ/ 823م, وكان منقطعًا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفرَّاء: إن الأمير الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولاً، أو تجعل في ذلك كتابًا أرجع إليه فعلت. فقال الفراء لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي عليكم كتابًا في القرآن. وجعل لهم يومًا، فلما خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس في الصلاة، فالتفت إليه الفراء فقال له: اقرأ. وبدأ بفاتحة الكتاب ففسرها، ثم استوفى الكتاب كله، فيقرأ الرجل، ويفسر الفراء، فقال أبو العباس: لم يعمل أحد قبله مثله، ولا أحسب أن أحدًا يزيد عليه".
3ـ الحديث:
ومن أهم مصادر التشريع الإسلامي "الحديث"، وهو ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عيه وسلم من قول أو فعل أو تقرير لشيء رآه، ويأتي في الأهمية بعد القرآن الكريم.
وكانت دراسة علوم القرآن الكريم باعثًا قويًّا على ظهور علوم الحديث الشريف؛ وذلك لأنه يفصل ما أجمله القرآن الكريم، ويفسر ما يصعب على الناس فهمه، فقد شرح الحديث الكثير من الآيات القرآنية، ولم يُدوَّن الحديث الشريف تدوينًا شاملاً منظمًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, وفي عهد صدر الإسلام. ويُروَى أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن تدوين الحديث حتى لا يختلط بالقرآن الكريم حيث قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
وقد ظهرت بدايات تدوين الحديث الشريف في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي كلف بعض من يثق بهم من علماء الحديث بجمعها، فقال لأبي بكر بن محمد بن حزم (ت120هـ/ 738م) عندما كلفه بهذه المهمة ما نصه: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة ماضية، أو حديث عمرة فاكتبه؛ فإني خشيت دروس العلم، وذهاب أهله".
فكتب الأحاديث في دفاتر، وأُرْسِلَتْ منها نسخ إلى أنحاء الدولة الإسلامية.
وشهد علم الحديث في القرن الثالث الهجري نشاطًا كبيرًا عندما اتسعت حركة الجمع, واستقر نقد الحديث للتمييز بين الصحيح والضعيف، وجمعت الأحاديث في كتب خاصة، وأفردت عن الشروح الفقهية، فظهرت المصنفات الصحيحة وأشهرها صحيح البخاري (ت256هـ/870م)، وصحيح مسلم (ت261هـ/ 875م)، وسنن ابن ماجه (ت273هـ/887م)، وسنن أبي داود (ت275هـ/ 889م)، وجامع الترمذي (ت279هـ/ 893م)، وتسمى هذه الكتب (بالصحاح الستة)، وأشهرها توثيقًا صحيحا البخاري ومسلم.
4- الفقه:
كان اختلاف أئمة الفقه في بعض النصوص الفقهية، واستنباط الأحكام منها قد أدى إلى تعدد المذاهب الفقهية، واشتهر من هذه المذاهب أربعة هي: مذهب مالك إمام أهل الحجاز، وزعيم الفقهاء الذين يأخذون بطريقة أهل الحديث. ومذهب أبي حنيفة إمام أهل العراق، وزعيم الفقهاء الذين يأخذون بطريقة الرأي والقياس. ومذهب الشافعي وكان يسير أولاً على طريقة أهل الحجاز، ثم جعل مذهبه وسطًَا بين الطريقتين. ومذهب أحمد بن حنبل، وكان من كبار المحدثين، واختص هو وأصحابه بالمذهب الحنبلي الذي يبعد عن الاجتهاد؛ مما أدى إلى قلة عدد المتمسكين بمذهبه.
* ظهور المدارس الفقهيه
ظهرت في ميدان الفقه مدرستان: مدرسة أهل الحديث في المدينة وعلى رأسها الإمام مالك الذي كان يأخذ بمبدأ التوسع في النقل عن السنة، ومدرسة أهل الرأي في العراق وعلى رأسها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المولود بالكوفة سنة 80هـ/ 700م، ومات ببغداد سنة 150هـ/ 767م. وقيل: إنه حج وهو في السادسة عشرة من عمره مع أبيه، وشهد عبد الله بن الحارث أحد الصحابة يحدّث بما سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روي أيضًا أنه سمع مالك بن أنس، وكان أبو حنيفة بجانب اشتغاله بالعلم يحترف التجارة؛ فيبيع الخز، ويجلس في الأسواق مما أكسبه خبرة عظيمة, وجعله يعرف حقيقة ما يجري في الأسواق من معاملات الناس في البيع والشراء.
وقد تعلم أبو حنيفة الفقه في مدرسة الكوفة، وأخذ عن عطاء بن أبي رباح، وهشام بن عروة، ونافع مولى عبد الله بن عمر، ولكنه أخذ أكثر علمه عن أستاذه حماد بن أبي سليمان الأشعري، وكان أبو حنيفة يتشدد في قبول الحديث، ويتحرَّى عنه وعن رجاله.
5- علم الكلام:
من العلوم التي اشتغل بها العباسيون علم الكلام، ويقصد به الأقوال التي كانت تُصاغ على نمط منطقي أو جدلي للدفاع عن عقيدة المتكلم، كما يسمى المشتغلون بهذا العلم "المتكلمين"، وكان يطلق هذا اللفظ أول الأمر على من يشتغلون بالعقائد الدينية، غير أنه أصبح يطلق على من يخالفون المعتزلة ويتبعون أهل السنة والجماعة.
وكان من أثر ذلك أن أخذت كل فرقة تدافع عن عقيدتها، وتعمل على دحض الأدلة التي وردت في عقائد مخالفيها، وكانت المناظرات تعقد بين المتكلمين في قصور الخلفاء، وفي المعاهد الدينية كالمساجد، وغير الدينية كبيوت الحكمة. ومن أشهر المتكلمين: واصل بن عطاء، وأبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام، وعمرو بن بحر الجاحظ، وبشر بن غياث، وثمامة بن أشرس.
6- النحو:
نشأ علم النحو في البصرة والكوفة اللتين صارتا من أهم مراكز الثقافة في القرن الأول الهجري، وفي هاتين المدينتين كانت تقيم جاليات عربية تُنسَب إلى قبائل عربية مختلفة ذات لهجات متعددة، وآلاف من الصُّنّاع والموالي الذين كانوا يتكلمون الفارسية، ومن ثَمَّ تعرضت العبارات العربية السليمة إلى شيء غير قليل من الفساد, ودعت الضرورة إلى تقويم اللسان العربي؛ حتى لا يتعرض القرآن الكريم للتحريف، وكان أبو الأسود الدؤلي أول من اشتغل بالنحو في عهد الأمويين، وقد قيل: إنه تلقى أصول هذا العلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن علماء البصرة المبرزين في العصر العباسي الأول أبو عمرو بن العلاء (ت 153هـ/770م)، والخليل بن أحمد (ت 174هـ/ 791م) واضع علم العروض، وصاحب كتاب "العين" الذي يُعتَبر أول معجم وُضِعَ في اللغة العربية, وسيبويه الفارسي، ويعرف كتابه باسم "كتاب سيبويه"، والمبرد صاحب كتاب "الكامل"، ومن أشهر علماء الكوفة الكسائي الذي عهد إليه هارون الرشيد بتهذيب ابنيه الأمين والمأمون، وتلميذه الفراء المتوفى سنة 207هـ/ 823م.
ويعدّ الرؤاسي (ت235هـ/ 850م) مؤسس مدرسة الكوفة ورأس علمائها، قد غلبت عليه الناحية الصرفية التي اهتم بها الكوفيون, وتقدموا بها على أهل البصرة حتى عَدَّهم المؤرخون الواضعين لعلم الصرف.
وعندما تأسست مدينة بغداد وانتقلت الحركة العلمية إليها تكونت فيها مدرسة جديدة للنحو وقفت بين مدرستي البصرة والكوفة، وشجع الخلفاء العباسيون المناظرات العلمية بين علماء المدرستين، وأشهرها مناظرة الكسائي إمام الكوفة وسيبويه إمام البصرة، وفيها تغلب الكسائي فكان ذلك فوزًا لمدرسة الكوفة في بغداد، وقد أدى الخلاف بين المدرستين إلى بلورة علم النحو.
7- الأدب:
لقد شهد العصر العباسي ثورة ضخمة في الشعر، وظهر كثير من الشعراء الذين نهجوا بالشعر مناهج جديدة في الموضوعات والمعاني والأساليب والألفاظ حتى فاقوا في كل ذلك من سبقهم من الشعراء الإسلاميين والمخضرمين والجاهليين، ونشأت فيه أغراض لم تكن موجودة من قبل، وذهبت أخرى؛ فقد ضعف الشعر السياسي والحماسي والغزل العذري، وقوي شعر المدح والرثاء، وازداد الشعر الحكمي، وظهر الشعر الزهدي والصوفي والفلسفي والتعليمي والقصصي، وأسرف الشعراء المتأخرون في استعمال ضروب البديع من جناس وطباق، واهتموا بتزويق اللفظ.
وقد ازدهرت الحركة الشعرية والأدبية في العصر العباسي بفعل عملية الامتزاج بين المجتمعات والعناصر المختلفة وانتقال الثقافات الأجنبية عن طريق الترجمة، وتبلور الخلافات السياسية والمذهبية بين الفرق الإسلامية مع بعضها البعض من جهة، ومع غيرها من جهة أخرى، فضلاً عن تشجيع الخلفاء والحكام للشعراء في بغداد والمدن الأخرى، ولمع في سماء الأدب العباسي شعراء عديدون كبار أمثال: بشار بن برد (ت168هـ/ 785م)، وأبي نواس (ت198هـ/ 814م)، وأبي تمام حبيب بن أوس الطائي (ت228هـ/ 843م).
(أ) الشعر




نال الشعر من الاهتمام ما لم ينله أي لون أي لون من ألوان الأدب العربي؛ لما عرف عن صلة العرب بالشعر، فقد قيل: "الشعر ديوان العرب". وكان الشعر والأدب ينقل شفهيًّا منذ العصر الجاهلي رغم ضياع أكثره، وفي إطار هذا الجهد التدويني للشعر الجاهلي ظهرت مجموعات شعرية مهمة كالمعلقات والمفضليات والأصمعيات، فالمعلقات هي أقدم ما بقي لنا من مجموعات الشعر الجاهلي، وهي سبع قصائد طوال لسبعة من شعراء الجاهلية المشهورين، جمعها حماد الراوية (ت156هـ/ 773م) وسماها المعلقات، والمفضَّليات هي المجموعة الشعرية الثانية للمفضل بن محمد الضبي الكوفي (ت164هـ/ 781م)، والأصمعيات لعبد الملك بن قُرَيْب الأصمعي (ت216هـ/ 831م)، وهناك مجموعات شعرية أخرى كديوان الحماسة لأبي تمام (ت231هـ/ 846م)، وطبقات الشعراء لابن سلام (ت231هـ/ 846م)، وغيرها من المصنفات التي دونت أهم ما حفظته ذاكرة الرواة من الشعر الجاهلي بعد الإسلام؛ فصانته لنا من الضياع.
وكان للفرق الدينية كالشيعة والمعتزلة التي نشأت في القرن الأول الهجري، ونمت في العصر العباسي الأول، شعراء يدافعون عن مبدئِهم, ويحفزون أتباعهم لمقاومة كل اعتداء يحيق بهم من خلفاء ذلك العصر.
وقد حفَّزت الانتصارات المتوالية التي ظفر بها الخلفاء العباسيون على الروم كثيرًا من الشعراء إلى إنشاد القصائد الرائعة للإشادة ببطولتهم, وما أحرزوه من نصر وظفر في سبيل دفع خطر الأعداء عن المسلمين. من ذلك ما قاله أبو العتاهية في مطلع قصيدته التي نظمها على أثر انتصار الرشيد على الروم في هرقلة:
ألا نادت هرقلة بالخرابمن الملك الموفق بالصواب
ومدح أبو تمام الخليفة المعتصم على أثر انتصاره في عمورية بقصيدته التي قال فيها:
فتح الفتوح تعالى أن يحيط بهنظم من الشعر أو نثر من الخطب
(ب) النثر:
أمّا النثر فلم يكن أقل ثراءً وخصبًا من الشعر، فقد بدأ النثر في صدر الإسلام بسيطًا مباشرًا موجز العبارة، وبأشكال عديدة منها: الرسائل والخطب والأحاديث والأمثال والقصص، وبتقدم الحياة الاجتماعية والعقلية تقدم النثر وتنوعت موضوعاته، وتعددت فنونه؛ فظهرت صنعة الكتابة، ومن أبرز الكُتَّاب "عبد الحميد الكاتب" الذي يُعتَبَر شيخ صناعة الكتابة، والذي قيل فيه: بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد.
حركة التعريب والترجمة والتأليف
ـ التعريب: نقل الكتب والنصوص من لغة أجنبية إلى اللغة العربية.
ـ الترجمة: نقل الكتب وترجمتها من لغة إلى لغة أخرى.
ففي عصر المأمون (عصر الازدهار العلمي) أصبحت بغداد أعظم منارة للعلم والمعرفة في العصور الوسطى، وكان التعريب من كل اللغات، وقدم لكل مترجم قُبالة كل كتاب عرَّبه زنته ذهبًا.
وعندما انتصر المأمون على تيوفيل ملك الروم سنة 215هـ/ 831م علم بأن اليونان كانوا قد جمعوا كتب الفلسفة من المكتبات، وألقوا بها في السراديب عندما انتشرت النصرانية في بلادهم، فطلب المأمون من تيوفيل أن يعطيه هذه الكتب مكان الغرامة التي كان قد فرضها عليه؛ فقبل تيوفيل بذلك وعدَّه كسبًا كبيرًا له لنجاة أمته من أدران الفلسفة اليونانية العقيمة الفاسدة. أمّا المأمون فعدَّ ذلك نعمة عظيمة عليه، بينما كانت – في الواقع – نقمة كبيرةً على المسلمين؛ إذ تسببت تلك الكتب في إشغال المسلمين بالجدل فيما لا طائل وراءه، بل أدخلت في الإسلام عقائد وثنية مما كان يؤمن به فلاسفة الملل الأخرى كعقيدة الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، والعقول العشرة، وغيرها.
ومن المترجمين في هذه الفترة شيخ المترجمين حنين بن إسحاق، وثابت بن قرَّة، والحجاج بن مطر.
ضعف وسقوط الخلافة العباسية
كان هذا هو الوضع في عصر القوة في الخلافة العباسية، وكانت هذه هي سماته، وقد انقلب الوضع في عصر الضعف، وهو الذي يشمل بقية خلفاء الدولة حتى سقوط بغداد عاصمة الخلافة على أيدي التتار، وقتل الخليفة المستعصم عام 656هـ/ 1258م. فما أهم سماته؟
إن من أهم سمات عصر الضعف بالخلافة العباسية ما يلي:
1- سيطرة القادة والجند الترك على الخلفاء:
إذا كان عصر القوة العباسي الأول قويًّا فلم تقم فيه سيطرة عسكرية أو زعامة ذات قوة تعتمد عليها في حكمها للمنطقة، وإذا ما تمَّ وحدَّثت نفسُ بعض القادة بذلك فقد كان يُقضَى عليها بسرعة، وهذا ما حدث لعبد الله بن علي، وأبي مسلم الخراساني، ولم تقم في ذلك العصر سوى دولة واحدة هي دولة الأغالبة في تونس، إذ كان إبراهيم بن الأغلب أمير المنطقة، واعتمد على نفوذه، وجنده فأسس دولته، وسكت عنه العباسيون لتقف إمارته هذه في وجه الإمارات الأخرى الخارجة على العباسيين، والمخالفة لهم، وهي إمارات الخوارج في "تاهرت" و"سِجِلْماسة"، وإمارة الأدارسة في المغرب الأقصى في فاس، ودولة الأمويين في الأندلس، وبهذا فلم تقم سوى دولة واحدة في عصر القوة العباسي اعتمدت على الجند.
2- انغماس المجتمع في الترف:
بينما كان العصر العباسي الأول عصر فتوحات عظيمة، وتوسعت بالدولة إلى آفاق غير متخيَّلة، وأصبح المستوى المادي طاغيًا؛ ويبدأ المجتمع في التمتع بثمارها، وبالنعيم الدنيوي الذي صنعه لهم المال الوفير، ووفرته لهم القصور الشاهقة، والحدائق الغنَّاء، والجواري الحسان؛ فانزلقوا إلى اللهو والمجون والفساد، وازدهرت صنعة الغناء بدل الجهاد، وصار المغنون أشهر من العلماء، وطغى حب الدنيا في القلوب، وكان من الطبيعي - والحال هكذا - أن تتوقف الفتوحات، ويركن الناس إلى الدنيا؛ فيصير الأمر إلى زوال.
وقد نشأ على إثر حالة المجون هذه حركة مضادة تدعو للزهد في الدنيا ومتاعها، برز فيها الشاعر الكبير أبو العتاهية، لكن موجة الفساد كانت طاغية؛ فغمرت الدولة العباسية حتى أسقطتها، كما أسقطت من قبلُ الإمبراطورية الفارسية.
3- ازدهار الشعوبية:
الشعوبية قوم متعصبون ضد العرب مفضِّلون عليهم العجم، ظهرت دعوتهم بعد عصر الخلفاء بدخول أجيال كثيرة من الفرس والترك والنبط في خدمة الدولة الإسلامية، فنشأت العداوات بين العرب أصحاب الدولة، وبين العجم الذين انتحلوا الإسلام، وكما حدثت هذه المفاضلة بين العرب والعجم، حدثت أيضًا بين العرب أنفسهم في صيغة أخرى، وهي: قيس ويمن، هذا مع أن هدي الكتاب العزيز يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[1]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"[2].
4- الحركات الانفصالية:

فقد نشأت دويلات في مشرق الدولة الإسلامية إضافة إلى ما نشأ في مغربها؛ فقامت في المشرق الإسلامي دول انفصالية منها الدولة الطاهرية (205- 259هـ/ 821- 872م)، والدولة الصفارية (254- 298هـ/ 868- 911م)، والدولة السامانية (261- 389هـ/ 875- 999م).
وكذلك زادت الدول المستقلة في مغرب الدولة الإسلامية وخاصة في مصر، فقد قام المماليك بتأسيس دول لهم في مصر مثل: الدولة الطولونية (254- 292هـ/ 868- 904م)، والدولة الإخشيدية (323- 358هـ/ 934-968م)، والدولة الفاطمية في بلاد المغرب ومصر (297- 567هـ/ 909- 1171م).
وظهرت دول أيضًا في وسط الدول الإسلامية، فقد قامت الدولة الحمدانية في الموصل (317- 380هـ/ 929- 990م)، وفي حلب (333ـ 394هـ/ 944- 1003م).
وأخيرًا يمكن القول: إن وجود هذه الدويلات إنما يعود إلى الضعف الذي أصاب الدولة العباسية،

النجمة الفضية
15-01-2012, 04:45 PM
شو رأيكم؟؟؟؟؟؟
:(4):