المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منى عبد الكريم اليافعي: تعلّمت الصبر من المعاقين



عاشقة البسمة
10-07-2010, 12:48 AM
شعرت بانجذاب إليهم منذ اللحظة الأولى

منى عبد الكريم اليافعي: تعلّمت الصبر من المعاقين

حوار : دارين شبير


http://www.alkhaleej.ae/uploads/gallery/2008/12/18/28504.jpg

تحمل منى عبد الكريم اليافعي، مديرة معهد التربية الفكرية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، في داخلها هم المعاق الذي شعرت بانجذاب غريب نحوه منذ بداية دراستها الجامعية، لتضعه نصب عينيها وتهتم به اهتماما استحقت عليه جوائز عديدة. نشأت في بيئة تتميز بالثقافة والانفتاح على المجتمعات الأخرى، وبين أسرة رياضية من الدرجة الأولى، مرت بمواقف عديدة خلال فترة دراستها وعملها، منها المفرح والمحزن وما تفتخر به ومنها مالا تستطيع نسيانه أبدا. عن نشأتها ودراستها وعملها ومواقف عديدة حدثتنا منى عبد الكريم في هذا الحوار:

ما الذي يميز البيئة التي نشأت بها؟

نشأت في بيئة اجتماعية يسودها الحب والتعاون والتقدير، وبين أسرة مثقفة تحتوي أبناءها، ولطالما شعرت بأنني متميزة عن غيري في هذا الجانب. والدي رجل مثقف يعمل في مجال البترول ويختلط كثيرا بالأجانب، وهذا منحني الجرأة للتعامل مع الثقافات الأخرى، تربيت وإخوتي على احترام الناس على اختلاف ألوانهم ومكانتهم ومستوياتهم، وعلى الثقة التي تجبرنا على أن نمثل عائلتنا بأكملها وليس أنفسنا فقط. أسرتي رياضية من الدرجة الأولى، فأنا وأختاي فريدة وأمل نلعب الشطرنج، ومثلنا الإمارات في اليونان عام 1987م في هذه اللعبة قبل تخرجنا في المدرسة، كما حصلت أختي فريدة على بطولة الإمارات في لعبة الشطرنج عام 1986م، بحصولها على الميدالية البرونزية في الأولمبياد الذي أقيم في دبي في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن أخي يحيى كان حارس مرمى سابقاً في نادي الشارقة.

ما الدافع وراء دراستك التربية الخاصة؟

رغم أن رغبتي الأولى تتجه دوما نحو الإعلام، إلا أن حبي للخدمة الاجتماعية دفعني لدراسة التربية الخاصة الذي كان تخصصا جديدا في جامعة الإمارات في ذلك الوقت. ولم يكن الناس على علم بمفهوم الإعاقة، ما جعلني أتعرض لأسئلة كثيرة عن سبب اختياري لهذا التخصص، ولكن شيئاً بداخلي كان يجذبني نحو المعاقين، وحين زرت وزميلاتي مركز المعاقين في أبو ظبي لأول مرة تركت الكثيرات منهن هذا المجال، ولكن حبي لهم وتعلقي بهم جعلني أصر على إكمال مشواري الذي اخترته منذ البداية.

ماذا شعرت لحظة اختلاطك بالمعاقين للمرة الأولى؟

شعرت بانجذاب غريب إليهم، وأنهم بحاجة لي، وكنت متحمسة جدا في دراستي وأروي لعائلتي ما أدرس وما أصادف من مواقف خاصة خلال زياراتي لمراكز المعاقين.

كيف بدأت علاقتك مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية؟

قبل فترة تدريبي في المدينة كانت مجموعة من زميلاتي تتدرب فيها، فأحببت من باب الفضول أن أتعرف إليها عن قرب لأنني سأتدرب بها السنة المقبلة، ومن الوهلة الأولى أحببت المكان لدرجة أنني تطوعت بعد شهر التدريب المفروض علي شهراً آخر. ولشدة تعلقي أنا وزميلاتي بالمكان أخبرنا الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي، نائبة رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة مدير عام المدينة، برغبتنا في التطوع فيها.

وكيف وصلت إلى إدارة معهد التربية الفكرية؟

بدأت عملي في المدينة كمشرفة برامج تعليمية ومسؤولة عن الفصول والخدمات العلاجية في مركز التدخل المبكر لمدة 3 سنوات ونصف السنة، لتمنحني الشيخة جميلة القاسمي ثقتها الكبيرة باقتراحها أن أتسلم إدارة المعهد عام ،1997 وسعدت بثقتها وسعيت بكل جهدي لأن أكون عند حسن ظنها بي، وكان هدفي الأول في هذا المكان أن أطور الخدمات للأطفال المعاقين ذهنياً.

كيف اكتسبت أصول الإدارة؟

تعلمت أصول الإدارة الصحيحة من خلال تعامل الشيخة جميلة القاسمي معي ومع كل من حولها، فشخصيتها مميزة، واستيعابها الكامل لطبيعة عملنا والصعوبات التي نواجهها مع المعاقين وأسرهم كان أساسا لدعمنا بشكل كبير. لم تبخل علينا يوما بأي دورات سواء داخل الدولة أو خارجها، وكانت وما زالت تقدم لنا كل الدعم، ولذا فلم أواجه صعوبة في تولي إدارة المعهد، كما كانت تضع على عاتقنا مسؤولية المعاق وأسرته بشكل كامل وتردد دوما: “نحن أصحاب المشكلة ونحن من يجب عليه إيجاد الحل، ونحن المسؤولون في المقام الأول عن كل شيء، وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية”، وعبارتها هذه كفيلة بجعلي أقدر حجم المسؤولية الممزوجة بالثقة.

حصلت على عدة جوائز في مجال عملك، فما أبرزها؟

حصلت على جائزة الموظف المتميز عام ،2005 والتي كانت بترشيح من الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي لي، كما حصلت في العام نفسه على جائزة الأداء المتميز من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، بالإضافة إلى جائزة الموظف المتميز لحكومة الشارقة لعام 2007.

ماذا تمثل لك هذه الجوائز؟

رغم سعادتي بها إلا أنها مسؤولية كبيرة أحملها على عاتقي، لأن المتميز تجب عليه المثابرة وعدم الاكتفاء بما قدم، ويجب عليه الانجاز والإبداع ليكون على قدر المسؤولية، وهي ليست تشريفا بقدر ما تعد تكليفاً.

إلى من يعود الفضل في نجاحك؟

إلى والدي الذي دعمني بقوة، ووالدتي التي كانت تهتم بأطفالي في سبيل توفير جو ملائم للنجاح في عملي، والشيخة جميلة القاسمي التي لن أستطيع أن أوفيها حقها ما حييت، وزوجي الذي سار على نهج والدي في الدعم والتشجيع، وأختي فريدة التي كانت ترى بأن مجال عملي متميز عما سواه.

لننتقل إلى حياتك الأسرية، كيف تستطيعين التنسيق بين منزلك وعملك؟

أنا متزوجة ولدي أربعة أطفال، 3 أولاد وبنت، أكبرهم 9 سنوات وأصغرهم 3 سنوات ونصف السنة، وأحاول قدر الإمكان التنسيق بين منزلي وعملي، ولذا فحين أعود للمنزل أحاول التفرغ بشكل كامل لأطفالي فأتابع أمورهم الدراسية، كما أحاول إشراكهم معي في الأنشطة التي تقيمها المدينة وهذا يجعلني أقضي وقتا أكبر معهم كما يجعلهم على وعي أكبر بمفهوم الإعاقة وطريقة التعامل مع المعاقين.

وماذا عن زوجك؟

زوجي حنون ومتفهم لطبيعة عملي، وأراه نسخة أخرى من والدي من حيث الدعم، ودعمه الكبير لي يجعله يتابع الصحف ويبحث عن كل ما يتعلق بالتربية الخاصة وأمور المعاقين رغبة منه في التعرف إلى مجال عملي وتزويدي بكل ما يمكن أن يفيدني، كما يعطيني الحرية الكاملة للسفر حين تستدعي ظروف عملي ذلك ويرافقني في بعض الأحيان.

ماذا أضاف عملك مع المعاقين لشخصيتك؟

عملي مع المعاقين زودني بالصبر، وأشعرني بمعنى تحمل المسؤولية الكاملة لأشخاص لا يستطيعون تحمل مسؤولية أنفسهم، كما جعلني قادرة أكثر على استيعاب من أمامي والإحساس بمعاناته، وهذا ما تعلمته من تعاملي مع الأهالي، كما أضاف لي القدرة على حسن التصرف في مواقف حرجة تستدعي ذلك.

ما أكثر ما يحزنك ويثير رغبتك في البكاء؟

رؤية والد طفل معاق يبكي حزناً، وحسرة عليه.

ما أكثر ما يضايقك في عملك؟

أكثر ما يضايقني هو أن أقول لولي أمر إنه لا مكان لطفله في المعهد، فالمكان لدينا يجبرنا على الالتزام بعدد معين لا نستطيع تجاوزه وإلا أثر ذلك في مستوى جودة الخدمة، ولذا فحين أقول لأولياء الأمور ذلك أشعر بحسرة تحرق قلبي.

كيف ينظر مجتمعنا للشخص المعاق؟

الكثير من الناس في مجتمعنا ينظرون له نظرة خاطئة، منبعها أنه شخص عاجز عن التعلم والإبداع، ولكني أرى بأنه قادر على الإبداع والتعلم والتفوق على أقرانه من غير المعاقين، ورغم أن المجتمع أصبح أكثر وعيا من السابق فيما يخص الإعاقة الذهنية، إلا أن نظرته لا يزال فيها بعض القصور.

كيف تنظرين لمستقبل الطفل المعاق؟

تفعيل قانون الإمارات بالشكل السليم والصحيح يضمن حصول كل شخص معاق يعيش على أرض الإمارات على حقه كاملا.

وماذا تقصدين بتفعيل القانون بشكل سليم؟

تمتلك الإمارات قانوناً خاصاً للشخص المعاق، ووقعت اتفاقية تنص على حقوق المعاقين من حيث حقهم في الدمج والصحة والتعليم بالإضافة إلى حقوق أخرى، وهذه الاتفاقية لا تحتاج فقط إلا للتصديق حتى يحصل المعاقون على حقوقهم كاملة، فلو فُعّل القانون بطريقة صحيحة سيضمن ذلك حقوق الشخص المعاق، ويؤمن مستقبله.

ما الرسالة التي تتمنين توصيلها، ولمن؟

رسالتي أوجهها لكل مسؤول أطالبه فيها بتزويد دعمه للمعاق وأهله وتقديم كل مساعدة يستطيع من خلالها رسم بسمة وتخفيف معاناة، والمساهمة في توعية المجتمع بالمعاق وحقوقه لأن هذا واجبنا جميعا نحو الشخص المعاق.

مواقف ومفاجآت

تحفل حياة منى عبد الكريم بموافق ومفاجآت لا تنساها ومعظمها متعلقة بعملها تقول: مواقفي التي أفتخر بها لا بد أن يكون للشيخة جميلة القاسمي حضور فيها، فالموقف الذي أفتخر به دوما هو ترشيحها لي أنا وإحدى زميلاتي لنمثل المدينة في البحرين رغم أننا كنا طالبتين في الجامعة، وهذا دليل على ثقتها التي أتمنى أن أكون دوما جديرة بها. والموقف الذي أسعدني والذي لا أستطيع نسيانه هو مفاجأة الشيخة جميلة القاسمي لي بحفلة أقامتها لي بمناسبة تخرجي، إذ كنت متطوعة ذلك الوقت في مخيم الأمل، ولا أستطيع حتى الآن وصف سعادتي بتلك المفاجأة الرائعة.

ذقت معاناة الأمهات

هناك مواقف صعبة في حياة منى عبد الكريم مديرة معهد التربية الفكرية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، لكنها استطاعت تجاوزها بفضل ما تعلمته من خصال خلال عملها مع المعاقين. تقول عن أحد هذه المواقف: تعرض أحد أبنائي فجأة للإصابة بشلل العصب السابع حين كان عمره سنة و3 شهور، وهذا نوع من الشلل أصاب وجهه نتيجة انتقاله المفاجئ من الجو الحار إلى جو المنزل البارد، ونادراً ما تصيب هذه الحالة الأطفال، كنت وحدي معه ذلك الوقت، ورغم توتري حاولت الحفاظ على هدوئي الداخلي، واصطحبته للمستشفى، وبدأت مشواري مع الأطباء كما تفعل أمهات المعاقين مع أبنائهن، ترددت على مجموعة من أطباء الأعصاب والأطفال، الذين أخبروني أن هذا النوع من الشلل غالبا ما يستمر 3 أو 6 شهور أو سنة، فأصبحت أعد الأيام، وأقوم بالعلاج الطبيعي الذي نصحني به الأطباء، واجهت تلك الفترة نظرات الناس القاسية وأسئلتهم الكثيرة، ليعود كل شيء لطبيعته ويشفى طفلي بعد مرور 3 أشهر بفضل الله.

وتضيف: هذه التجربة العصيبة جعلتني أشعر بمعاناة الأمهات وزادتني قوة وتمسكاً بعملي أكثر، واستطعت من خلالها استيعاب الأمهات ومشاعرهن لأنني مررت بما مررن به بالتفصيل من شعور بالصدمة في بادئ الأمر، ثم التردد على الأطباء، بالإضافة إلى مشاعر كثيرة كالحزن والخوف والقلق على مستقبل أطفالهن.


http://www.alkhaleej.ae/portal/9e2f7...4c4024b07.aspx (http://www.alkhaleej.ae/portal/9e2f75c8-4b79-4d77-8e9c-3164c4024b07.aspx)