المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعاني الراااااائعة في حادثة الهجرة



المحارب الشجاع
10-12-2010, 11:09 AM
من المعروف أن الألفة تذهب العجب ، ونحن لا نعجب لطيران بيت ضخم
من الحديد والفولاذ ، ولا لنطق صندوق صغير من المعادن والأسلاك
لأننا ألفناه وعرفناه مع أن ذلك عجيب في ذاته ، وفوق العجيب ...
وكذلك نحن حين نقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
نمر بخبر الحادث المدهش ( الهجرة ) فلا نكاد من ألفتنا إياه
وتكرار سماعه ، نفكر فيه ، أو نُدهش منه ......
ولو سمعنا الآن أن رجلا أميّا ، لم يدخل مدرسة ، ولم يحضر حلقة علم
ولم يتعلم القراءة ولا الكتابة ، وقام مع ذلك كله في قرية معتزلة
في صحراء واسعة ، ليُصلح وحده الدنيا كلها ويمنع الحروب منها
وينزع سلاح الدول القوية العاتية ، ويكلفها بأن تترك
دنياها وعتوها ، وأن تتبعه .....
لبلغت بنا الدهشة أبعد الغايات !
فكيف إذا سمعنا بعد بأن هذا الرجل تبعه نفر قليل من الضعفاء المساكين
وأنه حمل هو وهؤلاء النفر أشد أنواع الأذى الجسمي والنفسي
فثبت وثبتوا على ذلك كله ثباتا ليس له نظير في تاريخ البشر ....
وكيف لو سمعنا بان هذا الرجل قد نجح ، وأنه لم تمض على دعوته
ثلاثون سنة حتى خضعت له أقوى دولة في العالم اليوم :
أمريكا مثلا .. واتبعت ما جاء به وقبل به وتحمس له شعبها
حتى سبق في ذلك أتباعه الأولين !
وأن هذا الرجل الأمي الذي لم يتعلم قد جاء بكتاب هو دستور
وهو قانون مدني ، وهو قانون جزائي ، وهو قانون دولي
وهو مذهب أخلاقي ، وفيه تاريخ ، وفيه لفتات علمية عجيبة
وهو بعد ذلك مكتوب بأسلوب لا يمكن أن يجاريه إنسان أو أن يجيء بمثله ....
وأن هذه الدعوة لم يكن نجاحها فورة سريعة
ولا كانت كنار القش تشب في لحظة ، وتخمد في لحظة
بل كانت شيئا أخلد من الخلود ، وأبقى من الدهر
وأنها بعد ما مرّ عليها أربعة عشر قرنا من الزمان
وبعدما بلغت آفاق الدنيا ، لاتزال في نفوس أتباعها على القوة
التي كانت عليها في ابتدائها
ولا تزال على صفائها وطهرها كلما علقت بها أوضار الزمان
انتفضت انتفاضة فعادت كما كانت ....
كم يكون عجبكم من هذا الرجل لو ظهر مثله من جديد ؟؟!!
نزل عليه جبريل ، وهو منفرد في جبل قفر
في قرية صغيرة متوارية في واد ضيق
وراء الرمال المحرقة ، والصحراء المهلكة ...
في قرية لم تسمع بها رومة ولم تحس بها القسطنطينية
ولم تبال لها مدائن كسرى فقال له :
انهض أيها الرجل
قف وحدك في وجه قريش فاكسر أصنامها
وحطم آلهتها ، ثم ابدل العرب بانقسامهم وحدة وجهلهم علما
واجعلهم أساتذة العالم وحملة لواء الحضارة ...
وكانت ياسادة محن شداد ... وكانت أهوال ..
ولكن محمدا احتمل مالا تحتمله الجبال ... واستمر هذا كله
لايوما ولا يومين ، ولا اسبوعا ولا شهر .. بل سنوات طوال ..
ولو أن رجلا غير محمد لقال :
حسبي .. لقد عملت ما عليّ
وبذلت الجهد ، فإذا النجاح مستحيل ..
وقد آن لي أن أنسحب !!
ولكن الانسحاب لا مكان له في منهج محمد ..
وكلمة مستحيل لا وجود لها في معجمه
وإذا لم ينجح في مكة فلينتقل إلى غيرها .. فإن الدعوة للدنيا كلها ...
وبلغ الطائف وقصد سادة ثقيف الثلاثة لعله يلقى عندهم
مالم يلق عند زعماء مكة وبدأ يعرض عليهم دعوته
فإذا أولهم يقول :
أنا أمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك !
وقال الثاني :
أما وجد الله أحد يرسله غيرك !
وقال الثالث :
أنا لاأكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول
لأنت أعظم من أرد عليك الكلام
ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي ان أكلمك !!
فقال لهم :
أما إن رفضتم ماجئت به فاكتموه عني ...
لجأ إلى نبلهم بعد أن يئس من عقلهم ...
فما كانوا نبلاء بل أغروا به السفهاء والعبيد يسبونه
ويصيحون به حتى أخرجوه إلى طرفة البلدة ..
وهنا بلغ الهول منه مبلغه فدعا عليه الصلاة والسلام دعاء
ماتلوته مرة إلا فاض الدمع من عيني ..
قال : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي
وهواني على الناس
يا أرحم الراحمين
أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟
إلى بعيد يتجهمني ! أم إلى عدو ملكته امري !
إن لم يكن بك غضب عليّ فلا ابالي
ولكن عافيتك أوسع لي ....
ها هو قد جرب الدعوة في مكة وفي الطائف فلم ينجح
وصبر ثلاث عشرة سنة ! فهل بعد هذا مجال للصبر !
ألا يُعذر لو ألقى السلاح بعد هذا كله وانسحب ؟
ولكن كلا ... إن قريشا بجهلها وحماقتها تريد أن تصد النور
عن الأرض كلها ، تريد أن تمنع الخير عن العصور القادمة
التي ستتلقى هذا النور ، تريد أن تمنع قيام
بغداد والقاهرة وجامع قرطبة ..
تريد أن تطمس الحضارة التي جاء يقيمها محمد
فتمتد من أقصى الغرب إلى آخر جاوة
فماذا يصنع محمد ؟؟
يهاجر ليفتح للدعوة بابا آخر تطل منه على الدنيا ...
وكان هذا الباب هو يثرب التي صارت به " المدينة المنورة "
وهاجر مختفيا مع صفيّه وخليله شيخ المسلمين أبا بكر ..
لم يختف من ضعف ولا جبن ، ولكنه كان
كالقائد المسافر ليدير المعركة الكبرى ..
نعم .. كانت تنتظر محمدا معارك أكبر
تنتظره بدر ، والفتح ، وهوازن ، والقادسية ، واليرموك
وجبل طارق ، ومعارك الفتح الإسلامي التي نثرت شهداء الحق
في كل أرض ، ونصبت راية العدل على كل جبل ..
ودخل المدينة .... لايرفرف على رأسه علم
ولايمشي وراءه موكب ، ولا يُقرع له طبل
ولكن ترفرف على رأسه راية القرآن
وتمشي وراءه العصور القوادم
ويخفق له قلب التاريخ ما بقي في الدنيا تاريخ ....
فيا أيها المسلم ....
تذكّر دائما أن الهجرة كانت الحد الفاصل بين الذلة والعزة
والخيبة والنجاح ، وأنها كانت الفصل الأول في كتاب
المكارم والمفاخر والأمجاد ..
وأن على المسلم كلما ضاقت به سبل النجاح في
حي أو بلد أو قطر ، أن يهاجر إلى حيث الظفر والعزة والحرية ...
وحيث ينادي المنادي :
لا إله إلا الله .... محمد رسول الله ....
فذلك وطـــن المسلم ....

موضوع نشرته في جروب وا إسلاماه عام 2003
منقول من كتاب ( نسيت إسمه حاليا )
بحثت عنه لقرب مناسبة الهجرة النبوية ،، والحمد لله
:(27):